اليوم الإجتماع الفني لأندية الدرجة الثالثة لكرة القدم بساحل حضرموت    اليوم بدء منافسات المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انهيار سريع وجديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف الآن)    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    كاس خادم الحرمين الشريفين: النصر يهزم الخليج بثلاثية    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    خبراء بحريون يحذرون: هذا ما سيحدث بعد وصول هجمات الحوثيين إلى المحيط الهندي    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    بعشرة لاعبين...الهلال يتأهل إلى نهائى كأس خادم الحرمين بفوز صعب على الاتحاد    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة السادسة والعشرون )
نشر في أخبار اليوم يوم 22 - 08 - 2012


بين دورين
لقد جاء الإسلام الحنيف يقرر للدنيا أعدل المبادئ وأقوم الشرائع الربانية ، ويسمو بالنفس الإنسانية ويقدس الأخوة العالمية ، ويضع عقيدة الخلود والجزاء دافعا إلى الأعمال الصالحة ومانعا من الفساد في الأرض ، ويرسم الطريق العملي لذلك كله في حياة الناس اليومية ثم في أوضاعهم المدنية ، ويحيى على ذلك القلوب ، ويجمع عليه الأمة ، ويقيم على أساسه الدولة ، ويوجب الدعوة إليه في الناس كلهم حتى لا تكون فتة ويكون الدين كله لله.
ومضت على هذا حياة المسلمين حينا من الدهر ، علت فيها دعوتهم ، وامتدت دولتهم ، وتمكن سلطانهم ، وسادوا أمم الدنيا ، وكانوا أساتذة الناس ، ووعدهم الله على ذلك أجمل المثوبة ، وحقق لهم هذا الوعد : (فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148).
ثم اختلط عليهم بعد ذلك الأمر ، فاتخذوا الدين طقوسا وأشكالا ، والعلم والمعرفة جدلا ومراء ، ووزعوا مهمة الإصلاح لتكون أداة للدنيا ووسيلة للجاه والمال ، ففسدت النفوس أولا وتفرقت الكلمة بعد ذلك ، ودالت الدولة تبعا لهذا ، وطمع في المسلمين من لا يدفع عن نفسه ، فوقعوا تحت حكم غيرهم وسلطانه ، وتغّيرت تبعا لذلك كل أوضاع حياتهم الأدبية والعلمية.
وأراد المصلحون الغيورون أن يتداركوا الأمر ، فقامت طائفة تحاول إصلاح النفوس ، وقامت أخرى تحاول خدمة الشعوب ، واختصت ثالثة نفسها بتقويم أداة الحكم ،وأطلق كل على نفسه اسما يرضاه ووصفا يعجبه ، انتصر لمهمته ، وانتقص مهمة غيره ، وكان شرط هذا الاختصاص ليكون نافعا مفيدا أن تقوّى كل ناحية الأخرى وتكون سنادا لها ، فيدفع من يهيمنون على تربية النفوس أتباعهم إلى خدمة المجتمعات ، وهؤلاء ينبهون من معهم إلى أن صلاح المجتمع بصلاح الحكم ، حتى يتآزر الجميع على الإصلاح العام . وكان شرط هذا الاختصاص كذلك أن تقوم هناك الهيئة الجامعة التي تأخذ بأطرافه وتجمع بين حواشيه ، وكان شرط هذا الاختصاص أخيرا أن به الأكفاء المخلصون ، ولكن هذا كله لم يتوفر إلا نادرا ، والنادر لا حكم له .
مقاصد الدعوة ووسائلها العامة
وظهرت دعوتكم أيها الإخوان في ثنايا هذه السحب المتراكمة جميعاً , فلمعت كما يلمع البرق الوامض , ثم أنارت كما تنير الشمس المشرقة , تبعث في القوم النور والحياة واليقظة بعد طول نوم وخمود , فكانت أغراضكم وأهدافكم هي أغراض الإسلام الحنيف ومقاصده .
1 تصحيح فهم المسلمين لدينهم وشرح دعوت القرآن الكريم شرحا وضحا ، وعرضها عرضا كريما يوافق روح العصر ، ويكشف عما فيها من روعة وجمال ، ويرد عنها الأباطيل والشبهات.
2 ثم جمع المسلمين عمليا على مبادئ كتابهم الكريم بتجديد أثره البالغ القوى في النفوس .
3 ثم خدمة المجتمعات وتنقيتها بمحاربة الجهل والمرض والفقر والرذيلة ، وتشجيع البر والنفع العام في آية صورة .
