18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمارات في اليمن.. من دعم الشرعية إلى تقويض ملامح الدولة
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 05 - 2020

تزامنا مع الدعوات الغاضبة والمنددة بالعبث الذي تمارسه الامارات في اليمن، والذي كان آخره دعم وتمويل الانفصاليين في جنوب اليمن، نشر مركز الجزيرة للدراسات، ورقة بحثية للصحفي والباحث اليمني محمد الاحمدي، بعنوان « الإمارات في اليمن: من دعم الشرعية إلى تقويض ملامح الدولة» تناولت التغلل الاماراتي في اليمن، منذ دعم الثورة المضادة التي جاءت بالحوثيين في اعقاب الربيع العربي والثورة الشبابية السلمية في اليمن، وصولا إلى دخولها على خط الأزمة اليمنية، بعد مشاركتها في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وأعقب ذلك من تدمير لليمن وإنشاء واحتواء المتمردين الانفصاليين، وتقويض سلطة الشرعية، والهيمنة على الموانئ والجزر اليمنية، إلى جانب رعاية الاغتيالات السياسية والصفيات للشخصيات السياسية والدينية بمدينة عدن وعدد من محافظات الجنوب، التي تم بعضها بأيدي مرتزقة أجانب.
خبیر استراتیجي سعودي في لقاء تلیفزیوني:
الإمارات كانت الممول الرئیس للحوثیین وحلیفهم، صالح، من أجل اجتیاح العاصمة صنعاء، في سیاق الحرب على حزب الإصلاح في الیمن
ونظرا للأهمية التوثيقية لهذة الورقة البحثية، تعيد «أخبار اليوم» نشرها في هذا العدد. للاحاطة الشاملة بمجمل الدور المقيت الذي تقوم به الامارات في تقويض الدولة اليمنية.
مع انطلاق ثورات الربیع العربي وظهور مؤشرات تحول دیمقراطي، أخذت دولة الإمارات على عاتقها مسؤولية وأد طموحات التغییر، وتجلى موقفها في الحرب على كل مظاهر الحراك السلمي، متبنیةً دعم ما بات یُعرف ب»الثورات المضادة»، بما في ذلك الانقلاب في الیمن.
استخدمت الإمارات وسائل عدة في حربها على مطالب التغییر، بدءًا بحملات تشویة للقوى والكیانات المحسوبة على تیار الإسلام السیاسي مرورًا بتصنیف قیادات سیاسیة بارزة في قوائم الإرهاب، وصولًا إلى التدخل العسكري المباشر، ودعم أداوت محلیة، لإلحاق أكبر قدر ممكن من الهزائم ضد الإسلامیین بخاصة القوى والتیارات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمین.
في الیمن، تضافرت عوامل عدة أخرى، دفعت الإمارات للانخراط بدور محوري فاعل في رسم المشهد الدامي في البلاد، فإلى جانب الرغبة في وقف ریاح التغییر، ووأد مطالب التحول الدیمقراطي، والقضاء على قوى الإسلام السیاسي التي كان لها دور بارز في الثورة السلمیة في الیمن، ثمة طموح جامح لدى أبوظبي لتوسیع نفوذها الإقلیمي على خطوط إمدادات الطاقة عبر البحر الأحمر ومضیق باب المندب، والعودة إلى میناء عدن الاستراتیجي، لاسیما بعد إعلان جیبوتي إلغاء عقد الامتیاز الممنوح لمجموعة «موانئ دبي العالمیة» واستعادة إدارة میناء دورال، وإعلان سلطات «أرض الصومال» وقف أعمال بناء مطار القاعدة العسكریة الإماراتیة في بربرة الاستراتیجي.
وجدت الإمارات فرصة سانحة في التحالف الذي تقوده السعودیة للعب دور أساسي في العملیات العسكریة المشتركة في الیمن، مستفیدة من انشغال القیادة السعودیة في ترتیبات بیت الحكم داخل العائلة المالكة، وعملت أبوظبي بدینامیكیة على تعزیز حضورها في المشهد الیمني خلال خمس سنوات وإعادة ضبط مسار الأحداث في ضوء أجندتها المرسومة في البلاد. أوجدت الإمارات میلیشیات تابعة لها في جنوب الیمن، واستطاعت السیطرة على أهم الموانئ (رویترز) في هذه الورقة، نحاول قراءة العدید من المحطات التي تسلِطّ الضوء على الدور الإماراتي خلال خمس سنوات من الحرب في الیمن وملامح استراتیجیتها في هذا البلد الذي یشهد أكبر مأساة إنسانیة في التاریخ الحدیث.
فوبیا الربیع ودعم الثورات المضادة
في التاسع من فبرایر/شباط الماضي ( 2020 )، خلال حفل استقبال القوات المشاركة في العملیات العسكریة في الیمن، بحضور حشد من كبار رجال الدولة داخل قاعة مؤتمرات فخمة، یتقدم الصفوف ولي عهد أبوظبي، محمد بن زاید، وقف الفریق الركن، المهندس عیسى سیف بن عبلان المزروعي، نائب رئیس أركان القوات المسلحة الإماراتیة، أمام الحشد وأدى التحیة العسكریة ، ثم ألقى كلم ة تحدث فیه ا عن نقاط لا تمثل إحاطة شاملة ولكنها عناوین بارزة للاستراتیجیة العسكریة لدولة الإمارات في الیمن، ضمن التحالف الذي تقوده السعودیة هناك بحجة دعم الحكومة الشرعیة منذ مارس/آذار 2015.
