اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    شكلوا لجنة دولية لجمع التبرعات    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    24 أبريل.. نصر تاريخي جنوبي متجدد بالمآثر والبطولات    الرياض.. أمين عام الإصلاح يستقبل العزاء في وفاة الشيخ الزنداني    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    رئيس الاتحادين اليمني والعربي للألعاب المائية يحضر بطولة كأس مصر للسباحة في الإسكندرية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القبيلة والنفط في حرب اليمن.. معركة مأرب الأخيرة الحلقة (3)

منذ مطلع عام 2020 صعد الحوثيون من حربهم ضد القوات الحكومية اليمنية، لتحقيق سيطرة على مناطق النفط والغاز شرق وشمال البلاد، وتأمين العاصمة صنعاء ومعقلهم الرئيس محافظة صعدة من تهديد مستمر للجيش اليمني باقتحام المحافظتين.
يوجد في شبوة ميناء بالحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال وهو أكبر مشروع اقتصادي في اليمن، وكان المجتمع المحلي شكل لجان شعبية لحمايته بعد سقوط اللواء الثاني مشاة بحري في أبريل/نيسان 2015 وبقيت فيه تلك اللجان تؤمن المنشأة حتى مطلع 2017 عندما اتخذته الإمارات قاعدة عسكرية لها.
في أغسطس/ آب 2019 تمردت ألوية (النخبة الشبوانية) المدعومة إماراتيا وهو ما ادى إلى اندلاع مواجهات مع القوات الحكومية التي سيطرت عقب ذلك على كل ألوية النخبة باستثناء موقعين عسكريين هما ميناء بالحاف النفطي رغم وصول القوات الحكومية إلى المطار الخاص بالميناء، وأيضا معسكر العلم في الصحراء - يبعد 50 كم عن عاصمة محافظة شبوة (عتق)، ومنذ ذلك الوقت يتم تبديل الجنود في الموقعين بالتنسيق مع القوات الحكومية وسلطات الدولة في محافظة شبوة.
مؤخرا ظهرت تحركات رسمية وشعبية تطالب باستئناف تصدير الغاز من بالحاف وحصلت وقفات احتجاجية في سبتمبر 2020 بالتزامن مع الخطاب الأخير لمحافظ المحافظة محمد بن عديوي في احتفال العيد 58 لثورة 26 سبتمبر -التي أسقطت نظام الإمامة في شمال اليمن، طالب فيه بضرورة إخلاء ميناء بالحاف وإعادته إلى وضعه كمنشأة اقتصادية.
مطلع أكتوبر2020 استهدف لغم بحري ناقلة نفط في ميناء النشيمة – وهو ميناء أعادت السلطة المحلية تأهيله لتصدير النفط الخام القادم من مأرب ويبعد 30 كيلو عن بالحاف، وتم قراءة الحادث بأنه تعبير عن انزعاج المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا والمطالب بالانفصال من الحراك التنموي في شبوة التي تعتمد اعتمادا كليا على نسبة من بيع النفط تقدر ب 20٪ من حوالي 35٪ التي تمثل حصة الحكومة والتي لا تتجاوز 12ألف برميل يوميا، أي أن محافظة شبوة تحصل على 840 برميل نفط يوميا فقط، «لكنها أدت إلى ثورة تنموية غير مسبوقة في المحافظة المحرومة منذ عقود، بالذات في مجال شبكات الطرق والكهرباء والمياه» .
وحادث التفجير الذي ادى إلى أضرار في احدى ناقلات النفط، استدعى إلى تحرك أمني وانتشار للجيش، واتخذت اللجنة الأمنية قرارا بتأمين الساحل وهو ما جعل استعادة ميناء بلحاف كمنشأة اقتصادية هدف أمني واقتصادي للمحافظة لتأمين على مصدر دخل إضافي لتحريك القطاعات الخدمية والاقتصادية الأخرى، إلى جانب رفد الإقتصاد الوطني بالموارد والمساهمة في إيقاف تدهور العملة الوطنية.
