خلال الأسبوعين الماضيين وحتى الآن, يرى المراقبون بأن سماسرة السلطة باليمن, الذين سبقوا انتفاضة الشباب في اليمن هم على الأرجح الذين سيوجهون كيفية تطور العملية السياسية. ويقول تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن عملية الانتقال السياسي في اليمن, التي أنتجت "لا غالب ولا مغلوب" هي بمثابة نعمة ونقمة، إذ أن النموذج اليمني ذائع الصيت, قد مكّن البلاد من تجنب حرب أهلية، لكنه أيضاً أدام سيطرة نفس القوى النخبوية على الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد. وأشار التقرير إلى أن مراكز القوى التقليدية, توصد الأبواب وتستخدم جميع الحيل التي بجعبتها لإحباط النجاح المحتمل لمؤتمر الحوار، لاسيما وهو على أعتاب مرحلته الأخيرة. ويضيف التقرير المعنون ب"المرحلة النهائية في اليمن": الحوار الوطني تجاوز فترته المبدئية، لكن الأعضاء ال565 الذين يمثلون الأحزاب السياسية الرئيسية والجنوبيين وحركة الحوثي والمجتمع المدني والشباب والنساء أدوا عملاً رائعا بتوزيع أهم القضايا التي تواجه البلاد إلى تسعة مجموعات عمل, بعد أشهر من المداولات التي خلقت بشكل نسبي مناخا إيجابيا للتغيير، وصلت مجموعات العمل قبل شهرين إلى مرحلة اقتراح الحلول، وهذا هو سبب توقف العملية الآن. ونقلت المجلة الأميركية عن الدكتور بدر با سلامه عضو مؤتمر الحوار عن الحراك الجنوبي قوله: "صناع القرار الحقيقيون هم خارج الحوار ولا يبحثون عن حلول, هم يريدون البقاء في السلطة وأصولها, والآن بعد أن انتقل الحوار إلى التفاصيل، أدركوا مخاطر التغيير، ولذا فهم يقاومون ذلك بكل قوة". ويشير التقرير إلى أن الانتقاد الرئيسي الآخر للاتفاقية الخليجية وعملية الحوار الوطني هو أن معظم القضايا المطروحة للنقاش خصوصا تلك التي تستغرق معظم وقت واهتمام النخب السياسية والمجتمع الدولي لا تمثل أي شيء أمام المظالم التي قادت آلاف اليمنيين إلى الشوارع للاحتجاج لعدة أشهر في ربيع 2011. ونوه إلى أن الاحتجاجات ركزت على انعدام الفرص الاقتصادية والبطالة وارتفاع تكلفة المعيشة والفساد والمحسوبية وضعف سيادة القانون وإساءة استعمال السلطة التي جسدها نظام صالح، لافتا إلى أنه لم يتم عمل أي شيء لمعالجة هذه القضايا في هذه الفترة الانتقالية، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم فاعلية الحكومة الحالية، وأن اليمنيين يشككون في إمكانية أن يكون للحوار الوطني أي تأثير. في الواقع إن الأوضاع تدهورت بشكل أسوأ عما قبل 2011 جراء ضعف الخدمات وانقطاع الكهرباء ونقص المشتقات النفطية, لكن هذا لا يعني عدم ظهور نتائج إيجابية من مداولات الحوار الوطني.. العديد من مجموعات العمل الأقل تسييسا, أكملت عملها في الوقت المحدد وقدمت اقتراحات لوضع أسس دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتعزز استقلال القضاء وتشجع مشاركة المرأة في الحكومة وتوفر التعليم الجامعي والرعاية الصحية وفقا لتقرير المجلة فورين بوليسي. ويشير إلى أن فريق بناء الدولة المهم جدا لم يصدر تقريره النهائي حتى الآن، لكن أعضاء الفريق يشيرون إلى أنهم قد وصلوا إلى اتفاق حول هيكل الدولة (الرئاسي عبر البرلمان) والنظام الانتخابي والمبادئ التوجيهية لعملية صياغة الدستور. القضية الأكثر أهمية التي سيقرها مؤتمر الحوار والتي قد تصل إلى جذور العديد من مشاكل اليمن هي إسناد السلطة إلى السلطات الإقليمية والمحلية, بعيداً عن صنعاء، إما من خلال منح