دفعت الأحداث المتتالية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط الدول العربية إلى التفكير بصورة جدية في تطوير الجامعة العربية التي عجزت في الآونة الأخيرة عن حسم العديد من الخلافات والنزاعات، كما شهدت الكثير من الانقسامات الداخلية بين أعضائها، وازدادت الأمور إلحاحًا في أعقاب ما مُنيت به مؤسسات العمل العربي المشترك في مواجهة غزو العراق، وفي ظل الوضع المتردي لعملية التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فتعالت الأصوات وتصاعدت المبادرات التي تنادي بإصلاح الأوضاع العربية بشكل عام، والجامعة العربية بشكل خاص لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه الأمة، وتلقت الجامعة العربية بالفعل العديد من المقترحات من الكثير من الدول وعلى رأسها مصر والسعودية واليمن وليبيا والسودان وقطر والأردن، ومن بين هذه المقترحات التي أفرزتها تلك المبادرات برز مشروع مجلس الأمن والسلم العربي الذي كان من الأولويات المدرجة على أجندة القمة العربية التي انعقدت مؤخرًا بالخرطوم. مجلس الأمن العربي في المبادرات: كان من الواضح أن الرغبة العربية في حل العديد من النزاعات تحت مظلة الجامعة تتزايد، وكان واضحًا أن الهاجس الأمني والدفاعي للدول العربية بات يدفع تلك الدول إلى التحرك بصورة أكثر فاعلية ونشاطًا وجدية على أرض الواقع، فركزت المبادرة المصرية على ضرورة وجود "عمل عربي جدي" لتسوية النزاعات العربية عبر الطرق السلمية، وعلى أهمية إقامة برلمان عربي موحد ومحكمة عدل عربية ومجلس أمن عربي أو منتدى للأمن القومي العربي. وفيما دعت اليمن إلى تحويل الجامعة إلى "اتحاد الدول العربية" الذي سيضم مجلس الاتحاد يضم الملوك والرؤساء العرب ومجالس أخرى للأمن والدفاع والخارجية والاقتصاد والتجارة والتنمية والشؤون الاجتماعية، فإن المبادرة السعودية دعت إلى بناء القدرات الدفاعية العربية وتبني رؤى الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية داخل الدول العربية وإيجاد برامج لتشجيع الإبداع والفكر الخلاق. ثم تبلورت هذه المبادرات، في ظل تصاعد مد مبادرات الإصلاح من الخارج، في مشروع مشترك تبنته حكومات مصر والسعودية وسوريا، عرض على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في بداية مارس 2004. وفي إطار سعيه لتوحيد الرؤى العربية لتطوير الجامعة، قام عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية بجولة في عدد من الدول العربية حتى يمكن وضع صيغة نهائية لهذه المبادرات، كما شكل موسى لجنة من كبار الشخصيات السياسية والقانونية على المستوى العربي اجتمعت لأول مرة في يونيو 2004 بمقر الجامعة لبلورة صيغة توافقية للأفكار التي طرحت في هذا الصدد، وخلصت اللجنة بالفعل بالتعاون مع الأمين العام للجامعة العربية إلى شكل نهائي للمبادرة العربية لإصلاح الجامعة، تضمن تسعة ملاحق رئيسية هي: تعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك وتطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وإنشاء المصرف العربي للاستثمار والتنمية وملحق خاص بنظام اعتماد القرارات في الجامعة العربية وملحق خاص بإنشاء هيئة متابعة تنفيذ القرارات وإقامة المجلس الأعلى للثقافة العربية، وكان في مقدمة تلك الملاحق إنشاء البرلمان العربي، وإنشاء مجلس الأمن العربي والنظام الأساسي لمحكمة العدل العربية. مهام المجلس: وفقًا للمشروع الذي تبنته قمة الخرطوم، فإن مجلس الأمن والسلم العربي مهامه متعددة، وعلى رأسها متابعة ودراسة وتقديم توصيات لمجلس الجامعة بشأن التطورات التي تمس الأمن العربي، وإعداد استراتيجيات الحفاظ على السلم والأمن العربي وإجراء تدابير مناسبة إزاء أي اعتداء على أية دولة عربية أو حتى التهديد بالاعتداء، وكذلك تعزيز القدرة العربية في مجال العمل الوقائي من خلال تطوير نظام الإنذار المبكر وبدء الدبلوماسية الوقائية بما في ذلك