مقال ل"ستيفين والت[1]" مفكرة الإسلام: طالما أعلن الزعماء السياسيون حول العالم ضرورة العمل على إقامة دولة فلسطينية وأخرى "إسرائيلية" يعيشان في سلام جنبًا إلى جنب، إلا أن الحل السحري المنتظر لم يبق منه سوى أصداء تتردد في المحافل الدولية وحقائق على الأرض تؤكد أنه لم يعد في الإمكان. ويستعرض الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي "ستيفين والت"- أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأمريكية- في السطور التالية الأسباب التي تشير إلى أن حل الدولتين لم يعد واقعيًا في ظل الأوضاع الحالية في الأراضي المحتلة، مقدمًا أكثر من سيناريو بديل لذلك الخيار. وتحت عنوان "ماذا نفعل إذا ما انهار حل الدولتين؟" كتب "ستيفين والت": يضع العديد من الحاذقين الانتخابات "الإسرائيلية" في بؤرة اهتمامهم ويحاولون توقع آثارها المباشرة على عملية السلام. ولا يمكنني إضافة أية تحسينات على التحليلات السياسية التي قدمها كل من "جلين جرينوالد"، أو"يوسي الفير"، أو"برنارد افيشاي"، أو "يوري أفنيري"، الذين أوضحوا لماذا لا يوجد ما يدعو إلى التفاؤل، بينما هناك الكثير مما يدعو إلى القلق. . ولكنني أريد أن أسلط الضوء على قضية مختلفة؛ من المرجح أن تصبح ذات أهمية أكبر على المدى الطويل. ألا وهي: ماذا سنفعل إذا ما صار "حل الدولتين" أمرًا مستحيلاً؟ خلال السنوات العشرة الماضية، كان "حل الدولتين" هو شعار معظم المعتدلين المنخرطين في الصراع "الإسرائيلي- الفلسطيني" الذي يبدو مستعصيًا. ويقول "إيهود أولمرت" و"تسيبي ليفني" إنهما يرغبان فيه، وكذلك يقول بالمثل الرئيس الفلسطيني "محمود عباس". وتنص خطة السلام لعام 2007 التابعة لجامعة الدول العربية على إقامة دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب، كما أن كلاً من "جورج دبليو بوش"، و"كوندوليزا رايس" قد صرحا مرارًا أن حل الدولتين كان هدفهما أيضًا (بالرغم من أنهما لم يبذلا الكثير من أجل تحقيقه". ويقول "باراك أوباما"، و"جو بايدن"، و"هيلاري كلينتون" جميعًا إنهم سيعملون بجد من أجل ذلك الآن. وربما أُضيف أنا أن حل الدولتين هو أيضًا خياري المفضل. ومن المثير للاهتمام، أن هذا الإجماع بين المعتدلين على قيام دولتين هو في حد ذاته تطور جديد إلى حد ما. ولا تتحدث اتفاقات أوسلو عام 1993 بصراحة بشأن قيام دولة فلسطينية، كما أن رئيس الوزراء "إسحاق رابين"- الذي وقع على الاتفاق- لم يقر علنًا على الإطلاق فكرة الدولة الفلسطينية. وعندما تحدثت السيدة الأمريكية الأولى، "هيلاري كلينتون"، عام 1998 بشأن الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية، تعرضت لموجة من النقد الحاد، كما نأى البيت الأبيض بنفسه على الفور عن تعليقاتها. وفي الواقع، لم يكن"بيل كلينتون" يدعم فكرة الدولة الفلسطينية حتى الشهر الأخير في ولايته. وذلك "الإجماع" السائد وراء هذا الحل هو في الحقيقة حديث النشأة بعض الشيء. واليوم، فإن التذرع بشعار "الدولتين" يسمح للمعتدلين بأن يبدوا منطقيين ومخلصين لمبادئ الديمقراطية وتقرير المصير؛ ولكنه لا يلزمهم بالقيام فعليًا بأي شيء لتحقيق ذلك الهدف. وفي الواقع، أصبح الدفاع عن حل الدولتين وصفة للتقاعس، وورقة تين يمكن للقادة التفوه بها خلال المؤتمرات الصحفية بينما يتجاهلون أعمال التوسع في "المستوطنات" وشبكات الطرق في الضفة الغربية التي تجعل منه أمرًا مستحيلاً. وفي رئيس الوزراء المنتهية ولايته، "إيهود أولمرت"، نموذج مثالي؛ فقد أصبح مؤخرًا صوتًا مفوهًا في الدفاع عن إقامة دولتين، محذرًا من المخاطر التي ستواجهها "إسرائيل" في حال لم يتم تبني خيار الدولتين. ومع ذلك، فقد واصلت حكومته توسيع "المستوطنات" وتقويض المعتدلين الفلسطينيين، ومن ثم جعل الحل الذي من المفترض أن أولمرت يفضله أمرًا بعيد المنال عن أي وقت مضى، وربما حتى جعله غير قابل للتطبيق. وهناك اتجاهان عاملان في الوقت الراهن يهددان بتقويض خيار الدولتين. الاتجاه الأول هو: استمرار التوسع في "المستوطنات الإسرائيلية" في الأراضي التي من المفترض أنها مخصصة للفلسطينيين. فهناك الآن نحو 290. 