مزيد من اللامركزية أو تطوير نظام فيدرالي متعدد الأقاليم. ويضيف: في حين أن هذا النقاش قد ركز على حل القضيتين الأكثر إثارة للجدل وهما المظالم في الجنوب وصعدة، فإن الحوار الوطني يلمس أيضا قلب المشكلة الأكثر خطورة في اليمن: مركزية السلطة والاستيلاء على الموارد، إن جوهر جميع المخاوف تقريباً في اليمن هو عدم وجود هياكل حكومية فعالة وغياب الحكم الرشيد والمساءلة.. ووفقا للمجلة الأميركية فإنه وعلى الرغم من القبول العلني من الحزبين السياسيين الرئيسيين، المؤتمر الشعبي العام وفرع الإخوان المسلمين الإصلاح بفكرة نقل السلطة وهيكل الفدرالية المحتمل، فإن العديد من اليمنيين يعتقدون بأن قياداتهم يعملون وراء الكواليس لإغراق الفكرة، وأبرزهم الرئيس السابق صالح الذي لايزال رئيسا للمؤتمر الشعبي العام وإنه على الرغم من أن الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام خصمان سياسيان ولديهما اختلافات فكرية كبيرة، إلا أن مصالحهم متماشية إلى حد ما بخصوص هذه القضية، فالحزبان والنخبة من زعمائهم سيخسرون كل شيء لديهم عند نقل السلطة, بعيدا عن العاصمة صنعاء إلى محيطها، وسيكسبون كل شيء من خلال المحافظة على الوضع الراهن، لاسيما ما يتعلق بالامتيازات الاقتصادية. وقال إنه مع تحكم صنعاء بالنشاط الاقتصادي واتخاذ القرارات حول العقود وصفقات النفط والغاز والمشاريع الممولة دوليا، يكون من السهل جدا السيطرة والاستيلاء على المكاسب الاقتصادية. ومع اقتراب الحوار الوطني من التوصل إلى اتفاق بشأن نظام فدرالي بثلاثة مستويات من السلطات المحلية والإقليمية، تظهر قوى النظام السابق الآن مقاومة شرسة. أحد أعضاء رئاسة مؤتمر الحوار وضحها ببساطة: "القوى التقليدية تريد تمرير هذه الفترة بأقل قدر من التغيير ثم تعود لاحقا أقوى وتستعيد السيطرة". ويتطرق التقرير إلى القضية الجنوبية ليصفها بالمعقدة جدا، فجذورها هي مظالم. وعلى الرغم من أن هادي ينحدر من محافظة أبين الجنوبية، فإنه وحكومته لم يظهرا للجنوبيين بأن الانخراط في العملية الانتقالية ومؤتمر الحوار الوطني سيخدم مصالحهم، مؤكدا التقرير فشل هادي وحكومته في توليد الثقة اللازمة لكسب تأييد الجنوبيين. يعتقد بعض اليمنيون أن هادي لا يريد فعليا تقريب الجنوبيين حتى الآن، فهو يريد بدلا من ذلك الإمساك بهذا الكرت للحظة الأخيرة, لكن هذا قد يكون مقامرة خطيرة, فأي شخص يشك في جدية هذه المعارضة, يجب عليه مشاهدة لقطات من آخر مظاهرة في معقل الحراك الجنوبي في عدن في 12 أكتوبر والتي شارك فيها الآلاف للتظاهر ضد الوحدة الوطنية ونتائج الحوار الوطني. وأضافت المجلة: هناك شعور واضح بالتوتر في صنعاء والجميع بانتظار النتيجة النهائية للحوار, الانهيار الأمني والهجمات على أنابيب النفط وشبكات الكهرباء, يتم إيعازها إلى أحد سببين: إما أن قوات النظام السابق تعمل على تقويض نجاح الحوار أو أن المنافسة بين القوات الأمنية المتحالفة مع هادي وصالح قوى أخرى قد خلقت فراغاً أمنياً تملؤه القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو غيرها من الجهاديين المسلحين، وفي كلتا الحالتين، فإن القضايا الأمنية هي الحرجة، والكثيرون يعتقدون بأنه لا يمكن حلها إلا من خلال اتفاق سياسي ينسجم مع مصالح هؤلاء اللاعبين الرئيسيين. وأكدت أن إيجاد حل يحقق بعض مظاهر التوافق في الآراء بشأن القضية الجنوبية وفي نفس الوقت حماية المصالح الجوهرية لنخب النظام السابق لن تكون مهمة سهلة.