وسيطرة السلطة المحلية على ميناء بالحاف بشكل كامل، ستحكمه نتائج معركة مارب، وهو ما ينعكس عمليا على قرار انفصال الجنوب من عدمه مع وطموح المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في السيطرة على أهم منشأة اقتصادية في البلاد.
رابعا: معركة مأرب في الميزان
تضع معركة مأرب الأطراف والحرب على مفترق طرق، قد تندفع البلاد نحو تعقيد جديد للأوضاع ويؤثر ليس فقط في أطراف الصراع بل وفي المكونات المجتمعية. ويرى كل طرف «معركة مأرب» من وجهة مصالح جماعته ومكونه وتأثيره عليه.
• الحوثيون: يبرر الحوثيون معركة مأرب بنشر إشاعة في العاصمة صنعاء مفادها إن «السلطة المحلية في محافظة مأرب نقضت اتفاقاً رعته الأمم المتحدة، يقضي بتقاسم إيرادات النفط والغاز مع الحوثيين في صنعاء، ورفض تسليم حصة مناطق الحوثيين من النفط والغاز». ويقول الحوثيون إن معركة مأرب «هي أخر المعارك مع الحكومة اليمنية وبعدها سيكون انتصار كامل وشامل للجماعة، وعودة للتنمية»، والشائعة الأخيرة تأتي ضمن جهود الحوثيين لتحشيد المزيد من مقاتلي القبائل ونقلهم إلى محافظة مأرب لِقتال الحكومة اليمنية.
إذا انتصر الحوثيون في معركة السيطرة على مأرب، فسيكونون قد انتصروا في حرب السيطرة على الشمال، على الأقل في الوقت الراهن. لكن الحوثيين لن يعلنوا نهاية الحرب كما يروجون في مناطق سيطرتهم ويعود ذلك لعدة أسباب بينها أن: الحرب وفّرت لهم غطاء لشرعية يفتقدونها في مجتمع تركيبته معقّدة، خاصة مع فشلهم في تشكيل تحالفات سياسية، تَمثّل آخر فصولها في قتلهم حليفهم الرئيس السابق علي صالح في كانون الأول/ديسمبر 2017. كما أن الحرب تعطي الحوثيين حجة لتبرير الأزمة المعيشية الحادة والتغاضي عن سوء إدارتهم وفسادهم. فسيذهب الحوثيون بعيداً نحو شبوة وحضرموت وحتى محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان.
• الحكومة الشرعية: إن فقدان الحكومة الشرعية لمحافظة مأرب، يعني سقوط أخر معاقلها مع سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على معظم المحافظات الجنوبية، وستكون في أضعف حالتها في حال التفاوض مع الحوثيين أو باقي الأطراف الجديدة التي أظهرتها الحرب.
سيطرة الحوثيين على مأرب سيجعل من الصعب على الحكومة والقبائل المتحالفة معها شن الحرب على مناطق الحوثيين وستتوقف معظم جبهات القِتال في الشرق والشمال بما في ذلك جبهة نهم شرق صنعاء.
حيث تستخدم القوات الحكومية مدينة مأرب كقاعدة عسكرية لقتال الحوثيين. كما أن المدينة هي مقر قيادة الأركان ووزارة الدفاع اليمنية، لذلك فإن القوات التابعة للحكومة تقاتل في معركة صفرية مع الحوثيين، فخسارة المنطقة أو تأثرها بهجمات الحوثيين يجعل من جهود الحرب خلال السنوات الماضية في مهب الريح، وهذا ما أدى إلى ثبات نسبي للقوات الحكومية بل والتقدم أحيانا كما في معارك استرداد عاصمة محافظة الجوف.
ويبدو أن الحوثيين يستفيدون من عدم تنفيذ الاتفاقات على سبيل المثال منذ توقيع اتفاق ستوكهولم بين الحوثيين والحكومة اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2018 وتوقف العملية العسكرية لتحرير مدينة الحديدة من الحوثيين، وميزان الحرب يميل لصالح الحوثيين. فلم تحقق الحكومة اليمنية هدفها من الاتفاق بوقف مصادر الدخل عن الجماعة المسلحة، كما أن الحوثيين نقلوا المقاتلين من الحديدة إلى باقي محافظات البلاد ومنها محافظة مأرب. فأصبح الاتفاق «عبئاً» على الحكومة وفرصة للحوثيين.
