هذا الاحتفاء المدهش في قنوات الإعلام الرسمي بتصريح عبدالملك الحوثي بأن ثمة تطبيعاً قادماً على خلفية إطلاق سجناء متمردين على النظام والقانون، وهذا الاهتمام البالغ الحفاوة بهذه الشخصيةالتي تمارس خرق القانون وبقوة في كل يوم إنما يعني إعطاءه مساحة تبرز عظمته وقوته وسطوته وكأنه ند للدولة وكأنما نسميه التطبيع في العلاقات بين الجمهورية اليمنية وفئة التمرد في صعدة يجري على مستوى نظام ونظام أو دولة ودولة أخرى. ولم يكن ناقصاً إلا أن يؤكد عبدالملك الحوثي بأن العلاقات الدبلوماسية سيجري تبادلها وأن سفيري صنعاء وصعدة سيتم تعيينهما لتطوير العلاقات بين البلدين. الأمر هنا أننا أمام إعلام غبي ورؤية همجية في التعاطي مع الخارجين عن القانون وإبراز الدولة بأنها كانت الظالمة المتعنتة بسجنها نفراً من الميليشيات الحوثية. والواقع أن هذا التصريح المنقول عن فارس مناع وليس عن عبدالملك الحوثي شخصياً قد أريد له أن يظهر وكأن الوطن اليمني على كف عفريت لولم يأتِ المنقذ وحمامة السلام عبدالملك الحوثي ليعلن عودة تطبيع العلاقات بينه والجمهورية اليمنية. هذا التعاطي الفض والذي لا يخلو في تناول الإعلام له من شيطنة وسوء نية لإظهار ضعف الدولة وعجزها عن تطبيق القانون والنظام ما كان له أن يحدث لو أن ثمة رؤية صحيحة وواضحة في فهم المسألة الحوثية كفئة متمردة في صعدة والعمل وفق هذا الوعي في الخطاب الإعلامي الذي يعطي للحوثية المكانة الرفيعة في السلم والاستقرار في الوطن اليمني باعتباره المانح والمعطي والمتفضل في هذا وأن الدولة بتصريحه المنقول على لسانه بالتطبيع معها على خلفية إطلاق نفر من ميليشياته قد اعتبرت هذا يوماً وطنياً وعيداً للأعياد وأعطته المكانة الكبيرة في تفضله بالتطبيع. إن هذا الفهم السيء والخاطئ لأهمية الوعي بالفئة المتمردة وعدم التعامل معهم كخارجين عن القانون أمر يبدو أنه قد غاب عمن يريدون إظهار الوطن ونظامه هشاً ورخواً بينه وبين من له الحل والعقد عبدالملك الحوثي الذي يمارس كل أنواع الصلف والغرور فهو ما يزال يحتل المدارس ويغتال الأبرياء والحاكم بأمره في محافظة صعدة يعزل ويعين من يريد. هذا الممتد خارجياً إلى الدولة الفارسية يعسكر المنطقة ليجعل منها متاريس للتمرد ولاستئناف حرب سادسة كما قال لا تبقي ولا تذر لأن لديه إمكانيات إضافية قدمتها الدولة الفارسية. هذا الرجل الذي لم يكن يوماً مخلصاً لنوايا السلم والاستقرار قدر إخلاصه لتعاليم المرجعية "خامنئي" في طهران، هو اليوم في الصحافة اليمنية في سبتمبر مثلاً رجل إنقاذ وطني ورجل سلم لأنه سيطبع مع اليمن، في حين أن استخدام هذا المصطلح هو إضفاء صبغة قانونية للتمرد وإعطاءه شرعية لمطالبه في النفوذ الإيراني الذي سيشكل مستقبلاً الخطر الحقيقي على اليمن ودول المنطقة بتساهل النظام وإبرازه إعلامياً، "الحوثي" بأنه صاحب المبادرات ورجل المرحلة القادمة. إننا في واقع الأمر أمام مهزلة تاريخية ومستنقع غباء سياسي يفضي إلى المزيد من الخروج عن القانون. إننا أمام إعلام لا يفقه شيئاً عن الحكمة والوطن وتاريخ الانتصارات العملاقة.. أمام إعلام يروج للمكر ويمنح الباغي المزيد من البغي.. حالة لا يمكن أن نجد مثيلاً لها في تاريخ اليمن القديم والحديث أن يكون للوطن تطبيع مع المرتزقة والعملاء.. نقول هذا ولا يعني رفضنا للسلم قدر ما نريد قول الحقيقة. اليمن بهذا السلوك النشاز إزاء المتمردين تواجه خطراً وأي خطر. وثمة من يمنح القوى الخيانية سجلات من الانتصارات وبيارق الرجعية وإن على جثث الأبرار من الشهداء وعلى مرأى من أولئك الميامين الذين يجدون في التطبيع حقل ألغام قادم. تطبيع بين نظامين ربما .. بين بلدين ربما.. بين شرفاء وخونة كل ذلك محتمل ولا نامت أعين الجبناء وفقهاء الخبث السياسي.