أثار قرار البنك المركزي اليمني تعويم الريال مخاوف كبيرة من إغراق العملة اليمنية، وفيما انتقد اقتصاديون هذا الاستخفاف الذي يتعامل به البنك المركزي اليمني، يخشى مراقبون من ارتفاع الأسعار نتيجة هذا القرار الذي وصفه كثيرون بالكارثي.. تحذيرات لا تخلو من اعتبار القرار بأنه قد يشكل المسمار الأخير في نعش البنك المركزي اليمني التابع للحكومة الشرعية، نتيجة ما سيكون للقرار من تداعيات خطيرة فيما يتعلق بالأسعار. وأعلن البنك المركز اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، في وقت مبكر أمس الثلاثاء، تعويم الريال اليمني مقابل الدولار، وإلغاء التعامل وفق سعر الصرف الثابت. وأشار منصر القعيطي، محافظ البنك المركزي، في خطاب لمديري عموم البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن، إلى إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي المحدد ب 250 ريالا يمنيًّا للدولار الأمريكي، وتحرير سعر صرف الريال اليمني، وتحديد سعر العملة وفقًا لآليات العرض والطلب. وأكد المحافظ: "أن البنوك ستبدأ التعامل على أساس سعر الصرف السائد في السوق للدولار والعملات الأجنبية الأخرى وفقًا ل"نشرة أسعار الصرف الصادرة عن البنك المركزي من مقره الرئيسي في عدن، والمستندة على قاعدة إدارة سعر الصرف المعتمد رسميًّا على أساس التعويم". وقرر البنك المركزي اليمنيبعدن، الاثنين، تعويم سعر صرف الدولار الأمريكي، وإلغاء التعامل بسعر الصرف الثابت (250 ريال يمني للدولار الواحد). وأكد البنك، انه سيتم التعامل بهذا القرار اعتبارا من يوم الثلاثاء 15 أغسطس 2017م. وأفادت وثيقة صادرة عن محافظ البنك المركزي منصر القعيطي إلى مدراء البنوك التجارية والإسلامية، أن سياسة إدارة سعر الصرف قائم رسميا على أساس التعويم وليس ترتيبات التثبيت، وإحاطتهم علما بإلغاء التعامل بسعر صرف الدولار على اساس ثابت. وبحسب التعميم المعنون ب "سعر صرف الدولار الأمريكي المقرر التعامل به للشراء والبيع في البنوك وتقييم مراكزها المالية"، فان على البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن التعامل بسعر الصرف السائد للدولار والعملات الأجنبية الأخرى في السوق، وفقا لنشرة أسعار الصرف الصادرة عن البنك. تحرير سعر الصرف وقرر البنك المركزي اليمني تحرير سعر صرف الريال، وتحديد سعر العملة وفقا لآليات العرض والطلب. وأكد أن سياسة الصرف ستقوم على التعويم وأن الدولة أو المصرف المركزي لن تتدخل في تحديدها. وأكد محافظ البنك المركزي اليمني/ منصر القعيطي، في وثيقة رسمية نشرتها وسائل إعلامية على إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي 250 ريالا للدولار الواحد. ويعاني السوق المصرفي في اليمن من شح الدولار الأميركي بشكل حاد، حيث اختفى من المصارف وشركات ومحال الصرافة منذ مطلع أغسطس الجاري مع ارتفاع سعر الصرف إلى 372 للريال اليمني مقابل الدولار الواحد ، من 355 خلال يوليو الماضي. واستقر الريال اليمني، منذ يونيو الماضي، عند 372 ريالا للدولار الواحد في العاصمة صنعاء 370 ريالاً للدولار في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمي والذي يبلغ 250 ريالاً للدولار، كما تراجع الريال اليمني أمام الريال السعودي إلى 97 ريالاً، بينما يبلغ السعر الرسمي 69 ريالا. هجوم لاذع وأصدر البنك المركزي اليمني في عدن الثلاثاء، في أول أيام سريان قرار تعويم الريال اليمني وتحرير سعر الصرف، نشرة بأسعار الصرف المعتمدة للدولار الأمريكي والريال السعودي. وحددت النشرة