يحبس اليمنيون أنفاسهم هذه الأيام مع قرب موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي يعول عليه في إنقاذ اليمن من براثن الأزمات, مترقبين النتائج التي ينشدونها من هذا المؤتمر.. وتنطلق فعاليات مؤتمر الحوار بعد 11 يوماً في 18 مارس الجاري كما هو مقرر له إلا أن ما يحبس أنفاس أبناء الشعب اليمني هو التخوف من فشل الحوار وانفجار الوضع في ظل عوامل عديدة لازالت تجعل من بؤر التوتر قائمة ما يجعل اليمن غير مهيئة لمؤتمر الحوار الوطني, حيث أن عدداً من القوى لم تقدم قوائمها وتيارات في الحراك مازالت لم تحسم أمرها بعد بشأن المشاركة بالحوار من عدمها والنقاط العشرين ايضاً لم يتم تنفيذها. في هذا السياق يتحدث سياسيون عن خطر قادم, محذرين من مستقبل كارثي في حال ظلت القوى ور اء مصالح جهوية وفئوية ضيقة. استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء, الدكتور/ فؤاد الصلاحي, أوضح بأن التخوف ليس من نتائج مؤتمر الحوار به بل من عدم استمرار الحوار, وخشية أن ينتهي الحوار في اليوم الذي بدأ فيه, خاصة إذا لم يحسم الحوار خلال أيامه الأولى, القضية الجنوبية, كونها مفتاح الحل السياسي فيما بقية القضايا تأتي لاحقاً. الصلاحي - لدى حديثه ل "أخبار اليوم" - رأى أنه إذا تم إقرار صيغة النظام السياسي وطبيعته وعلاقة المركز بالمحليات, سيكون هناك استمرار للحوار وأنه في حال تم إقرار رؤية أخرى فإن مراكز قوى معينة ستكون مسيطرة وهنا يكن التخوف وليس في النتائج التي ستأتي بعد 6 اشهر - بحسب الصلاحي. واشار الصلاحي إلى أن الدولة الفيدرالية ذات النظام البرلماني.. نكرة إذا تم الأقرار بها سيؤدي إلى خلق ثقة بين المتحاورين ومن ثم إلى القبول بإعادة النظر بمفهوم الوحدة وفق اعتماد دولة اتحادية. وبحسب الصلاحي فإنه يتطلب في الأيام الأولى في مؤتمر الحوار الوطني إقرار الحفاظ على الدولة والوحدة بمنظور جديد "دولة اتحادية بنظام سياسي, برلماني على قاعدة فيدرالية أي متعدد الأقاليم, كما يرى استاذ العلوم السياسية. وقال الصلاحي إنه إذا كان الناس لايعرفون من هم المتحاورون فهم لايعرفون على ماذا سيتحاورون سائلاً: هل الحوار من أجل أنهاء العنف والصراع بين الأطراف على المباردة. أم أن للحوار أجندة سياسية وطنية؟!. ويشدد أستاذ العلوم السياسية على أن يكون الحوار - خلال الشهر الأول - خاصاً بطبيعية الدولة اليمنية لإعادة الاعتبار للدولة وإكمال مؤسستها وأن تكون متسعة في التمثيل والمشاركة لكل أبناء اليمن, إذ أن هذه الدولة يجب أن تكون بمسار جديد تعتمد النظام البرلماني والإقليمي "دولة فيدرالية" وإلا فإنه لن يكون هناك اتفاق - حسب قوله. وعرًف الصلاحي الحوار الوطني بأنه ذلك الذي يجسد مفهوم الوطن والدولة الوطنية وأولها إذا تم إقرار فكرة أو مفهوم أو مشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية تقوم على نظام برلماني وقاعدة فيدرالية متعدة الأقاليم, هذا الأمر سيخرج اليمن من أزمة كبيرة وسيعيد الاعتبار للدولة والوحدة اليمنية. وأشار الصلاحي إلى عدة اعتبارات أمام نجاح الحوار تمثل في أن المتحاورين لايمثلون كل القوى والمكونات المدنية والاجتماعية والحزبية في اليمن, كما أن هناك سيطرة حقيقية من مراكز القوى على كل ترتيبات الحوار