• السعودية والإمارات: يتوغل الحوثيون بالفعل في عمق المحافظات اليمنية على الحدود مع المملكة العربية السعودية. فالسيطرة على مأرب لن تمنح الحوثيين موارد قيمة فحسب بل تهديداً جديداً للسعودية على حدودها إذا ما تم ضمه مع محافظة الجوف التي تملك حدوداً طويلة مع السعودية. ويهدد وجود قواتها في محافظات المهرة وحضرموت وشبوة.
يعود اندفاع الحوثيين في مدينة مأرب إلى سياسة التحالف المتغيرة تجاه حلفائها على الأرض، وتنظر السعودية و-الإمارات في ذات الوقت- إلى محافظة مأرب كنفوذ ل»حزب التجمع اليمني للإصلاح»، لذلك يتفق السعوديون والإماراتيون إلى تحويل الحرب في مأرب إلى «استنزاف» للحوثيين وأعضاء حزب الإصلاح، الذي يعتبر مأرب آخر المناطق التي تؤمن أعضاء الاصلاح الفارين من بطش الحوثيين شمالاً والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات جنوباً.ويشير ذلك إلى أن الدولتين لم تستفيدا من درس سقوط صنعاء عام 2014م، بيد الحوثيين حيث كان مسؤولون في البلدين يعتقدان أن اندفاع الحوثيين نحو صنعاء يمكنه استنزاف حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد أبرز المكونات السياسية التي دعمت إزاحة «علي عبدالله صالح» في 2011م. وفي النهاية أدى إلى تكاليف باهظة ليس على اليمن فحسب بل للخليج بالذات «المملكة العربية السعودية».
• المجلس الانتقالي الجنوبي: يعتقد قادة في المجلس الانتقالي الجنوبي أن سيطرة جماعة الحوثي على مأرب يسهل لهم التقدم إلى شبوة والسيطرة عليها تحت حجة حمايتها.
كما يعتقدون أنه من الممكن الوصول إلى اتفاق مع الحوثيين بمنع دخولهم جنوب اليمن ما يسرع من تحقيق مشروع الانفصال.
يرى الانتقالي أن السيطرة على مارب توجه ضربة قاصمة للحكومة اليمنية، فمدينة مأرب احتضنت تدريبات لقوات الحماية الرئاسة الموالية للحكومة، وكانت منطلقاً لتحرك القوات الحكومية في 2019 عندما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة على المحافظات الجنوبية بدعم الإمارات. كما أن تفكيك قوات الجيش الوطني في مأرب يجعل من تنفيذ الشق العسكري لاتفاق الرياض غير ذي جدوى. ويجعل القوات التابعة للمجلس الانتقالي كقوة منفصلة.
إن المجلس الانتقالي الجنوبي واستمراره في تأجيل تنفيذ اتفاق الرياض وانسحاب القوات من محافظة أبين، يزيد من الضغط على القوات الحكومية اليمنية لتصبح في مواجهة عدوين اثنين. وخلال معارك الحوثيين الأخيرة في محافظة مأرب كانت هناك مواجهات متقطعة في محافظة أبين بين الانتقالي وقوات الحكومة، ما يجعل تعزيز الجيش اليمني لقواته في مأرب أكثر صعوبة.
يراهن الانتقالي على أن سيطرة الحوثيين على مارب يسهل مهمة تحقيق هدفه الاستراتيجية بالانفصال الكامل عن الشمال والعودة إلى حدود ما قبل 22 مايو/آيار 1990.