000 مستوطن يعيشون بالضفة الغربية، و185. 000 آخرين بالقدس الشرقية. ومعظم "المستوطنين" تمولهم الحكومة "الإسرائيلية" على نحو مباشر أو غير مباشر. ومن الصعب بدرجة كبيرة تخيل إجلاء "إسرائيل" لما يقرب من نصف مليون شخص (أي نحو 7% من تعداد سكانها) عن منازلهم. غير أنه من الناحية النظرية يمكن للمرء أن يتخيل اتفاق سلام يجعل أغلب "المستوطنين" في داخل إطار الحدود النهائية ل "إسرائيل" (مع الدولة الفلسطينية الجديدة، ويحصلون على أراضٍ بنفس القيمة كتعويض لهم)، إلا أنه في مرحلة ما ستؤدي محاولات "المستوطنين" (من أجل خلق حقائق على الأرض) إلى أن يصبح من المستحيل عمليًا إقامة دولة فلسطينية صالحة للحياة. أما الاتجاه الثاني فهو: التطرف المتصاعد في كلا الجانبين. إن الوقت ينفد بالنسبة لحل الدولتين، كما أن معارضيه الأساسيين - وهم حزب الليكود وحلفاؤه في "إسرائيل"، وحركة حماس بين الفلسطينيين- أصبحوا هم الأكثر شعبية. إن الشعبية المتصاعدة لحزب "أفيجدور ليبرمان"؛ حزب "إسرائيل بيتنا" سافر العنصرية، دليل وافٍ على هذا الاتجاه. وهو ما لا يعني أن حزب كاديما أو حزب العمل يجتهدان لتحقيق ذلك الحل. ويقول "جديون راتشمان" من صحيفة "فاينانشيال تايمز": "إن النتيجة المترتبة على ذلك هو أن الحكومة "الإسرائيلية" القادمة، بالاستناد إلى أسلوبها الخاص، من المرجح أن تختار الوضع القائم حاليًا مع الفلسطينيين (استمرار احتلال الضفة الغربية، ومحادثات السلام العشوائية، والتوسع المطرد في بناء "المستوطنات"، والاعتماد على القوة العسكرية في الرد على الصواريخ أو القذائف الفلسطينية). كما أن السعي الطويل وراء حل الدولتين سيتم تنحيته بحجة أن الفلسطينيين منقسمون بصورة مفرطة وأخطر من أن يكونوا شركاء مفاوضين. " ولا يحتاج المرء للنظر في الأفق على امتداد الطريق ليرى النقطة التي سيصبح عندها حل الدولتين غير ذي إمكانية عملية. ماذا ستفعل الولاياتالمتحدة عندئذٍ؟ ما الذي ستكون عليه السياسة الأمريكية عندما لا يكون هناك معنى للحديث عن حل الدولتين نظرًا لسيطرة"إسرائيل" بفاعلية على كل ما دأبنا أن نطلق عليه فلسطين المنتدبة؟ ما هي الرؤية التي ستكون لدى الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون بشأن الفلسطينيين وبشأن "إسرائيل" عندما لا يكون في استطاعتهما التذرع مجددًا بشعار الدولتين؟ وليس هناك في هذه المرحلة سوى ثلاثة خيارات بديلة: أولاً: أن "إسرائيل" قد تقوم بطرد معظم أو كل الفلسطينيين البالغ عددهم نحو 2. 5 مليون نسمة بالقوة إلى خارج الضفة الغربية، وبذلك تحتفظ ب "إسرائيل الكبرى" كدولة يهودية من خلال عملية سافرة من التطهير العرقي. وسيقاوم الفلسطينيون بكل تأكيد ضد ذلك، وستكون جريمة ضد الإنسانية تمت تحت مرأى ومسمع من عالم مذعور. ولا يمكن لأية حكومة أمريكية أن تؤيد مثل ذلك الخيار، وكذلك لا يمكن لأي صديق حقيقي ل "إسرائيل" أن يدعم ذلك الحل. ثانيًا: أن "إسرائيل" يمكن أن تحتفظ بسيطرتها على الضفة الغربية وتسمح للفلسطينيين بحكم ذاتي محدود داخل مجموعة من الجيوب غير المتصلة، بينما تسيطر على المداخل والمخارج، ومصادرهم للمياه، ومجالهم