كثيرة هي الجهود والمبادرات التي بذلت وقدمت خلال السنوات الخمس الاخيرة، والتي تستهدف إصلاح وضع الجامعة العربية واعادة ترتيب البيت العربي من الداخل وترميمه، بعد أن جعلته الاحداث العاصفة آيلا للسقوط والانهيار الحتمي في أي لحظة. وكما هو معلوم هناك أكثر من جهة وأكثر من دولة عربية تقدمت بمقترحات جادة وطموحة لتطوير العمل العربي المشترك، عبر الجامعة "البيت" الذي يجمع العرب في الشدائد، وكثيرة هي الاخفاقات والعثرات التي لايمكن اخفاؤها أونفيها التي رافقت وترافق الافعال والاقوال والنوايا الحسنة، التي يعبر بها أصحابها عن رغبة صادقة في رد الاعتبار للعمل العربي المشترك وتفعيل وتطوير آلياته، وتأكيد التضامن المفقود تلبية لمتطلبات المرحلة العصيبة التي تحياها الامة.. ولعل المبادرة التي تقدم بها فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح باسم بلادنا العام الماضي، لاصلاح الجامعة العربية واعادة هيكلتها وفقا لمنهجية عملية وواقعية تنسجم مع الواقع الحقائق والتاريخ، وتراعي الخصوصيات والاولويات وتجسد رغبة العرب جميعا في التئام الصف والجراح، وطي صفحة الجمود والعبثية والقفز على الواقع والتنصل من المسؤوليات. لعل تلك المبادرة اليمنية الصادقة بما تعنيه من حرص على مصلحة الامة العليا، قد جاءت في وقتها المناسب ان لم تكن تمثل في الواقع ماهو مطلوب ومفروض أن يكون خصوصا وأنها صدرت عن حكمة يمانية مشهودة ومحمودة ، ولو قدر لمبادرة اليمن تلك أن ترى النور وتجد فرصتها في التحقيق لامكن لهذه الامة المشتتة والمبعثرة الجهود والامكانيات، أن تظفر بما تصبو اليه من خلال التضامن وتنقية الاجواء الملبدة والخروج من الانفاق المظلمة ادراكا للغايات المثلى قولا وعملا. وفي اطار المساعي الحثيثة لاعادة ترتيب البيت الجامع للعرب تشهد العاصمة المصرية القاهرة، ومعها بعض العواصم العربية الاخرى ومنها صنعاء على سبيل المثال لا الحصر منذ عدة اسابيع وشهور خلت، اتصالات دبلوماسية عربية مكثفة للتوصل الى اتفاق حول اقتراحات طموحة لتطوير جامعة الدول العربية قبل القمة العربية المقبلة، والتي من ابرزها مقترح سعودي يقضي للمرة الاولى بفرض عقوبات تصل الى حد اسقاط العضوية عن الدول التي تخالف قرارات الجامعة. وفي تصريح خص به وكالة الصحافة الفرنسية قال دبلوماسي في الجامعة العربية- لم يكشف عن هويته- ان "المقترحات الطموحة لتطوير الجامعة تنبع من وعي باهمية توحيد المواقف العربية، في مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه العرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، ومع الاحتلال الاميركي للعراق".. الا أنه استدرك قائلا "ان الخلافات العربية لا تترك مع ذلك هامشا كبيرا للتفاؤل" .. مشيرا الى أنه بات لدى عدد من الدول العربية ادراك بانه لم يعد من المجدي، ان تسعى كل دولة بمفردها لترتيب علاقاتها الدولية خاصة مع الولاياتالمتحدة، وان العمل الجماعي العربي ربما يكون سياجا واقيا.. لكن الخلافات بين الدول العربية قد تعيق اقرار بعض الافكار الطموحة لتطوير آليات الجامعة العربية على حد قول ذلك الديبلوماسي . يبدو أن الخلافات بين الدول العربية لاتقتصر على القضايا السياسية، بل طالت ايضا موضوع تطوير العمل العربي المشترك ذاته، اذ تقدمت كل من اليمن وليبيا باقتراحين متشابهين لانشاء "اتحاد عربي"، يكون بمثابة منظمة بديلة لجامعة الدول العربية على ان يوضع لها ميثاق جديد ، و في المقابل تقضي اقتراحات تقدمت بها مصر والسودان وقطر والسعودية