• معارك الساحل الغربي: تحتكم المواجهات على طول الساحل الغربي لليمن إلى «هدنة» بين الطرفين (الحوثيون والقوات المشتركة) ضمن اتفاق ستوكهولم (2018) لكنها تعاني من خروقات مستمرة منذ توقيع الاتفاق. ويعتقد بعض المسؤولين في القوات المشتركة –وحزب المؤتمر الشعبي العام الموالِ ل»عائلة صالح»- أن وصول الحوثيين لمدينة مأرب يسهم في زيادة حظوظهم باعتبارهم طرف رئيسي في أي اتفاق سلام. لكن المعركة في مأرب في كِلتا الحالتين: هزيمة الحوثيين أو تحقيقهم الانتصار، سيزيد من تصاعد المعارك في الساحل الغربي للبلاد، إذ أن هزيمة الحوثيين في مأرب تجعل الجماعة المسلحة أمام خيار وحيد وهو تأمين مدينة الحديدة لتعزيز مركزها التفاوضي. وفي حال انتصر الحوثيون ستوجه الجماعة المسلحة قوتها نحو الساحل الغربي لوقف حظوظ «عائلة صالح» من الحصول على وجود ضمن اتفاق سلام، وتأمين ميناء الحديدة من هجوم التحالف والحكومة لتعزيز مركز الحكومة التفاوضي.
منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول2020 تصاعدت المعارك في مديرتي «حيس» و»الدريهمي»-جنوب الحديدة- إذ شن الحوثيون هجمات مستمرة لتعزيز وجودهم في الدريهمي وفك الحصار على مجموعاتهم المتمركزين في مركز المديرية. وعلى الرغم من نداءات الأمم المتحدة لوقف التصعيد العسكري إلا أن المعارك زادت قوة خلال الأسبوعين الأولين من الشهر –وقت كتابة الدراسة- ما يشير إلى تغيّر في ديناميكيات الحرب خارج اتفاق ستوكهولم.
• الأزمة الإنسانية: تتسبب معركة الحوثيين في محافظة مأرب بأزمة إنسانية كبيرة، ومع كل اقتراب من مدينة مأرب يدفع أكثر من مليوني نازح في المدينة إلى مصير مجهول. وحتى في حال فشل الحوثيون، ففي نزعة الجماعة الانتقامية -التي عُرفت خلال الحرب- قد تستهدف مناطقهم بالصواريخ الباليستية وطائرات دون طيار بما في ذلك المصالح الاقتصادية الكبرى مثل «مصفاة وآبار النفط» في المحافظة وباقي المنشآت الحيوية الأخرى في المدينة.
• خطط سلام الأمم المتحدة: في الوقت الراهن فإن تصعيد الحوثيين جعل الجهود الدولية لإنهاء الصراع أكثر صعوبة. ويوضح تباطؤ الحوثيين في التعامل مع «ملف السلام» منذ تقدم الجماعة في مديرية نهم و»الحزم» بالجوف مطلع العام الحالي والتوجه لخيارات الحرب.
في مارس/آذار 2020 اندفع الحوثيون في حربهم رغم ترحيبهم باقتراح هدنة طرحتها الأمم المتحدة في مارس/آذار 2020م، «لوقف الاشتباكات المسلحة في جميع أنحاء العالم بسبب أزمة فيروس كورونا». بعد أسبوعين من هذا الترحيب أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية عن هدنة لوقف إطلاق النار لكن الحوثيين رفضوا الهدنة التي أعلنها التحالف -التي مُددت لأسابيع أخرى- وبرر الحوثيون ذلك بأنه «التفاف إعلامي، ودعاية سياسية».
وفي خضم الحرب وتجييش المقاتلين نحو مدينة مأرب قدم الحوثيون تصورهم لنهاية الحرب وهو تصور قائم على رغبات تجعلهم منتصرين: تفرض على التحالف والحكومة وقف الحرب، مقابل وقف الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار على السعودية. تضع الوثيقة المكونة من ثماني صفحات العبء الكامل لإنهاء الحرب ومعالجة مسار الاقتصاد اليمني على عاتق التحالف بقيادة السعودية. حتى في خانة التوقيع وضعت الجماعة التوقيع «التحالف» وليس الحكومة اليمنية التي يقودها عبدربه منصور هادي.
