تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    وكالة: الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    السعودية تقر عقوبات مالية ضد من يطلب إصدار تأشيرة لشخص يحج دون تصريح    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    رئاسة المجلس الانتقالي تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية على الساحتين المحلية والإقليمية    ضمن تصاعد العنف الأسري في مناطق سيطرة الحوثي.. شاب في ريمة يقتل والده وزوجته    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    وزير الاقتصاد ورئيس مؤسسة الإسمنت يشاركان في مراسم تشييع الشهيد الذيفاني    انفجارات عنيفة تهز مطار جامو في كشمير وسط توتر باكستاني هندي    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    الرئيس : الرد على العدوان الإسرائيلي سيكون مزلزلًا    *- شبوة برس – متابعات خاصة    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    السيد القائد: فضيحة سقوط مقاتلات F-18 كشفت تأثير عملياتنا    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    لوموند الفرنسية: الهجمات اليمنية على إسرائيل ستستمر    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثامنة والعشرون )
نشر في أخبار اليوم يوم 24 - 08 - 2012

* برقة وطرابلس
5 ونريد بعد ذلك تأميناً لحدودنا ، حدودنا الغربية ، لا بأن نحتل برقة ، ولا بأن نستعمر طرابلس ، فنحن أكرم علي أنفسنا والحق أكرم علينا من أن نذهب هذا المذهب الظالم ، ولكن أننا نأمن علي حدودنا الغربية يوم تسلم ليبيا لأهلها العرب الذين جاهدوا في سبيلها عشرات السنين جهاد الأبطال ، وكان ختام ذلك أن اشترك جيشهم الحديث في الحرب جنباً إلي جنب مع جنود الحلفاء ، وتقوم فيها حكومة عربية مستقلة وتظل وطناً موحداً حراً مستقلاً ، وإذا كانت إنكلترا قد حررت الحبشة من نير الاستعمار الإيطالي ثم سلمتها إلي إمبراطورها مملكة مستقلة موحدة ، فإن من واجبها أن تفعل ذلك في ليبيا وليس جهادها في سبيل حريتها بأقل من جهاد الحبشة . وليس للتفريق بينهما في المعاملة إلا تأويل واحد هو أن روح التعصب للمسيحية علي الإسلام لازالت تتحكم في نفوس بعض الدول الغربية الراقية حتى في القرن العشرين ، ومع هذا يقال أننا نحن المتعصبون وإلي الله المشتكي ، وليس في الدنيا أبلغ في الاستهتار بكرامة العرب والمسلمين من أن يقال أن هناك تفكير من بعض الدول في إعادة المستعمرات الإيطالية إلي إيطاليا !! هذا عجيب ومدهش حقاً .. إيطاليا العدو المحارب ترد إليها حريتها ومستعمراتها والغرب الحلفاء المجاهدون يستبعد وطنهم ويسلمه حلفاؤهم رغم المواثيق والعهود ويريد الناس بعد ذلك أن يستقر في الأرض أمن وسلام !! .
وقريب من هذا ما يشاع من أن طرابلس ستكون لإيطاليا تحت إشراف هيئة دولية وأن ساحل برقة سيعطي لليونان وأن صحراء ليبيا ستكون للعرب تحت انتداب ثنائي مصري إنكليزي معاً ! ما هذا أيها المنتصرون ؟ ما شأن اليونان بساحل برقة وأي غفلة هذه تغشي عقول المصريين ليتقدموا إلي صحراء تستنزف الدم والجهد والمال ليعمروها ثم يتركوها ؟ وأي ذليل يرضي بأن يحكم كثباناً من الرمال تحت سلطان الانتداب و الاحتلال .. وهل ترضي اليونان بهذا العدوان ؟ وهل نسيت درس احتلال الأناضول من قبل ؟ .
والليالي من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل عجيب
نحن نريد أن تؤمن حدودنا الغربية باستقلال ليبيا ووحدتها وقيام حكومة عربية صديقة فيها ورد ما أخذ منا ظلماً وعدواناً فتعود إلينا جعبوب مصرية كما كانت من قبل .