الصادرة عن قطاع الرقابة على البنوك في البنك المركزي اليمني سعر الدولار والريال السعودي بتسعيره جديدة، يلاحظ أنها تفوق أسعار السوق السوداء. وبحسب نشرة سعر الصرف الرسمية للبنك، فان سعر الدولار الواحد 370.71 ريال يمني للشراء و372.36 للبيع، فيما حدد سعر الريال السعودي الواحد 97 ريال يمني للشراء و 97.56ريال يمني للبيع. وانتقد اقتصاديون هذا الاستخفاف الذي يتعامل به البنك المركزي اليمني، في تحديد سعر الصرف بقيمة أعلى من السوق السوداء وأسعار البيع والشراء السائدة اليوم.. مؤكدين انه لا غرابة ما دام من يديرون هذا البنك يقيمون خارج البلد وغير مطلعين على ما يدور في السوق. وهاجم اقتصاديون بشدة، فشل الحكومة الشرعية في تفعيل وظائف البنك المركزي منذ نقله قبل عام، وإقدامها على خطوة تحرير سعر الصرف بقرار سياسي، في خطوة للفت الانتباه وتدمير ما تبقى من حياة في جسد الاقتصاد المتهالك.. مشيرين إلى أن الحكومة لم تعد هي من تتحكم بأسعار سوق الصرف وليس في يدها تحديد قيمة الصرف. ونصحوا الحكومة الشرعية وإدارة البنك المركزي المهاجرة، بالكف عن إصدار نشرة بسعر الصرف فهي لا تقدم ولا تؤخر، فالسوق هو من يتحكم بالعرض والطلب والبنك المركزي أصبح في حكم المعدوم بعد الفشل الذريع في إدارته وتفعيل وظائفه. انعكاسات سلبية وأوضح مصطفي نصر - رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بأن قرار التعويم الصادر عن البنك المركزي يعني التخلي عن السعر الرسمي الذي حدده البنك سابقا للدولار (250 ريال مقابل الدولار الواحد) لصالح السعر الجديد الذي سيتحدد من قبل البنك المركزي وفقا لمخزون العملات وتداولات السوق. وقال أن التحكم في سعر الصرف يمثل صلب السياسة النقدية لكن السؤال الأهم هل البنك المركزي ما يزال لاعبا رئيسيا في السياسة النقدية حتى يتخذ قرار بهذا الحجم؟ وهل يمتلك الأدوات الكافية لذلك في ظل تراجع مصادر النقد الأجنبي لدي الحكومة بل انعدامها؟. وأشار نصر إلى أنه منذ أن تم نقل البنك المركزي في سبتمبر 2016م إلى عدن أثبتت إدارة البنك المركزي فشلها وعجزها عن تفعيل البنك المركزي للقيام بأدواره المفترضة ابتداء من الرقابة علي البنوك وتفعيل السويفت وانتهاء بالعبث بالعملة المحلية المطبوعة من الريال اليمني وبيعها للصرافين بدلا من استخدامها لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي. ناهيك عن غياب المحافظ ونائبه عن البنك المركزي وتكليف قائم بأعمال لإدارة البنك في أصعب مرحلة يمر بها وعدم انتظام الاجتماعات الدورية لمجلس إدارته. ونبه أنه من الواضح أن للقرار انعكاسات سلبية علي كل التعاملات الرسمية التي كانت تعتمد السعر الرسمي ومنها الجمارك حيث سترتفع الجمارك فعليا بنسبة 45٪ وبالتالي ستنعكس تلك الزيادات علي أسعار السلع المستوردة. وأضاف: "لن يؤثر القرار كثيرا على البنوك لأنها عمليا تتعامل بسعر السوق السوداء وهو خاضع للعرض والطلب باستثناء بنك اليمن الدولي الذي يستقبل معظم تحويلات المنظمات الدولية ويعتمد سعر الصرف الرسمي ليجني فوارق طائلة في ظل تواطؤ من قبل تلك المنظمات". وحذر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي من أن القرار قد يشكل المسمار الأخير في نعش البنك المركزي اليمني التابع للحكومة الشرعية في حال لم تعترف به حكومة الحوثي وصالح ولم يمتلك الأدوات القادرة علي تحكمه بسعر الصرف في السوق. فقرار التعويم يتطلب إدارة فاعلة للسياسة النقدية تخفف من آثاره السلبية وهو ما تفتقر إليه إدارة البنك المركزي الحالية، حد