4 ولن يستشعر أحد العزة والكرامة ويتذوق طعم الحياة الكريمة إلا إذا شبع بطنه واستغني عن غيره ، وتوفرت له ضروريات حياته ، وإلي ذلك نظر الإسلام فلم يهمل المعاني الاقتصادية ولم يتغافل عن الإصلاح المالي ، بل إنه وضع لذلك أفضل القواعد التي تنمي وحدة الأمة أفراداً وجماعات , وترفع مستوي المعيشة وتقرب بين الطبقات ، وتؤمن الجميع أنفسهم وزراريهم وأولادهم ، وتضمن لهم العدالة الاجتماعية الصحيحة ، وتوفر الفرص المتكافئة للجميع علي السواء .
لم يحتقر الإسلام المال ، ولم يزهد في الثروة ولم يحرم الطيبات , بل اعتبر المال من نعم الله الواجبة الشكر ، وقال النبي r : (نعم المال الصالح للرجل الصالح) ، واستعاذ من العوز والفقر وقرنه بالكفر فقال : (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) ، وحث بعد ذلك علي العمل والكسب ، واعتبر ذلك قربة إلي الله تؤدي إلي حبه ومثوبته ومغفرته . فقال رسول الله r : (إن الله يحب المؤمن المحترف) كما قال : (من أمسي كالاً من عمل يده أمسي مغفوراً له) ، وحرم السؤال والاستجداء لما في ذلك من مذلة وهوان .
ثم أوصي بعد هذا بالمحافظة علي هذا المال والاعتدال في إنفاقه وابتغاء أفضل السبل به فقال القرآن الكريم : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5) ، وقال : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67) .
ثم لفت النظر إلي منابع الثروة وأصول طرائق الكسب من التجارة والزراعة والصناعة والثروات الحيوانية والمعدنية والمائية والهوائية والقوي الكونية ، وكل ذلك واضح في كتاب الله العلي الكبير ، وحث المسلمين علي استغلالها وتثميرها والانتفاع بها وعدم الغفلة عنها ، جمع لهم ذلك في إشارة واضحة , (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان:20).
ثم حرم الكسب الحرام كله إلي البغضاء والشحناء وفساد المجتمعات ، لأن الإسلام حين أراد لن يوفر للفرد وسائل الحياة والرفاهية أراد كذلك أن يوفر للمجتمع حياة التكافل والطمأنينة , ويقضي فيه علي فحش الأثرة والأنانية ، فحرم الربا وحرم النصب وحرم الاحتيال , ووضع في ذلك القاعدة المعروفة من تقديم المنفعة العامة علي المنفعة الخاصة دائماً ، فإذا تعارضت حقوق الفرد مع حقوق الجماعة أهدرت الحقوق الفردية وعوض عنها أصحابها ، وأقيمت حقوق الجماعة بما يوصل للخير العام .
ولم يقف أمر النظام الاقتصادي الإسلامي عند هذا الحد , ولكنه رسم الخطط الأساسية للتقريب بين الطبقات فانتقص من مال الغني بما يزكيه ويطهره وينقيه ويكسبه القلوب والمحامد , وزهّده في الترف والخيلاء ورغّبه في الصدقة والإحسان , وأجزل له في ذلك المثوبة والعطاء وقرر للفقير حقاً معلوماً وجعله في كفالة الدولة أولاً وفي كفالة الأقارب ثانياً وفي كفالة المجتمع بعد ذلك . ثم قرر بعد هذا صور التعامل النافع للفرد الحافظ للجماعة تقريراً عجيباً في دقته وشموله وآثاره ونتائجه ، وأقام الضمير الإنساني مهيمناً عليها من وراء هذه الصور الظاهرية . كل هذا بعض ما وضع الإسلام من قواعد ينظم بها شأن الحياة الاقتصادية للمؤمنين ، وقد فصلت الحياة الاقتصادية الممسوخة التي يحياها الناس في هذه الأعصر بين الاقتصاد والإسلام ، فقمتم أنتم ومن أهدافكم وأغراضكم الإصلاح الاقتصادي بتنمية الثروة القومية وحمايتها ، والعمل علي رفع مستوي المعيشة ، والتقريب بين الطبقات ، وتوفير العدالة الاجتماعية ، والتأمين الكامل للمواطنين جميعاً ، وإقرار الأوضاع التي جاء بها الإسلام في ذلك كله .