يشير موقف الحوثيين من الهدنة وجرأة تقديم قائمة رغباتهم ل»إنهاء الحرب» وفق شروطهم، إلى مدى استفادتهم من استمرار الحرب والحالة السيئة في موقف خصومهم في الحكومة المعترف بها دولياً. اتضح ذلك في الأسابيع التالية عندما تقدم الحوثيون نحو «محافظة مأرب».
ومع الأخذ بالاعتبار أهمية «مدينة مأرب» لوضع الحكومة الشرعية وانصارها، فإن جهود التوصل إلى «سلام» أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وعلى عكس ذلك فقد تؤدي إلى دخول البلاد في تعقيد جديد يؤدي إلى «إنهاء اتفاق ستوكهولم».
وقد تزايدت الدعوات الداخلية المطالبة بخروج الحكومة الشرعية من «الاتفاق». حيث إن تحرك الحملة العسكرية التي توقفت منذ فترة طويلة لاستعادة مدينة الحديدة الساحلية من الحوثيين بموجب اتفاق «ستوكهولم»، هو أمر حاسم لإحداث تغيّر على الأرض يجلب الحوثيين إلى اتفاق يوقف تمددهم في مناطق الحكومة، وينهي حالة الحرب.
• الوضع الإنساني في مأرب: مع اشتداد الحرب يزداد الوضع الإنساني في محافظة مأرب سوءاً مع وجود مخيمات اللجوء لعشرات الآلاف من اللاجئين. يعيش أكثر من مليونين ونصف في مدينة مأرب معظمهم مروا بنزوح عدة مرات خلال سنوات الحرب. ومع الاشتباكات جنوب وغرب المحافظة نزح الآلاف إضافة إلى أكثر من 70 ألف نازح من مناطق أخرى مثل الجوف والبيضاء منذ مارس/آذار 2020، وتهدد الحرب بنزوحهم من جديد.
إن استمرار هجوم الحوثيين في محافظة مأرب، -حتى لو ظلت بعيدة عن المدينة- سيعمق ما هو أصلاً أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم. وفي حال امتد القِتال إلى المنشآت النفطية وقطعت إمدادات الطاقة والطريق السريع المتجه شرقاً فإنه لن يترك سوى طريق واحد صعب متجه جنوباً كممر للنجاة باتجاه محافظة شبوة حيث يوجد وجود رمزي لمنظمات الإغاثة، لن تكون قادرة على استيعاب الملايين من النازحين الجدد في الوقت نفسه.
يعتقد مسؤولو المساعدات في اليمن إن اندفاع الحوثيين نحو مدينة مأرب قد يؤدي إلى معاناة السكان هناك أكبر بكثير من «سكان الحديدة» لو كانت قد اندلعت معركة فيها، بالنظر إلى عدد السكان النازحين هناك وعدم قدرتهم على تحمل نفقات السفر. في حالة الحديدة أدت مفاوضات رعتها الأمم المتحدة إلى «اتفاق ستوكهولم» أوقفت الحرب، وكانت الدواع الإنسانية المؤثر الرئيس لتحقيق تقدم في هذا الاتفاق.
وهذا ما يبرر الغضب وسط السكان من المجتمع الدولي والأمم المتحدة بصمتهم تجاه الحوثيين وعدم أخذ الأمور بجدية كما حدث في الحديدة على الرغم من زيارة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث وتحدث عن خطورة الوضع.
• القبيلة اليمنية: تُعتبر محافظة مأرب آخر حائط صد قبلي لمواجهة الحوثيين، حسب ما أشرنا سابقاً في خصائصها مقارنة بقبائل المحافظات الأخرى. ويوضح تعامل الحوثيين لاحقاً مع القبائل الأخرى في الشمال بشكل مهين الطريقة التي ستقوم بها الجماعة في إدارة ملف قبائل مأرب.
وعلى الرغم من تمكن الحوثيين من استمالة شيوخ «عُزل» ضمن قبيلة مراد، وداخل «أسر الأشراف»، إلا أن ذلك لا يمثل شرخاً في تكوين القبيلة ذاتها، لكنها تعطي إنذاراً للقبائل والحكومة اليمنية والسلطة المحلية لتعزيز وجودها ودعمها لرجال القبائل بالمال والسلاح والرجال لحماية مناطقهم.
