تشهد مصلحة الجمارك في بلادنا عدداً من الاختلالات المالية والإدارية وبات الفساد ينخر في جسد هذه المؤسسة التي يفترض بها أن تكون بوابة أمنية لحراسة مقدرات وثروات هذا الوطن لكن شيئاً من هذا لم يحدث. فقد كشف التقرير المقدم من إدارة الرقابة والتفتيش بشأن أعمال الشؤون المالية والحسابية بالمصلحة للفترة من "يناير أكتوبر" 2008م اختلاسات مالية كبيرة تسببت في خسائر فادحة لحقت بخزينة الدولة ومن أبرز هذه المخالفات المالية عدم التزام رئاسة المصلحة بتنفيذ اللوائح المنظمة للصرف من . .الحسابات الجارية الخاصة بحساب التربتك والغرامات وحساب الجعالة ولم يتم الرجوع إلى أي من اللوائح أو الاسترشاد بها وعلى الرغم من ضخامة موارد تلك الحسابات خصوصاً حسب التربتك والذي يصل إلى أكثر من مليار ونصف سنوياً. كما كشف التقرير عن وجود مبلغ "200. 000. 000" ريال من حساب التربتك لا يزال مجمداً منذ خمس سنوات وتم تجنبيه في حسابات مفتوح صرف البنك المركزي باسم "اللجنة العليا لمكافحة التهريب" وبحسب التقرير فإن مبلغ مائتي مليون ريال لم يتم استغلاله أو تحريكه ولم يتم معرفة أين ذهب. كما قامت إدارة المصلحة بارتكاب مخالفات مالية واسعة لم تقف عند حد ومن ذلك التوسع في صرف الحوافز والمكافئات الاستثنائية من حساب جارية بلغت حتى 31/10/2008م "537. 262. 920" ريال من حصة التربتك بما نسبته "43. 6%" من إجمالي الاستخدامات المنصرفة منه، كما أنفقت تحت مسمى جعالة مبلغ "17. 107. 490" ريال وبما تعادل نسبته "100%" من إجمالي الاستخدامات المنصرفة إضافة إلى الاعتمادات المرصودة للمصلحة ضمن موازنة عام 2008م والبالغة "300. 000. 000" ريال إلا أن رئاسة المصلحة لم تكتف بالمبالغ المعتمدة وتوسعت في النفقات الوهمية التي لم تشمل بخيرها كل الموظفين بل اقتصرت على رئاسة مصلحة الجمارك فقط، أما الموظفين العاملين في الفروع والإدارات الأخرى فلم يصلهم شيء من هذه المبالغ وهذا يثير عدداً من التساؤلات عن دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا للفساد. وبحسب التقرير فإن مصلحة الجمارك قامت بصرف الحافز الشهري الخاص بضريبة المبيعات والتحصيل خلال عشرة أشهر من "حساب التربتك والجعالة" وكل ذلك تم بمسمى "تحت الحساب" رغم أن مبالغ التربتك تورد من قبل مصلحة الضرائب إلى حساب الغرامات أولاً بأول إلا أن مصلحة الجمارك قامت بذلك تحت مبرر عدم وجود رصيد في حساب الغرامات وهذه تعد مخالفة واضحة للعيان. ولفت تقرير الإدارة العامة للرقابة والتفتيش إلى وجود عدد من الموظفين المتعاونين والمرافقين ضمن كشوفات الحافز الشهري بلغ عددهم أكثر من "110" شخصاً وكل هذا تم دون أن يستند إلى أي مسوغات قانونية تخول مصلحة الجمارك الاستعانة بهؤلاء المرافقين والمتعاونين على اعتبار أن لديها موظفين رسميين ولم تعد بحاجة لهؤلاء، فضلاً عن عدم وجود الضمانات اللازمة التي تضمن ممارسة هؤلاء المتعاونين للأعمال التي يؤديها الموظف الرسمي، إضافة إلى أن هناك ما يزيد عن "40" موظفاً