استياء الشارع اليمني يزداد يوما عن آخر نتيجة للارتفاعات السعرية غير المبررة التي شهدتها الأسواق اليمنية مؤخرا رغم التوجيهات المتكررة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح بتخفيض الأسعار وتثبيتها كترجمة لما نص عليه برنامجه الانتخابي في الانتخابات الرئاسية أواخر سبتمبر الماضي. الأمر مابين توجيهات الرئيس صالح ونافذين في الدولة وتجار غدا أشبه بالتحدي في ظل غياب تام لوزارة الصناعة والتجارة وتباطئها في القيام بدورها الرقابي، حيث لوحظ ارتفاع الأسعار بشكل كبير ومفاجئ خصوصا في المواد الغذائية كالدقيق، والأرز، والسكر، وكذا لحوم الدجاج منذ أواخر شهر رمضان المنصرم بعد خطاب للرئيس في مأدبة إفطار بمدينة عدن دعا فيه إلى ضرورة انخفاض الأسعار وشن هجوما على وزارة الصناعة والتجارة، وحملها مسؤولية ارتفاع الأسعار ووصفها بالوزارة المشلولة، وحذر التجار من عواقب التلاعب بالأسعار. ووجه في خطابه الغرف التجارية بعقد اجتماع عاجل لدراسة هذه الزيادة «غير المبررة»، وهدد باتخاذ إجراءات قاسية ضد من يتلاعب بالأسعار، وقال: خفضوا الأسعار، خفضوا أسعار المواد الغذائية ومواد البناء وملابس الأطفال والنساء وغيرها، وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضد كل المتلاعبين والجشعين، ورسالتي يجب أن تفهم في كل مكان. وأضاف: خفضوا الأسعار وأنتم في أمن وأمان، لكي لا تصيبكم دعوة المظلومين ودعوة الفقراء والمساكين، وما ستتخذه الدولة من إجراءات قاسية ضد المتلاعبين. اتحاد الغرف التجارية من جانبه يرجع تواصل ارتفاع الأسعار والزيادات السعرية التي طرأت مؤخرا نتيجة للزيادة في الأسعار العالمية، كون اليمن تستورد معظم احتياجاتها- إن لم يكن كل احتياجاتها من المواد الأساسية وغيرها- من الخارج، سواء كانت خامات أو منتجات نهائية، ولذلك فإن المتحكم بالأسعار هو من يصدر إلينا هذه السلع، حسب بيان صدر عن الاتحاد. وأضاف البيان:إن مرض أنفلونزا الطيور وإحجام مستهلكين في اليمن والكثير من البلدان عن استهلاك الدواجن والبيض قد أدى إلى إفلاس مئات المزارع وإغلاقها مما سبب في الوقت الحاضر عجزاً في الإنتاج يقل بكثير عن حاجة السوق وخاصة في مادة البيض. مختصون ومهتمون بالشأن الاقتصادي ابدوا استغرابهم من المبررات غير المنطقية التي أوردها اتحاد الغرف التجارية في بيانه، وأكدوا أنه باستطاعة الحكومة الحد من ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية التي تشهد ارتفاعا مستمرا منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية والمحلية في 20 سبتمبر الماضي. وأوضحوا أن الحكومة بإمكانها اتخاذ بعض الإجراءات كالمساهمة في زيادة العروض في السلع التي تشهد ارتفاعا، مشيرين إلى أن هناك نوعاً من الاحتكار لبعض السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والقمح من قبل التجار. وأضافوا: تستطيع الدولة إيجاد تعاقدات طويلة الأجل مع بعض الدول المنتجة للقمح، فهناك مصادر عديدة ورخيصة وبجودة عالية، فسوق الحبوب سوق واسع، كما انه بإمكانها خفض التعرفة الجمركية على السلع الأساسية والإستراتيجية- ولو موسمياً- والعمل بتوجيهات رئيس الجمهورية من خلال متابعة الجهات المختصة وبالذات وزارة التجارة والصناعة ومراقبتها للأسعار، وكيفية توزيع كميات هذه السلع حسب احتياجات كل منطقة، معتبرين أن هؤلاء التجار يبررون ويلقون بالسبب على «شماعة خارجية» فهم دائماً يدافعون عن مصلحتهم ويبررون ارتفاع الأسعار التي يرفعونها. وأشاروا: حتى وإن ارتفعت الأسعار العالمية إلا أن هذا لا يبرر ارتفاعها محلياً بنفس النسبة وبنفس السرعة، والحقيقة أن هناك استغلالاً سيئاً لطبيعة الاقتصاد الحر من قبل التجار وبعض النافذين في الدولة في ظل غياب دور الحكومة، وضعف رقابة المعنيين في تخفيض الأسعار، وإيجاد الحلول المناسبة لهكذا إشكالية. التواطؤ الواضح من قبل المعنيين في الدولة وتحديدا وزارة الصناعة والتجارة وعدم تنفيذها لتوجيهات الرئيس- التي أكد عليها أيضا أواخر الأسبوع المنصرم في حفل تخرج دفع من المعاهد والمدارس العسكرية- أدى إلى الاستغلال السيئ من بعض التجار والنافذين لطبيعة الاقتصاد الحر واحتكارهم لكميات من المواد الغذائية والاستهلاكية كان آخرها ضبط ما يقارب «أربعة» ملايين كيس دقيق في مخازن لتجار بمنطقتي همدان وبني الحارث بصنعاء، ناهيك عن عمليات مماثلة في كثير من مناطق ومحافظات اليمن تم الكشف عن بعضها، ومازال البعض في طي الكتمان، مما قاد الوضع الاقتصادي والمعيشي اليمني إلى منحنى حرج وأفق ضيق يرفضه الجميع. فما بين غياب الرقابة الحكومية وجشع التجار المستمر يقع المواطن اليمني بين فكي كماشة كضحية لأسباب ارتفاعات سعرية يجهلها، ووعود وتوجيهات رئاسية- تقابل بالتحدي من التجار- يطالب بتنفيذها، باحثا عن أي معجزة تخرجه من هذا المأزق الصعب في ظل ظروف معيشية حرجة لا مناص من الخلاص منها.