وبينما تخشى قبائل مأرب من سيطرة الحوثيين، فإن القبائل اليمنية في المحافظات الأخرى تستشعر الخطر في مستقبلها في ظل حملة يقودها الحوثيون لتفكيك آخر القبائل وأصلبها في مأرب والبيضاء والجوف. ما يهدد مستقبلها ونُظمها المحفوظة في ظل نظام البلد الحالي، وتماسك مواقفها ضد قضايا رئيسية متعلقة بالأعراف. لذلك سيكون رجال هذه القبائل المتواجدين في محافظة مأرب والقادرين على الوصول إلى مناطق الحكومة دور في حماية المدينة من الحوثيين.
سيناريوهات معركة مأرب
ما يحدث في محافظة مأرب هي معركة استنزاف صفرية دون انتصار أي من الطرفين، توضح الأعداد الهائلة من القتلى خلال الشهرين الماضيين أن «معركة مأرب» هي أكبر المعارك خلال سنوات الحرب. ويرفض الطرفان الكشف عن الخسائر البشرية، لكن يمكن ملاحظة تشييع قتلى الطرفين، وعلى عكس الحكومة يقوم الحوثيون بنشر تقارير عن تشييع بعض قتلاهم في مناطق سيطرتهم، وأحصى «أبعاد» خلال شهر سبتمبر/أيلول 2020 تشييع (707) قتيلاً للحوثيين على الأقل بينهم ثلاثة برتبة لواء و(17) برتبة عميد، و(27) برتبة عقيد، و(22) برتبة مقدم و(29) برتبة رائد و(21) برتبة نقيب.
وبما أن معظم جبهات القِتال الأخرى ضعيفة فإن معظم هؤلاء قُتلوا في مواجهة القوات الحكومية ورجال القبائل في محافظتي مأرب والجوف.
ووفقاً لذلك يمكن تحديد السيناريوهات:
السيناريو الأول: انتصار الحكومة اليمنية، بتأمين محافظة مأرب، وكسر اندفاعة الحوثيين التي استخدمت فيها الجماعة كل قوتها وتحشيدها «باعتبارها» المعركة الأخيرة و»أم المعارك». وبتحقيق ذلك سيعاد ترتيب قرار الحرب داخل القوات الحكومية، وترتيب القوات بعيدا عن الضغوط الدولية على التحالف، ما يُمهد لعملية تحرير واسعة النطاق، فتحقيق الانتصار في معركة وضع الحوثيون كل إمكانياتهم فيها، يحيلها إلى فرصة لتحقيق هزيمة للجماعة التي أدمنت الوعود بالدخول إلى مأرب والسيطرة عليها.
إن تمكن الحكومة اليمنية والقبائل من تحقيق انتصار، يغري زعماء القبائل في المحافظات الأخرى للتحرك مع «استنزاف قوة الجماعة» وإضعاف دوائر المال والتحشيد، واستعادة زمام المبادرة الذي فقدوه خلال السنوات الماضية، محمول بملف ثقيل من تجاوزات الحوثيين عليها.
ويعزز هذا السيناريو:
أ) المقاومة الكبيرة للقوات الحكومية ورجال القبائل رغم التحشيد الحوثي الكبير للمقاتلين من المحافظات الخاضعة لسيطرته، وعدم قدرته خلال الأشهر الماضية على تحقيق اختراق حقيقي للقبائل في المحافظة.
ب) الأهمية الاستراتيجية المتعلقة بالمحافظة بصفتها آخر معاقل الحكومة الشرعية، والموطن المتبقي لمن يعارض جماعة الحوثي، وموطن النفط والغاز الذي يمثل مورداً مهماً للحكومة ووقوعه تحت سلطة الحوثيين يعني الحصول على مورد دائم لجهود حرب الجماعة.
ج) رفض السعودية سقوط المحافظة في وقت تستثمر في استمرار المعركة لاستنزاف جميع الأطراف.
