من منفاه في النمسا - علي سالم البيض مؤخراً، رئيس الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية سابقاً – القسم الجنوبي من اليمن، الى الشعب اليمني بالدعوة لانفصال الجزء الجنوبي من اليمن هي كلمة أتت في غير موضعها من حيث التوقيت ومن منظور المصلحة العليا للشعب اليمني ومن منظور الصراع الطبقي والسياسي، وبالنتيجة هي لا تصب لصالح الشعب اليمني ولا لصالح شعوب المنطقة أجمع بما فيها القسم العربي في القارة الأفريقية. دعونا نتذكر بأن البيض هو الذي من وقع على اتفاق الوحدة مع اليمن الشمالي في 22 ايار 1990 والتي بموجبها تم توحيد القسمين الشمالي والجنوبي، أي اتحاد ما بين نظام اشتراكي وطني في الجنوب وما بين نظام أبوي برجوازي يميني متحالف مع القوى الامبريالية وتوابعها من الأنظمة العربية وكان نتيجة ذلك الزواج الشاذ – المفترض أن يكون بين طرفين متقاربين – احتواء الحركة الوطنية الاشتراكية وشرذمتها الى مستوى القضاء عليها كما حصل في عام 1994 والتي أسموها بالحرب الأهلية بينما هي كانت جزءاً من عملية القضاء على جميع القوى والمرتكزات التي يمكن أن تقف حائلاً في طريق التمهيد للسيطرة الأميركية في المنطقة هذا أولاً.أما ثانياً، اخذين بعين الاعتبار أن جميع الهيئات الدولية تحت سيطرة القطب الرأسمالي العالمي، تأتي المصيبة الكبرى الكامنة بالترتيبات التي أعلن عن تورطه فيها علي سالم على الأرض المتمثلة بتدويل الأزمة اليمنية المتضمنة تشكيل مجاميع قانونية وسياسية عربية وأجنبية للمساعدة على طرح قضية فصل جنوباليمن وكذلك مناشدته الأممالمتحدة بالتدخل وعمل استفتاء لتقرير المصير؟! وهذه دعوة صريحة للتدخل الأميركي وفقدان لمرتكزات السيادة الوطنية والتي سبقها اليه الكثير من القيادات السياسية العراقية وكانت النتيجة ارتهان الوطن العراقي الى أجل غير مسمى وتحول من كان منهم وطنياً الى منزلة أدنى وأقبح حتى من العميل والأجير.ليس هذا فقط بل أن علي سالم البيض وصف الوضع الحالي للجنوب على أنه محتل. بل أنه ذهب بعيداً وطالب إيران بالتدخل لمساعدة الشعب اليمني في صراعه مع السلطة الحاكمة وخصوصاً بالصراع الدموي العسكري في شمال اليمن ومؤازرة الحوثيين "الشيعة" – على أِعتبار أن الصراع طائفي، وهي عبارة تختلق وتلتصق بسياسات أقطاب القوى الرأسمالية للتدخل بشؤون الدول وزعزعة استقرارها – وليس الحوثيون اليمنيون المتضررون من السياسات الاقتصادية والسياسية للنظام في صنعاء المتحالف مع القوى الرأسمالية والصهيونية. أي أنه زاد الطين بلة؟!لنسلط الأضواء على هاتين النقطتين قليلاً.1- الأنفصال أو التفكيك والشرذمة، شعار من ويخدم من؟من المفيد هنا أن نجري مقاربات مابين اليمن الديمقراطي والمانيا الديمقراطية وكلاهما تم احتوائهما ليكونا جزءاً من أنظمة رأسمالية، لكن الشعب الألماني الذي عاصر التجربة الاشتراكية لم يرفع ولا حتى شيوعيوه شعار انفصال شرق المانيا عن غربها بعدما أغرقتهم السياسة الرأسمالية بمراراتها وأزماتها. بل أنخرطوا في النضال الطبقي تحت قيادة جديدة دفاعاً عن حقوقهم الاقتصادية والسياسية، حيث أن مسألة بناء دولة ذات نظام اشتراكي يكفل صيانة حقوقهم لم تعد ممكنة في هذا الوقت ليس فقط بسبب عدم توفر الشروط الداخلية والعالمية بل أيضاً لأن العمل من أجل انفصال شرقي المانيا عن غربيها ستقدم مبرراً للامبريالية بشن هجوماً دموياً لايمكن للقوى الثورية صده في هذه الفترة والنتيجة ستكون ابادة سهلة للقوى المعادية للامبريالية.