نصر. قرار صائب خلافاً لذلك يرى الصحفي المتخصص بالشئون الاقتصادية/ نبيل الشرعبي قرار التعويم حاليا بأنه صائب جدا. ويعلل الشرعبي رؤيته هذه بأنه لم يعد هناك شيء اسمه قطاع اقتصادي ولا استثماري، ولا مصرفي، والدورة المالية التي كانت تستخدم في تسديد الرواتب والبرنامج الاستثماري الحكومي ومقدارها تريليون ومائتي مليار ريال انتهت، وكذلك عملية الادخار توقفت، ومثلها عملية العرض والطلب اختلت بنسبة تصل إلى 60بالمائة، وتوقف تدفق الموارد، وعدم وجود موازنة عامة للدولة منذ ثلاثة أعوام، وتعطل وظائف المالية العامة، وتوقف كثير من مصادر الدخل المحلية، وغيرها من الانعكاسات التي عصفت باليمن، ويقول: "وفي المقابل اعتماد حوالي 13مليون نسمة من اليمنيين على تحويلات ذويهم المغتربين بالخارج، هذه العوامل تجعل من قرار تعويم الريال اليمني قرار صائب".. ويتابع: "فإذا كانت تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج خلال فترة استقرار سعر الصرف بلغت ما يقارب ملياري دولار، ففي وضع كالذي نعيشه ومع قرار التعويم سيرتفع المبلغ، كون المغتربين سيحرصون على تحويل اكبر كم من المبالغ للاستفادة من فوارق الصرف، كما سيتوقفون عن شراء السلع من بلدان اغترابهم، لتوفير سيولة نقدية بعملات صعبة". وبحسب الشرعبي، هذا يعزز من بناء مدخرات نقدية كبيرة من العملات الأجنبية خاصة الدولار، وهذا أيضا سيقود إلى انخفاض سعر الذهب والعقارات والمركبات.. تداعيات خطيرة في حين يوضح الصحفي المتخصص بالشئون الاقتصادية/ فاروق الكمالي أن تعويم الريال يعني لكل يوم سعر صرف، بحيث يتحدد السعر وفق السوق وآلية العرض والطلب، ولا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر. ويقول: "وهذا الذي حاصل خلال الحرب ، فالريال معوم فعلا والبنك المركزي فقد القدرة على ضبط سعر وسوق الصرف الذي أصبح خاضع تماما للسوق والمضاربين، وتلاقي سعر الصرف يوم 340 ريال للدولار الواحد، وثاني يوم 350 وبعد أيام 370 ريال للدولار". ويضيف: "عمليا، حتى البنوك التجارية كانت ألغت التعامل بسعر البنك المركزي 250 ريال للدولار وبدأت تتعامل بسعر السوق. والسوق اليمنية وسط الحرب ، تشهد مضاربة شديدة على النقد الأجنبي، في ظل انخفاض المعروض النقدي بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلا عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف واعتماده على آليات عقيمة لم تُجدِ في تحقيق الاستقرار النقدي". ويتابع: "ومن حوالي شهر أو أكثر ، يعاني السوق المصرفي في اليمن من شح الدولار الأمريكي بشكل حاد، حيث اختفى من المصارف وشركات ومحال الصرافة، مع ارتفاع سعر الصرف إلى 372 للريال اليمني مقابل الدولار الواحد، من 355 خلال يوليو الماضي، واستمرار أزمة شح الدولار يعني استمرار تدهور الريال". وبحسب الكمالي فكل البنوك وشركات ومحال الصرافة كانت تقول بأنها استنفذت عملة الدولار وأن البنك المركزي لم يضخ عملة صعبة للسوق، وبقرار التعويم، يتخلى البنك المركزي عن دوره في ضخ العملة الصعبة، وكان تخلى سابقا عن مهام ضبط سوق الصرف. ويؤكد فاروق أنه سيكون للقرار تداعيات خطيرة فيما يتعلق بالأسعار، فالبنك المركزي يتعامل مع التجار بالسعر الرسمي 250 ريال للدولار فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، ومن بكره سيدفع التجار بسعر السوق 370 ريال للدولار، وسترتفع الأسعار. ويزيد: "والواضح أن البنك لا يمتلك سياسة لمواجهة تداعيات قرار التعويم وهو قرار سينعكس في ارتفاع الأسعار، وفي مزيد من التدهور للريال".