قال الدكتور "محمد مسعد العودي": إن الثورة اليمنية مثلها مثل البحر لا يقبل إلا ما كان صالحاً ولا يقبل أي كائن متعفن ، مشيراً إلى أن هؤلاء الذين يقفون أمام التغيير لا يستطيعون البقاء مثلهم مثل تلك الكائنات المتعفنة . وفي ندوة أقيمت في مديرية دمت بمحافظة الضالع بعنوان "اليمن بعد انتخاب الرئيس الجديد ومسار الثورة " قال العودي: إن الشروط الموضوعية لقيام الثورة الشعبية السلمية في اليمن توافرت بشكل جعلها تبدو بذلكم الزخم الشعبي والجماهيري ، مشيراً إلى أن الأوضاع في البلاد وصلت إلى نضوج الحالة الثورية التي تعني أن يصير المجتمع معها إلى مرحلة لابد له من قيام الثورة. وقال الدكتور العودي إن الأمة تمتلك إمكانات هائلة وقد تهيأت لها الحالة الثورية وتهيأ الوعي السياسي لهذه الثورة ، مشيراً إلى أنه لا يمكن للمجتمع أن يثور ما لم يكن هناك نخبة سياسية تقوده ولذلك كان لابد للثورة اليمنية من حامل سياسي في إشارة لما قام به اللقاء المشترك من دور خلال عملية التسوية وتوقيع المبادرة الخليجية . وأشار إلى أن الثورة في اليمن انطلقت متأثرة بالثورات العربية وإن كانت قد سبقت تلك الثورات بعدة سنوات، لافتاً إلى ما شهده جنوب البلاد من حراك سلمي انطلق في العام 2007م الحراك الجنوبي وكان نواة لتلك الثورات. وأشاد العودي بتجربة اللقاء المشترك في اليمن، مشيراً إلى أن تلك التجربة التي أدت إلى أن يقبل الناس بالآخر ويجتمع الاشتراكي بالإخواني والتقدمي بالراديكالي ، مشيراً إلى أن هذه التجربة الفريدة مثلت سابقة تحسب للحكمة اليمانية ونواة للدولة التي ننشدها وتقوم على أساس التعايش والتأثير المتبادل . وقال إن مسألة التغيير الذي ننشده اليوم ليست مسألة التخلص من الأشخاص واستبدالهم بآخرين وإنما هو التخلص من الممارسات والسلوكيات الخاطئة للآخر ، لافتاً إلى أن لا مشكلة للثورة الشعبية مع المؤتمر الشعبي العام الذي قال إنه متأثر بوثيقته السياسية التي قال بأنها أرقى وثيقة سياسية من بين وثائق الأحزاب المختلفة باعتبارها ضمت في طياتها مختلف الرؤى والأفكار والتوجهات، لكن النظام العائلي شوهها لأنه لم يكن يريد للمؤتمر أن يتطور ويصير حزباً سياسياً بقدر ما كان يريد منه ديكوراً لخدمة العائلة . وقال العودي إن الثورة اليمنية أنجزت الكثير على مستوى الوعي الجمعي وفجرت الطاقات والإبداعات في المسار الفني وبخاصة الأنشودة الثورية، حيث برزت العديد من الأعمال النقية الرائعة في الفعل الثوري السياسي . وفي الندوة أكد العودي أن ثمة فرقاً بين أن يشعر المجتمع بالظلم وبين أن يكون المجتمع مظلوماً بالفعل ، مشيراً إلى أن المجتمع في الجنوب خلال فترة الحكم الاشتراكي قبل الوحدة لم يكن يشعر بالظلم والسواد الذي يشعر به اليوم في عهد النظام العائلي على الرغم من أن النظام الاشتراكي قبل الوحدة كان له جوانب مشرقة وأخرى معتمة ، مؤكداً في الوقت ذاته أن ما هو حاصل اليوم في الجنوب هو شعور بالظلم وتحول من ذلكم الشعور إلى دعوة للكراهية . وفي ورقة له عن "الدولة ومفهومها ، وبناء الدولة المدنية الحديثة" قال الصحفي والكاتب "محمد علي محسن" أن السؤال اليوم هو هل اليمن تتوافر فيه الأرضية الصالحة للمضي في بناء الدولة المدنية الديمقراطية أم لا ؟ ! ، مؤكدا أن اليمن عبر التاريخ لم يكن بهذه الجاهزية التي أضحى عليها خلال هذه المرحلة وهو ما لم يتم إلا بفضل الثورة الشعبية والوعي الجمعي . وقال محسن إن مشكلات اليمن قديماً وحديثاً في وحدته وتجزئته تجدها في الدولة وفي فكر هذه الدولة حتى أيام الوحدة التي قال انها تمت بقرار سياسي ومثلها الديمقراطية والتعددية السياسية ولم تكن نابعة من دراسة لحاجة المجتمع اليمني وطبيعته. وأكد الصحفي محسن أن تلك الأرضية التي كان يطمح إليها الإخوة في الجنوب عند دخولهم الوحدة في العام 90م وتفاجأوا بنقيضها في الشمال باتت اليوم متوافرة . وأشار محسن إلى أن من حسنات الاستعمار البريطاني في الجنوب أن أوجد قابلية للمدنية والنظام والقانون، بينما في الشمال ظلت الدولة غائبة ومغيبة وحلت بدلا عنها السلطة وفي عام 90م توحدت البلاد في وحدة اندماجية بين مجتمع يعتمد كلياً على الدولة ودولة تعتمد على المجتمع . وقال محسن إن بناء الدولة المدنية الحديثة يجب أن تتوافر فيه الأركان التالية :- ( النية – الإرادة – الفرصة ) ومتى ما توافرت تلك الأركان فسيتمكن أي مجتمع سياسي إقامة تلك الدولة والتغلب على أي مصاعب تواجهه. وأضاف إن هذه الدولة القادمة ستواجه إرثاً ثقيلاً هو ذاته الإرث الذي واجهه الرئيس/ عبدالرحمن الإرياني وقتل من أجله الحمدي، وهي ذاتها البحث عن دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية؛ وأشار إلى أن القوى التقليدية لا تزال هي العقبة أمام بناء الدولة الحديثة ليبقى أمامنا هو البحث عن إمكانية هذه القوى في الخضوع للدولة، مستدركاً بالقول "لكن الشيء الايجابي اليوم أن ثمة وعياً في أوساط القبائل والمشائخ، فالقبيلي اليوم لم يعد هو ذاك القبيلي وكذلك الشيخ". وقال محسن إن الثورة الشعبية جاءت بشيء جديد واليوم ليست محمية بقوة الجيش وإنما بإرادة شعبية وهو ما يجعلنا نطمئن بأن الدولة المدنية الحديثة قادمة وإن كان هناك مخاوف كثيرة تتهددها . وقال محسن إن البلاد وإن كانت مليئة بالخيرات وتمتلك ثروات متعددة، ولكنها لم تستغل ولم يلتفت إليها بسبب الإدارة السيئة الفاشلة التي ظلت تحكم حياتنا، مؤكداً أن المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعها ستتلاشى طالما توافرت الإرادة القوية لبناء الدولة . ودعا الصحفي والكاتب محسن إلى عدم التعويل والاعتماد على الثروة النفطية التي قال إن الاعتماد عليها قد تكون السبب في تفاقم المشكلات الوطنية ، مؤكداً أن الإنسان هو الثروة الحقيقية وما يحمله من فكر وهو ما يجب أن نعول عليه خلال المرحلة القادمة وأن المطلوب فقط هو استغلاله وتعليمه وتأهيله، مشيراً إلى أن شركة جوجل صارت توازي اليوم 40 دولة وهي عبارة عن محرك بحث في الانترنت اخترعه اثنان من الطلبة في الجامعة بأمريكا، لكنها بفضل العقل والإدارة الكفؤة تحولت من فكرة إلى إمبراطورية تتحكم بمفاصل الأمور في العالم . وقال محسن إن الفرصة اليوم صارت متوافرة لإقامة الدولة المدنية وإذا ما أهدرت فلا اعتقد أن اليمن ستقوم له قائمة بعد اليوم وستكون البلاد عرضة للتمزق والانقسام ليس إلى جزأين فحسب كما قد يظن البعض وإنما إلى أجزاء وكيانات متناثرة. من جانبه دعا القيادي في المؤتمر الشعبي العام "مثنى المنتصر" الجميع للعمل من أجل خدمة اليمن وأن يتمحور الأداء في هذا الإطار ، مشيراً إلى أن الشعب اليمني انتصر لنفسه في ال21 فبراير وهو فخر لليمنيين أن يكون الرئيس اليوم من الجنوب . وفي مداخلة له بالندوة قال رئيس الدائرة السياسية للمؤتمر بمحافظة الضالع إن الإرادة اليوم صارت متوافرة للتغيير وأن الكل مع التغيير ، لكن يجب أن يكون هذا التغيير نحو الأفضل لبناء اليمن والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره . وأضاف المنتصر : أن التغيير يجب أن يكون بناء لا هداماً وأن لا يستهدف الأشخاص بقدر ما يستهدف الممارسات والسلوكيات الخاطئة أينما كانت دون انتقاء أو تمييز بين جهة وأخرى، مشيراً إلى ضرورة التوازن الذي يرجع فيه الفضل إلى إخراج البلد إلى بر الأمان . حضر الندوة شخصيات سياسية واجتماعية وقيادات شبابية ومثقفون ومنظمات المجتمع المدني بالمديرية .