الثورة اليمنية وهي تناهز عامها الثاني بعزيمة لا تلين وإصرار قل نظيره فلم تعق اليمنيين كل ممارسات ووحشية وقمع نظام الحكم الذي انتفضوا ضده مطالبين برحيله,ولم تثنهم المواقف الإقليمية المبتعدة تماماً عما يدور في اليمن لتشخص ثورة اليمنيين بالأزمة وحصول تلك المواقف على المساندة الدولية..وما أضعفتهم طول الفترة وكثرة المراوغات والكذب وما شتت وحدة أهدفهم ومطلبهم الإشاعات والأموال..صمود وإصرار سقطت أمامه كل رهانات الباطل,وتطايرت كل أوراق الحاكم,وعُريت كل مقاصد المصالح..وبقي اليمنيون في ساحاتهم بانتظار ما قد تكشفه قادم الأيام من ريدكالية الزيف وتفاهة الاستماتة من أجل السلطة.. غير معتمدين على أحد ولا واثقين إلا من أنفسهم وما يقررونه وفق قاعدة:( لكل حدث حديث).. من خلال التقرير التالي ترصد أخبار اليوم العوائق الأبرز التي واجهت الثورة اليمنية ,وأسبابها ودوافعها, وكيف حافظت الثورة على زخمها,واستمرارها,وتأكيدها بأنها ثورة لا كما أراد أعداؤها تكييفها..فإلى متابعة التقرير:
العائق الأكبر الذي واجه الثورة اليمنية منذ البداية وحتى اليوم هو محاولات الإصرار على تصويرها بأنها أزمة لا ثورة، محاولات مستندة على تحديد الأطراف الفاعلة في الساحة اليمنية سواءً كانت قوى سياسية أو عسكرية أو قبلية.. إلا أن جميع اليمنيين يدركون أن الثورة اليمنية انطلقت منذ خطواتها الأولى انطلاقة جادة وصحيحة غير أن خطوات وأحداث ومواقف ما بعد الانطلاقة كشفت بكل وضوح عن أبرز القوى اللاعبة على الساحة اليمنية في الجانب السياسي، حيث برز اللقاء المشترك المناصر للثورة كنِد للحزب الحاكم والمعبر عن الثورة بشكل رسمي, وفي الجانب العسكري برزت الفرقة الأولى مدرع كقوى مناصرة للثورة يقابلها الحرس الجمهوري,والأمن المركزي كقوة مساندة للحاكم وردع للثورة ..وفي الجانب القبلي برزت قبيلة حاشد على رأس عدد كبير من القبائل اليمنية المناصرة للثورة,يقابلها عدد من القبائل وإن كانت أقل حجماً وثقلاً تناصر الحاكم حتى ممن أصطنعهم من المشايخ الجداد ...ذلك التقابل الذي يشبه إلى حد كبير التعادل والتوازن بين طرفين دفعا بالمجتمع الإقليمي والدولي إلى تصنيف ما يحدث في اليمن على أنه أزمة لا ثورة وأن الحل لذلك هو التسوية السياسية,وتلك بالطبع نتيجة يصل إليها أي مراقب أو متابع فلا يرى سوى طرفي معادلة دعما قناعة المجتمع الدولي والإقليمي في تشخيص ما يحدث في اليمن بأن كل القوى المساندة للثورة قوى تقليدية يعرفها الجميع وليست وليدة اللحظة.. عاصرت الحاكم وعملت معه وعارضته وكانت معه على خلاف وصراع منذ ما قبل الثورة, فأضحت هي القوى الفاعلة في الثورة وفي الواجهة والمحركة للأحداث على المستويين الميداني والسياسي، بخلاف ما كانت عليه الثورة في مصر أو تونس والتي انضم إليها معارضون سياسيون لأنظمة الحكم، لكنهم لم يكونوا واجهة الثورة ولا رأس قيادتها ولا الناطقين الرسميون باسمها، تاركين صناعة الأحداث والمواقف السياسية للساحات وشبابها فعلاً. في المضمون كان ذلك الشكل,والمظهر الغالب على ما يحدث في اليمن للمراقبين الخارجيين وعدد من دول الطوق التي أقنعت المجتمع الدولي بطريقة أو بأخرى بنظرتها وتشخيصها لما يحدث في اليمن، رغم أن غالبية اليمنيين يؤمنون بأنها