وهذا فيه شبه كبير مع الحالة اليمنية، ولكن مع الاختلاف في الشروط الداخلية والإقليمية بالنسبة لليمن. ففي اليمن تتصاعد الأزمة بتواتر في جميع نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والوطنية نتيجة تركيبة النظام اليمني الباغي وتغذيته لها بالتنسيق مع اميركا. وهو، أي اليمن، محكوم ومرتبط بمجمل عملية الصراع والمواجهة الدموية المصيرية المفروضة على جماهير الأمة العربية من خلال المخطط الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط للسيطرة على جميع مصادر النفط والسيطرة على منافذ وخطوط التجارة العالمية. أي أن ما يجري في اليمن تديره العقول الأميركية بأيادي عربية ويمنية أو هكذا تبدو. هنا ما هو مرسوم لليمن يبدو جلياً قد قرر مسبقاً في الإدارة الأميركية حتى قبل غزو العراق وأن السياق المتبع في العراق سيتكرر، سياسياً وعسكرياً ووطنياً، في اليمن وأن طريق المذابح المأساوية قد بدأت أولى بوادرها. ويلعب الأعلام العربي الرسمي دوره المرسوم في التظليل وتشويه الحقائق بالنيابة عن الأعلام الغربي الامبريالي. وهنا تأتي في هذه اللحظة التاريخية الحرجة أهمية دراسة التجربة العراقية ومعرفة أن لليمن اهمية ليست فقط اقتصادية بل أيضاً جغرافية حيث أن قسماً من أهداف السيطرة على مضيق باب المندب هو قطع الإمدادات الأساسية عن أشقائنا الفلسطينيين التي تمدهم بالحياة لمواصلة المقاومة ومقارعة المخطط الصهيوني - الأميركي. ولا يفترض بالوطنيين الواعين أن يفكروا ويعملوا على أساس من مصلحة الأفراد والكيانات وردة الفعل، بل يتوجب العمل والتفكير على أساس ما يتطلبه الواقع الخاص بهم وضمن شروطه بما يحقق المصلحة الوطنية العليا. ولا يفترض الأندفاع نحو التصريحات النارية العاطفية من أي كان بغض النظر عن تأريخه وخلفيته، كما قال علي بن أبي طالب "لا يقاس الموقف بالرجل بل يقاس الرجل بالموقف"، وأعتماد التحليل العلمي والطبقي للخروج بما يساعدهم على المواجهة الشرسة التي تستهدفهم جميعاً دون استثناء فهم الآن مشروع ذبح واستباحة، تستخدم فيه لغة طائفية وعرقية وتلغيم نضالهم ووعيهم الوطني بالخلائق الأميركية الوهمية كالقاعدة وغيرها، وأماهم هنا التجربة العراقية التي قدمت مليوني شهيد وهو جزءا من الثمن الذي دفعه العراقيون ليكتشفوا خفايا اللعبة السياسية الأميركية والتي يستمر بعناد الأعلام العربي على تجاهلها واستخدام ذات العبارات الأميركية مثل قام انتحاري بتفجير حزام ناسف، قامت القاعدة بتفجير سيارة ملغمة في منطقة مزدحمة، قصف بقنابر هاون مجهولة المصدر على الأحياء المدنية. ولكن الحقيقة موثقة وبأدلة ثابتة كشفها الشعب العراقي هي أن جميع العمليات التي تستهدف العراقيين وتحت أيِ مسمى كان يكمن ورائها المحتل الأميركي والموساد الصهيوني بالتعاون مع أجهزة مخابرات دول الجوار وكذلك العملاء العراقيين من قوى وأفراد في المنطقة الخضراء. ويمكن أخذ أمثلة عن الدور الفاعل للولايات المتحدة الأميركية واسرائيل في مسلسل جرائم التفجيرات في باكستانولبنانوأفغانستان وتركيا وبريطانيا وأسبانيا وغيرهما.باختصار، أن ما يكون صحيحاً في موقع ووقت معَيَنين قد لا يكون صحيحاً في موقع ووقت اخر. بمعنى أن الأنفصال الأن يعمل دوره في شرذمة الجماهير وتفكيك قواها، بدلاً من تلاحمها وتوحيد جهودها لتتحول الى قوة ليست فقط بأِمكانها أِسقاط السلط الباغية بل بأِفشال المشروع الأميركي في اليمن وضعضعته في كل من الصومال والسودان.2- لماذا تدويل الأزمة اليمنية ولمصلحة من؟