قال المسؤول العسكري الإماراتي: إن الإمارات بعد خمس سنوات من الحرب في الیمن تحولت من استراتیجیة الاقتراب المباشر إلى استراتیجیة الاقتراب غیر المباشر، والتي ستنفذها القوات الیمنیة التي تم تشكیلها وتدریبها وتجهیزها ویقُدرَّ قوامها بأكثر من 200 ألف جندي، مؤكدًا أن القوات الإماراتیة قاتلت في الیمن ثلاثة أعداء في آن واحد، هي: الانقلاب الحوثي، والإخوان المسلمون وطابورهم الخامس، والإرهاب القاعدي والداعشي.
السؤال الذي ظل یردده العدید من المراقبین للشأن الیمني: من أین استمدت دولة الإمارات التفویض بالحرب على من أسمتهم: «الإخوان المسلمین وطابورهم الخامس» في الیمن، رغم أنه لم یرد ذكر هذا الكیان كمعرقل للعملیة السیاسیة أو طرف في النزاع المسلح في أيّ من القرارات الأممیة ذات الصلة بالأزمة الیمنیة؟!
الحقیقة أن الحرب على «الإخوان المسلمین وطابورهم الخامس»، حسب تعبیر المسؤول العسكري الإماراتي، كانت جزءًا من الاستراتیجیة الإماراتیة في الیمن قبل «عاصفة الحزم»، وأحد أهدافها في دعم الثورة المضادة التي أفضت إلى سیطرة الحوثیین على صنعاء، وتالیًا بقیة المحافظات، ففي الشهر الثاني من عمر التدخل العسكري للتحالف السعودي/الإماراتي في الیمن، كان الخبیر الاستراتیجي السعودي، أنور عشقي، یشیر في لقاء تلیفزیوني، إلى أن الإمارات كانت الممول الرئیس للحوثیین وحلیفهم، صالح، من أجل اجتیاح العاصمة، صنعاء، في سیاق الحرب على حزب الإصلاح في الیمن باعتباره الرافعة السیاسیة الأهم للثورة السلمیة في 2011.
الإمارات وتقویض الشرعیة
بالنظر إلى طبیعة العلاقات الیمنیة-الإماراتیة، فهي لم تشهد حالة استقرار حتى في عهد الرئیس السابق، علي صالح، إلا في ظلت في حالة مد وجزر، تبعًا للأحداث التي شهدها الیمن والمنطقة، ولم تشهد علاقة البلدین استقرارًا نسبیاً إلا أعقاب توقیع اتفاقیة تأجیر میناء عدن لصالح شركة موانئ دبي في العام 2008 لمدة 25 عامًا قابلة للتمدید لمدة عشر سنوات.
كانت تلك الاتفاقیة بمنزلة تنازل عن نشاط میناء عدن المهم بالنسبة للیمن، ضمن مقومات الموقع الجیوسیاسي للدولة الیمنیة لصالح میناء جبل علي، الذي أصبح محطة مهمة في خطوط التجاریة الدولیة. وبالفعل، تراجع نشاط میناء عدن الذي كان یصنفَّ سابقاً بأنه ثاني أهم موانئ العالم بعد میناء نیویورك في ما یخص تزوید السفن بالوقود.
وألُغیت الاتفاقیة في عهد حكومة الوفاق التي أفرزتها الثورة السلمیة في الیمن تحت ضغط الأصوات الیمنیة المطالبة بإلغاء الاتفاقیة، بسبب حالة التراجع المستمر لأداء المیناء، حیث شهد عدد الحاویات المسجلة تراجعاً من 492 ألف حاویة في 2008 إلى 146 ألف حاویة في العام 2011.
توقف قطار الثورة السلمیة في الیمن عند محطة التسویة السیاسیة بموجب المبادرة الخلیجیة وآلیتها التنفیذیة، وتسلمَّ الرئیس، عبد ربه منصور هادي، السلطة، في 21 فبرایر/شباط 2012 ، في أعقاب انتخابات شكلیة، مثلَّت بنظر المحیط الإقلیمي حالة تحول غیر مقبولة في ولادة شرعیة سیاسیة للنظام الحاكم في بلد تحیط به أنظمة تعاني أزمة مشروعیة، ما یعني ضرورة إجهاض هذا التحول.
بدأت إشكالية العلاقة بین الشرعیة الیمنیة والإمارات منذ وقت مبكر من عمر الحرب الیمنیة، لكن یمكن القول: إن أولى المحطات التي برز فیها الخلاف بینهما على السطح كانت إثر قرار الرئیس هادي، مطلع أبریل/نیسان 2016، بإقالة نائبه رئیس الحكومة آنذاك، خالد بحاح، المعروف بصلاته الوثیقة بالإمارات، حیث علُلّ قرار إقالة خالد بحاح من رئاسة الوزراء بأنه نتیجة للإخفاق الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضیة، لكن مصادر اعتبرت قرار إقالة بحاح بمنزلة رسالة مبكرة للإمارات ومحاولة لتقلیص دورها في الیمن، یعزز ذلك رضوخ الأخیر للقرار ثم إعلان رفضه لاحقًا.
في 9 أكتوبر/تشرین الأول 2015 ، أصدر الرئیس هادي قرارًا بإقالة القیادي الإصلاحي، نایف البكري، وتعیین جعفر محمد سعد خَلَفًا ل، لكن الأخیر لم یستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، حیث اغتیل بتفجیر دموي استهدف موكبه في 6 دیسمبر/كانون الأول من نفس العام.