الجوي. وهذه تبدو هي إستراتيجية "آريل شارون- رئيس الوزراء السابق- قبل أن يُعجزه المرض، كما أن اقتراح "بيبي نتنياهو" الخاص ب "السلام الاقتصادي" دون دولة فلسطينية يبدو يكفل داخله نتائج مماثلة. باختصار، فإن الفلسطينيين لن يحصلوا على دولة لهم صالحة للحياة ولن يتمتعوا بحقوق سياسية كاملة. وهذا هو الحل الذي يقارنه الكثيرون- وبينهم رئيس الوزراء أولمرت- بالنظام العنصري في جنوب إفريقيا. ومن الصعب تصور أن تدعم الولاياتالمتحدة مثل تلك النتيجة على المدى الطويل. كما أن حرمان الفلسطينيين من تطلعاتهم القومية أيضًا لن يضع نهاية للصراع. وهو ما يدفعني إلى الخيار الثالث. ألا وهو أن الحكومة "الإسرائيلية" يمكن أن تحتفظ بسيطرتها المادية على "إسرائيل الكبرى" وتمنح الفلسطينيين كامل الحقوق الديموقراطية داخل هذه الأراضي. وهذا الخيار قد اقترحه بعض من اليهود "الإسرائيليين"، وعدد متزايد من الفلسطينيين. غير أن هناك اعتراضات هائلة حيال تلك النتيجة؛ فهي سوف تعني التخلي عن الحلم الصهيوني بدولة يهودية مستقلة، كما أن دولة ثنائية القومية من هذا النوع ليس لديها سجل مشجع، خاصة وقد خاضا الطرفان صراعًا مريرًا عبر عدة أجيال. وهذا هو ما يجعلني أفضل خيار الدولتين. ولكن إذا لم يعد خيار الدولتين ممكنًا، فمن المرجح أن تتجه الولاياتالمتحدة لتأييد الخيار الثالث. فبالرغم من كل شيء، تأييدها للخيار الثاني-الخاص بدولة فصل عنصري- أمر يتنافى مع جوهر القيم الأمريكية للحرية والديموقراطية، ومن شأنه أن يجعل الولاياتالمتحدة تبدو منافقة وخصوصًا إذا حاولت أن تقدم نفسها كنموذج أمام باقي دول العالم. كما أن التأييد الصريح للتمييز العنصري سيقلص كذلك أي أمل ربما كان لدينا لتحسين صورتنا بالعالم العربي والإسلامي. ويعلم الرب أني أكن احترامًا وفيرًا لقدرة اللوبي "الإسرائيلي" على تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن منظمة "إيباك" وغيرها من المؤسسات ذات الثقل باللوبي ستواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على "العلاقات الخاصة" إذا ما كانت "إسرائيل" دولة عنصرية. على النقيض من ذلك، فإن الخيار الثالث- الخاص بدولة ثنائية القومية توفر كامل الحقوق الديموقراطية للمواطنين من جميع الخلفيات العرقية والدينية- من السهل أن يتوافق مع التقاليد والقيم الليبرالية السياسية في "بوتقة الانصهار" الأمريكية. وسيجده السياسيون الأمريكيون خيارًا من الصعب الجدل بشأنه. وفي النهاية: إذا ما لفظ حل الدولتين أنفاسه الأخيرة، كما يبدو مرجحًا على نحو متزايد، فإن الولاياتالمتحدة سوف تواجه مجموعة حرجة من الخيارات. وهذا أحد الأسباب التي تفسر لماذا ينبغي على أوباما وفريقه- وأصدقاء "إسرائيل" في الولاياتالمتحدة على حد سواء- أن يتجاوزوا التشدق بالكلمات فيما يتعلق بفكرة إقامة دولة فلسطينية، ويُقدموا شيئًا فعليًا حيال ذلك. غير أنه من الصعب أن تكون متفائلاً بأنهم سيفعلون. وبينما أنا في هذا الصدد، فهنا فكرة ابتداعية أخرى. ألا ينبغي أن يبدأ أحد في الحكومة الأمريكية بالتفكير بشأن ماذا يجب أن تكون عليه سياستنا في حالة إذا ما انهار حل الدولتين؟ إن بدء دراسة هذه الاحتمالية محفوف بالمخاطر، بالطبع، لأنها قد تقوض جهودنا الرامية إلى إقامة دولتين إذا ما أصبح معروفًا أننا نبدأ في التخطيط لمستقبل بديل. لكن الواقع هو أننا ربما نواجه ذلك المستقبل قبل مرور وقت طويل. وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون من الجيد إذا ما بدأ شخص ما في التفكير الآن بشأن كيفية التعاطي معه، حتى لا نضطر إلى ابتكار نهج جديد يذهب أدراج الرياح.