البداية كانت في فلسطين حين تم تدويلها ومن ثم استباحتها وما تبقى من تفاصيل غاية في الإيلام. العراق حيث عملت الشخصيات والأحزاب المرتبطة باميركا وايران على حد سواء على تدويل الأزمة العراقية منادين بذلك هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن على حماية كل من شمال العراقوجنوبه. فكانت أن فرضت الحماية على شمال العراق بقيادة كل من أميركا وبريطانيا مع فرض الحظر على الطيران العراقي في الجنوب مشكلين بذلك نواة لمشروع تقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية، ولكن وعي ووحدة الشعب العراقي المكافح أفشلا هذا المشروع الأميركي المعد منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي.ان كانت هنالك بعضاً من بقايا الشرعية لهيئات الأممالمتحدة والجامعة العربية في العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي، فالآن لم يتبق أية شرعية لا للأمم المتحدة وهيئاتها ولا للجامعة العربية بعدما أن هيمن عليهما القطب الإمبريالي الأميركي الأوحد. اذن، في غياب الأرادة ووحدة القرار الوطني وفي ظل غياب الشرعية العربية والدولية تحت أية وصاية سيكون هذا التدويل وما هو الحال الذي ستشكله عملية التدويل؟ بكل وضوح وطبقاً لهذه الشروط وللتجارب في بقاع مختلفة من العالم، فأن التدويل – وهي كلمة تنقض السيادة الوطنية – سينجم عنه سيطرة الولاياتالمتحدة على مقدرات اليمن أرضاً وشعباً وتأريخاً وثقافة. وحال السودان قريب الى حال اليمن من حيث أن الدول الرأسمالية بقيادة أميركا تعمل على ادامة وتعميق أزمة السودان في الجنوب لغرض تدويلها ومن ثم احكام سيطرتها على مصادر الطاقة السودانية مستثمرة في ذلك المسعى أخطاء وجرائم النظام السوداني.والنظام السعودي يقود بحمية بالغة لم يشهد لها تاريخ المملكة من قبل حملة عربية وعالمية لتدويل الأزمة اليمنية دفاعاً عن العرض والشرف والأرض العربية، متناسياً جزر المملكة العربية السعودية، جزيرتي صنافير وتيران، في أعالي البحر الأحمر التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1967. وهذه الغيرة والحمية العربيتان تتجاهل احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة من قبل ايران في زمن الشاه ولا يتم تذكرها أِلا بمقتضى الحاجات السياسية الأميركية. ناهيك عن مشاركتها الفعّالة في احتلال العراق وتدميره والتأمر على القضية الفلسطينية ومقاومتها. أنها وبحق حمية لنجدة الحقوق والشرف الأميركيين المهدورين في الشرق الأوسط!لقد أتت السعودية بمبررين لشن هجومها الوحشي على الشعب اليمني المكافح: أولهما ادعائها بمقتل أحد جنودها من قبل المقاتلين الحوثيين، ولو أخذنا بتبريرهم فأن ردة فعلهم لا تتناسب مع ذلك الأدعاء ومبالغ فيه الى حد يمكن تشبيهه بالمبرر الأسرائيلي عام 2006 لشن هجومها الشامل على لبنان وتدميره بسبب عملية خطف بضعة جنود اسرائيليين من قبل مقاومي حزب الله. أما المبرر الثاني والذي مهدت له وسائل الأعلام الغربية والعربية، فهو يحمل جانبين: الأول، طرح المسألة على أساس صراع طائفي شيعي سني. والثاني فزاعة إيران المبالغ فيها. صحيح أن إيران لعبت دوراً مهماً في تسهيل عملية احتلال أفغانستانوالعراق ولا تزال تدعم السياسة الأميركية في العراق وتشترك مع أميركا في جميع الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي وهذا مبني على المصالح الإيرانية الإقليمية في كل من العراقوأفغانستان وهي تستند على الدين والطائفية لبسط نفوذها على العراق، ويشهد التاريخ بأن أحلام إيران التوسعية تستهدف العراق