دونما سابق إنذار وبدون مقدمات طل على السطح الجيل الثالث للقاعدة عبر شريط فيديو مسجل ألقى فيه كل من "الوحيشي، الشهري، الريمي" الثلاثي الجديد لقيادة تنظيم جديد سمي "تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية". هذا الظهور الثلاثي وإلى جانبهم "العوفي" أحد معتقلي جوانتاناموا وكذلك الشهري القادمين من المملكة العربية السعودية، والإعلان عن تشكيل تنظيم جديد قيادته من اليمن والسعودية، وتزامن هذا الإعلان مع قول الإدارة الأميركية بأنها تسعى إلى إغلاق معتقلجوانتاناموا واتباع سياسة جديدة مع العالم العربي والإسلامي. . . أمور جميعها تحمل العديد من الرسائل والدلالات إذا ما تم الأخذ في الاعتبار بالعديد من العوامل ابتداء من التوقيت لهذا الظهور ومروراً بخطاب التهديد والوعيد الذي تضمنته الكلمات المسجلة في شريط الفيديو لذلك الثلاثي، والتحريض على استهداف الأجانب والمصالح الأجنبية، وانتهاءً بحملة التهويل الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام التي صاحبت ولا زالت قائمة هذا الظهور والإعلان عن هذا التنظيم، جميع هذه الأمور وغيرها تؤكد العديد من الأمور ويمكن أن نلخصها في التالي: إن توقيت هذا الظهور أكد صحة المعلومات التي تحدثت بأن الجيل الثالث لما يسمى بالقاعدة في الجزيرة مخترق من قبل عدد من الجهات الاستخباراتية قد تكون عربية وغربية، فالملاحظ في اختيار التوقيت أنه يؤكد أيضاً بأن هذا التيار الذي يقول إنه جهادي يعمل وفق أجندة غير أجندة القاعدة الأم وذلك يتضح من خلال ظهور هذا الثلاثي بعد توجيه الرئيس الأميركي "أوباما" إدارته بالعمل على إغلاق معتقل جوانتانامو، ولو كانت قيادة هذا التنظيم حريصة على مسألة إطلاق سراح الأسرى في هذا المعتقل وغيره لتريثت في الإعلان عن التنظيم الجديد ولكان خطاب قادته أكثر حصافة ورزانة، وهذا ليس من باب التعويل على الإدارة الأميركية الجديدة وإنما من منطلق الانتظار لكشف حقيقة هذا العدو بمفهومهم الجهادي والتأكيد للعالم بعدم جدية ومصداقية اياً من الإدارة الأميركية المتعاقبة في قضية إسدال الستار على مسرح جوانتانامو. إن الأمر الثاني الذي تم استشفافه واستخلاصه من هذا الظهور الثلاثي "الوحيشي، الشهري، الريمي"، بالإضافة إلى "العوفي" يؤكد بأن ثمة أنظمة عربية وأجندة استخباراتية غربية عربية لا تريد أن يسدل الستار على مسرح هذا المعتقل، وهي أيضاً من ساعدت على ظهور هذا الفصيل وفي هذا التوقيت بالذات لتثبت للإدارة الأميركية الجديدة إن كانت جادة في إغلاق غوانتاناموا بأن عناصر تنظيم القاعدة قدامى أو جدد ما زالوا يشكلون خطراً كبيراً على الأمن القومي الإقليمي والدولي، ولذلك عمد من يدير هذه الأجندة إلى خروج هذا الثلاثي في هذا التوقيت لنقل رسالة موجهة لأطراف عدة أولها الإدارة الأميركية بقيادة "أوباما"، وهذا الأمر وارد إذا ما سلمنا بجدية "أوباما" في توجهاته لإغلاق غوانتاناموا. أما الأمر الثالث الذي يمكن استنتاجه من ظهور أربعة أشخاص من العناصر الجهادية اثنان منهما سبق وأن تم الإفراج عنهما من معتقل غوانتاناموا وسبق وأن خضعا لبرامج إعادة التأهيل في المملكة واثنان منهما فرا من إحدى سجون اليمن الأكثر تحصيناً والأشد رقابة يمكن أن يقودنا إلى استنتاج آخر هو أنه في حال تم الإفراج عن معتقلي غوانتاناموا من العرب والمسلمين وتم إخضاعهم لبرامج إعادة التأهيل لإدماجهم في مجتمعاتهم كأفراد صالحين هي إستراتيجية غير مجدية مع هكذا عناصر، ومن المؤكد بأن هؤلاء الأشخاص في حال تم الإفراج عنهم فإنهم لن