استندت الأغنية العدنية واتكأت بمشروعها الحداثي الحضاري على العديد من العناصر والمعطيات الثقافية.. الأدبية.. الموسيقية.. الريادية.. الفكرية.. التنويرية.. الإجتماعية والنهضوية المتعددة المنفتحة على كل الأصعدة والاتجاهات والمشارب الدنيوية والإنسانية باعتبار أن موقع عدن الجغرافي جعلها حاضنة لكل الأديان والثقافات البشرية من كل أصقاع المعمورة . الواقع وكما هو مشهود كان من بين أهم ركائز رسوخ الأغنية العدنية، بناءها اللحني الغنائي الموسيقي (المؤسس على قاعدة التجديد والتحديث والمغايرة والابتكار ) وأيضاً الخروج عن كل ما هو سائد ونمطي بمعنى أوضح وأدق خروجها من ( الدائرة التقليدية والإحيائية ) إلى فضاءات غنائية موسيقية واسعة رحبة، لتصبح مؤهلة وجديرة بأن تحتل (قمة الهرم الغنائي الحديث والمعاصر في اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي بشكل عام) وذلك بما تمتلك من مشروع فني وإنساني متميز له دلالات موسيقية غنائية تعبيرية ومعانٍ عميقة تحمل (روئ جديدة وأبعاد موسيقية كونية). هذا النوع من الفكر والاشتغال الإبداعي الجاد وجد في فترة الخمسينات والستينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي أرضية خصبة ومناخاً ملائماً استطاع من خلاله أن ينمو ويستقيم عوده بعافية إذ يتمحور ذلك التألق والنجاح للأغنية العدنية من وجهة نظري في ( لغة التخاطب والحوار التي كانت سائدة وقائمة بتلك الأزمنة القريبة في التداول العقلاني الراقي فكرياً ومعنوياً بين المبدعين الملحنين والفنانين والشعراء وبين الطرف الآخر أجهزة الإعلام حين ذاك المختلفة ) التي استطاعت بوعي ودراية وحنكة أن (تستوعب وتستدعي ) كل تلك التجارب والعطاءات الفنية الإبداعية للاقتراب والقدوم إليها وتحديداً لون الغناء العدني لتصنع من خلاله فناً جديداً عُرف وسمي فيما بعد (بالغناء التجديدي الحديث ) الذي أصبح يشكل مع الأغنية العدنية وجهان لعملة واحدة. (المشكلة اليوم) بكل بساطة وبمصداقية تكمن بأن لغة التخاطب والحوار واحترام وتقدير المبدعين بكل صدق وأمانة (انعدمت) من قبل أجهزة الإعلام في وضعنا ووقتنا الراهن مع المبدعين من( الفنانين المثقفين أصحاب الرأي والخبرة ) وكما قال شاعرنا العظيم أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته يا جارة الوادي (وتعطلت لغة الكلام) لغة الحوار واحترام وتقدير العقول المتطلعة النيرة الطامحة إلى التحديث والتجديد في مختلف وسائل وقطاعات الثقافة والفنون ذلك لأن القائمين عليها وبالتحديد الإذاعة والتلفزيون والقناة الفضائية لا يدركون أبجديات وأسس (فن) التعامل مع المبدعين أصحاب الفكر المتجدد والمشاريع الإبداعية المتطلعة نحو آفاق التغيير الثقافي الفني الغنائي المتصاعد المتنامي للأفضل فأوصدت أبوابها وقنواتها وأستديوهاتها أمام المبدعين الحقيقيين. تلك الشريحة الهامة الرقيقة والحساسة وأغلقتها نحوهم بكل وسائل الإعلام المختلفة التي هي بالأساس ملكاً وحكراً للدولة وطبيعة عملها في المقام الأول والأخير يخضع لتقديم ( الخطاب السياسي وما يدور في فلكه ويعود علية بالفائدة والنفع ) تاركة ورائها المشروع التجديدي في الغناء اليمني المعاصر المتمثل في الأغنية العدنية ( الحديثة ) وما هو ثقافياً وأدبياً على شاكلته في أسفل القائمة ضاربة بكل قيمة جمالية إبداعية عرض الحائط فأصبح المبدع لا يجد