شهدت اليمن- خلال فترة حكم الرئيس المخلوع/ علي عبدالله صالح- أسوأ حالة لانتهاك حقوق الإنسان اليمني، فخلال أكثر من ثلاثة عقود كانت حالة حقوق الإنسان تشهد تدهوراً يوماً بعد يوم، حيث فرض نظام المخلوع صالح التوظيف السياسي للوظيفة العامة، وتسريح الآلاف من الوظائف العام في السلكين المدني والعسكري، وفرض قيود على حرية التعبير والمظاهرات العامة، والقيام بمواجهة المظاهرات والوقفات الاحتجاجية ذات المطالب الحقوقية بالرصاص الحي سقط على إثرها قتلى وجرحى مدنيين والاعتقال والتعذيب، بالإضافة إلى القيام بالاستحواذ على الوظيفة العامة وحرمان المواطنين منها وإخضاعها للتوظيف السياسي، وتزوير الانتخابات. وأبان الثورة الشعبية في 2011م عمل نظام المخلوع صالح على مواجهة المظاهرات والاحتجاجات السلمية في العصمة صنعاء والمدن اليمنية بالرصاص الحي والمدرعات والعربات العسكرية، والقيام بحملات اعتقالات واختطافات وتعذيبات طالت ناشطين غير الثورة اليمنية، بل ذهب المخلوع صالح وأزلامه إلى ارتكاب أكبر مجزرة في التاريخ اليمني، حيث اعتدى في يوم الجمعة 18 فبراير بالرصاص الحي على المعتصمين في ساحة التغيير أمام بوابة جامعة صنعاء خلفت هذه الواقعة أكثر من 50 قتيلاً وعشرات الجرحى من شباب ثورة التغيير السلمية.. وإحراق ساحة التغيير السلمية في مدينة تعز في مايو 2011م. بالإضافة إلى الجرائم الوحشية التي ارتكبتها معسكرات قوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس المخلوع بحق أبناء مديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء من قصف للمنازل وتدمير للمزارع وقتل للأبرياء من النساء والأطفال. يقول أحد الناشطين الحقوقيين المعنيين برصد وتوثيق حالة انتهاك حقوق الإنسان "في عهد حكم الرئيس المخلوع/ علي عبدالله صالح، حيث تعدى الانتهاك بحق الأشخاص إلى انتهاك وامتهان للقيم الإنسانية". وبعد سيطرة تحالف الانقلاب (الحوثيين والمخلوع صالح) على العاصمة صنعاء وتدشين الانقلاب في 21 سبتمبر2014م اتجهت بحشد قواتها العسكرية للتمدد نحو المحافظات الأخرى، مخلفة انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان اليمني في محافظات الجنوب وإب وتعز، وغيرها من المحافظات . الجرائم في ضوء الدستور والقانون يجهل الكثير الحقوق التي كفلها الدستور اليمني والقوانين اليمنية ذات الصلة للمواطن اليمني، وهذا الجهل ساهم بطريقة غير مباشرة في تدهور حالة حقوق الإنسان، حيث أنتج قابلية عدمية لتقبل الانتهاك دون الاعتراض أو إبداء الرأي وخاصة فيما يخص الحقوق السياسية والمدنية . ويلجأ كثير ممن تعرضوا للانتهاكات إلى إخفاء ما تعرضوا له من انتهاك على المنظمات الحقوقية المعنية برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان خوفاً على حياتهم أو أن يتكرر نحوهم انتهاك آخر. بالإضافة إلى أن الجهل بهذه الحقوق أيضاً يقابلها جهل بعقوبة مرتكبي الانتهاكات، وخلال الأعوام الثلاثة السابقة ارتكبت جماعة الحوثيين المسلحة وقوات الحرس الجمهوري المتحالف معها جرائم مروعة بحق المدنيين، تنوعت بين القتل والجرح والاختطاف، وتعذيب المختطفين حتى الموت وابتزازهم مبالغ مالية كبيرة، واقتحام واحتلال المنازل، وتفجير المنازل بالديناميت، ونهب وهدم المحلات التجارية والتهديد بالقتل واحتلال للمباني والمرافق الحكومية والمساجد وتحويلها الى ثكنات عسكرية ومحاولة منع صلاة التراويح وتدمير ونهب المزارع، ومحاصرة وقصف القرى والأحياء السكنية بصواريخ الكاتيوشا، والاستحواذ على المساعدات الإنسانية، والقيام بعمليات التهجير القسري للسكان المحليين. وتجنيد الأطفال. لهذا فإن الأفعال التي قامت بها ميليشيات جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق/ علي عبدالله صالح، بحق اليمنيين في مختلف المحافظات تندرج ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة وهي جرائم ذات خطر عام وفقاً للتعبير الوارد في القانون اليمني. وتخضع تلك الأفعال لأحكام قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994م بشأن قانون الجرائم والعقوبات، وكذا أحكام القانون رقم 24 لسنة 1998م بشأن جرائم الاختطاف والتقطع وفقاً للتفصيل التالي: أعمال القتل العمدية: مجرمة وفقاً لنص المادة (243) من قانون العقوبات . أعمال الإيذاء والجرح العمدية: مجرمة وفقاً لنص المادة (244) من قانون العقوبات التفجير العمدي: مجرمة وفقا لنص المادة (137) من القانون العقوبات . الاختطاف والإخفاء القسري وأخذ الرهائن: والمجرم وفقاً لنص المادة (249) من القانون العقوبات والمادة (4) من قانون الاختطاف والتقطع. ونتيجة لخطورة مثل هذه الجرائم أفرد تشريع خاص لها وهو قانون الاختطاف والتقطع في المواد (1، 2، 3) من القانون . الاستيلاء على الممتلكات الخاصة: مجرم وفقاً لنص المادة (133) من القانون العقوبات، وكذا المادة (3) من قانون الاختطاف والتقطع. اقتحام المنازل والاعتداء على حرمتها وترويع ساكنيها: مجرم وفقاً لنص المادة (253) من قانون العقوبات اليمني . احتلال المرافق العامة والاستيلاء عليها: مجرم وفقاً لنص المادة (132) من القانون العقوبات. مادة (132) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات، حيث تنص الفقرة 3" كل من احتل أو شرع في احتلال قيادة أو نقطة عسكرية أو طائرة أو سفينة حربية أو أي شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو مرافق أو مؤسسات عامة أو وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية المخصصة للمنفعة العامة أو محطة الإذاعة الحكومية المسموعة أو المرئية بغير تكليف من السلطة المختصة". اختطاف وسائل النقل: مجرم وفقاً لنص المادة (4) من قانون الاختطاف والتقطع. انتهاكات حقوق الإنسان في ضوء القانون الدولي.. يجرّم القانون الدولي الإنساني الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب ضد الإنسانية ويهدف من ذلك إلى حماية الصفة الإنسانية في الإنسان، وحماية هذه الصفة تقتضى حماية الحقوق الأساسية التي تستلزم إسباغ هذه الصفة على الكائن الحي الذي يتمتع بتلك الصفة. تشير المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف إلى أن مجرد كون أي جماعة مسلحة – سواء أُطلق عليها جماعة "إجرامية" أو "مقاتلون من أجل الحرية" أو خلاف ذلك – طرفًا في نزاع مسلح لا يمنحها أي وضع خاص (أي شرعية من أي نوع) بموجب القانون الدولي الإنساني. ولكن ينشأ عنه مع ذلك التزامات قانونية تقع على عاتق تلك الجماعة المسلحة، شأنها في ذلك شأن أي طرف في نزاع مسلح، لاسيما الالتزام بكفالة احترام أفراد تلك الجماعة للقانون الدولي الإنساني في جميع الأوقات. ويفرض القانون الدولي الإنساني التزامات على كل طرف من أطراف النزاعات المسلحة الداخلية على وجه الخصوص، دون النظر إلى مشروعية المشاركة في القتال، الذي تحكمه نصوص قانونية أخرى. يقضي القانون الدولي الإنساني بالمعاملة الإنسانية للمصابين والمرضى والأسرى والمدنيين في النزاعات، بدون أي تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الجنسية أو الدين أو الرأي السياسي أو بالاستناد إلى أية معايير مماثلة. وأحكام القانون الدولي الإنساني تحظر أيضا أخذ الرهائن واستخدام الدروع البشرية. وقد حصلت في نزاعات حديثة العهد انتهاكات تمثلت بشكل خاص في استخدام النساء والأطفال كدروع لحماية المقاتلين عن الهجوم. رصد وتوثيق الانتهاكات يقول ناشطون ومعنيون برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، إن مليشيات الحوثي وصالح ارتكبت أكبر نسبة من إجمالي الانتهاكات المرصودة والموثقة خلال الأعوام الثلاثة السابقة. ويؤكدون أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة الانتقالية تقتضي الاقتصاص من الجناة، ويقول أحد الراصدين- في تصريح "للضالع نيوز"- إن القيام بعملية الرصد ومن ثم التوثيق للانتهاكات، هي عملية يتم فيها جمع المعلومات والأدلة التي تثبت وقوع الحادثة والانتهاك، ودليل يحتفظ به الضحية لمقاضاة الجناة مستقبلا". وتكشف