* وفلسطين أيضاً
كما نريد أن تؤمن حدودنا الشرقية بحل قضية فلسطين حلاً يحقق وجهة النظر العربية أيضاً يحول دون تغلب اليهود علي مرافق هذه البلاد . إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين ، فأما مصر فلأنها حدها الشرقي المتاخم ، وأما بلاد العرب فلأن فلسطين قلبها الخافق و واسطة عقدها ومركز وحدتها وهي ضنينة بهذه الوحدة أن تتمزق مهما كانت الظروف ومهما كلفها ذلك من تضحيات ، وأما العالم الإسلامي فلأن فلسطين أولي القبلتين وثاني الحرمين ومسرىr رسول الله . وهذه الحقيقة يجب أن تضعها الدول المتحدة نصب عينها ، فصداقة المسلمين والعرب في كفة ومطامع اليهود في فلسطين في الكفة الأخرى ، ولعل من خير اليهود أنفسهم أن يصرفوا وجوههم عن هذه الناحية . لا شك في أننا نتألم لمحنة اليهود تألماً شديداً ولكن ليس معني هذا أن ينصفوا بظلم العرب وأن ترفع عنهم بهلاك غيرهم والعدوان عليه ، وفي الأرض مندوحة وفي الأوطان متسع ، وكل تفكير أو تصريح أو عمل يتنافى مع إنصاف العرب ولا يحقق آمالهم في فلسطين لا يكون من ورائه إلا الإثارة والإحراج .
نحن نطالب بهذا لأنه تأمين لحدودنا ومصلحة مباشرة لنا ونطالب به كذلك لأنه حق أمتين عربيتين في الشرق والغرب هم منا ونحن منهم ولن يفرق بيننا شيء وما وحده الله يستطيع أن يفصله الناس .
* إريتريا وزيلع وهرر ومصوع
ونريد بعد ذلك أن تؤمن حدودنا الجنوبية بأن تحفظ حقوقنا في إريتريا ثم زيلع وهرر وأعالي النيل .. تلك المناطق التي اختلط بتربتها دم الفاتح المصري وعمرتها اليد المصرية ورفرف في سمائها العلم المصري الخفاق . ثم اغتصب من جسم الوطن ظلماً وعدواناً ، وليس هناك اتفاق دولي أو وضع قانوني يجعل الحق فيها لغير مصر وإن أبي علينا ذلك الناس ، ومن واجبنا ألا نتلقى حدود بلدنا عن غيرنا وأن نرجع في ذلك إلي تاريخنا ولنر أي ثمن غال دفعناه من الدماء والأرواح في سبيل تأمين حدودنا لا لمطامع استعمارية ولا لمغانم جغرافية ولكن لضرورات حيوية لا محيص منها ولا معدي عنها ، والفرصة الآن سانحة لتطالب مصر برد ما أخذ منها في غفلة من الزمن وإهمال من الحكومات وذلك ما نطلب لوادي النيل أولاً
* البلاد العربية
ونطلب للبلاد العربية أن تثق الدول الكبرى بالجامعة العربية وأن تفسح لها المجال لتقوي وتنهض ، ففي نهضتها وقوتها أكبر عامل يساعد علي استقرار السلام والطمأنينة في الشرق العربي ، كما يجب أن يعترف لكل أمة عربية بحقها في الحرية والاستقلال الكامل .. فتجلو القوات الأجنبية عن سوريا ولبنان .. وتعدل المعاهدة العراقية بما يحقق وجهة نظر الشعب العراقي ويصدق أملهم في الحلفاء .. ويعترف لشرق الأردن بحقه حتى تقتنع الشعوب الصغيرة بضرورة التجمع في زمن لم تعد تصلح فيه العزلة والانفراد ، وتكف الدول الكبرى عن المطامع غير المشروعة في اليمن والحجاز .. هذا في الشرق .