سبيلاً آخر أو بديلاً لتقديم ما يريده ويبتغيه فالدولة لم تفسح المجال ( للاستثمار وفق شروط قانون حماية حقوق المبدعين الأدبية / الفكرية / والمادية .. وإيجاد آلية لتنفيذ النصوص القانونية )، فضاعت أحلام الأغنية العدنية حاضنة المشاريع الفنية الموسيقية وذهبت رغبة أبناءها من الجيل الجديد في مواصلة ذلك التطور والازدهار والنجاحات الرائدة التي حققتها على مستوى الجزيرة العربية والخليج العربي بل والوطن العربي بأسره في ( مهب الريح ) ليبقى في ساحة الغناء المتطفلين والمجال مفتوح على مصراعية لأنصاف وأشباه الفنانين المتسلقين الأدعياء مروجي الفن الردئ الهابط. (20عاماً ) مضت والفنانين الكبار في (مدينة عدن) يُحرمون حقوق توثيق وتسجيل ( عطاءاتهم الغنائية الموسيقية الجديدة ) في إذاعة وتلفزيون ( وقناة عدن الفضائية ) تحت حجج ومبررات وذرائع لا يتقبلها العقل والمنطق، أبرزها حسب ما علمنا وسمعنا به من خلال متابعتنا منذ سنوات عجاف طويلة غياب المخصصات المالية من (المركز الرئيسي في صنعاء)، الأمر الذي ترتب عليه عدم إمكانية السماح للفنانين الكبار والمبدعين تسجيل أعمالهم الفنية الغنائية الجديدة في أجهزة الإعلام (العدنية الرائدة والتاريخية) الإذاعة والتلفزيون والقناة الفضائية في (مدينتهم عدن). وبناءً عليه ( يُطلب ) من الفنان الغلبان علشان يسجل أغنية جديدة تحمل مشقة وعناء وتكاليف رحلة السفر والإقامة إلى صنعاء تصوروا ذلك ما يحدث للفنانين المبدعين منذ أكثر(20عاماً) مضت وحتى كتابة هذه السطور وياللعجب..؟!!، رغم أن هناك (استثناءات) لبعض الفنانين (المحظوظين ) غير المعروفين جاءوا بها ( مركزياً من صنعاء مدعومة بمبالغ مالية كبيرة )، أصيب البعض منا بالإحباط والاكتئاب ومات البقية كمداً وقهراً في قائمة الانتظار..!! ماذا يتبقى للمبدع الحقيقي وهو يشاهد بأم عينه ( اغتيال ) مستقبله وأحلامه وطموحه وأجمل وأحلى سنين عمره بل وأغلى وأعز ما يملكه في الحياة (فنه وتاريخه الإبداعي والإنساني ) ..؟!! إن القائمين على هذه الأجهزة الإعلامية إذاعة وتلفزيون وقنوات فضائية ( سُيسألون حتماً عن ما حدث ويحدث في هذه الفترة الزمنية الصعبة الطويلة جداً)، ولن ُتخلى مسؤولياتهم أمام ( الأجيال ) مهما كانت الظروف والأسباب فإذاعة وتلفزيون عدن صرح إعلامي شامخ لعب دوراً هاماً وبارزاً على كافة الأصعدة والمستويات : الفنية / الثقافية / السياسية / الاجتماعية وعُرف ( بضم العين ) بريادتة الفكرية الإبداعية والإنسانية محلياً وعربياً وعالمياً منذ بواكير القرن الماضي فأين ذلك مما نلمسه ونشهده في واقعنا اليوم...؟!! كلمة لابد منها ربما يستغرب البعض عدم الإشارة لدور مكتب الثقافة م/عدن فيما يخص ( الجانب الغنائي والموسيقي تحديداً ) وإسهاماته في إظهار وإبراز ( الأعمال الفنية الجديدة ) للفنانين في عموم المحافظة ذلك يحتاج لحديث مسهب مفصل ومستقل سنتطرق إليه لاحقاً يتضمن (أسباب الأزمة تراجع مستوى الأغنية العدنية) سنوضح الصعوبات والمعوقات التي تواجهها من النواحي التقنية / الأدبية/ الموسيقية.. ونشير لأهمها ( المخصصات المالية ) التي ُترصد للاحتفالات والمناسبات الوطنية (بالوقت الضائع).. وبطبيعة الحال لايتم توظيفها (المبالغ المالية المرصودة) لخدمة وتطوير المستوى الإبداعي الذي يساهم ويرتقي بشكل ومضمون ( الغناء العدني) وينهض به من غفوته وسباته العميق.