بالحفاظ على الجامعة وميثاقها مع اضافة ملاحق عليه. ومن المنتظر أن ترفع كل تلك الاقتراحات لتطوير عمل الجامعة العربية الى القمة العادية المقرر عقدها في مارس القادم بتونس. ومن الافكار التي سيبحثها الوزراء العرب، اقتراح سعودي بانشاء آلية "تقيد وامتثال"، الذي ينص على ان يمارس "مجلس الجامعة الرقابة على تقيد الدول الاعضاء بالتزاماتها وتقرير العقوبات المناسبة في حالة عدم الامتثال". وتبدأ العقوبات، بتوجيه اللوم لتصل الى اسقاط عضوية اي دولة في الجامعة تمتنع عن الامتثال للقرارات لمدة ثلاث سنوات متتالية، مع السماح لها بالتقدم بطلب عضوية جديد بعد مضي عامين. وتشمل مقترحات التطوير كذلك نظام اتخاذ القرار في الجامعة وضرورة تغيير"قاعدة الاجماع"..في حين اكدت الورقة المصرية المقدمة الى الامانة العامة للجامعة ان "قاعدة الاجماع لم تعد ملائمة وان التصويت بنظام توافق الاراء او بالاغلبية الموصوفة او البسيطة هي افكار جديرة بالتأمل والتفكير". أماالمقترح الليبي فينص على ان "تصدر قرارات دفع الاعتداء عن اي دولة عضو باغلبية الثلثين وتكون القرارات الصادرة باغلبية الثلثين ملزمة لجميع الدول الاعضاء والقرارات التي تصدر بالاغلبية المطلقة فتكون ملزمة لمن يقبلها". وتتفق المقترحات اليمنية والسعودية مع مبدأ اتخاذ القرارات باغلبية الثلثين.. كذلك يتطرق مشروع تطوير الجامعة الى "نظام الامن القومي العربي"، وتجمع كل الاقتراحات على "احياء وتجديد معاهدة الدفاع العربي المشترك" ولكنها تطرح آليات متباينة للحفاظ على الامن القومي. فتدعو اليمن في مشروعها الى انشاء "مجلس الدفاع والامن" من وزراء الدفاع والداخلية في الدول العربية، كما تدعو الى تشكيل قوات حفظ سلام عربية، أما مصر فتقترح انشاء "مجلس الامن العربي على غرار ما هو قائم في المنظمات الدولية والاقليمية الاخرى"أو"منتدى للامن القومي العربي يضم مسئولين دفاعيين وامنيين وخبراء استراتيجية". وتقترح السعودية من جانبها "آلية للوقاية من المنازعات العربية-العربية وادارتها"، و"محكمة عدل عربية تكون اداة لوضع نهاية حاسمة للنزاعات العربية-العربية". ويشير الاقتراح السعودي الى ضرورة "احتواء النزاعات العربية في مهدها قبل اللجوء الى القضاء من خلال الدبلوماسية الوقائية". وعلى صعيد تطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك، صاغت الامانة العامة للجامعة العربية اقتراحا يجمع بين التصورات المختلفة ويتضمن استراتيجية من خمس مراحل: 1- إنشاء منطقة التجارة الحرة 2- تطوير منطقة التجارة الحرة لتصبح اتحادا جمركيا 3- انشاء السوق العربية المشتركة حيث يتم تحرير انتقال العمالة ورؤوس الاموال 4- إنشاء الاتحاد الاقتصادي حيث يتم الانتقال الى مرحلة تحقيق الانسجام التام للسياسات الاقتصادية لدول العربية 5- تحقيق التكامل او الاندماج الاقتصادي. كما اقترحت السعودية انشاء بنك للاستثمار العربي على غرار بنك الاستثمار الاوروبي لتمويل مشاريع القطاع الخاص في الدول العربية. وعلى العموم يمكن القول أن المقترحات المقدمة من الدول العربية المختلفة لتطوير اداء الجامعة العربية، قد أكدت أهمية "توحيد الجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية والتعامل بصيغة الفريق الواحد مع الاطراف الاقليمية والدولية". وهي مقترحات لم تأت من فراغ ولم يتم اطلاقها جزافا لاسيما وأن العمل العربي المشترك قد أصيب في مقتل بعد فشله الذريع مؤخرا في التعامل مع كارثة الغزو الانجلو- أمريكي للعراق، وما ترتب عليه عموما.