وفي غرب مصر وليبيا خمسة وعشرون مليوناً من المسلمين في تونس والجزائر ومراكش ... نكبوا بالاستعمار الفرنسي تحت اسم الحماية أو الفتح الظالم أو الاحتلال البغيض ، وجاهدوا عشرات السنين وبذلوا في ذلك الضحايا غالية من الحريات والدماء فامتلأت بهم السجون والمعتقلات وسالت بدمائهم الأباطح والأودية وشرد زعماؤهم وشبابهم المجاهد في كل مكان ، وحاول الاستعمار الغاشم أن ينال من دينهم بالتبشير ومن عروبتهم بالعجمة والتنصير ومن حريتهم بالضغط والقهر والجبروت ، فلم يفد ذلك كله شيئاً وثبت المجاهدون علي جهادهم كالرواسي الشامخات . وجاءت هذه الحرب الأخيرة وانهزمت فرنسا وانضمت للألمان وتنكرت لحلفائها الأقدمين واحتل الحلفاء إفريقيا الشمالية ، فوجدوا من أبناء هذه الأوطان أعظم المساعدة واشتركوا معهم اشتراكاً فعالياً في القتال في إفريقيا وفي إيطاليا وفي حملة فرنسا وثبتوا معهم في أعنف المواقع وفي أحرج الساعات ، وهل كان جيش فرنسا الحرة إلا هؤلاء الأبطال البواسل من أبناء المغرب الشهيد ، وقد اعترف بذلك المستر تشرشل وأثني علي بطولة هؤلاء المجاهدين أطيب الثناء ، وانتهت الحرب ولم تتورع فرنسا وهي لم تنس بعد وقع أقدام المحتلين عن أن تدك المدن والقرى بقذائف الطائرات ، وأن تقتل في الجزائر في ثورة واحدة أربعين ألفاً من المدنيين ، وأن تقضى علي خمس وأربعين قرية عامرة ، ولا ذنب لهؤلاء إلا أنهم أرادوا أن يحقق الحلفاء وعودهم فقاموا يطلبون الحرية والاستقلال وهما الحق الطبيعي لهم . وتريد فرنسا المناهرة في عيون الناس الرماد ، فتدعي أنها ثورة خبز وطعام وتزعم لنفسها حقوقاً موهومة إن بررتها غفلة العرب والمسلمين في الماضي فقد مضي ذلك الأوان ، وستتلاحق الثورات ويتنفس البركان ، و ها هي مراكش تشعل ناراً وجحيماً ، ولا يقل عنها صدر الجزائر وتونس لهباً وحميماً ، وليس علي هذه المشاعر يبني السلام أو يستقر الأمن والاطمئنان ، فنحن نطلب لكل هذه الأوطان وهي قطع من قلب وطننا العربي الكبير أن تنال حقها وأن تنضم انضماماً فعالياً إلي جامعة الدول العربية ، وإذا كان هناك استفتاء لشكل الحكومة التي يجب أن تكون في هذه البلاد فلابد أن يكون هذا الاستفتاء بإشراف مجلس الجامعة وأن تمثل فيه الدول العربية المستقلة علي الأقل .
* البلاد الإسلامية و الأقليات الإسلامية
ونطلب : للبلاد الإسلامية و الأقليات الإسلامية أن تستقل وتتحرر وتنال حقوقها ويرفع عنها الظلم والحيف وتكون بمأمن من الظلم والعدوان .
فهذه إيران يجب أن تجلو عنها الجنود البريطانية والروسية طبقاً لتصريح الدول المشتركة في خلال ستة أشهر من انتهاء الحرب مع اليابان ، وهذه إندونيسيا بأقسامها لا مبرر لأن تعود مرة ثانية إلي هولندا ، وحسب هولندا وقد ذاقت مرارة الظلم والجبروت أن تقنع بأرضها وأن تعمل لمصالحها في ظل العدالة والإنصاف وتبادل المنافع وذلك خير وأبقي من استلاب الحقوق واغتصاب الحريات وقضية الهند يجب أن تحل حلاً يحفظ حقوق المسلمين في كل الولايات ويساعد علي رقيهم وحفظ حقوقهم في كل مكان ، ولقد كانت ألبانيا حكومة إسلامية قبل هذه الحرب بما أن غالب سكانها من المسلمين من بقايا المهاجرين من البلقان والترك ، فمن الواجب أن تعود هذه الحكومة ومن العدل والنصفة أن تساعد مساعدة فعلية علي أن تكون حامية لحقوق الأقليات الإسلامية في بلاد البلقان ، ففي يوغسلافيا وفي اليونان وفي بلغاريا وفي غيرها أقليات إسلامية مظلومة يعتدي عليها وتستلب حقوقها ولا يدري بذلك أحد ، والمسلمون في كل مكان أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناها إذا اشتكي عضو منهم تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، فمن الواجب أن تسند مهمة الإشراف علي إنصاف هؤلاء إلي أقرب الحكومات الإسلامية إليهم .
