دور الثقافة الرسمي لماذا انكفأ على ذاته؟ لماذا صار الطريق بجوار إدارة إنتاج الفنون في حافون موحشاً وقفراً؟، لماذا أصبح الماضي أكثر حضوراً في ذاكرة المشهد الثقافي اليوم؟ تفتح صحيفة "أخبار اليوم" حواراً مع الأخ/ نائب مدير عام ثقافة عدن لإماطة اللثام عن أهم أسباب صمت فرقنا الوطنية.. إليكم نصه: صندوق بلا شفافية في البدء نرحب بكم على صفحات "أخبار اليوم" محاولين الغوص مجدداً في قضايا الفعل الثقافي الاجتماعي من داخل سور الثقافة، وأهم تلك المحاور التي مازالت محل جدل ومنها هو البنية التحتية للثقافة كمؤسسة رسمية، كمعبر أولي للثقافة الاجتماعية بمختلف مشاربها وقيمها، أذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وبيت القصيد في حوارنا هذا هو صندوق التراث أو صندوق دعم التراث الذي كثر الحديث حول مخصصاته التي لا يعلمها أحد؟ × أولاً أرحب بكم وأشكركم على تفاعلكم مع القضايا ذات الصلة بالثقافة، مما يدل على سعة أفق الصحيفة في فهم الدور المحوري للثقافة في إعادة تشكيل الوعي والسلوك، في الحقيقة لابد لي أن أقف عند العبارة التي أوردتموها في سياق سؤالكم وهي فاقد الشيء لا يعطيه، بمعنى أنه إذا لم نملك الأدوات الحية التي يجب أن نعمل بها بهدف إعادة إنتاج الوعي المثمر، فلن نستطيع أن نعمل أو نقوم بأي فعل ثقافي نهائياً، ثم إن صندوق التراث هو أشبه بصندوق وضاح الذي يختفي فيه كل ما يدخل إليه، إذ لا توجد شفافية في المبالغ التي ترد إليه حسب مساهمة المحافظات.. أنا مع إعانة المرضى من صندوق التراث - عفواً على المقاطعة.. لكن ألا توجد لائحة تنظم العمل بالصندوق وتوضح مصادره ؟ بلى توجد لائحة بل الصندوق أنشئ بقانون حدد مصادر تغذية الصندوق ووضح فيه الصرف وأغراضه وغيرها.. إلا أن الأغراض الحقيقية لعمل الصندوق ضرب بها عرض الحائط أحيانا لأسباب إنسانية وأحيانا لأسباب مزاجية وترك السبب الأساسي للصندوق أو لإنشاء الصندوق وهو تنمية التراث. - ماذا تعني بالأسباب الإنسانية ؟ أقصد أنه يتم صرف إعانات للمرضى من الصندوق، وهذه أللفتة احترمها أنا شخصياً مهما كانت في نظر البعض تجاوزاً، خاصة وأن المنتميين إلى الثقافة أكثر الناس عرضة للمرض لرهافة أحاسيسهم، ولا يوجد تأمين صحي لهم يعفيهم مشقة وعبء تكاليف العلاج. الصرف من الصندوق تقليد شهري للبعض - ماذا تقصد بالأسباب المزاجية ؟ × مثلا دفع المكافآت من صندوق التراث أو إيجارات بعض الموظفين ممن ليس لهم علاقة بحماية التراث أو العمل لصالح التراث، بل صار الصرف من الصندوق تقليداً شهرياً يستفيد منه بعض الموظفين في ديوان الوزارة بينما يحرم أقرانهم في المحافظات الأخرى، ناهيك عن تسخير إيرادات الصندوق لصالح نفقات السفر داخلياً وخارجياً لكبار الموظفين في الوزارة، لا توجد شفافية بل مزاجية، لماذا لا تنفق الأموال لصالح الفرق المعطلة في عدن مثلا؟ لماذا تتحكم المحافظة بمخصصات الأنشطة الموسمية للفرق الإبداعية الخاصة بمكتب ثقافة عدن!؟ ولا ريال واحد للفرق الإبداعية - هل كل ما تطالب به من صندوق التراث هو إحياء الفرق التابعة لمكتب ثقافة عدن؟ أين هي الموازنة الخاصة بتشغيل تلك الفرق، لابد أن لمعنى التراث بعداً أكبر وأشمل.. أليس كذلك ؟ ربما لا أخفى سراً إذا قلت إنه لا توجد موازنة لهذه الفرق، تصور!! ولا ريال واحد، أكلت الأرضة الآلات الموسيقية، وهجر الموسيقيون الفرق الرسمية وبحثوا عن فرق أهلية بل شكلوا فرقاً خاصة بهم وسافروا إلى البلدان المجاورة للمشاركة في إحياء حفلاتهم وانتهى أمر دور الثقافة الرسمي، وصندوق التراث ترك دوره في دعم التراث حسب اللائحة، فهو لا يدعم أي توجه لتنشيط أو إعادة تأهيل فرقة الإنشاد وهي بيت القصيد من إنشاء هذا الصندوق في نظري، ناهيك عن الفرق الأخرى كالرقص الشعبي وغيرها.. والسبب أن المكتب في عدن أيضا لا يكترث ولا يطالب. صحيح أن كلمة تراث أكبر وأشمل ويمتد معانيها إلى التنسيق مع السياحة بكل مواقعها والى الفكر والأبنية والتاريخ والتنمية لتجذ ير الشعور بالانتماء، إلا أننا بعيدون من كل هذا كل البعد إذ أننا بحاجة إلى أن تتبنى القيادة السياسية