ثورة ويساندونها وقدموا وما زالوا في سبيل نجاحها الكثير من التضحيات البشرية والمادية , ومع إيمان المجتمع الإقليمي والدولي بأن ما يحدث في اليمن هو ثورة من أنبل ثورات التاريخ المعاصر غير أن حسابات المصالح لتلك الأطراف طغت على كل شيء ودفعت بالأطراف سالفة الذكر كعادتها إلى تفضيل مصالحها وإيصال رسائلها من خلال مواقفها، فللطرفان الإقليمي والدولي مصالح وحسابات خاصة متعلقة باليمن, وللطرف الإقليمي أيضاً رسائل لجماهيره ومواطنيه يريد إيصالها من خلال موقفه إزاء اليمن,فمثلت المصالح والرسائل مضمون الموقف الإقليمي والدولي الذي تمخض بإقرار وتثبيت المبادرة الخليجية كأمر واقع ومفروض على اليمنيين .. موقف استند على شكليات المظهر اليمني التي أسلفنا ذكرها,وممارسات الحاكم في إشعال حروب في الحصبة وأرحب ونهم,وأبين ليدعم بها حُجية موقفه الباطن مع معرفة الإقليمي أن موقفه وتشخيصه خاطئ لما يدور في اليمن، لكنه مصر على فرض موقفه والحلول التي افترضها على المجتمع اليمني ؛لأن مكاسبه من ذلك ليس مصالحه فحسب بل وطوق نجاة وحصر لأي مد ثوري قد يهدد دول الطوق (المجاورة لليمن). رسائل ومع أن المبادرة الخليجية حسب تأكيد عدد من السياسيين وعلماء المجتمع لم تخلُ من وضع مصلحة دول الجوار فوق كل اعتبار فإنها أيضاً تمثل أسلوباً جديداً لإفشال الثورات عند حدود الجزيرة والخليج رسالتها الأولى للداخل الخليجي.. وأبرز ما يدل على تلك الرسالة هو بند الحصانة لصالح ونظامه..ليفهمها الخليجيون من غيرهم أنكم إن تمردتم علينا أو ثرتم فسنقتلكم كما نشأ ونسلب كل ما نريد ونخرج بحصانة علها أفضل من حصانة الرئيس اليمني..والحليم من اعتبر بما نفعله مع غيره..فليحذر أن يصل الأمر إليه. واقع أما المعارضة في اليمن وحتى أولاد الأحمر فلم يكونوا أول من ثار ضد نظام صالح ليكون ذلك مؤشراً بأن ما يحدث في اليمن ربما أزمة وما كان انضمامهم إلا بعد أن تشكلت ساحات الثورة في تعز وصنعاء وعدن وغيرها وبعد أن سالت دماء دفعتهم لنصرتها وأقنعتهم ممارسات الحاكم بضرورة نصرة الثورة,وعدم بقاءه.. فحقيقة نصرتها للثورة الشعبية السلمية لا تختلف عما فعلته أحزاب سياسية في مصر وتونس وإن برز تمثيلها للثورة أكثر مما حدث في مصر تحديداً، غير أن ذلك كان بقناعة ورضا الساحات ليقوم كل بدوره في خدمة الثورة وفق كفاءته وخبرته لا تسلطاً أو استحواذاً كما أشاع صالح وأزلامه ذلك منذ البداية وفشلوا أمام وحدة الساحات بكل فصائلها وتياراتها وتكتلاتها وتقديمهم لحكم العقل والواقع الذي يعيشونه ويتنافى تماماً مع إشاعات الإقصاء والاستحواذ التي فشلت وتهاوت وبقي صمود الساحات واستمرارها ليؤكد أن ما يحدث في اليمن ثورة حقيقية لا أزمة ...ثم إن كان الأمر كما روج له نظام صالح ويشيعه بقاياه.. وذهبت إليه المبادرة الخليجية من أن ما يحصل في اليمن هو أزمة بين سلطة ومعارضة بين أولاد الأحمر وأبناء الرئيس وأقاربه,بين الحرس والفرقة.. فلو كان الأمر كذلك لتحولت الثورة منذ أيامها وأشهرها الأولى إلى صراع مسلح لا يبقي أحداً ولما حافظت على سلميتها حتى اليوم في شعب كل فرد فيه يملك السلاح ..بل إن صالح فشل على الأرض رغم مهاجمته للحصبة وللفرقة الأولى بغية تحويل الثورة السلمية إلى صراع مسلح وباءت كل محاولاته لجرها إلى العنف بالفشل ..