ولقد فكرت تركيا بعد الحرب الماضية في الانسلاخ من الشرق والأمم الإسلامية و الارتماء في أحضان الغرب والتزلف إلي الدول الأوروبية ظناً منها أن ذلك يساعدها علي أن تطمئن في دارها وتأمن في أرضها ، وأكب الظن أنها بعد هذه الحرب قد أدركت مبلغ ما فاتها من الفوائد بهذه العزلة عن العرب وأمم الإسلام ولا نريد أن نحاسبها الآن علي ما فات فنحن إياها أحوج ما نكون إلي التعاون والتساند في هذا المعترك الطافح بالرغبات والأطماع ولن ندعها منفردة في محنتها ولعلها تدرك ذلك فتعود إلي ما نسيت من إسلامها وتتمسك من جديد بهذه الاخوة الخالدة التي تزول الدنيا ولا تزول ، وتفني الأيام وهي أبقي علي الزمان الباقي من الزمن .
ونحن نريد بعد هذا كله ونتمنى للعالم كله أمناً وطمأنينة وسلاماً طويلاً وراحة بال ولا نظن ذلك يتأتى إلا بالعدل والإنصاف ونحن علي هذه الفطرة جبلنا فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون .
ثالثاً حق الإسلام
أيها الاخوة الأعزة الفضلاء ..
أريد بعد ذلك بعد ذلك أقول لكم أن الدول الكبرى قد صرحت أكثر من مرة ، بأنها سوف لا تتدخل في شؤون الأمم الداخلية البحتة ومن ذلك شكل الحكومات ، وبخاصة إذا اتفقت مع قواعد الديمقراطية العامة . وقد ظفرت الفكرة الإسلامية بالتقدير الكامل في مؤتمر لاهاي سنة 1938 ، إذا قرر المؤتمر إنها شريعة مستقلة قابلة للتطور النماء متفقة مع أحدث قواعد التشريع . كما ظفرت بهذا التقرير مرة ثانية في مؤتمر واشنطن مايو 1945 الذي مثل مصر فيه وزير العدل حافظ باشا رمضان ، واستطاع من المؤتمرين بقرار يؤكد القرار السابق ، ويحفظ لمصر بناء علي ذلك الحق في أن يكون لها ممثل في محكمة العدل الدولية باسم الشريعة الإسلامية . ذلك إلي أن الإسلام في ذاته نظام اجتماعي عالمي ، يكفل للناس الخير والسعادة ، ويحل لهم ما في مجتمعهم من مشكلات لو نفذوا إلي روحه وأنفذوه علي وجهه . وقد قرر الدستور المصري في المادة 149 (إن دين الدولة الإسلام ولغتها الرسمية اللغة العربية) . وقد تهيأت الدنيا من جديد للعودة إلي روح التدين ، وأدركت خطأ الفكرة القديمة .. فكرة التجرد من العقائد والأديان ، حتى إن لجان التعليم في إنكلترا وأمريكا قررت وجوب إدخال الدين إلي المدارس وذهب بعضها في ذلك إلي حد أن يكون الدرس الأول في كل المعاهد صلاة علمية ، وعلي هذا فنحن نطلب من أية حكومة مصرية أولاً وعربية أو إسلامية بعد ذلك أن تعود في نظام حياتها الإسلامية والمدنية إلي الإسلام ، ويكون من المظاهر العملية لذلك :
1 أن تعلن أنها حكومة إسلامية تمثل فكرة الإسلام دولياً تمثيلاً رسمياً .
2 أن تحترم فرائضه وشعائره وأن تلزم بأدائها كل موظفيها وعمالها وأن يكون الكبار في ذلك قدوة لغيرهم .
3 أن تحرم الموبقات التي حرمها الإسلام من الخمر وما يلحق بها ، ومن الزنا وما يمهد له ، والربا وما يتصل به من أنواع القمار والكسب الحرام ، وأن تكون الحكومات قدوة في ذلك فلا تبيح شيئاً من هذا ولا تعمل علي حمايته بسلطة القانون ولا تتعامل مع شعبها علي أساسه .
4 أن تجدد مناهج التعليم بحيث تقوم علي التربية الإسلامية والوطنية ، ويعني بها باللغة العربية والتاريخ القومي عناية فائقة ، وتؤدي إلي طبع نفوس المتعلمين بتعاليم الإسلام وتثقيف عقولهم في أحكامه وحكمه .
5 أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون .
6 أن تصدر الحكومات عن هذا التوجيه الإسلامي في كل التصرفات.