عقب اغتیال جعفر محمد سعد، محافظ عدن الأسبق، اجتمع الرئیس هادي باللجنة الأمنیة وأصدر قرارًا بتعیین عیدروس الزبیدي، المدعوم من الإمارات، محافظًا لعدن وتعیین شلال شایع مدیرًا لشرطة الأمن العام بالمحافظة، كما أصدر قرارًا بتعیین الزعیم السلفي المتشدد، هاني بن بریك، وزیرًا للدولة، والمعیَّن من طرف الإمارات مشرفًا على قوات ما یسمى بالحزام الأمني، في خطوة اعتبُرت انصیاعًا من الرئیس هادي للضغوط الإماراتیة بتعیین شخصیات تجاهر بولائها لدولة أجنبیة. تصاعدت منذ تلك اللحظة وتیرة الاغتیالات بشكل لافت، وطالت العدید من رموز المجتمع وقیاداته وأئمة المساجد والخطباء، بمن فیهم شخصیات كان لها دور في استقبال القوات الإماراتیة إبَّان دخولها مدینة عدن لطرد الحوثیین وقوات صالح منها، فیما یكاد یشترك الضحایا جمیعهم في التمسك بالشرعیة ورفض مشاریع الانفصال أو العمل لصالح الإمارات.
لقد عمدت الإمارات إلى تقلیص نفوذ الحكومة الشرعیة في العاصمة المؤقتة، عدن، وتدمیر كل مظاهر الحیاة السیاسیة والمدنية وإزاحة كل من یرفض سیاساتها جنوب الیمن، وفرضت واقعًا قمعيا لا يختلف عن الواقع الذي فرضه الحوثیون في مناطق سیطرتهم، باستخدام منهجیة الاغتیالات والاعتقالات والتعذیب وشبكات السجون السریة لكل الشخصیات الدینیة والسیاسیة والاجتماعیة المناوئة لها.
ترجِّح مصادر غربیة أن تكون بعض عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي هي من یقف وراء اغتیالات رجال الدین، وتعزو هذه الاغتیالات إلى ارتباطها بنزاع على السلطة بین وكلاء حلیفیْن للولایات المتحدة؛ هما: السعودیة والإمارات، اللتان تمتلكان رؤى مختلفة لمستقبل الیمن؛ حیث تبدو تلك الاغتیالات بمنزلة حملة ممنهجة ومدروسة تستهدف الأشخاص الذین هم من خارج التیار الرئیسي الجدید الذي یؤید الانفصال.
یعزز هذه الاتهامات ما أكدته تقاریر وتحقیقات استقصائیة أخرى أماطت اللثام عن حقیقة التورط الإماراتي في مسلسل الاغتیالات في عدن، والتي طالت زعماء دینیین وناشطین سیاسیین، عبر خلایا محلیة، ومرتزقة أجانب، بینهم ضباط سابقون في الجیش الأمیركي منحتهم الإمارات رتباً عسكریة كغطاء قانوني.
استمرت الإمارات في استثمار حالة التشظي وعملت عبر أدواتها المحلیة المتمثلة بالمجلس الانتقالي على عرقلة ورفض الانصیاع لقرارات التعیین الصادرة عن الرئیس هادي، ففي مطلع فبرایر/شباط 2017 ، رفض قرار بتعیین ضابط أمن مطار عدن بدلًا عن سلفه، وحین حاولت قوات من الحمایة الرئاسیة التدخل لتطبیق القرار تعرضت لقصف الطیران الإماراتي.
وفي محاولة لترمیم العلاقة، قام هادي بزیارة إلى الإمارات، أواخر فبرایر/شباط 2017 ، ولكن كانت الزیارة باهتة منذ لحظة وصوله مطار أبوظبي حیث كان في استقباله مسؤول الاستخبارات بدولة الإمارات، اللواء علي محمد حماد الشامسي، وتفید مصادر صحافیة بأنه التقى محمد بن زاید سریعاً لكن لم یعقد معه أیة مباحثات، وأنه عاد غاضباً إلى مقر إقامته في الریاض.
في 27 أبریل/نیسان 2017، أقال الرئیس هادي محافظ عدن، عیدروس الزبیدي، من منصبه وعین المفلحي بدلًا عنه، لیعلن على إثره ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي، في الخامس من مایو/أیار 2017 ، ومنذ تلك اللحظة بدأت تتشكل ملامح مشهد جدید في الجنوب یبدو أكثر قتامة،ً وبدأ حضور الشرعیة یتلاشى لمصلحة المشروع الانفصالي المدعوم إمارات.
دعم الانفصال والعودة إلى ماضي التشطیر
ربما ترى الإمارات أن انفصال الجنوب الیمني یمثلِّ مفتاح التحكم والسیطرة والنفوذ الإماراتي، لذلك كانت مواقف أبوظبي منذ وقت مبكر ضد الوحدة الیمنیة التي تحققت عام 1990، حیث لم تنفك الرؤیة الإماراتیة المعادیة للوحدة الیمنیة عن النهج الذي تتبناه السعودیة في رغبتهما الإبقاء على الیمن منقسمًا، وعندما اندلعت الحرب الأهلیة، عام 1994، كان موقف الإمارات واضحًا في الاصطفاف مع مشروع الانفصال ودعمه، وهو ما وثقَّته مذكرات الشیخ عبد لله بن حسین الأحمر، رئیس مجلس النواب حینها، متحدثاً فیها عن تفاصیل زیارته للإمارات أثناء حرب 94 ولقائه الشیخ زاید وموقف الأخیر الرافض للوحدة.
