العلم نور، والجهل ظلام، والحروب والدمار والشتات ظلمات وقهر وحرمان، وما أقسى الحرمان وما أصعب حياة الإنسان عندما لا يشعر بنفسه كإنسان.. يجول حول نفسه لا يعرف إلى أين يذهب، ولا يدري في أي مكان سيمكث.. فلا مأوى سوى حياة سكنتها الأزمات وواقع مرير أجبر نفسه عليهم.. إنهم أساتذة الأمس وطلاب اليوم نزحوا مع أقلامهم لعلها تسطر معاناتهم.. في هذا الاستطلاع تحاول "أخبار اليوم" رصد الأوضاع اليومية للنازحين في مدارس عدن وبالأخص هموم المعلمين والطلاب، فإلى الحصيلة: ما انفكت الهموم تلاحقهم تباعاً، وكأن الأمر أشبه بعقاب ممتد ويلاته، تعرضوا للقتل والدمار ثم النزوح، فأصبح القوم في شقاء دائم، تزدحم حياتهم بالمآسي.. إنهم نازحو أبين.. بؤساء الشتات الذين مازالوا يدفعون الثمن، لا لذنب سوى أنهم يتحملون أخطاء السياسة حتى وصل بهم الحال إلى ما هو عليه.. حال لم يستثن أحداً منهم وهاجم الأساتذة والطلاب بلا أمل ولا مستقبل، كما أشارت زميلتي في مقدمتها وسنتناوله بشيء من التفصيل. تسارع الأحزان وتساقط الأحلام: تتسارع أحزانهم، وتتساقط أحلامهم، هكذا بدالنا من حديث الأخ/ هواش علوان الذي يعمل معلماً في التربية والتعليم محافظة أبين، وعاقل حارة الرميلة الشرقية"، عن وضع أبين يقول: "أبين اليوم تشهد كارثة وهي مسرحية دمار، والمواطن هو الضحية، الطيران يقصفه من جهة والبحرية والقوات المسلحة من جهة وماذا يقصفون؟ المواطن المدارس المباني المستشفيات وأقولها بصراحة: ما يجري في أبين سببه السلطة فمازلت أتذكر تلك الفترة عندما كان فينا من يقول الحق وينتقد فساد السلطة كان يقاد إلى السجن وأنا ممن سجن، واليوم أدعوا أبناء أبين وأقول لهم: "إن كان عندكم ذرة وطنية عليكم أن تكونوا في المقدمة لحماية أبين. "أكثر ما نعاني الدولة والمسؤولين" عن وضع النازح يقول هواش:"النازح اليوم يعاني وأكثر ما يعانيه من الجهات المختصة بشؤونه واللجان القائمة وأولهم المجالس المحلية ونحن نريد أن نسأل أين ذهبت أموال ومخصصات النازحين؟ وأين المعونات القادمة من الخارج؟ ولماذا لا تعالج قضايا النازحين من إيواء وغذاء وتعليم ودواء، ولماذا ليس للدولة دور؟ فلم نسمع مسؤولاً واحداً تكلم عن نازحي أبين وكل ما نراه عملاً عشوائياً يتحصل فيه أفراد أسرة واحدة بطائق صرف معونات بينما بالمقابل تحرم أسرة أخرى كاملة من المعونات، وإذا طالبت وجدت من ينهرها دون أنه يراعي حالتها النفسية والمعيشية. "آمال مبتورة" عندي ثلاث بنات وولد، لا أريد أن يحرموا من التعليم، والمشكلة أن في عدن نظام صارم ونحن نحترم ذلك ولكن لا بد من نظرة كريمة لمستقبل أولادنا" كانت تلك أمنية الأستاذ/ هواش والذي أضاف: لا بد للتربية والتعليم من مناقشة أوضاع الطلاب النازحين مع الجهات المختصة حتى لا يضيع جيل كامل، وفيما يتعلق بترحيل النازحين من مداس عدن إلى مخيمات يقول هواش: نحن هربنا من حرب ودمار وبسبب تدهور مقومات الحياة فوجدنا مدارس عدن مأوى لا بأس به ثم نسمع اليوم بنقلنا إلى مخيمات خاوية ليس فيها أدنى مقومات العيش الكريم.. كيف ستعيش الأسر فيها؟ فأقل القليل يحترموا العائلات، ولماذا لا يتم نقلنا إلى مدينة الصالح أو إلى المرافق الغير شغالة أو إلى المعسكرات المهجورة؟ "لا بد من تشكيل لجان أمنية" وفي ما يخص الحلول والمعالجات للتخفيف من معاناة النازحين يقول هواش: "أدعو إلى تشكيل لجان أمنية من أبناء عدن الطيبين، فهناك من الناشطين الحقوقيين، ندعوهم لتشكيل جمعيات خيرية تعمل على حصر النازحين ومعالجة كل مشاكلهم لأن أبناء أبين اليوم بحاجة ماسة لضروريات العيش وبحاجة إلى يد حانية وأطباء نفسانيين لمعالجة آثار الأحداث، فعلى الجهات المختصة أن تشكل لجاناً تتولى حصر الأسر في البيوت والجان تتولى تأمين الغذاء والإيواء والدواء وآخرى تتولى الصحة والتعليم وكل ما يتعلق بهما. "جيل محروم" عيشة "11 عاماً" طفلة