روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : لا حمدَ إلاّ بفَعَال في زمننا يبحث الكثير عن الثروة لأسباب كثيرة ليس منها السبب الذي إختاره الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما فقد ( كان مُنادِي سعد بن عُبَادة يقول على أُطُمِه: من أراد خُبزاً ولحماً فليأت أُطَمَ سعد، وخَلَفه ابنه قيسُ بن سعد، فكان يفعل كفعله، فإذا أكل الناسُ رفع يدَه إلى السماء وقال: اللهمَّ إني لا أصلح على القليل، ولا يصلُح القليلُ لي، اللهمّ هبْ لي حَمداً ومجداً، فإنَّه لا حمدَ إلاّ بفَعَال، ولا مجد إلاّ بمال ) فلا خيرَ فيما يسخطك وقف أعرابيٌّ على قومٍ فمنعوه فقال: اللهم اشغَلْنا بذكرك، وأعِذْنا من سُخْطك، واجنُبنا إلى عفوك، فقد ضنَّ خَلْقك على خَلْقك برزقك، فلا تشغَلْنا بما عندهم عن طلب ما عِندَك، وآتِنا من الدُّنيا القُنعان، وإن كان كثيرُها يُسخِطك، فلا خيرَ فيما يسخطك، حَسدُوا الفتَى قال الشاعر: حَسدُوا الفتَى إذ لمْ يَنالُوا سعيَهُ ... فالقومُ أعداءٌ لهُ وخُصومُ كضرائِرِ الحَسناءِ قُلْنَ لِوجهِها ... حَسَداً وبغياً: إنَّه ُ لَدمِيمُ نرميكم بتسعة أحضر الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي، إلى بين يدي حاكم مصر المعز العبيدي الباطني فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت الباطنيين بسهم، فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله فقال: كيف قلت ؟ قال: قلت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال: ولم ؟ قال: لانكم غيرتم دين الامة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الالهية، وادعيتم ما ليس لكم. فأمر بإشهاره في أول يوم ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجئ بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله عام 365 ه سكت فغرَّ أعدائي السكوتُ تخاصم عنتر بن شداد مع قبيلته بني عبس فرحل وتركهم وأنتشر الخبر فقررت بعض القبائل التي لها ثأر مع بني عبس الهجوم عليها في غياب فارسها ووصل الخبر للفارس الشهم الوفي عنتر بن شداد فقال قصيدة نادرة منها : سكت فغرَّ أعدائي السكوتُ وظنوني لأهلي قد نسيتُ وكيف أنامُ عن ساداتِ قوم أنا في فضلِ نعمتهم ربيتُ وإن دارت بهم خيلُ الأعادي ونادوني أجبتُ متى دعيت بسيف حدُّهُ موجُ المنايا ورمحِ صدرهُ الحتفُ المميتُ خلقتُ من الحديد أشدُّ قلباً وقد بلى الحديدُ وما بليتْ وإني قد شربتُ دم الأعادي بأقحاف الرُّؤوس وما رويتُ وفي الحرب العوان ولدت طفلاً ومن لبن المعامع قد سقيتُ فما للرَّمح في جسمي نصيبٌ ولا للسّيف في أعضاي قوتُ ولي بيت علا فلك الثُّريَّا تخر لعظم هيبته البيوت وطارت هذه القصيدة كل مطار وسارت بها الركبان وخافت القبائل التي كانت قد عزمت على غزو بني عبس بعد أن تأكدت أن عنتر لن ينسى أهله وعشيرته وتأثر بالقصيدة سادات بني عبس وتبين لهم نبل عنتر ووفائه في بيت نادر : (وكيف أنامُ عن ساداتِ قوم أنا في فضلِ نعمتهم ربيتُ ) فذهبوا إليه يترضونه ويطلبون رجوعه لقبيلته فعاد معهم وأستقبل إستقبالا لاسابق له . طرائف ونوادر 9 قال الشاعر الحمدوني في شاة سعيد بن أحمد بن خوسنداذ: أسعيدُ، قد أعطيتني أُضحيةً ... مكثَتْ زماناً عندكمْ ما تطعَم نِضْواً تعاقرت الكِلابُ بها وقد ... شدوا عليها كي تموت فيؤلمُوا فإذا الملا ضَحِكوا بها قالت لهم: ... لا تهزؤوا بي وارحموني ترْحَموا مرت على عَلَف فقامت لم