في أعقاب تدخلها العسكري في اليمن ونجاحها في السیطرة عبر وكلائها المحلیین على معظم الخطوط الجویة والقواعد والموانئ البحریة على طول الساحل الجنوبي الاستراتیجي للیمن، لجأت أبوظبي هذه المرة إلى البدء بإطلاق دعایة إعلامیة للترویج للانفصال، وقدمت دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي في إنشاء قناتین فضائیتین.
وقد تصاعدت وتیرة الدعایة الإماراتیة لانفصال الجنوب عقب التقارب الإیراني الإماراتي وزیارة مسؤولین إماراتیین إلى طهران، حیث أطلق العدید من المسؤولین والمغردین الإماراتیین سلسلة من المواقف المؤیدة للانفصال، قبل أن تتوج بانقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي، في العاشر من أغسطس/آب 2019 ، وسیطرته على العاصمة المؤقتة، عدن، بعد عام على محاولة انقلاب أولى فاشلة.
بالتزامن مع إعلانها سحب أجزاء من قواتها في الیمن، لم تظُهر الإمارات أي تراجع على صعید استراتیجیتها في تقسیم الیمن، واعتبرت تلك الخطوة بمنزلة محاولة لذر للرماد على العیون، تتیح لها مواصلة الاستراتیجیة التي تعمل على تنفیذها بعد أن تكون اتخذت بعض الاحتیاطات التي تحاول من خلالها على ما یبدو، تقلیل تبعات هذه السیاسة في ظل السخط الیمني المتزاید ضد الدور الإماراتي، خصوصًا بعد أن كانت وسائل إعلام یمنیة، كشفت مطلع یولیو/تموز 2019 ، أي قبل الانقلاب وإعلان انفصال جنوب اليمن بنحو شهرین، عن مخطط إماراتي للانقلاب على الحكومة الشرعیة المعترف بها دولیا في عدن، وتأسیس دولة جدیدة یقودها «المجلس الانتقالي الجنوبي، الأمر الذي أكده أیضًا حینها تسریب صوتي لأحد القادة العسكریین الموالین للرئیس هادي.
توالت الأحداث ونجح المجلس الانتقالي في بسط سیطرته على العاصمة المؤقتة، عدن، وطرد الحكومة الشرعیة، وعادت إلى الأذهان أحداث الصراع الجهوي الدامي على السلطة بین الرفاق، في ینایر/كانون الثاني 1986؛ حیث شنَّت قوات المجلس الانتقالي بدعم إماراتي حملات قمع رهیبة ضد أنصار الرئیس هادي والشرعیة في عدن، وواصلت سیطرتها على مدن الجنوب وصولًا إلى شبوة، قبل أن تستعیدها قوات الحكومة والانطلاق صوب عدن لاستعادتها، لكن الإمارات سرعان ما تدخلت وشنت غارات جویة متزامنة استهدفت تجمعات الجیش على مشارف العاصمة المؤقتة، على الرغم من إعلان الإمارات المسبق انسحابها من الیمن.
لقد أثارت الغارات الإماراتیة ضد قوات الشرعیة صدمة لدى العدید من الیمنیین، وأیقن العدید من مسؤولي الشرعیة أن الإمارات لا تعمل لصالح عودة الشرعیة في الیمن، وهو ما بدا واضحًا في خطاب وزیر الخارجیة الیمني، محمد الحضرمي، أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة.
وفي العدید من تقاریره، عزا فریق الخبراء التابع للأمم المتحدة المكلف بالیمن تآكل سلطة الحكومة الشرعیة الیمنیة إلى جملة من الأسباب، أبرزها عدم قدرة الرئیس هادي على الحكم من الخارج، ابتداءً من منع طائرته من الهبوط في عدن، مطلع 2017، وصولًا إلى طرد حكومته من العاصمة المؤقتة، عدن، في أغسطس/آب 2019 ، وتشكیل مجلس انتقالي جنوبي، واستمرار الحوثیین في سیطرتهم على صنعاء، بسبب توقف عملیة التحریر على حدود الشطرین والعمل على إطالة أمد الصراع وتفكیك جبهة الشرعیة وإضعافها، وانتشار عملیات مستقلة من جانب قوات تعمل بالوكالة ویمدها بالسلاح أعضاء في التحالف الذي تقوده السعودیة وتعمل من خلالها على تحقیق أهداف خاصة بها في المیدان، مشیرًا إلى قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمیة التي أنشأتها ومولتها الإمارات.
وفي آخر تقاریر فریق الخبراء أشار بوضوح إلى أنه بعد سنوات من إضعاف الشرعیة، جاء إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة له، وبدعم إماراتي، إتمام سیطرته على العاصمة المؤقتة، عدن، فیما كانت عملیات القصف الجوي الإماراتي ضد الجیش التابع للشرعیة على تخوم عدن إبان محاولته استعادتها نقطة تحول كبیرة في المشهد الیمني برمته، لینتهي المطاف بإعلان اتفاق الریاض بین الحكومة والانتقالي، والذي اعتبُر بمنزلة اعتراف إقلیمي وإضفاء للشرعیة السیاسیة على سلطة الأمر الواقع التي فرضها الانتقالي المدعوم إماراتیا في عدن وعدد من مدن الجنوب، لاسیما أنه انطوى على مزید من تقلیص دور الحكومة، خصوصًا ما یتعلق بالمرفق المتعلق بالترتیبات العسكریة والذي یحد ویقوض بشدة سلطة حكومة الیمن وسیطرتها على إعادة تنظیم قواتها وأسلحتها.