يأولوا جهداً ولن يتورعوا عن الانتقام من أميركا وحلفائها ومصالحهم في بقاع الأرض وفق معتقداتهم، وهذه هي الرسالة التي أراد فصيل هذا التنظيم الجديد إيصالها إلى إدارة أوباما الأمر الذي يؤكد صوابية القول بأن عناصر هذا التنظيم لا تعمل وفق أجندة أي تيار جهادي بقدر ما تعمل لصالح أجندة استخباراتية لا تخدم الجماعات الجهادية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة بل على العكس فإن الجيل الثالث للقاعدة وعبر شريط الفيديو الذي ظهر من خلاله قادته قد خدم تلك الأجندة الاستخباراتية والتوجهات المعارضة لإغلاق سجن غوانتانامو ويؤيد طرحها وصوابية توجساتها من مخاوف إطلاق سراح معتقلي هذا السجن، هذا على المستوى الإقليمي والدولي، كما أنه يعمل على تجسيد مفهوم ضرورة عمل الإدارة الأميركية وفق إستراتيجية الحرب الطويلة على الجماعات الإسلامية. أما ما يمكن استخلاصه من هذا الظهور وخطاب التهديد والوعيد عبر الشريط المسجل على المستويين اليمني والسعودي هو أمر واحد يخلص إلى القول بأن كلاً من اليمن والمملكة غير قادرتين على درء أي مخاطر قد يشكلها عناصر تنظيم القاعدة المعتقلين في غوانتانامو إذا ما تم الإفراج عنهم وإظهار كلا البلدين في حالة عجز عن حماية المصالح الأميركية والغربية في دول الجزيرة العربية بصورة عامة واليمن والسعودية بصورة خاصة كون حكومتا البلدين لم تستطيعا السيطرة على بعض العناصر التي تحمل نفس الفكر والمعتقد الذي تحمله العناصر الموجودة في غوانتاناموا فكيف بإمكانهما السيطرة على من سيفرج عنهم وعددهم ليس بقليل خاصة بالنسبة لليمن. في الأخير كان عدد من المتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية والتيارات الجهادية قد أكدوا خلال تصريحات صحفية عقب الإعلان عن تنظيم القاعدة من الجزيرة العربية بقيادة يمنية سعودية أكدوا بأن هذا التنظيم بعيداً كل البعد عن ارتباطه بالقاعدة الأم، وما يؤكد ذلك فعلاً هو ظهور هذا التنظيم بعد انتهاء الحرب على غزة من قبل الكيان الصهيوني ومحاولة قيادة هذا التنظيم استغلال وتوظيف جرائم هذا الكيان بعد انتهاء الحرب بأيام في حين أن القائد لتنظيم القاعدة الأم أسامة بن لادن سبق وإن ظهر في تسجيل صوتي أثناء العدوان على غزة وأدلى بدلوه في هذا الجانب الأمر الذي يكشف بأن حديث الثلاثي القاعدي في الجيل الثالث غير مرتبط بالقاعدة الأم كون ظهور أسامة بن لادن كان يحمل رؤية تنظيم القاعدة تجاه الحرب على غزة ووجوب نصرة القضية الفلسطينية، ولو كان الوحيشي والشهري وثلتهم يدركون الأسس التنظيمية للقاعدة الأم لما خرجوا بذلك الشريط المسجل بعد ظهور بن لادن. وفي هذا السياق ذهب بعض المحللين إلى التقليل من خطورة إعلان "الوحيشي الشهري الريمي العوفي" وما حمله خطابهم من تهديد ووعيد، وقد تكون هذه الرؤية صائبة خاصة إذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً إلى المقابلة الصحفية التي أجرتها إحدى الصحف المحلية في اليمن مع ناصر الوحيشي قائد التنظيم الجديد وهو ما يكشف بأن هذا الشخص أصبح مكشوفاً ولم يعد يشكل أي خطورة وبانت تحركاته مرصودة لدى أجهزة الأمن فيا ترى ما الجدوى من الإعلان عن تنظيم أصبحت قيادته مكشوفة وتحركاتها مرصودة؟! أم أن الأمر سيسير وفق ما رسمته إستراتيجية "راند" الأميركية في الحرب الطويلة ضد الجماعات الإسلامية التي كشفت أن أميركا قد تلجأ إلى التدخل المباشر في بعض الدول بزعم مكافحة الإرهاب وفق هذه الإستراتيجية الجديدة التي تخول لأميركا تنفيذ عمليات عسكرية في بعض الدول لحماية مصالحها.