إستراتيجية واضحة بشأن دور الثقافة في خطط الدولة الداخلية والخارجية. الدولة لا تملك الحق في إبهات دورها إلى هذا الحد يجب أن نغرد خارج السرب - إن حديثكم مشحون بكثير من النقد الممزوج بالألم، فالمختصون من أعضاء الفرق لم يتضرروا، هم يزاولون عملهم في الفرق الأهلية، ويتقاضون رواتبهم من مكتب الثقافة، وكأنك تغرد خارج السرب، مادامت الدولة لا تملك هي الأخرى إستراتيجية خاصة لتفعيل الدور الثقافي الرسمي عليكم إلا تكونوا ملكيين أكثر من الملك إذ ربما الفكر السياسي للدولة يتحاشى أثارة غضب تيارات أخرى توصف بالسلفية أو بماذا يمكننا تفسير ذلك ؟ جزء كبير من سؤالكم، يمكن أن يكون تفسيراً لما يجري اليوم، ليس للثقافة بل لكل مواقع الدولة الرسمية، هناك وجود لثقافة النهب والاستيلاء على المال العام دونما عائد لمجموع السكان الذين يفترض أن يكونوا أكثر المستفيدين من إدارة عجلة الجهد الرسمي للدولة بل انتشرت صفة سارق مع الأسف الشديد أمام معنى مسئول، إذا فكر كل منا أن يغرد داخل السرب سيصبح السرب كله خارج المعادلة التنموية والنتيجة كما نراها اليوم إقطاعيات منتشرة في كل مكان، وبؤس يكابده الشرفاء، ثم إن الدولة لا تملك الحق في إبهات دورها إلى هذا الحد وإلا لوصفت بالكائن المريض الذي يرغب بالموت أو الانتحار، نعم نحن ملكيون أكثر من الملك في إطار نقدنا لغياب دور الدولة. الدفاع عن ما يجب أن يكون عليه الواقع وليس الرضاء بما هو واقع فتح فرع للصندوق في عدن - لقد أخدنا الحديث عن صندوق التراث إلى الدولة ودورها وإلى ما هو أبعد من ذلك.. نعود للحديث عن أهم مصادر دعم الصندوق حسب القانون الذي انشأ من أجله؟ أولاً كان للأخ وزير الثقافة الأسبق الأستاذ/ الروحاني الفضل في إنشاء هذا الصندوق، ثانياً يتغذى الصندوق مثلاً من محافظة عدن، ريال من كل كيس أسمنت، أو كرتون سجائر،أو صندوق شراب كندا دراى أو من صندوق مياه معدنية، أو من كل برميل نفط وغيرها.. مما تشكل هذه الاستقطاعات رافداً للصندوق وتعد محافظة عدن من أكثر المحافظات دعماً لهذا الصندوق الذي مازال مركزياً، تتصاعد المطالبات اليوم بضرورة فتح فرع في عدن لتيسير تقديم الدعم للمستفيدين من الصندوق بدلاً من عناء السفر ونفقاته، ولا أخفيكم سراً أن البعض المستفيد في عدن يحاولون إسكات الأصوات حين المطالبة بفتح فرع في عدن بحجة عدم قانونية الإجراء مع ذلك فإن ذلك ادعاء لا يصمد أمام اللائحة التنفيذية للصندوق.بل نجد أحداً هؤلاء يعترض على مجرد فكرة إن يستفيد فرع الثقافة في عدن من إيرادات المصافي بحجة أن النفط إيرادات سيادية يجب أن تستفيد منه كل المحافظات! الغريب أن هذا الاعتراض يتم في الوقت الذي لم يتم فتح فرع لصندوق التراث في عدن بل لا يستفيد مكتب ثقافة عدن من الصندوق بحسب ما شرحت، إن الحديث عن الدولة عندما نتحدث عن الصندوق لا يعني أننا يجب أن نصمت ونعلن عجزنا بحجة إن الفساد هو الدولة بل من واجب الثقافة حتى وهي في بنائها الرسمي أن تكون في الصفوف الأولى للدفاع عن ما يجب أن يكون عليه الواقع وليس الرضاء بما هو واقع وفي هذا الإطار يأتي دوركم كصحافة ودور كل قوى التنوير. مناشدة للفرق الرسمية - في الأخير نشكركم على هذا الحديث الصريح جداً، متيحاً لكم الفرصة لكلمة توجهونها لمن تريدون؟ أوجه الحديث إلى المبدعين أفراداً وجماعات في م/ عدن وأقصد الرسميين منهم أكثر من غيرهم، أقول لهم التقاليد الراقية التي كانت تتمتع بها فرقكم الإبداعية والنظم التي تربيتم عليها لا تعفيكم من روح المبادرة لإعادة هيكلة فرقكم، لقد أكتسبتم معرفة هي عصارة سنين من الجهد والمال لدولة تؤمن بأيدولوجية الفعل الثقافي من أجل تكوين الفكر، نحن اليوم أحوج إلى هذه التقاليد والقيم الملتزمة لخدمة الثقافة من منظور استراتيجي جديد، أناشدكم الحفاظ على قيمكم التي احترمها واحترمكم لأجلها. انتهى حديثي مع الأخ/حافظ مصطفى علي نائب مدير عام مكتب ثقافة عدن ولأنه حديث لا يمكن أن يكتمل، خاصة ونحن نتحدث بمنهج شفاف عن دور للثقافة، أعد القراء بحديث آخر يتناول جانباً من المشهد الثقافي لا يخلو من إشارات التغيير.