الدور الإماراتي یعزز سلطة الحوثیین
كشفت السیاسات الإماراتیة في الیمن، أن توقف عملیة التحریر على حدود الشطرین هدفها إعادة ضبط مسار الحرب وفق الأجندات الإماراتیة، وأن إطالة أمد الصراع بصرف النظر عن كلفته الإنسانیة كانت مقصودة، بغیة التحكم بأدوات اللعبة وصولًا إلى عقد اتفاق هدنة إماراتیة مع الحوثي أو إیران نفسها.
كما أسهم الدور الإماراتي في الیمن بشكل غیر مباشر في تعزیز قدرات الجماعة الحوثیة، فقد أدى تلاشي الشرعیة في المناطق المحررة إلى فقدان الثقة الشعبیة بقدرة الأخیرة على إنجاز عملیة التحریر لإسقاط المشروع الحوثي، ووفر الوضع القاتم في جنوب الیمن مادة إعلامیة حربیة لجماعة الحوثیین لاستثماره داخلیا في تعزیز مواقفها المناهضة للتدخل السعودي/الإماراتي والتحشید لمواجهة قوات الشرعیة والتحالف.
یشكِّك كثیرون في جدیة حرب الإمارات لدعم الشرعیة أو إسقاط الحوثیین، رغم إعلان جماعة الحوثي مسؤولیتها عن ثلاث هجمات فقط، ادعَّت أنها استهدفت مواقع حیویة في الإمارات. بینها هجوم بطائرة مسیرَّة من نوع صماد استهدف مطار أبوظبي في تاریخ 26 یولیو/تموز 2018 ، وهو الأمر الذي نفته الإمارات وعزت الانفجار في المطار إلى حادثة تسببت بها مركبة لنقل الإمدادات لكن الحوثیین بعد نحو عام نشروا تسجیلاً مصورً ا للهجوم.
وفي الوقت الذي كانت العاصمة المؤقتة، عدن، تشهد حالة من الغلیان والتوتر بین الانتقالي المدعوم إماراتیا والشرعیة، سارعت أبوظبي لإرسال وفد أمني رفیع المستوى إلى طهران، التقى مسؤولین إیرانیین وانتهى اللقاء بالاتفاق على
ضرورة تعزیز الدبلوماسیة، والتأكید على أهمیة تعزیز أمن میاه الخلیج وبحر عُمان.
وبالتوازي مع ذلك، أعلنت الإمارات إعادة الانتشار وسحب جزء من قواتها في الیمن وهو الأمر الذي حظي بإشادة وترحیب الحوثیین، واعتبرها ناطق الحوثیین، محمد عبدالسلام، خطوة محل تقدیر ا كانت دوافعها أيا كانت دوافعها، مؤكدًا توقف ضرباتهم ضد الإمارات منذ اتفاق السوید بسبب توقف عملیاتها في الساحل الغربي، وانسحابها الجزئي من الیمن أثار التقارب بین أبوظبي وطهران تساؤلات عدة، حول انعكاساته على الیمن، وما إذا كان بالفعل مجرد مباحثات ثنائیة لحل مشكلات تتعلق بالحدود البحریة بین البلدین، حسب المسؤولین الإماراتیین، أم إنه مقدمة لتحالف قادم على حساب التحالف الإماراتي القائم مع السعودیة، خصوصًا في ضوء المصالح الاقتصادیة الكبیرة بین البلدین وعودة العلاقات الإماراتیة أیضًا مع النظام السوري، ومخاوف الإمارات من أي تأثیرات تطول مصالحها الحیویة في حال نشوب حرب محتملة مع الولایات المتحدة الأمیركیة، كما أن احتفاء میلیشیا الحوثي بالزیارة الإماراتیة لطهران، أثار تساؤلات حول حدوث انقسام بین السعودیة والإمارات بشأن طبیعة التعامل مع الحوثي، وبالتالي تأثیر ذلك على موقف الشرعیة، وإطالة عمر الأزمة في البلاد.
تعز في قلب عاصفة الثورة المضادة
تمثلِّ محافظة تعز الكتلة السكانیة الأكبر في أحداث الثورة السلمیة في الیمن، ولذلك حظیت بنصیب وافر من السیاسات الإماراتیة الناقمة، ربما أخفقت أبوظبي في نقل تجربة الأحزمة الأمنیة والنخب إلى محافظة تعز، رغم الدعم الذي حظیت به كتائب أبوالعباس نسبة إلى قائدها «أبي العباس»، عادل عبده فارع، المصنفَّ في قوائم الإرهاب الأمیركیة والسعودیة والإماراتیة، لكنها لم تتوقف عن دعم الأخیر حتى اللحظة، من ناحیة، ومن ناحیة أخرى توجهت إلى دعم وریث النظام السابق في الیمن، طارق محمد صالح، ابن شقیق علي صالح، الذي قًتل على ید حلفائه الحوثیین، في 4 دیسمبر/كانون الأول 2017 ، حیث عمل طارق صالح من ذ فكِّ شراك ة عائل ة آل صالح بالحوثیین بعد مقتل عمه على استقطاب بقايا الحرس الجمهوري وعناصر المؤتمر الشعبي العام في العدید من مؤسسات الأمن والجیش وأنشأ قوة أطلق علیها «حراس الجمهوریة»، یقُدرَّ قوامها بحوالي 12 لواء یتراوح عدد أفراد كل لواء بین 1500 إلى 2000 فرد، متخذاً من مدینة المخا غربي تعزمقرا لقیادة القوات التي أطُلق علیها مؤخرًا اسم «المقاومة الوطنیة»، وجمیع أفرادها یتلقون رواتبهم وتسلیحهم، من الإمارات.