ولو كان الموضوع مجرد أزمة لبادر الطرف المعتدى عليه والمسالمون الذين تسيل دماء إخوانهم يومياً إلى الرد على كل الاعتداءات بأعنف منها..ثم إن مصالح أي إنسان مهما كان حجمها لن تدفعه للبقاء في الساحات أشهر وأعوام والتضحية بوقته ونفسه في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل. استمرار ثم إن كان التصنيف للوضع في اليمن حسب المبادرة الخليجية صحيحاً لما بقيت ساحات التغيير والحرية يوماً واحداً عقب توقيع مبادرة التسوية بين طرفي الأزمة ولغادرها الجميع وملوا البقاء لعام آخر..بل تبع توقيع الإتفاقية وترافقت خطواتها التنفيذية ببقاء الساحات وتسيير مسيرات راجلة من محافظة لأخرى ولأول مرة تؤكد ذات مطالب وأهداف الثورة..كذا قيام الثورة العفوية في عدد من مؤسسات الدولة وإطاحتها بعدد من رموز الفساد وأصنامه.. جاءت لتؤكد أن الشعب اليمني جميعه ثورة ضد نظام حكم صالح,نظام الفساد والظُلم ,ولتثبت ثورة المؤسسات خطأ التصنيف الخليجي للثورة اليمنية ,وتؤكد بأن موظفي المؤسسات الحكومية ليسوا موظفي صالح ولا شغالين مع أولاد الأحمر وعلي محسن، مسهم الضرر من إدارات الفساد التي حكمتهم طيلة عهد صالح سالبة حقوقهم، إدارات تعاملت مع مؤسسات الدولة كملك خاص فلم يعد اليمنيون يتقبلونها بعد اليوم. ولكن حقيقة قيام المشترك بقبول المبادرة الخليجية والتي أعلنت وتعلن الساحات يومياً برفضها لتلك المبادرة وعدم قبول تسوية ولا إعطاء حصانة للقتلة والفاسدين، غير أن خطوات أحزاب المشترك لا تعدو عن محاولات لفريق من أنصار الثورة الشعبية كانت له تجربة طويلة مع نظام حكم صالح وخبر مراوغاته وألاعيبه .. فإن أصاب ذلك الفريق الذي يوافقه الشباب على رحيل صالح وفساد حكمه بأقل التكاليف الممكنة وبالسبل التي تجنب اليمن الدمار وسيل الدماء فكان بها وإن لم فأغلب مكونات الثورة وأصلها لم يغادروا ساحاتها حتى يلامسوا ما نشدوه واقعاً ولو كان استحواذاً من المشترك أو تقاسماً كما روج له صالح بنفسه ومن تبعه من أزلامه، لما قبل اليمنيون في الساحات بذلك بعد كل الدماء التي قدموها والأشهر التي أمضوها في الساحات، ولكنها كما أسلفنا أتاحت فرصة لكل مكون من مكونات الثورة لبذل جهده ومحاولاته كل فيما يخبره. نجاحات وقد يتساءل كثيرون عن أسباب بقاء الثورة اليمنية في الساحات بعد توقيع الحاكم والمعارضة للاتفاقية الخليجية..رغم ما سبق لنا إيضاحه من أن دور أحزاب المعارضة لا يعدو عن كونه محاولة سياسية لتحقيق أهداف الثورة السلمية بطرق سياسية سلمية..واليوم مع أن المواقف السياسية مستمرة، فالثورة اليمنية أيضا مستمرة بزخمها وعنفوانها ولديها من القدرة والخبرة ما يمكنها من إسقاط أي ممارسات أو محاولات قد تحول دون تحقيق الثورة..ثورة إلى اليوم يحسب لها ولأنصارها أنها حققت عدداً من الإنجازات وفي مقدمتها قطع دابر التوريث في اليمن ومنع تحويل جمهورية اليمن إلى ملكية...وإسقاط عدد من رموز وأصنام الفساد,وغرس مفاهيم وقيم ثقافية تجعل من الصعب تكرار مأساة الماضي ومعاناته وإتاحة المجال للممارسات الأكثر جدية وحقيقية على طريق الحرية والديمقراطية، وما زالت ماضية في تحقيق أهدافها ومكاسبها التي هي أهداف ومكاسب اليمنيين كافة.