في محافظة أبين الباسلة.. العشرات من حملة الشهادات الجامعية والمعاهد العلمية، يشكون قلة المال وضعف الحال، فلا يملكون حق "..." ولاما يسيل له لعاب بعض مسؤولينا، هداهم الله إلى طريق الصواب، كي ينجوا بجلودهم من حرارة البطالة التي فتكت بالأبناء، فازدادت اشتعالاً من كثرة الوالجين إليها، فبعد أن كانت أحلامهم تزن الجبال من ضخامتها، أضحت سراباً "يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً".. فمن أبناء أبين من نال كعكته التي وضعها بجهده وعرقه بعد أن بلغت نفسه حلقومها، وهناك من رحل بصمت إلى أرض المهجر وأخر مات ببطء، وهناك من ثقله التهميش، والبعض الآخر ينتظر كلمة رثاء على حياته البائسة وفريق يستدر عطفاً أمام أبواب الإدارات المختلفة التي لا تعرف في قاموسها مفردة "الإنصاف". والتلاعب بالتوظيف بأساليب ملتوية ولا إنسانية يتجرع منها حامل الشهادة معنى المرارة الحقيقية والنكسة الكبيرة في كل عام عندما تعرض درجته للبيع في المزاد العلني من دون رحمة أو وازع من ضمير. صحيفة "أخبار اليوم" وحرصاً من نهجها الوطني والإنساني والاجتماعي الذي خطته ضمن رسالتها ومبادئها وأهدافها المهنية والإعلامية، تلقي الضوء على واحدة من أكثر القضايا أهمية تمس حياة وأحلام جيل بأسره من أبناء وشباب هذا الوطن الذين مازالوا يحتسون بمرارة واقع المعاناة والهموم والأحزان اليومية، بعد أن أتموا سنوات الدراسة والتعليم، وجدوا أنفسهم اليوم بدون وظائف، بدون حقوق، بدون أمل أو مستقبل.. فإلى حصيلة الاستطلاع: يتاجرون بأحلامنا: تحدث إلينا الأخ/ السيد علي ناصر، خريج جامعي "2004 2005" خريج جامعي، وفي وجهه نوع من اليأس والإمتعاض فقال: إن الطموح الذي كان يحدوني بالماضي للحصول على وظيفة حكومية صار اليوم تحقيقه ضرباً من المستحيل والخيال، لأن الدولة تجد أن الأحقية بشغر تلك الوظائف هم أصحاب الوسائط وأبناء المسؤولين، وما الكلام والوعود التي تطرح في البرامج السياسية عن مستقبل الشباب ما هو إلا كذب وسراب، فأنت لا تتصور عمق الضغوطات والمشاكل التي تعاني منها أسرتي بسبب افتقارها لمقومات الحياة الكريمة، وللأسف كل المؤشرات التي نراها في ظروفنا اليومية تدل على أنه ليس هناك أمل في تحسين الأوضاع التي نمر بها الآن، لهذا وجدت أن فكرة الهجرة والرحيل عن الوطن هو الحل الذي قد يمكنني من تحقيق أحلام المستقبل. لا أملك وساطات للوظيفة: الشاب/ عادل الخضر صالح، خريج يقول: "رغم تطوعي لمدة أربع سنوات كاملة في مدرسة بمنطقتنا.. إلا أن ذلك لم يجد تفهماً، لا أملك وساطات لتكون بوابة للتوظيف التي طالما حلمت بها منذ الصغر، كي أعف نفسي عن السؤال ورغم كل ذلك سأظل أبحث عن الرزق في بلاد الله، والغريب في الأمر، إدارة التربية بأبين وظفت هذا العام كل من هب ودب عسكر ومدنيين ونحن المستحقون لا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم". الاستحواذ على الوظائف من قبل المسؤولين: الجامعي/ أحمد ناصر عوض خريج لغة عربية "2001 2002" تطرق إلى القصص التي لا يزال يتجرعها الشباب الخريجون منذ العام 94م قائلا:"منذ ما بعد هذا العام وطريقة توزيع الدرجات الوظيفية غير عادلة، حيث يتم الاستحواذ على الوظائف من قبل المسؤولين وبيعها لأشخاص من خارج المحافظة على حساب أبنائها ولا ندري ما السبب، أهو ضعف الوازع الديني، أم عدم الخوف من الله في عباده" وأضاف:" هناك الكثير من الخريجين من أمثالنا منذ ما بعد 2000ه لا يزالوا مرميين في الشارع والدولة تصم آذانها عن الشباب وحاملي الشهادات عدا تلك الوعود