بعد استبدال وزير الدفاع الجديد «روبرت غيتس» بوزير الدفاع الأميركي «دونالد رامسفيلد»، وبعد قبول بوش استقالة المندوب الأميركي في الأممالمتحدة «جون بولتون»، وبعد سيطرة الحزب الديمقراطي على مجريات الأمور السياسية في الولاياتالمتحدة، وبعد الانتهاء من إنجاز تقرير «بيكر- هاميلتون» الذي كان بمثابة النظرة الشاملة عن الأوضاع في العراق والشرق الأوسط، وبعد الوقوف على الحقيقة المرة التي يعيشها العراق والتي تجره إلى حرب أهلية طاحنة يذهب ضحيتها الآلاف من العراقيين الأبرياء، وبعد معرفة أن هناك جهات إقليمية مؤثرة بشكل أو بآخر في مصير الحياة السياسية في العراق، جاء وقت التغيير في السياسة الأميركية خاصة بعد قرب استلام «روبرت غيتس» مهامه الجديدة بشكل رسمي. على الولاياتالمتحدة أن تأخذ بتوصيات تقرير لجنة «بيكر -هاميلتون» وتدخل في حوار مباشر مع أعداء الأمس وهما سوريا وإيران، وعليها أيضاً أن تشرك الدول المعتدلة كالسعودية ومصر والأردن وبعض دول الخليج لوضع حل للأزمة، ووضع جدول زمني مناسب للانسحاب من العراق، دون ترك فراغ يسمح للقوى الراديكالية المتشددة بالسيطرة على مجريات الأمور في العراق. إن الفشل في وضع حد لما يجري من اقتتال مذهبي طائفي في العراق سيجعل الإدارة الأميركية في امتحان عصيب في المرحلة المقبلة، فإدارة بوش الآن في صراع مع الوقت، خاصة وأنه لم يتبق لها سوى أقل من سنتين لتحقيق ما يشبه المعجزة في العراق، لقد أدركت إدارة بوش أن استخدام القوة العسكرية لن يؤدي إلى نتائج سياسية ولم يحقق الديمقراطية التي تنشدها وتدعو إليها، الرئيس بوش يتخبط اليوم بين كماشة التزاماته الاستراتيجية البعيدة المدى التي لم تتحقق بعد- ويبدو أنها لن تتحقق- وبين الواقع المرير الذي حدث ويحدث في العراق. ورغم أن الدخول في حوار مع إيران وسوريا أصبح أمراً ضرورياً لتهدئة الأوضاع في العراق وضبط الأمن والاستقرار، إلا أن وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس عبرت في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست عدم نية واشنطن في التعاون مع إيران وسوريا لحل المشكلة في العراق، ونفت أن يكون هناك أية تعويضات للبلدين، مستبعدة أي مقايضة بشأن العراق أو لبنان، هذا التعنت في السياسة الخارجية الأميركية سيبقي العراق غارقاً في مستنقع الاقتتال اليومي، وسيبقي الوضع على ما هو عليه ما لم يتم تقديم تنازلات من قبل واشنطن، وما لم يتم تشكيل حكومة قوية قادرة على ضبط الأمن والاستقرار السياسي في العراق. العراق اليوم يدفع فاتورة حسابات إقليمية ، ومصالح أميركية في المنطقة، فالولاياتالمتحدة جاءت للمنطقة لاسقاط نظام صدام حسين وفعلت ذلك، لكنها لم تستطع حفظ الأمن والاستقرار، وارتكبت أخطاء جسيمة، فجعلت العراق ساحة للصراع المذهبي وأرضاً خصبة لتفريخ الجماعات المسلحة والقوى الظلامية وفرق الموت المجهولة المذهب والهوية، إيران تطمح إلى تنازلات أميركية حول ملفها النووي مقابل تدخل في اتجاه استقرار العراق، والولاياتالمتحدة ترفض تقديم أي تنازلات وتطالب إيران بتدخل مجاني، لأن استقرار العراق برأي إدارة بوش يخدم المشروع الديمقراطي في المنطقة. نوري المالكي دعا القادة البعثيين في الجيش العراقي السابق للانخراط في الحكومة الجديدة، وهذا تحول جديد في السياسة العراقية، هذا الإشراك بالتأكيد سيخفف من وطأة الهجمات التي تنظم من قبل البعثيين السابقين والذين خلعوا من مناصبهم، هذا التحول لا يخالف الدستور العراقي كون حزب البعث حزباً محظوراً عراقياً، لكن عودة القادة العسكريين البعثيين سيكون بطريقة فردية، بمعنى أنهم سيعودون لعملهم دون الانتماء لحزب البعث. ويمكن اعتبار هذه الخطوة تحولاً جديداً في سياسة الولاياتالمتحدة في التعامل مع الجهات المسؤولة عن تدهور الأمن في العراق، وسيتم بالتأكيد فتح جبهات للحوار مع قادة الميليشيات في العراق لوضع حد للقتل اليومي للعراقيين. ومن التحولات الجديدة أيضاً فتح قنوات للتعاون الأمني مع دول الجوار المعتدلة، هذا التعاون المرتقب سيحقق تقدماً كبيراً فيما يتعلق بأمن العراق واستقراره، خاصة من قبل الدول التي لها حدود مباشرة مع العراق، التعاون سيكون بمنع تسرب الأسلحة والمقاتلين ومراقبة الحدود، كما من شأنه أن يمنع تمويل الميليشيات العراقية التي أصبحت قادرة على تمويل نفسها بتهريب النفط بطرق سرية مقابل الحصول على السلاح والعتاد، الذي غالباً ما يستخدم في تفجير وتفخيخ السيارات وقتل الأبرياء. jalalfarhi@yahoo. com