حُرِّرت مدینة المخا ومیناؤها وقبلهما مدیریة ذبُاب من قبضة الحوثیین خلال عملیة أطُلق علیها «الرمح الذهبي»، انطلقت في ینایر/كانون الثاني 2017 ، ومثلَّ طرد الانقلابیین من مدینة المخا تحولًا استراتیجیا كبیرًا في العملیات بالیمن، حیث تكمن أهمیة السیطرة على المدینة ومینائها في تأمین ممر باب المندب الملاحي الاستراتیجي، كما تربط المدینة محافظة تعز بمحافظة الحدیدة الساحلیة، وتسهِّل السیطرة علیها استرجاع ما تبقى من بلدات على طریق الحدیدة تعز، لكن أحداث السنوات الثلاث الأخیرة كشفت عن رغبة إماراتیة في فصل المخا ومینائها الاستراتیجي عن محافظة تعز، للإبقاء على المحافظة رهن الحصار والفوضى وسیاسات التفكیك من الداخل، حیث ارتفعت في الآونة الأخیرة الأصوات المنددة بهذه السیاسات، متهمة طارق صالح بإدارة مخطط یستهدف ضرب تعز ببعضها بشكل عام وتمزیق نسیجها الاجتماعي ویؤثر على تركیبتها الدیمغرافیة، حیث تفید المعلومات عن استقطابات لأفراد في الجیش وتجنید لبعض أبناء مناطق الحجریة وتوزیع الأسلحة والأموال تمهیداً لحرب وصراع دامٍ في تعز بمزاعم الانتقام للشهید، عدنان الحمادي، في كفة وفي الكفة الأخرى یجري عمل من نوع آخر ینتمي لذات الحیل والمكائد التي نسجتها الإمامة طیلة فترات تحكمها بالبلد، في التاریخالقریب والبعید.
وهكذا، في الوقت الذي كان یعوَّل على تحریر سواحل تعز بأن تكون متنفسًا للمحافظة وأن یتسنى إعادة تشغیل مینائها، أصبحت عبارة عن دولة أخرى تتبع قوات لا تخضع لسلطة الشرعیة وإنما تتبع بشكل مباشر الإمارات. لم تتوقف السیطرة الإماراتیة الحصریة على السواحل الغربیة للیمن عبر «قوات طارق»، وإنما امتدت إلى الجزر القریبة والمطلة على مضیق باب المندب، كما في جزیرة میون وجزر حنیش الصغرى والكبرى بالإضافة إلى جزیرة زقر وغیرها، وبدت الشرعیة فعلیا خارج منطقة عملیات الساحل الغربي، وكذلك السعودیة التي انسحبت قواتها عقب استهداف قائد القوات الخاصة السعودیة، العقید عبدلله السهیان، أواخر العام 2015 ، باستهداف صاروخي تبنته جماعة الحوثي وتتُهَّم الإمارات بتنسيقها.
الإمارات والجماعات السلفیة
مقابل حربها على الكتل السكانیة والقوى السیاسیة الیمنیة المحسوبة على الثورة السلمیة في الیمن، سعت أبوظبي منذ الوهلة الأولى للتدخل العسكري في الیمن، إلى استثمار حالة الاستیاء والرغبة في الانتقام لدى منتسبي الجماعة السلفیة «الجامیة» التي هُجِّرت قسریا من دماج في صعدة، إثر عدوان الحوثیین على مركز دار الحدیث، وعودة آلاف الطلاب إلى دیارهم، حیث تمت تعبئتهم للانخراط في المقاومة المسلحة ضد الحوثیین، خصوصًا في تعز وعدن، وتولت الإمارات لاحقًا إعادة هیكلتهم في إطار ألویة وتشكیلات مسلحة تتلقى منها الدعم والتمویل والتوجیه مباشرة، بما في ذلك كتائب أبوالعباس، عادل فارع، في تعز والأحزمة الأمنیة في عدن وأبین ولحج وجزء من ألویة العمالقة في الساحل الغربي.
حتى المساجد التي اغتیل أئمتها في عدن من المحسوبین على التیارات السلفیة الأخرى جرى تسلیم مساجدهم بأوامر القیادي
السلفي في المجلس الانتقالي، هاني بن بریك، لشخصیات تنتمي لنفس التیار المنتمي إلیه والمدعوم إماراتیا، لتماهیه مع المشروع الإماراتي المعادي للدیمقراطیة ووحدة التراب الیمني.
حرب الإرهاب ورقة رابحة لتمریر مشاریع النفوذ
نجحت الإمارات في استثمار القلق الدولي من خطر التنظیمات الإرهابیة في الیمن، وهي المفردة التي تمثل قاسمًا مشتركًا لدى مختلف الفاعلین الدولیین، واستخدمت بكثافة على مدى فترات مختلفة من الصراع في الیمن، ومثلَّت هاجسًا مقلقاً للولایات المتحدة الأمیركیة على مدى عقود، فیما استثمرها الرئیس السابق، علي صالح، لاستجلاب الدعم الدولي في مواجهة مطالب التغییر إبان الثورة السلمیة، وظلت فزاعة حتى أثناء انقلابه مع حلفائه الحوثیین على الشرعیة في الیمن.