نازحة مليئة بالطموح، ذات بشرة سمراء جميلة، قالت: إنها تريد أن تكبر وتصبح معلمة، هي تحب المدرسة أكثر من أي مكان آخر، تقول: اليوم لا مدرسة ولا منزل وأهلي دائماً أراهم في حزن وأنا ليس عندي نقود أتشري بها لعبة تسليني فأنا طفشانة. الخضر شقيق عيشه "6 سنوات" تقول والدته إنه متوتر وخائف دائماً وعندما يسمع صوت طائرة يبكي ويقول يامه بترمينا الطائرة وبنموت. هدى "13 عاماً" تتمنى أن تعود إلى المدرسة وقالت: أشتي أكون طبيبة أعالج الناس، وأبي رفض ما يوديني أدرس وقال: في بلادنا حرب وإذا رحنا بنموت وقال: إن بيتنا تهدم وإن المدارس مقفلة محد يتعلم فيها "هموم المعلمين" تعبوا من أثمان الكارثة وأرهقتهم الأزمات المتتابعة، وتوزعت همومهم بين تأمين أسرهم النازحة وبين تأدية ما عليهم من واجب، فحال الوضع بينهم وبين الطمأنينة والاستقراء والعطاء.. إنهم المعلمون العاملون في مدارس مدرية ميكراس محافظة البيضاء لكنهم ممن نزحوا إلى عدن واليوم إدارة التربية والتعليم في البيضاء تدعوهم لمباشرة أعمالهم وإلا سيتم توقيف مرتباتهم، وهم حيارى بين ظروفهم ومعاشاتهم وبين عملهم وأسرهم، فلا هم يستطيعون أخذهم معهم ولا هم قادرون على تركهم وهم في نزوح. الأخ/ عوض سالم يحيى معلم في محافظة البيضاء م/ مكيراس يقول: "الكل يعلم ظروفنا كنازحين وما نعانيه من شتات وعدم استقرار فأسرنا في المدارس لا يجدون المأوى المريح ولا العيش الكريم بعد أن فقدنا كل ما نملك في أبين. وأضاف الأستاذ/ عوض: حقيقة كانت إدارة تربية البيضاء متعاونة جداً معنا قبل النزوح ونحن نرجوا منها اليوم تقدير ما هو أصعب من الأمس، فنحن لا نستطيع ترك أسرنا في عدن مع ما هم عليه من ضياع، صحيح أننا ملزمون بتأدية ما علينا من أمانة، لكن على وزارة التربية أن تتفهم موقفنا وتخصنا بقرار استثنائي كوننا من يقوم بأسرنا ومن الصعب تركهم وهم في هذا الحال، كذلك لا نستطيع أخذهم معنا نظراً لانقطاع الطريق وتكلفة السفر والمقام، لذلك نرجوا من تربية البيضاء لفته إنسانية أخوية كريمة وسنكون ممتنين لصنيعها. "عقول مشغولة" هو يعمل معلماً كزميله وإن اختلفت المدارس إلا أنها نفس المعاناة فهي أيضاً في محافظة البيضاء يقول الأستاذ/ عبدالباسط عبودة: كل تربوي يعلم جيداً أن المعلم لا يمكن أن يؤدي مهنة التدريس إلا إذا كان ذهنه صافياً ونفسيته مستقرة، بذلك يستطيع توصيل المعلومة للطالب، أما نحن اليوم وبسبب ظروفنا نفسياتنا محطمة، وعقولنا مشغولة على أسرنا هنا في عدن ومع ذلك التربية والتعليم في البيضاء تطلب منا الحضور أو ستتخذ إجراءات بتوقيف المرتبات، وكل ما نرجوه منها هو تقدير ظروفنا واستشعار ألمنا وملامسة همومنا حتى تستقر الأمور لكي نرتب أوضاع أسرنا ثم نباشر أعمالنا. "الأمل المنشود" اشتركا في الحديث كما قاسمتهما الهموم والأحزان حياتهما الأستاذ/ وجدي ناجي، وكذا أسامة صالح يعمل كل منهما معلماً في محافظة البيضاء، حيث قال: كل أملنا أن نجد من يتفهم وضعنا سوأ من الأخوة الزملاء لنا في مدارسنا أو من محافظتي أبينوالبيضاء أو مدير التربية أو الوزير، لأننا نمر بظروف استثنائية، لم يسبق أن مر بها غيرنا فنحن فقدنا منازلنا وبعض أقاربنا وأكبر من ذلك شتات أسرنا وحاجتهم الماسة لنا، فكيف وبأي نفس نستطيع أن نقدم المنهج، لذا نرجوا مراعاة حالتنا النفسية والاجتماعية، وكذلك الاقتصادية "حمل ثقيل" بدأنا جولتنا مع المعلمين والطلاب وجميعهم ملقي في قعر النزوح، فحاولنا تسليط الأضواء على جزء بسيط من معاناتهم وأوضاعهم المأساوية، وتركنا بينهم حملاً ثقيلاً، يحمله عنهم من حمل ويعينهم عليه من شاء، ومهما تحدثنا لا يمكن للكلمات أن تحيط بواقع قائم، أسوأ الاحتمالات ممكنة فيه، لكن النازحين لا تفارقهم أحلام العودة إلى الديار.. فأبين حاضرة بعيونهم في الطبيعة والحياة اليومية وإن تراءت لنا أجسادهم مرمية في أحضان النزوح.