5 وإذا كانت هذه الأهداف جميعاً لا تتحقق إلا في ظل الدولة الصالحة وقد عرفتنا الأيام ألوان الحكومات التي تقوم علي غير النظام الإسلامي , فإذا هي جميعاً لا تزيد الأمر إلا شدة ، مع أن دستور بلاد الذي ارتضته نظاماً لنفسها يعلن في المادة (149) منه : (أن دين الدولة الإسلام ولغتها الرسمية اللغة العربية ) ، فكان لابد أن تطالبوا بحق الإسلام في إقامة الحكومة التي ترتكز علي أصوله وأحكامه وتعاليمه , وشرط ذلك الحرية والاستقلال الكامل فكان طبيعياً أن يكون من أهدافكم كدعوة إسلامية صحيحة كاملة تحرير وادي النيل والبلاد العربية والوطن الإسلامي بكل أجزاؤه من كل سلطان أجنبي .
6 ودعوة الإسلام الحنيف ليست قاصرة علي شعب دون شعب أو قطر دون قطر فإن الله يقول لنبيه r : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سبأ:28) ، ويقول (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) ، ويقول : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (إبراهيم:1) ، وذلك أول أساس روحي وعملي ، وضع في هذه الأرض للوحدة العالمية التي يهتف بها الزعماء وتمهد لها المخترعات وتتجمع عليها أفكار الأرض وتتهيأ لها الشعوب والأمم في هذه الأيام , فمن دعواتكم أيها الإخوة الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي وفي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم علي محاسن دينكم وتجليه مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم بعد هذا الظمأ القاسي الذي التهبت به أكبادهم في هذه الحياة المادية الميكانيكية القاسية .
تلك هي مقاصد دعوتكم وأغراض هيئتكم ، كلها من الإسلام الحنيف لا تخرج عنه قيد شعرة و (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ) (لأعراف:43).
أما وسائلكم من هذه الغاية فهي وسائل الدعوة الأولي :
1 نشر الدعوة للتبليغ وتربية النفوس علي هذه التعاليم عملياً للتكوين.
2 ووضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه والتقدم إلي الأئمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية.
3 وفي أثناء ذلك من مهمتكم إسداء الخير والمعروف للناس .
هكذا كنتم منذ وضع الأساس الأول لدعوتكم في شهر ذي القعدة 1347ه ، 1928م , وعلي هذا ظللتم وثبتم وستظلون وتثبتون حتى يحقق الله وعده إن شاء الله .
وصفنا
وسيقول الناس ما معني هذا وما أنتم أيها الإخوان ؟ أننا لم نفهمكم بعد ، فأفهمونا أنفسكم وضعوا لأنفسكم عنواناً نعرفكم به كما تعرف الهيئات بالعناوين .
هل أنتم طريقة صوفية ؟ أم مؤسسة اجتماعية ؟ أم حزب سياسي ؟ كونوا واحداً من هذه الأسماء والمسميات لنعرفكم بأسمائكم وصفتكم .
فقولوا لهؤلاء المتسائلين : نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة :
طريقة صوفية نقية : لإصلاح النفوس وتطهير الأرواح وجمع القلوب علي الله العلي الكبير .
وجمعية خيرية نافعة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتواسي المكروب وتبر بالسائل والمحروم وتصلح بين المتخاصمين .
ومؤسسة اجتماعية قائمة : تحارب الجهل والفقر والمرض والرذيلة في أية صورة من الصور .
وحزب سياسي نظيف يجمع الكلمة ويبرأ من الغرض ويحدد الغاية ويحسن القيادة والتوجيه .
وقد يقولون بعد هذا كله لازلتم غامضين فأجيبوهم : لأنه ليس في يدكم مفتاح النور الذي تبصروننا علي ضوئه ... نحن الإسلام أيها الناس فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه فافهموا الإسلام أو قولوا عنا بعد ذلك ما تريدون .!
نحن ووزارة الشؤون الاجتماعية
أيها الاخوة الأحبة ..
على هذا الوضع الواضح الكريم نشأت دعوتكم ودرجت ،ثم أنشئت خلال ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية وكان من مهمتها تنشيط أعمال البر وتشجيع الهيئات الشعبية والجمعيات الخيرية وإعانتها ماديا وأدبيا على ما هي بسبيله من عمل الخير ، ورأينا أن لا مانع من أن نتعاون معها في ذلك في الناحية التي تخصها من نشاطنا واتصالنا بها على هذا الأساس وأذنّا لشعب الإخوان أن تتصل بها كذلك ، واستمرت صلتنا بوزارة الشؤون على هذا النحو من التفاهم والتعاون إلى الآن ، حتى صدر القانون رقم 49 لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية والتبرع للوجوه الخيرية وفيه تحديد لمعنى الجمعية والمؤسسة . وبتطبيق هذا التحديد على هيئة الإخوان المسلمين نراه لا ينطبق عليها بحال فلا هي جمعية خيرية ولا هي مؤسسة اجتماعية وإن كانت تعمل الخير وتخدم المجتمع فإنها تعتمد في ذلك أولا على مال أعضائها وعلى ما يجمع من الجمهور.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان هذا ليس كل أغراضها ولم تنشأ له خاصة . ولسنا نأبى أن نتعاون مع وزارة الشؤون في الخير وخدمة الناس فإننا نرحب بذلك ونوده ولكننا نريد أن توضع الأمور في وضعها الصحيح وألا نضع أنفسنا ودعوتنا التي وقفنا لها الدم والمال والحياة والأبناء وهي عندنا أمل الآمال في موضع يغل يدها ويحول بينها وبين العمل لتحقيق أغراضها والوصول إلي أهدافها .