تقارير حقوقية سنوية صادرة عن التحالف اليمني لرصد حقوق الإنسان- وهو منظمة يمنية معنية برصد وتوثيق الانتهاكات- أن إجمالي عدد القتلى المدنيين خلال الفترة 21 سبتمبر 2014 – 15 أغسطس 2015م بلغ 3074 شخصاً، 20 %منهم نساء وأطفال، وجرح 7347 مدنياً بسبب القصف العشوائي، 25% منهم على الأقل نساء وأطفال، 5894 شخصاً تم احتجازهم تعسفياً أو إخفاؤهم قسرياً، أطلق 4640 شخصاً منهم وما زال 1254 شخصاً قيد الاحتجاز أو الإخفاء، وكل هذه الانتهاكات قامت بها جماعة الحوثيين المسلحة وقوات الحرس الجمهوري التابعة للمخلوع صالح خلال تلك الفترة. وفي تقريره السنوي للعام 2016 يؤكد التحالف اليمني مقتل (2737) مدنياً في عموم محافظات الجمهورية بينهم (531) طفلاً قتيلاً و(203) نساء، من بين ذلك العدد (1910) قتلى قتلتهم ميليشيا الحوثي. وكشف التقرير جرح (7270) جريحاً منهم (5579) جريحاً تقع مسئوليتها على مليشيات الحوثي وصالح. مليشيا الحوثي – صالح، وتتوزع البقية على بقية الأطراف المتحاربة. وإن (5092) حالة اعتقال واختطاف مدنية منها (4882) اعتقالات تعسفية واختطاف ارتكبتها ميليشيا الحوثي صالح. فيما بيّن التقرير (18915) ضحية الإبعاد القسري ارتكبت ميليشيا الحوثي – صالح منها (17136)حالة. ويشير التحالف اليمني إلى أن (3371) انتهاكاً واعتداء على المنشئات العامة والممتلكات الخاصة، وهي التي استطاع الوصول إليها، كان أبرزها وأشدها إيلاماً تفجير منازل الخصوم والمعارضين لسلطة ميليشيا الحوثي - صالح. وخلال النصف الأول من العام 2017م قال التحالف اليمني إنه وثق مقتل (715) ضحية خلال نصف العام الجاري الأمني، تصدرت مليشيا الحوثي صالح الفاعل الأكبر في ممارسة تلك الجرائم، إذ سجل مقتل (440) ضحية قتلتهم مليشيا الحوثي صالح، بينهم (78) طفلاً و(35) امرأة و(7) إعلاميين ونشطاء، وسجّل التقرير جرح (897) مدنياً،(772) منهم بسبب مليشيا الحوثي وصالح . وكشف التقرير أن مليشيات الحوثي وصالح قامت بإعدام (3) أشخاص دون محاكمة والتعذيب حتى الموت، من أصل (6) حالات إعدام خلال الخمسة الأشهر الأولى من العام 2017م، وتسببت بموت (14) تحت تعذيب مسلحيهما أو في أماكن الاعتقال التي يديرونها من إجمالي (16) ماتوا تحت التعذيب. فيما بلغ عدد حالات (1513) حالة اعتقال ارتكبتها مليشيا الحوثي وصالح في المحافظات التي تخضع لسيطرتها، فيما أحصى التحالف اليمني تعذيب (28) مدنياً وناشطاً في سجون مليشيا الحوثي صالح. جرائم لا تسقط بالتقادم وحول هل تسقط جرائم الحوثيين بحق المدنيين بالقادم؟ يقول وزير الخارجية اليمني/ عبدالملك المخلافي- في تغريدات سابقة على حسابه في "تويتر"- إن جرائم تحالف (الحوثي/ صالح)، بما فيها الحصار والتهجير القسري وتفجير المنازل وآخرها في بلاد الوافي جرائم ضد الإنسانية لن تسقط بالتقادم. وأكد "المخلافي" أن استهانة المليشيات بالقوانين وبالمجتمع المحلي والدولي لن يعفي المرتكبين للجرائم من ملاحقتهم وقاداتهم أمام القانون المحلي والقانون الدولي . أما توفيق الشعبي- أمين عام نقابة المحامين بتعز- فيعتبر أن الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات الانقلابية بحق المدنيين العزل يجرمها القانون الدولي الإنساني والقواعد العرفية، والتي أوجبت نصوصها ضرورة حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة الدولية والغير دولية. وفي سياق متصل قالت « اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان اليمنية»، ان ميليشيات الحوثي وصالح ارتكبت «مجازر جماعية» بحق مدنيين عُزل في عدة محافظات يمنية، وذلك بقصفها التجمعات السكنية والأسواق الشعبية بشكل عشوائي بالمدفعية وقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا. واعتبرت اللجنة في تقرير حديث لها، أن تلك الانتهاكات تخرق القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، وتعد جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولا بد أن ينال مرتكبوها العقوبة الرادعة.