فقط. وابرز مثال هو الصراع العسكري الأيراني التركي- العثماني على العراق. ولكن الأمر مع اليمن مختلف كل الاختلاف، فاليمن بعيدة وايران بعيدة جغرافياً عن اليمن وهي ليست لها مصالح فيها لا إقتصادية ولا سياسية ولا دينية حتى ولا ثقافية لا في الماضي ولا في الحاضر وليست لليمن أي ذكر في الخطاب السياسي الإيراني منذ عقود أو حتى قرون مضت. والمخططون السياسيون الإيرانيون ليسوا بهذا الغباء ليورطوا بلدهم في مسائل تضر بالمصالح الآنية والمستقبلية ولا تمثل ايران قوة عظمى لتأخذ دوراً كهذا فيه توريط يضعها تحت المبضع الأميركي.وليس من المعقول هنا اتهام المقاومة الفلسطينية أو العراقية بالتورط في حرب اليمن ولا حتى المقاومة الصومالية، بل أن للأميركان صنيعتهم (القاعدة) لتنفيذ العمليات القذرة من اغتيال واختطاف وتفجير واشاعة الإرهاب لمنح المبرر لأي تدخل أجنبي ولتشويه صورة المقاومة والمعارضة اليمنية. وبالمناسبة أن مصطلح المقاومة يتناقض مع مصطلح الإرهاب وينفيه. وكما أن أميركا خلقت من أحداث الحادي عشر من أيلول (برج التجارة العالمي) مبرراً لاحتلال أفغانستانوالعراق وخلقها لصنيعتها الوهمية القاعدة لإدامة تدخلها في الشؤون الداخلية لأي بلد في العالم، فالسعودية أو بالأصح الراعي الأميركي قدم لها الوسائل السياسية والعسكرية والإعلامية اللواتي يتوجب القيام بها. ويأتي هنا العامل الطائفي – الديني في المقام الأول لما له من تأثير انيِّ فعّال بسلب عقول بسطاء الناس متناسين أن لا هنالك عبر التاريخ صراع دموي مدمِّر كان دافعه المحرك طائفي أو ديني أو حتى قومي بل كان المحفز والمحرك لجميع الصراعات اقتصادي - سياسي بحت تمت تغطيته بعباءة الدين والطائفة ابتداءً بالحروب الصليبية وانتهاءً بيوغسلافيا والعراق. وفي هذا المنحى عملت دول الخليج والأردن ومصر جنباً الى جنب مع الولاياتالمتحدة بتحضير الأرضية المناسبة من خلال الأعلام لتضخيم الدور الإيراني وجعله فزّاعة في مجمل الشرق الأوسط، مستثمرين تَدخُل ايران في العراق، فرتبوا قصة ركيكة لا رابط لها ولا أدلة قدمت من قنوات البث التلفزيوني عن الباخرة الإيرانية التي أدعوا بانها كانت في شواطئ اليمن الشمالية لتزويد الحوثيين بالسلاح وهم ليسوا بحاجة اليه فلديهم أكثر من الكثير من السلاح وحتى الجيش اليمني يزودهم بها لأيمانه بعدالة القضية الوطنية التي يمثل الحوثيون جزءاً منها. أِن كانت مسألة تلك الباخرة صحيحة بحملها شحنة سلاح فسيكون أمرها مرتبط بالسودان وليس اليمن.وليس من قبيل الصدفة أن تطلب المملكة العربية السعودية يوم الخميس 26/11/2009، قوات خاصة من البحرين وقطر والأردن وباكستان والمغرب، وللأسف نسيت أن تطلبها مباشرة من اسرائيل واميركا، للمساعدة في حربها المقدسة ضد الحوثيين – على وزن الحرب الصليبية المقدسة. وليس أيضاً من الغريب على نظامي مصر والجزائر افتعال أزمة مطبوخة في المطابخ الأميركية – الإسرائيلية حول مباراة لكرة القدم لشد انتباه الجماهير العربية المقهورة بعيدا عن مسار الأحداث المصيرية التي تدور حولهم وتوريطهم في معارك لا طائل لهم بها حيث يقتل الأخ أخيه وينهش لحمه وعرضه.وأخر القول وهذا حكم التاريخ، أن الشعب اليمني المكافح الصلب ومقاومته الباسلة سيستمران في صراعهم المصيري ضد المشروع الأميركي جنباً الى جنب مع أشقائهم العراقيينوالفلسطينيين وبوحدة نضالهم وقوة تنظيمهم وترفعهم عن الفروقات التي تزين مجتمعهم سيدحرون الأعداء.* صحفي وسياسي عراقي ماجستير اعلام واقتصاد سياسي ومحرر موقع الشعلة