هل يتوهم إنسان أن دعوة الإخوان وجماعتهم تكون في عرف القانون ومنطق الأوضاع السليمة الصحيحة وهي الهيئة التي تعمل لتنشر في الدنيا دعوة القرآن وتحيي أمته وتقيم دولته وتواجه الدنيا بتعاليمه لينعم الناس في ظله بما يحلمون به من سعادة وسلام , (قََدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16) ، هذه الهيئة أيها الإخوان وهذا مقصدها هل يتوهم أحد أن تكون في عرف القانون وفي منطق الأوضاع كجماعة لتكفين موتي الفقراء ؟ وجماعة قطرة الحليب ؟ وجماعة أنصار الإحسان ؟ وعلم الله أننا لا نستصغر ناحية من نواحي البر ولا ننتقص عملاً من أعمال الخير مهما كان ، ولكن لكل مقام مقال .
لهذا رأي مكتب الإرشاد أن يعدل النظام الأساسي تعديلاً يوضح أهداف الدعوة ووسائلها وضوحاً ينص علي انفصال ناحيتي البر والرياضة في إداراتهما وحساباتهما عن الهيئة الرئيسية لها تسهيلاً لمهمة التعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية إن شاء الله من جهة ومع كل الهيئات التي تعمل لهاتين الناحيتين من جهة أخري . وسيعرض عليكم مشروع التعديل وقرار المكتب في هذا الشأن كله في نهاية هذا الاجتماع , (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب:4) .
ثانياً حقوقنا الوطنية
أما فيما يتعلق بالأمر الثاني الذي اجتمعتم من أجله وهو التذكير بالحقوق الوطنية لوادي النيل وللعالم الإسلامي وتبيين طرق العمل لإحقاقها والوصول إليها فاسمعوا أيها الإخوان :
تأكدوا أن واجبكم أنتم في ذلك كأفراد وهيئة من أثقل الواجبات ، وأن تبعتكم من أعظم التبعات ، أنكم في ذلك تطالبون بأكثر مما يطالب به الناس ، وتحملون منه أكثر مما يحملون ، فلقد أراد الله ...
أن تستيقظوا حين كان يغطّ غيركم في نومه ...
وأن تؤمنوا حين كان يهيم سواكم في شكه ...
وأن تأملوا حين تغشت الناس سحابة اليأس ...
وأن تتجمعوا وقد تشققت العصا واختلف أمر الهيئات والأحزاب ...
أن يلتف الناس حولكم وتنتهي الثقة إليكم ويحف الأمل بكم حين فقد الناس أملهم وثقتهم , وكاد كل واحد يشك حتى في نفسه ..
ويظهر الله أمركم فلم يقف عند حدود مصر والسودان بل جاوزها إلى غيرها من الأقطار والبلدان .
ويشاء الله لكم بعد هذا أن تمر بكم عواصف هذه الحرب الضروس ست سنوات كاملة ، فتمزق من غيركم من الداخل والخارج ما شاء الله لها أن تمزق ، ولكنها تمر بكم أنتم مرا رفيقا يُقوي ولا يُضعف ولا يزعزع وينبه ولا يوهن ، ويزيدكم بنصر الله إيمانا وبرعايته ثقة لأنكم بكلمته تنطقون ولدعوته تعملون فأنتم لذلك على عينه تصنعون (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) (الطور:48) .
ومن هنا كان واجبكم أكبر الواجبات وكانت تبعتكم أثقل التبعات .