بعد تحریر عدن وبقیة المحافظات الجنوبیة، ركزت دولة الامارات العربیة المتحدة على تعزیز نفوذها في تلك المحافظات، سواء من خلال وجودها العسكري المباشر، أو من خلال التشكیلات العسكریة التي أنشأتها خارج هیاكل الجیش الوطني والأجهزة الأمنیة التابعة للسلطة الشرعیة.
وبهدف تسویق نفسها وتبریر وجودها العسكري في تلك المحافظات الجنوبیة، تولت القیادة العسكریة الإماراتیة التخطیط لعدد من العملیات العسكریة تجاه مناطق یشُتبه بوجود التنظیمات المتشددة وعناصر تنظیم القاعدة فیها. وقد جرى تنفیذ تلك العملیات من خلال قوات الحزام الأمني، والنخب، بمشاركة مباشرة من القوات الإماراتیة والمخابرات والقوات الأمیركیة.
وباستثناء العملیة العسكریة التي نفُِذّت بإشراف من محافظ حضرموت وقیادة قوات التحالف، أواخر نوفمبر/تشرین الثاني2018، فإن الكثیر من النقد یوُجَّه باتجاه تعامل الإمارات المنفرد مع ملف الإرهاب، وإصرارها على إقصاء وتهمیش السلطة الشرعیة والجیش الوطني وأجهزة الأمن الرسمیة وحتى في بعض الأحیان قیادة التحالف، وتنفیذ معظم تلك العملیات من خلال تشكیلات عسكریة خارجة عن سلطة الدولة ورافضة لشرعیتها، وأن مثل هذا الأمر قد یأتي بمردودات عكسیة في الأجلین المتوسط والبعید.
لكن یمكن القول: إنه برغم الحدیث عن سلسلة من العملیات العسكریة الإماراتیة على الإرهاب في الیمن، لم یتسنَّ قیاس أي نتائج ملموسة على الواقع، عدا الإعلان عن انسحاب عناصر القاعدة أو داعش من مناطق قیل: إنها كانت تمثل معاقل لتلك العناصر، بینما تشیر تحقیقات صحافیة إلى احتمال وجود صفقات سریة من نوع ما أفضت إلى صناعة انتصارات مزعومة. في هذا السیاق، أفاد تحقیق استقصائي لوكالة أسوشیتد برس الأمیركیة أن التحالف بقیادة السعودیة عقد اتفاقات سریة مع تنظیم القاعدة في الیمن، وخلص إلى أنه دفع أموالًا للتنظیم مقابل انسحاب مقاتلیه من بعض المناطق في البلاد.
وأفاد التحقیق بأن فصائل مسلحة مدعومة من التحالف جندَّت مسلحي تنظیم القاعدة في الیمن، وتم الاتفاق على انضمام 250من مقاتلیه لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتیا في محافظة أبین جنوبي البلاد. وذكرت الوكالة أن هذه الاتفاقات تمت بعلم أمیركي وأمَّنت انسحاب بعض مسلحي القاعدة مع العتاد الذي نهبوه من بعض المدن، من بینها المكلا جنوبي الیمن وسبع مناطق في محافظة أبین (جنوب) ومدینة الصعید بمحافظة شبوة (جنوب).
واستند تحقیق أسوشیتد برس على تقاریر میدانیة ومقابلات مع أكثر من عشرین مسؤولًا، بینهم قیادیون أمنیون یمنیون وزعماء قبائل ووسطاء وأعضاء سابقون في تنظیم القاعدة. واستناداً إلى هذا التحقیق، فقد صوَّت مجلس النواب، في 24 مایو/أیار 2017 ، مطالباً وزیر الدفاع الأمیركي وقتها، جیم ماتیس، بأن یقرر ما إذا كان أفراد الجیش أو المخابرات الأمیركیة قد انتهكوا القانون في استجواب المعتقلین في الیمن.
ناهیك عن ذلك، ثمة اعتقاد سائد لدى الكثیر من المراقبین بأن الاستثمارات الإماراتیة المتنامیة في البنى التحتیة في قطاعَي الطاقة والأمن في الیمن، ظلت تشكِّل بصورة مطَّردة القوة المحرِّكة خلف التدخل الإماراتي لمحاربة الإرهاب في الیمن ومناطق أخرى، كما أن عملیات مكافحة الإرهاب التي تنفذها أبوظبي لا تقتصر حصرًا على أمن قواتها في الیمن -حیث تنتشر القوات الخاصة التابعة للحرس الرئاسي الإماراتي منذ مایو/أیار 2015 - بل تشتمل أیضًا، وبصورة مطردة، على استراتیجیتها الهادفة إلى زیادة تأثیرها الجیوسیاسي في القرن الإفریقي والمحیط الهندي، بما في ذلك حمایة محطات الطاقة والبنى التحتیة البحریة. واللافت أنه منذ مطلع العام 2018 ، تحولت حمایة هذه البنى التحتیة والأصول إلى مصلحة قومیة أساسیة بالنسبة إلى الإمارات، نظرًا إلى تدخلها المتزاید في المناطق الواقعة جنوب الیمن على المستوییَن، العسكري والسیاسي.