د) تحقيق انتصار الحكومة اليمنية وفقدان الحوثيين نشوة الانتصارات، قد يدفعهم لتقديم تنازلات -بدلاً من الجرأة التي أظهرتها الجماعة في التصور المقدم لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة «غريفيث» والتي تتبنى إيجاد مخرج للحرب يحفظ ماء وجه السعودية فقط دون إيقاف للحرب ضد اليمنيين.
ه) كما يعتبر قرب القوات الحكومية من تحرير عاصمة محافظة الجوف (الحزم) أهم المؤشرات على سيناريو الانتصار.
وبالتالي فإن انتصار القوات الحكومية وإعادة الحوثيين إلى ما مناطق ما قبل يوليو/تموز 2020 بقدر ما سيجبر الحوثيين على مواصلة حرب الاستنزاف، إلا أن هذا المسار سيحدد مسار مستقبل الجماعة على المستويين السياسي والعسكري. ويقفز بطموحات الحكومة الشرعية وأنصارها إلى مستويات أعلى من الحالية.
السيناريو الثاني: قد توصل الحرب المفتوحة لاتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية، يتوقف بموجبها الحوثيون عن شن الحرب، مقابل تحقيق جزء من قائمة رغباتهم التسع التي أعلن «مهدي المشاط» القيادي الحوثي ورئيس المجلس السياسي في صنعاء أن زعيم الجماعة قدمها ل»غريفيث» لوقف الحرب في مأرب. تتلخص قائمة الرغبات: تقاسم إيرادات الثروات في المحافظة، إمداد العاصمة بالكهرباء، توفير الغاز لمناطق الحوثيين بأسعار زهيدة، ومنح القبائل والعائلات الموالية للحوثيين من في مأرب نصيب من المناصب القيادية في مؤسسات السلطة المحلية، والمناصب في السلطات التنفيذية والاقتصادية، والإفراج عن قيادات في الجماعة أسروا في المعارك مع الجيش.
ويستبعد حدوث هذا السيناريو إذ سيجعل الحكومة اليمنية خاضعة للحوثيين، وتحت التهديد الدائم، كما أن قائمة رغبات الحوثيين مقابل وقف الحرب لن يكون مقبولة للسلطة المحلية وقبائل المحافظة.
السيناريو الثالث: سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين، وهو ما سيفتح الباب للحوثيين للتوجه شرقاً باتجاه محافظتي حضرموت والمهرة، وجنوباً باتجاه محافظة شبوة، وستتهاوى بقية المحافظات اليمنية اتباعاً في يد الجماعة المسلحة. كما أنها ستملك زمام المبادرة للتحرك على الساحل الغربي لتعزيز وجودها على مضيق باب المندب.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق ذلك خاصة في الفترة الحالية وفقاً للمعطيات العسكرية والمجتمعية، إلا أن إصرار الحوثيين على الحشد بشكل مكثف مع رصد جهات أمنية لدخول عشرات المدربين والخبراء الأجانب في هذا التوقيت، سيجعل الحرب أكثر تعقيدا، وفي حال سيطرة الحوثيين على آخر مركز للقبيلة والدولة اليمنية فإن الصراع في اليمن سيدخل مرحلة جديدة، تكون خسائره البشرية مهولة، وقد يؤدي إلى تعقيد أي جهود لتحقيق «اتفاق بين طرفين». وبموجب ذلك سيفقد السعوديون والإماراتيون نفوذهم في اليمن.
السيناريوهات المطروحة تتعلق بالمواجهات بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من المقاومة القبلية والمسنودة من قوات التحالف، لكن لا يعني ذلك عدم وجود سيناريو مختلف أو مزيج من السيناريوهات الموجودة، خاصة وأن مصالح التحالف (السعودية والإمارات) تتصادم أحيانا بمصالح اليمنيين بجميع أطرافهم، وقد تجد السعودية وإيران الوضع في اليمن أكثر صعوبة مما يتصوروا مع توقعات بدخول فاعلين اقليميين ودوليين جدد في اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.