انتهاز الفرصة
ثم تأكدوا بعد ذلك أنها الفرصة السانحة التي لا تعوض ، وماذا تنتظرون بعد ذلك ، ولقد انتهت هذه الحرب الضروس وخرج منها الحلفاء بنصر لم يكونوا يتوقعونه ، وسلم لهم أعداؤهم بغير قيد ولا شرط ، وعرفت حكوماتهم وهيئاتهم وشعوبهم قيمة الوقت ، فلم يضيعوه سدي ولم ينفقوه هباء في الجدل الفارغ والخصومة القاتلة والنوم العميق ، ولكنهم كانوا يحاربون ويرتبون ، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها ، كان مؤتمر سان فرانسيسكو ومؤتمر بوتسدام ومؤتمر وزراء الخارجية في لندن ولم تبق عليه إلا ليال وأيام ، وفي خلال ذلك مقابلات واجتماعات وتصريحات وقرارات ، وخطب ومقالات ، وحكومات أثر حكومات ، وهكذا تسير الدول الكبرى وتتأهل الدول الأخرى ، في سرعة ويقظة واهتمام ، ويقرر مصائر العالم ويحدد مستقبل الأمم والشعوب في هذه الساعات الفاصلة في تاريخ الناس ، فإذا وقع الأمر فقلما يتغير إلا بالمجهود العنيف والدأب المخيف فما الذي تنتظرون ؟ والأمر أمركم وأنتم موضع البحث والتقرير ، علي مصالحكم يشتد الجدل والخلاف ، وإليها تتجه المطامع والآمال ، أفلا ترون بعد هذا كله أنها ساعات لها ما بعدها بل أنها أحرج الساعات في تاريخنا الحديث .؟
بين الوطنية والاجتماع
قال لي أحد أصدقاء الإخوان الذين لا يتهمون في رأي ولا في نصيحة منذ أيام قلائل : أليس الأروح للإخوان والأجدى علي الوطن أن تشتغل هيئة الإخوان بالأغراض الأدبية والاجتماعية والاقتصادية من برنامجها وهي من الإسلام أيضاً وتدع الناحية القومية أو الوطنية أو السياسية بعبارة أخري لسواها من الهيئات حتى لا يتعرض للعواصف القاسية هذا البناء العالي الذي أصبح للغيورين أملاً وفي تاريخ هذه النهضة عملاً ؟ .
فقلت له في صراحة وإخلاص وتأثر : والله يا أخي إني لأشاركك هذا الرأي ، وأجد في أعماق نفسي هذا الشعور قوياً عميقاً ، وأكره أشد الكراهية ما يصحب هذا النضال من مظاهر وآثار في النفوس وفي الصلات وما يجر إليه من نواحي الشهرة والجاه الكاذب الذي يلهي الناس عن الحقائق والواجبات ، وكم كنت أتمني أن تكون الظروف معي ومعك ، وأن تدع لنا الحوادث من الوقت ما يتسع لهذا الذي تحب وأحب ، وليس ذلك عن حب للراحة أو إيثاراً للدعة ، ولكن الأمور هي كما تري الآن :
الدول الكبرى وقد خرجت منتصرة تعمل جاهدة ليل نهار وتحاول بل تتعمد أن تتغافل عن حقوقنا وأن تنسي ما بذلت لنا من عهود ومواثيق والوقت يمر مر السحاب .
والهيئات السياسية عندنا قد غفلت عن هذا الواجب واشتغلت عنه بما تقرأ في صحفها وجرائدها من تنابز بالألقاب وتخاصم علي الأسلاب ، علي أن الحوادث قد أعانت ذوي الأغراض علي أن يفرقوا وحدتها ، ويفضوا الناس عنها ، ويظهروا رجالها أمام الرأي العام بمظهر الملوثين العابثين ، ففقد الشعب ثقته بقادته ، وخسر القادة الجنود ، والأنصار فقدوا هم أيضاً الثقة بأنفسهم والثقة بحقهم .
والشعور الوطني كما تري في ثورة وقوة وحماس وبخاصة في هذا النفر من الشباب المثقف ، وإن لم يكن في هذا الشعب كله الذي ألح عليه الفقر وأمضه الجوع والعري وأكل منه الغلاء والجهد ، وما لم تقده أيد حكيمة وتصرفه عقول مجربة فقد يسير في طريق لا تؤدي إلي نجاح ولا تصل إلي غاية .
وإلي جانب هذا الشعور الوطني هذا التهيؤ من جانب الأمة العربية وما جاورها من الإسلام للوحدة والاجتماع والرغبة في تنسيق الجهود والأعمال ، وليست هيئة من الهيئات أقرب إلي قلوب هذه الشعوب وأقدر علي الظهور في هذا الميدان من الإخوان .