تَرِمْ ... عنه، وغنت والمدامعُ تسجم وقف الهوى بي حيث أنْتِ فليس لي ... متأخَّر عنه ولا مُتقَدم في شاتِكَ العِبَرُ وقال أيضاً: أبا سعيدٍ، لنا في شاتِكَ العِبَرُ ... جاءت وما إن لها بَوْل ولا بَعَرُ وكيف تَبْعَرُ شاة عندكم مكَثَتْ ... طَعامُها الأبيضانِ الشمسُ والقَمَر لو أنها أبْصَرَتْ في نومها عَلَفاً ... غَنَت له ودموعُ العين تَنْحَدرُ: يا مَانعي لذةَ الدنيا بأجمعها ... إني ليفتنني من وَجْهِك النظرُ وقال أيضاً: شاةُ سعيدٍ في أمْرِها عِبَرُ ... لمّا أتتنا قد مسًها الضررُ وَهْيَ تغني من سوء حالتها ... حَسْبي بما قد لقيت يا عمَرُ مرت بقطف خضر ينشرها ... قومٌ فظنَّتْ بأنها خُضُر فأقبلَتْ نحوها لتأكْلها ... حتى إذا ما تبينَ الخَبَرُ وأبدلتها الظنونُ من طَمَعِ ... يَأْسا تغنَّت والدَمْعُ مُنْحَدِرُ كانوا بعيداً وكنت آمُلُهم ... حتى إذا ما تقربوا هجروا لسعيدٍ شُوَيْهَةٌ وقال: لسعيدٍ شُوَيْهَةٌ ... سَلها الضُّر والعَجَفْ قد تغنَتْ وأبصرتْ ... رجلاً حاملاً عَلَفْ: بأبي مَنْ بكَفِّه ... بُرْءُ ما بي من الدَنَفْ فأَتاها مطمِّعاً ... وأتتْه لتَعْتَلِفْ فتولَى فأقبلتْ ... تتغنى من الأسَفْ: ليتَه لم يكن وَقَفْ ... عذب القلب وانْصَرفْ وللحمدوني قصة مع الطيلسان الأخضر نرويها غدا إن شاء الله تعالى . من روائع الأقوال 10 َقالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَا تُخْلِ قَلْبَك مِنْ الْمُذَاكَرَةِ فَتَعُدْ عَقِيمًا ، وَلَا تُعْفِ طَبْعَك مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيَعُدْ سَقِيمًا وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لِلْقُلُوبِ شَهْوَةٌ وَإِقْبَالٌ وَفَتْرَةٌ وَإِدْبَارٌ فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَلَا تَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ فَتْرَتِهَا . وحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحُكَمَاءِ رَأَى شَيْخًا كَبِيرًا يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْعِلْمِ وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَتَسْتَحِي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عُمُرِك أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ ، وَذُكِرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ : يَا عَمِّ مَا عِنْدَك فِيمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ : فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَغَلُونَا فِي الصِّغَرِ وَاشْتَغَلْنَا فِي الْكِبَرِ . فَقَالَ : لِمَ لَا نَتَعَلَّمُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : أَوْ يَحْسُنُ بِمِثْلِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَاَللَّهِ لَأَنْ تَمُوتَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا بِالْجَهْلِ . قَالَ : وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ بِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : مَا حَسُنَتْ بِك الْحَيَاةُ ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَعَذْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَهْلِ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ بِهِ مُدَّةُ التَّفْرِيطِ وَلَا اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْإِهْمَالِ . [email protected]