الوطني, كما أن الخطاب الطائفي والمذهبي والقبلي يأتي من مراكز القوى, إضافة إلى قوى إقليمية تدفع بجماعتها. ولفت الصلاحي إلى أن الحوار يشكل فرصة تاريخية لليمن المعاصر, فإما أن تخرج من الحوار بدولة وطنية ورؤية جديدة للنظام وإما أن تستمر الأزمات. وشدد على أن يكون الحوار في أيامه الأولى حاسماً وحازماً تجاه تأسيس الدولة مدنية, على الأقل هذا هو الشعار والهدف الرئيسي لثورة 11 فبراير وهو الهدف الذي لايمكن تحقيقه إلا بدولة تعتمد نظاماً برلمانياً وتعتمد الأقاليم ما سيسمح بتوسيع المشاركة السياسية لكل أبناء اليمن شمالاً وجنوباً – حسب قوله الدكتور الصلاحي. من جهته حذر الباحث السياسي/ قادري أحمد حيدر من تمترس القوى السياسية والمكونات المشاركة بالحوار وراء المشاريع الصغيرة ذات الآفاق المذهبية والجهوية, معتبراً ذلك سيدخل اليمن في دوامة مفرغة وسيدفع الشعب ثمنها باهظاً. وطالب حيدر جميع مكونات الحوار بأن تدخل المؤتمر بمنطق التنازلات وبعقلية ورؤية لا غالب ولا مغلوب" وأن يكون الإلتفات للماضي كحافز لأن الوقوف أمام الماضي كثيراً سيجعل المستقبل ضبابياً – حد قوله. وأكد الباحث السياسي على حضور جميع المكونات السياسية والوطنية في أفقها الوطني اليمني الشامل وفي مقدمتها الحراك الجنوبي بدون شروط وبدون سقف, مشيراً إلى انه خلال عملية الحوار ستتبلور الرؤى للوصول إلى سقف يوجد الجميع في إطار تسوية سياسية يمنية تاريخية. وقال إن الانطلاق من قاعدة الحوار وفق رؤية تقر بشرعية الخلاف والتعدد والتنوع فإن اليمنيين سيصلون إلى وحدة حقيقية. وأبدى حيدر تفاؤله بنتائج الحوار إذ أنه حتى وإن كانت هناك أبعاد طائفية وفئوية فإنها تأتي موازية لأبعاد وطنية في ذات المكون, وقال أنه يجب الاعتراف بالمكونات كما هي بما فيها ذات الأبعاد المذهبية إلا أن الباحث السياسي قادري حذر من أن تتحول الأبعاد المذهبية إلى طائفية سياسية, منوهاً إلى أن القاعدة الغالبة في التمثيل هي اتفاق سياسي وطني, مشيراً إلى أنه في حال غلب الطابع الوطني ستتراجع المشاريع ذات الاتفاق الجمهوري والطائفية. وحذر في حال الاستمرار بعقلية التمترس والخندق الأيدلوجي أو السياسي أو الجهوي وقال أن البلد لم تعد تتحمل أكثر مما احتمله, لافتاً إلى أنه يجري وضع اللمسات الأخيرة على النظام الداخلي لمؤتمر الحوار, وأن ثورة الشعب حولت الشارع اليمني كله إلى حالة ثورية ونقلت المجتمع إلى حالة شارع وهنا أصبح للحوار معنى أوسع واشمل بعد أن أسقط الناس كل التابوتات وكل المحرمات القديمة وكسرت حاجز الخوف وأصبح الناس ينطلقون في الحرية للمطالبة بحقوقهم أي أنهم انتقلوا إلى مرحلة جديدة. وقال إن كثيراً من التجارب فشلت في الحوار, فالدول التي حدد لها "6" أشهر إلى سنتين ومن حدد لها سنة استغرقت 5 سنوات. واستبعد قادري أن ينجز الحوار في الوقت المحدد له ب 6 أشهر وقال إن تمديد الفترة الزمنية إذا كان نتيجة علاقات من داخل المكونات فأن ذلك سيكون له إثر سلبي على الحوار. وقال إننا نعيش حالة دولة لا دولة, نظام لا نظام وقانون لا قانون وبالتالي هناك صعوبات عدة وعلى القوى اليمنية استشعار خطورة ما قد تؤول اليه الأمور, مستدركاً أن استغراق الحوار ل 6 أشهر وبطريقة كلية وطيبعية, فهذا لا باس به حسب تعبيره.