لم یتوقف الأمر عند التوظیف السیاسي الإماراتي للحرب على الإرهاب في الیمن، فقد كشُف النقاب أیضًا عن وصول أسلحة أمیركیة إلى تنظیم القاعدة في الیمن عن طریق الإمارات والسعودیة؛ الأمر الذي دفع أعضاء بمجلس النواب الأمیركي إلى طلب التحقیق، وأعُلن أواخر نوفمبر/تشرین الثاني 2019 ، عن اعتزام وزارة الخارجیة الأمیركیة والبنتاغون إرسال محققین إلى كل من السعودیة والإمارات للتحقیق حول نقل نوع معین من الأسلحة الأمیركیة، بینها عربات مدرعة أمیركیة الصنع تعُرف ب « MRAPs»،بیعت للسعودیة والإمارات، إلى جماعات متطرفة، من ضمنها مقاتلون مرتبطون بتنظیم القاعدة، ومتمردو ن مدعومو ن من إیران ومیلیشیات انفصالیة، في خرق للاتفاقیا ت المبرمة مع واشنطن ، وقد استخدمت هذه المجموعات الأسلحة ضد الحكومة الیمنیة المعترف بها دولیا والتي تدعمها أمیركا.
انتهاك السیادة
مارست الإمارات العدید من الإجراءات التي تمثلِّ انتهاكًا للسیادة الوطنیة، كونها لم تكن بموافقة الحكومة الشرعیة صاحبة السیادة على التراب الیمني، بلغت ذروة هذه الإجراءات مطلع مایو/أیار 2018 ، عندما هبطت طائرات نقل عسكریة إماراتیة في جزیرة سقطرى الیمنیة، أثناء وجود رئیس الحكومة السابق، أحمد عبید بن دغر، وعدد من وزرائه في الجزیرة في زیارة تفقدیة افتتح خلالها عدداً من المشاریع الخدمیة؛ حیث أنُزلت دبابات وقوات في إطار مسعى البلد الخلیجي لمد نفوذه إلى مجرى مائي استراتیجي تحیط به مناطق صراع مائي.
أدى هذا التحرك إلى قیام الحكومة بإبلاغ مجلس الأمن، متهمة الإمارات بالاستیلاء على میناء ومطار الجزیرة. وقال مصدر في الحكومة حینها لرویترز: إن التحرك الإماراتي استعراض قوة من أجل «مصالح تجاریة وأمنیة» متهمًا الإمارات بمحاولة استعمار الیمن.
وزعم موقع « Verdict» البریطاني أن الإمارات تخطط لتحویل جزیرة سقطرى الیمنیة إلى منتجعات سیاحیة كالتي في دبي؛ ما سیؤدي إلى تدمیر بیئة الجزیرة الفریدة خلال أقل من 10 سنوات.
نجحت السعودیة في احتواء الأزمة، وانسحبت القوة العسكریة الإماراتیة من الجزیرة، لكن المطامع الإماراتیة لم تنته بالتأكید؛ إذ لا تزال الإمارات حاضرة في الجزیرة تحت غطاء العمل الإغاثي والإنساني، وهناك حدیث عن عملیات تجریف واسعة، قامت بها الإمارات في الجزیرة، وسیطرة على العدید من المناطق الحیویة باسم مشاریع استثماریة.
بالمناسبة، یكاد یكون موقف الحكومة التركیة الموقف الوحید الأكثر مسؤولیة وحرصًا على السيادة الیمنیة، وفقاً لبیان الخارجیة التركیة، الذي عبرَّ عن قلق الحكومة التركیة إزاء التطورات في سقطرى، معتبرًا أنها «تشكِّل تهدیداً جدیداً لوحدة أراضي الیمن وسیادته، المؤكَّد علیهما في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة»
خلاصة واستنتاجات
وعلیه، یخلص الباحث إلى أن الدور الإماراتي في الیمن كان كارثی ا ومدمرًا طیلة خمس سنوات من التدخل العسكري، وكانت النتیجة أن نجحت أبوظبي في تقویض عناصر السلطة الشرعیة وصولًا إلى الإجهاز على ما تبقى من حضورها في مناطق الجغرافیا الیمنیة الحیویة جنوب الیمن، وإعادة ضبط إیقاع الحرب وفق أجنداتها الهادفة إلى وأد طموحات التغییر وتقلیص دور قوى الإسلام السیاسي، كما نجحت في بناء أدوات محلیة صلبة كوكلاء لحمایة نفوذها على السواحل والجزر والموانئ الیمنیة.
وفیما یتعلق بملف الحرب على الإرهاب، سعت الإمارات إلى استثمار حالة القلق الدولي حیال الصورة النمطیة عن التهدیدات التي تمثلها التنظیمات الإرهابیة في الیمن، لتعزیز نفوذها عبر أدواتها المحلیة التي أنشأتها خارج هیاكل الدولة الیمنیة، من أحزمة أمنیة ونخب ومجموعات سلفیة معادیة للدیمقراطیة، إلى جانب استقطاب تركة النظام السابق وتمكینها من أجزاء حیویة في الجغرافیا الیمنیة، وكذلك استقطاب عدد من المسؤولین في حكومة الرئیس، عبد ربه منصور هادي.
حققت نجاحات جزئیة مزعومة في الحرب على القاعدة وداعش، لكن لا توجد معاییر واضحة لمستوى هذه النجاحات ناهیك عن الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها تحت ذریعة الحرب على الإرهاب والإخوان، تصل إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانیة.
لكن الإمارات أخفقت بطبیعة الحال، في وأد طموحات التغییر وطمس معالم الربیع في الیمن، وفي ضمان تمكین أدواتها المحلیة في الجنوب من تمام السیطرة وفرض مشروع الانفصال، كما أخفقت في بناء أدوات تحوز رضا الشعب الیمني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.