الكاذبة، والتصريحات التي تعتاد السلطة أن تطلقها أيام الانتخابات لتخدير الشباب والمجتمع والتي من خلالها تضحك السلطة على ذقون الغلابى والمقهورين" وقال:"إن أبناء المحافظات الجنوبية جميعاً يعيشون في ظل نظام يحترم الشعب، يوفر لأبنائه سبل العيش الكريم ومنها فرص العمل من بعد الثانوية العامة كذا الالتحاق بكل سهولة بالكليات والمؤسسات الحكومية، بينما كان التعليم مجاناً وبعد حرب صيف 94م تغير كل شيء، حيث يعاني منذ ذلك الحين "الكثيرون الظلم والحرمان والحياة المزرية الكئيبة"، فذهبت الحقوق وسخرت الوظائف لأبناء المسؤولين وأصحاب المناصب القيادية والمتنفذة على الرغم من عدم امتلاكهم أي مؤهلات مقارنة ببعض الشباب المحرومين وهنا تكمن المفارقة الصحيحة وأملنا كبير في المحافظ الجديد في توزيع الوظائف بالعدل والإنصاف". بعض الخريجين أصيبوا بحالات نفسية الجامعي/ طارق أحمد سعيد خريج عام 98، تحدث إلينا قائلاً:"صحيح أن المعاناة تولد الإبداع ومن يشاهد ويتعرف على أحوال الخريجين والعاطلين عن العمل اليوم سيصاب بالدهشة والحيرة، فأين السلطة ووعودها منا ومن أمثالنا من شريحة الشباب ممن يحملون الشهادات ويعملون في المطاعم والورش والبقالات وصوالين الحلاقة والعاطلين في الشوارع، وقال:"للأمانة أن هناك العديد من الشباب الجامعيين قد أصيبوا بحالات نفسية جراء عدم توفر فرص عمل لهم وبسبب المتاجرة بحقوقهم ووظائفهم، حيث أن بعضهم قد مضى على تخرجهم عشرات السنين وبلغ من العمر عتياً ومضى عليهم قطار الزواج وفاتهم وآخرون تركوا التعليم الجامعي بسبب التكاليف الباهظة وسوء الوضع الاقتصادي في البلاد". وقال:"حتى البعثات الخارجية والسفريات للتعليم في الخارج مخصصة لأبناء المشائخ والمتنفذين والمسؤولين وحتى اليوم لا ندري كيف تدار معاملاتها، ورغم ما أصابنا وأصاب الكثير من خريجي محافظة أبين، الجامعيين من يأس وقنوط وإحباط وتذمر نتيجة المتاجرة بوظائفنا وبيعها لأشخاص يمتلكون المال، إلا أننا نعاهد الله بأننا سنواصل نضالنا في سبيل نيل حقوقنا بطرق سلمية". غربة في الوطن: وعبر الشباب/ حلمي أحمد، عن مشكلته قائلا: إحساسي بالغربة وشعوري بالتهميش في وطني بسبب عدم حصولي على وظيفة قادني إلى القيام بعدد من المحاولات للهجرة والسفر إلى بعض دول الجوار، لعلي أحظى بفرصة عمل مناسبة بعد ما ضاقت بنا السبل والآمال في الحصول على وظيفة في بلدنا، فمن الصعب على الشباب الطموح أن يعيش في وطنه تحت هذا التدهور والغلاء المعيشي والأوضاع الصعبة التي نعانيها، وسعدنا حين سمعنا أن الأخ المحافظة قد صدرت منه توجيهات محافظ أبين عله يحل مشاكلنا العالقة منذ سنوات وهو يسحب الثقة عن مدارء الإدارات في المحافظة الذين عاثوا في المحافظة فساداً، ولكننا لم نشاهد حتى اليوم بوادر لحل حقيقي، وآليات صادقة مقرونة بالأفعال والقناعات في تنفيذها". كلمة أخيرة ومسك الختام: كما رأينا من الآراء والهموم التي طرحت بأنه لا مستقبل للشباب في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وأن التطرق عبر الخطابات والتوجهات السياسية حول أهمية مستقبل الشباب لم تعد تجدي نفعاً طالما ونحن نسير بمناهج شمولية ونظرية ترسى على أساسها تجميد دور ووظائف الشباب بدلاً من التطبيق العملي بالعناية والاهتمام. والشباب الخريجون في محافظة أبين مطالبهم واضحة والسلطة تجيد العزف على وتر الأكاذيب وتنسج رؤى الإقناع لهز العواطف، وأصبحت الألاعيب مكشوفة، ويرجعون آمالهم ومستقبلهم في المحافظ الجديد الزوعري، فهل يقوم بواجبه تجاههم، أم يستغيثون فلا مجيب"؟!َ