كل ذلك يا أخي جعلنا وقد قضينا سبعة عشر عاماً في الإعداد والاستعداد ، وأفهمنا الناس فيها الأمر علي حقيقته ، من أن السياسة والحرية والعزة من أوامر القرآن ، وأن حب الأوطان من الإيمان ، ولم يتبق بعد هيئة من الهيئات علي وحدتها وثقة الناس بها وأملهم فيها إلا الإخوان ، كل ذلك يا أخي جعلني أشعر شعوراً قد ارتقي إلي مرتبة الاعتقاد ، إننا لم يعد لنا الخيار ، وإن من واجبنا الآن أن نقود هذه النفوس الحائرة ونرشد هذه المشاعر الثائرة ونخطو هذه الخطوة والله المستعان .
علي أن هناك نظرة أخري ليست بأقل مما تقدم أهمية . ألست ترى يا أخي أن أهم عوامل الفساد والإفساد لحياة هذا الشعب المصري وغيره من الشعوب العربية والإسلامية هذا التدخل والتحكم الأجنبي الذي أفقدنا عزتنا ووجهنا غير وجهتنا وبدل أوضاع حياتنا وضحك علينا بالقشور وصرفنا عن اللباب ، ثم هذا الضعف المتناهي من هذه الحكومات التي جعلت من نفسها أداة طيعة إن لم تكن مسرعة في يد الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس كما يشاء وينفذ بها مطالبه وخططه كما يريد سافراً أو مستتراً .
أولست ترى أن أول باب للإصلاح أن نجاهد هذين المظهرين ، وأن يتحرر الناس من هذين النيرين ، وإلا فكل مجهود إلي ضياع ، وقد جربنا ذلك في أنفسنا وفي غيرنا ولمسناه وعرفناه ، فإذا لم ندخل علي القوم من الباب في هذه الفترة من الزمن فمتي إذن ؟.
والله يا أخي لو كنا أمة مستقلة تصرف أمورها حكومة يقظة لكان في كل غرض من أغراض دعوتنا علي حدة متسعة لكل أوقاتنا ومجهوداتنا ، فهذا الغرض العلمي من شرح دعوة الإسلام والكشف عما فيها من روعة وجمال ، وهذا الغرض الاجتماعي من مساواة المنكوبين ومعاونة البائسين ، وهذا الغرض الاقتصادي من استنفاد الثروة القومية وتنميتها وحمايتها ، كل غرض من هذه الأغراض يستغرق أضعاف وقتنا ويستنفد أمثال جهودنا ولكن ما كل ما يتمني المرء يدركه والله أعلم حيث يجعل رسالته .
وفي مثل هذه الساعات الهامة الفاصلة يكون هذا الجهاد الوطني فرضاً عينياً علي كل الأفراد والهيئات ... فقال ذلك الصديق الأخ في تأثر وحماس : صدقت سيروا علي بركة الله والله معكم.
أيها الاخوة الفضلاء ..
تأكدوا كذلك أن لبلادنا حقوقاً ومطالب قومية لم تنلها بعد ، ولا فائدة من ذكر العوامل التاريخية والحوادث التي أدت إلي انتقاص هذه الحقوق واغتصابها ، ولكن الذي يفيد ويجدي أن نؤمن إيماناً قوياً جارفاً بهذه الحقوق ، وأن نجاهد جهاداً داعباً عنيفاً في سبيل تخليصها والوصول إليها ، وبالإيمان والجهاد والأمل والعمل ننتصر ونصل إن شاء الله وما ضاع حق وراءه مطالب .
نحن حين نؤمن ونجاهد لا نعتمد في جهادنا علي قوة السلاح وكثرة الجيوش والأساطيل ، فنحن نعلم أننا عزل من ذلك كله ، ونشعر أعمق الشعور بما يكبل أيدينا وأرجلنا من القيود والأغلال الثقال ، وحسب العالم ما قاسي من الاعتماد علي القوة ونبذ القانون وإهمال قواعد العدالة والإنصاف ، ولكننا نعمد علي أن هذا هو حقنا الطبيعي الذي لا ينكره علينا إلا جاحد ومكابر ، فلسنا أمة بدائبة تحتاج إلي الرعاية والوصاية والتوجيه ولكنا أمة ورثت أمجد الحضارات وأعرق المدنيات وأنارت الدنيا بالعلم والمعرفة وحين لم تكن هذه الأمم الحديثة تدري من أمر الوجود شيئاً.
ونعتمد علي أننا ساهمنا في المجهود العربي بأموالنا ودمائنا وأبنائنا وأرضنا ومواصلاتنا وأقواتنا وكل مرافق حياتنا ، وعرضنا كل شيء للخطر الداهم ، ووقفنا إلي جانب الأمم المتحدة وقفات كان لها أثرها في هذا النصر ولا شك ، ولم نشأ أن نساوم في ساعة العسرة علي حق من حقوقنا أو نثير مطلباً من مطالبنا ، ولكنا تركنا ذلك كله وديعة بين يدي الضمير الإنساني العالمي معتمدين علي نبل حلفائنا وصدق وعودهم .