الوساطة والمصالحة والتوفيق وتنقية الأجواء، إضافة إلى تعزيز التعاون في مواجهة التهديدات والمخاطر العابرة للحدود كالجريمة المنظمة والإرهاب، ودعم جهود السلام وإعادة الإعمار بعد حل النزاعات، وأخيرًا اقتراح إنشاء قوات حفظ سلام عربية عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك. وبمقتضى هذا المشروع، فإن مجلس الأمن والسلم العربي ستكون لديه آلية للوقاية من النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية وإداراتها وتسويتها، ويجوز له أن يوصي باتخاذ تدابير في حالة تفاقم أي نزاع لعقد جلسة استثنائية، كما أنه ستكون لديه مجموعة من الأجهزة مثل بنك للمعلومات ونظام الإنذار المبكر والذي يتكون من مجموعة من الخبراء المختصين في الأمانة العامة للجامعة لتحليل المعلومات وتوفيرها، وكذلك هيئة حكماء يختارها الأمين العام للجامعة العربية من الشخصيات السياسية العربية العامة. تشكيل المجلس وتمويله أكد القرار الصادر عن القمة بخصوص هذا المجلس على ضرورة أن يتشكل مجلس الأمن والسلم العربي من خمس أطراف، الدولة التي تباشر رئاسة مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري والدولة التي تتولى رئاسة القمة العربية ودولتان من رئاسة الدورات السابقة على المستوى الوزاري والأمين العام للجامعة العربية، ويعقد المجلس اجتماعاته على مستوى وزراء الخارجية ويجوز له أن يعقد على مستوى المندوبين. أما بالنسبة لتمويل المجلس، فإن قرار القمة تضمن الإشارة إلى أن تمويل المجلس يكون من خلال الأموال المخصصة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية أي أنه لن يكون هناك بند مختص بذاته لتمويل المجلس. وبخصوص عمله، كان هناك اتجاهان الأول يرى أن النظام الأساسي للمجلس لا ينبغي أن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد المصادقة عليه من قبل البرلمانات العربية، والثاني يقبل بانتقاله لحيز التنفيذ بمجرد اعتماده من قبل القمة العربية، وعندما يبدأ العمل تبدأ عمليات التمويل وفق الالتزامات.وقد اعتمدت القمة الاتجاه الثاني. الموقف العربي من المجلس عندما تم اقتراح تشكيل هذه المؤسسة العربية من قبل عدد من الدول العربية، كانت هناك تحفظات عربية حيث طلبت دولتان التمهل في إقراره للمزيد من الدراسة، كما تحفظت دولة أخرى على محدودية عدد الأعضاء المقترح انضمامهم للمجلس، وطالبت بأن يكون للدول ال 22 الأعضاء في الجامعة مقاعد في مجلس الأمن العربي المقترح، وأن تكون قراراته ملزمة لكل الأعضاء مثلما هي الحال في مجلس الأمن الدولي. وربما يكون ما دفع بعض الدول العربية، إلى التحفظ على المجلس هو تخوف البعض من أن يكون ذلك بداية لانشطار الجامعة العربية إلى جزئين، أحدهما للدول صغيرة الحجم والسكان، والأخرى للكبيرة الحجم والسكان، وبمعنى آخر، أن تكون مسألة تطوير الجامعة العربية وتحديدًا اقتراح مجلس الأمن العربي، هي محاولة من "الكبار"، لمنع الصغار من ممارسة حق الفيتو على قراراتهم. لكن يبدوا أن تلك الحجة قيلت لنسف أى دعوة جدية للتعاون العربي الحقيقي والدليل على ذلك أن الدول العربية التي ضمنت فكرة مجلس الأمن العربي في مبادراتها ليست دول كبيرة بالضرورة، بل منها دول صغيرة لكنها تدرك جديدًا أن مصيرها ومستقبلها مرهون باتخاذ خطوات فعلية وجدية على أرض الواقع وفي اتجاه تفعيل التعاون العربي المشترك، خصوصًا بعد أن مرت عقود، كانت فيها مبادرات الإصلاح التي تُقدَم(على حد قول نادر فرجاني المحرر الرئيسي لتقرير التنمية الإنسانية العربية في إحدى أطروحاته) لا تتجاوز كونها إصلاحاً تجميلياً لآليات العمل العربي المشترك، وتتفادى اقتراح إصلاح جذري للعمل العربي المشترك، على الرغم من أننا في حاجة لمشروع للإصلاح العربي، على الصعيد القومي، ينتهي بإصلاح عميق في المجتمع العربي بكامله، شاملاً المستوى القطري، خصوصًا في تلك الفترة التاريخية الحرجة التي تمر بها الأمة