ذلك هو حق الإسلام علينا وقد بلغنا ، اللهم اشهد ، ولا نري لهذا وقتاً أنسب من هذا الأوان .
يقول الناس وما تفعلون بالأجانب وبغير المسلمين من المواطنين ، فنقول يا سبحان الله لقد حل الإسلام هذا الأشكال ، وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام ، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما فقال القرآن الكريم (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256) ، كما كان شعا التعامل بين المواطنين في أرض الإسلام دائماً (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ، وليس وراء ذلك من التسامح زيادة لمستزيد .
علي أننا نعود فنقول : أي نظام في الدنيا ديني أو مدني استطاع أن يفسح في قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذي يفرض علي المسلم أن يؤمن بكل نبي سبق ، وبكل كتاب نزل ، وأن يثني علي كل أمة مضت ، وأن يحب الخير لكل الناس ، وأن يكون رحيماً بكل ذي كبد رطبة ، حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب ، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة ، هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام .
رابعاً وسائلنا
أيها الأخوة الكرام ..
ويقول الناس كذلك : وما وسائلكم أيها المغلوبون علي أمركم لتحقيق مطالبكم والوصول إلي حقكم ؟ ونقول نحن في سهولة ويسر : وماذا يريد منا الناس ؟ ولو أننا مغلوبون علي أمرنا مدفوعون عن حقنا ؟ وهل يليق بكريم أن يذل و يستخزى والرسول r يقول : (من أعطي الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس مني) ؟ والله يقول : (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8) .
إن لنا سلاحاً لا يفل ولا تنال منه الليالي والأيام هو (الحق ) والحق باق خالد والله يقول : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18) .
ويقول: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ) (الرعد:17) ، ويقول : (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) .
ولنا سلاح آخر بعد ذلك وهو (الإيمان) . والإيمان كذلك سر من أسرار القوة لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون ، وهل جاهد العاملون من قبل وهل يجاهدون من بعد إلا بالإيمان ، وإذا فقد الإيمان ؟ فهل تغني أسلحة المادة جميعاً عن أهلها شيئاً ؟ . وإذا وجد الإيمان فقد وجدت السبيل إلي الوصول ، وإذا صدق العزم وضح السبيل , (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47) ، ولئن تخلي عنا جند الأرض فإن معنا جند السماء (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (لأنفال:12) .
والأمل بعد ذلك سلاح ثالث فنحن لا نيأس ولا نتعجل ولا نسبق الحوادث ولا يضعف من همتنا طول الجهاد والحمد لله رب العالمين ، لأننا نعلم أننا مثابون متي حسنت النية وخلصت الضمائر وهي خالصة بحمد الله ، فكل يوم يمضي تبنا فيه ثواب جديد والنصر من وراء ذلك لا يتخلف (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) , (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110) , ففيم اليأس و فيم القنوط . لن يجد اليأس إلى قلوبنا سبيلاً بإذن الله (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87) .
وسنعمل علي ضوء هذه المشاعر وسنعمل بالحق يدفعنا الإيمان ويحدونا الأمل ، فنذيع النشرات والبيانات ونوضح للناس ما خفي عنهم من حقوقهم ونكشف لهم ما ستر من ألاعيب المخادعين لهم والمغررين بهم في الداخل والخارج وسنجمع كلمة الناس علي هذا في مؤتمرات جامعة في كل مكان وسندعو إلي عقد مؤتمر عربي إسلامي جامع لتوحيد الجهود وتنسيق الخطط ، وسنبعث بإخواننا في كل مكان من البلدان الأجنبية يثيرون الشعوب والحكومات في القضية الإسلامية الوطنية فإذا لم يفد ذلك كله ولم نجد النصفة من العالم الجديد الذي يريد أن تتركز الحياة فيه علي الطمأنينة والسلام فسنعرف كيف نضبط أنفسنا ونضع حاجزاً حصيناً قوياً بيننا نحن المؤمنين وبين هؤلاء الظالمين المفترين ، وسيرون أن هذا السلاح السلبي سيفوت عليهم قصدهم ويعكس عليهم عدوانهم ويرد عليهم كيدهم في نحورهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ولنا النصر في النهاية والله معنا . (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران:160).
أيها الأخوة الفضلاء ..
إنها الساعات الفاصلة في تاريخكم ففكروا وقرروا واعملوا واثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون والله أكبر ولله الحمد .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حسن البنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.