ونعتمد علي هذه العهود والمواثيق التي قطعها الحلفاء علي أنفسهم ومنها ميثاق الأطلنطي ، وتلك التصريحات والخطب ، والكلمات والنشرات التي أعلنوا فيها شعوباً وحكومات ، أنهم يحاربون في سبيل العدالة والتحرير ويريدون نصرة المظلومين وإنقاذ البشرية من العبودية والاستبداد ، وإنشاء عالم جديد يقوم علي التعاون وكفالة الحريات والقانون والإنصاف .
ونعتمد كذلك علي التطور في التفكير العالمي وهذه اليقظة في الضمير الإنساني ، ويا ويح الدنيا إذا كانت ستسودها وتصرفها من جديد الأفكار الرجعية ، وتتحكم فيها المطامع الاستعمارية ، وإذا كانت الدول المنتصرة تظن أن في استطاعتها أن تقود الدنيا من جديد بالحديد والنار ، فما أبعد هذا الظن وأعرقه في الوهم والخيال ، فإن موجة اليقظة التي أحدثتها هذه الهزات العنيفة لا يمكن أن يقف تيارها حتى يصل إلي غايته ويبلغ مداه ، ولن يستقر بعد اليوم في الأرض السلام إلا إذا أدركت الدول الكبرى هذه الحقيقة واعترفت لغيرها من الأمم والشعوب بحقها في الحياة والحرية والاستقلال .
ولسنا من الغفلة وضعف الإدراك بحيث نعتقد أن في وسعنا أن نعيش بمعزل عن الناس و بمنأى عن الوحدة العالمية التي يتهيأ لها الأرض جميعاً والتي انطلق من حناجرنا نحن المسلمين أول من صوت يهتف بها ويدعو إليها ويتلو آيات الرحمة والسلام (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، ولكنا ندرك أن الدنيا لم تكن في حاجة إلي التعاون وتبادل المصالح والمنافع في يوم من الأيام كما هي في حاجة إلي ذلك الآن ، ونحن علي استعداد لمناصرة هذا التعاون وتحقيقه ، في ظل مثل عليا فاضلة ، تضمن الحقوق وتصون الحريات ويأخذ معها القوي بيد الضعيف حتى ينهض .
مطالبنا
ونحن حين نطالب بحقنا لا نغالي ولا نتعسف ، ولا نريد علواً في الأرض ولا فساداً ، ولكنا نقف عند الحق الطبيعي الذي لا يمكن أن يحيا بدونه فرد أو شعب حياة عزيزة كريمة .
* وادي النيل
فنحن نطلب : لوادي النيل
1 أن تجلو عنه الجنود الأجنبية : فلا يكون هناك جيش احتلال في أية بقعة من بقاعه . وماذا تغني هذه الفئة القليلة من الجنود إذا فقدت الثقة وفسدت العلاقات وإرضاء النفوس والاعتراف بالحقوق هو أضمن وسيلة لتبادل المنافع والمحافظة علي المصالح .
2 وأن ترفع هذه القيود والأغلال التي فرضت علي تجارتنا وزراعتنا وصناعتنا إبان الحرب وقبل الحرب والتي قبلناها مساهمة منا في المجهود الحربي ، وأن تلاحظ الدول الأجنبية أننا أمة يتكاثر عددها باضطراد وتضيق بها أرضها وموارد ثروتها ، وأنه ليس من العدل أن يأخذ الأجنبي كل شيء أيضاً ، إننا لا نكره الأجانب ولا نريد أن نقطع صلات التعاون بيننا وبينهم ، ونحن نعلم تماماً أننا لا نستغني عن رؤوس أموالهم وعن خبرتهم الفنية ، ولكنا لا نريد كذلك أن يكون هذا التعاون علي قاعدة أن لهم الغنم وعلينا الغرم . والواجب أن تقدر كل هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية . إن عددنا يكثر ومستوي المعيشة عندنا أقل منه في أية أمة من الأمم الراقية ، فأكثر من نصف المصريين يعيش أقل من عيشة الحيوان ، ومع هذا يفكر الأجانب في الهجرة إلي أرضنا وفي تقييد حريتنا في التصدير والاستيراد والتجارة والزراعة والنقد . ولا ينتج ذلك كله إلا حرج الصدور وإثارة الشعور ، والضغط الشديد يولد الانفجار .