متعاقداً ويتم مواجهة مستحقاتهم المالية من المكافئات والحوافز كحساب التربتك والحسابات الجارية الأخرى وكل هذا يعد مخالفاً لأحكام قرار مجلس الوزير رقم "211" لسنة 2007م. وذكر التقرير عدداً من المخالفات منها تخلي مصلحة الجمارك وتوانيها عن متابعة الفروع فيما يخص توريد حصة المصلحة من الغرامات والمصادرات الجمركية "الصندوق التجهيزات الرؤساء" واستنفاذ المصلحة لموارد هذه الحسابات ومن ثم اللجوء إلى تغذيتها من حصة التربتك لمجابهة الالتزامات القائمة من المكافئات والمساعدات بدلاً عن القيام بمتابعة الفروع المتأخرة في التوريد. هذا ويعاني قسم الحسابات الجارية في مصلحة الجمارك من انعدام العلاقة التكاملية التي يجب أن تكون قائمة بين قسم الحسابات وإدارة الإيرادات لمتابعة موارد الحسابات الجارية أولاً بأول حيث ذكر التقرير أن كلاً منهما يعمل بمعزل عن الآخر ويفتقدان للتنسيق. وبحسب التقرير فإن إدارة "المراجعة والعرض" بمصلحة الجمارك والتي مهمتها موافاة السلطة المختصة بالملاحظات الخاصة بحالات الصرف التي عليها ملاحظات أو تتضمن مخالفات وتجاوزات قانونية لم تعد تؤدي واجبها وباتت أوامر وحالات الصرف تمرر رغم المخالفات والتجاوزات التي تحتويها. وانتقد التقرير التهميش المتعمد الذي تمارسه رئاسة مصلحة الجمارك ضد الإدارة العامة للرقابة والتفتيش وعدم تفعيلها كي تضطلع بالمهام الموكلة إليها بحسب اللائحة التنظيمية للمصلحة الصادرة بالقرار الجمهوري رقم "48" لسنة 92م. وأشار التقرير إلى جملة من المخالفات فيما يخص النفقات العلاجية وبدل السفر حيث ورد في التقرير أن رئاسة المصلحة والعاملين فيها يقومون برفع مطالبات بصرف معونات ومساعدات علاجية من حساب التربتك لمعظم القياديين في رئاسة المصلحة والفروع والتوسع في ذلك لتشمل نواب مدراء العموم وبعض مدراء الإدارات ونوابهم وكل هذا يتم دون وجود مسوغات قانونية تمنح رئاسة المصلحة هذا الاستحقاق ويتم الصرف رغم مخالفته لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم "1" لسنة 98م بشأن لائحة العلاج الطبي في الخارج يضاف إلى هذه المخالفات صرف مساعدات علاجية مع قيمة تذاكر سفر للموظفين من حساب الصندوق المشترك رغم وجود قرارات طبية صادرة من اللجنة الطبية المختصة في المحافظة كما يتم أيضاً صرف قيمة التذاكر نقداً دون توجيهات من وزير المالية وهذا يخالف أحكام المادة رقم "13" من قرار مجلس الوزراء رقم "1" لسنة 98م. هذا وفيما يخص المساعدات أيضاً فقد ذكر التقرير أن قيمة المساعدات المنصرفة لمدراء العموم في مصلحة الجمارك تتجاوز أكثر من الضعف إذا ما قورنت بما يتم صرفه من قبل الإدارة العامة للاعتمادات المركزية في ديوان عام الوزارة. هذا وتضمن تقرير الإدارة العامة للرقابة والتفتيش والذي تحتفظ "أخبار اليوم" بنسخة منه عدداً من المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية والقانونية التي تستدعي من هيئة مكافحة الفساد التوقف عنده ومحاسبة المتورطين في ارتكاب كل تلك المخالفات.