3 وقناة السويس أرض مصرية حفرت بدماء مصرية وجهود أبنائها فيجب أن يكون لمصر حق الإشراف عليها وحمايتها وتنظيم شأنها ، ولقد قارب أمد امتيازها الانتهاء وتفكر بعض الدول في التدخل في شأنها أنها قد اشترت عدداً كبيراً من أسهمها . إن مصير هذه القناة إلينا بعد عدد قليل من السنين ، ومن واجبنا أن نتنبه لذلك من الآن وأن نطالب بزيادة عدد الموظفين من المصريين في الأقسام المختلفة وبخاصة الأقسام الفنية التي تحتاج إلي دراية ومران . يجب أن نستعد للمستقبل وألا ننتظر الحوادث حتى تفاجئنا ونحن علي غير استعداد . ويجب أن تعترف لنا الدول بهذا الحق الثابت وتقرنا عليه .
4 والسودان : لا نقول أننا نطالب بحق مصر فيه فليس لمصر حقوق في السودان ولكن السودان جزء من الوطن فهو مصر الجنوبية ومصر هي السودان الشمالي وكلاهما وادي النيل ، هذا كلام نريد أن يكون مفهوماً جيداً للدول الأجنبية كلها عامة ولإخواننا ومواطنينا أبناء السودان خاصة . إن النيل الذي تتوقف عليه حياة مصر أرضاً ونباتاً وحيواناً وأناساً إنما ينحدر إليها من السودان ومن مائه ومن طميه تكونت أرض الجنوب كما نشأت أرض الشمال ومنها نشأت هذه الجسوم وجرت هذه الدماء فنحن أيها الأخوة السودانيون من ماء واحد وطينة واحدة وإذا قال لكم قائل أن مصر تريد أن تستعمركم لتستغل أرضكم وتستغلي عليكم وتستطيل بالسلطان في أرضكم فقولوا أنها فرية كاذبة نحن نريد السودان جزءاً من مصر كما أن مصر جزءاً منه للسوداني ما للمصري من حقوق وعليه ما عليه من واجبات . إذا فتحت المدارس في مصر مثلها في السودان وإذا أنشئت المحاكم في الشمال أنشئت في الجنوب وتتوحد الجنسية ويتوحد القانون ويتوحد كل شيء في مظاهر الحياة الاجتماعية في جزأي الوطن الواحد وادي النيل . وإذا كان المغرضون قد استطاعوا أن يصوروا الأمور علي غير وضعها الصحيح فإن ذلك الباطل لا يغني من الحق شيئاً . لقد عملت الدعاية الأجنبية عملها في السودان ، ولكن إخواننا السودانيين مؤمنون وأذكياء وهم يشعرون تماماً أن ما يجدونه الآن من ملاطفة ولين موقوت إلي حين ثم بعد ذلك ينكشف الاستعمار عن الاستعمار ويتحقق لهم قول الله العلي الكبير: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:34) . ولقد حاولت الإدارة السودانية أن تفصل السودان الجنوبي عن السودان الشمالي فصلاً تاماً ، والسودان الجنوبي هو منبع الثروة هو مستقرها في السودان كله فهو موضع الغابات ومرعي الحيوان ومستقر المعادن ، ولقد حجبته الحكومة عن أهل السودان الشمالي وضربت عليه نطاقاً من المراقبة الشديدة ، وحرمت الذهاب إليه حتى علي التجار من السودانيين أنفسهم ، وأطلقت فيه الدعاية التبشيرية من مختلف الإرساليات وجعلته نهباً مقسماً بينها ومع هذا كله فلازال الإسلام يشق طريقه إليه والله غالبٌ علي أمره ومن الغريب أن حكومة مصر لا تهتم لكثير مما يقع في السودان ولا تخطو خطوة إيجابية في سبيله ولكنا لن نسكت علي هذا الحال . ونعتقد أن الهيئات السودانية التي تطالب الوحدة التامة مع مصر إن وجدت هذه الهيئات لو علمت هذا الوضع الصحيح الذي نعلنه ونؤمن به ونعمل علي أساسه لبادرت بأسرع ما يمكن لإعلان هذا الرأي وتقريره ، فإن مصر إذا كانت تحتاج السودان لتطمئن علي ماء النيل وهو حياتها فإن السودان أحوج ما يكون إلي مصر في كل مقومات الحياة كذلك وكلاهما جزء يتمم الآخر ولا شك ، وذلك فضلاً عن وحدة اللغة والدين والمشاعر والمظاهر والأنساب والدماء . وسنظل نطالب بهذا الحق ونستمسك به حتى نصل إليه إن شاء الله لأنه حق والحق لابد أن يعلو ويظهر, (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.