على الرغم من تأكيد الحكومة السورية انها تسيطر على الامور فان الجميع يعرفون ان التغيير في سورية قادم لا محالة. هذا ما تشير اليه تقارير صحافية بريطانية، فقد كتب ايان بلاك مراسل صحيفة 'الغارديان' في الشرق الاوسط تقريرا من داخل سورية، فيما كتب مراسل صحيفة 'التايمز' تقريرا من داخل صفوف المقاتلين السوريين. وما يؤكد ما ورد في التقارير بداية مجموعة انشقاقات داخل النظام السوري سواء كانوا برلمانيين ام ضباطا وجنودا في الجيش السوري. والتقى ايان بلاك عددا من الناشطين في دمشق، في المقاهي والاماكن العامة، حيث يعملون في خلايا سرية ضد النظام. ويعلق الصحافي قائلا ان الرئيس السوري بشار الاسد اظهر تصميما خلال الاشهر العشرة الماضية للمضي بقمع الانتفاضة، وقتل من اجل البقاء في المنصب اكثر من خمسة الاف سوري، وبالمقابل فان معارضي نظامه مصممون على المواصلة حتى يحصل التغيير. ونقل عن مهندس كمبيوتر وزوجته التقاهما في مقهى دمشقي قولهما ان ما ادت اليه الثورة انها كسرت جدار الخوف حيث قال الزوج عدنان انه كان يخاف في البداية من المخابرات لكن ملاحقاتها اصبحت عادية. ويقول ان الاساتذة في المدرسة لقنوهم حب الرئيس حافظ الاسد ولكن الامور لم تتغير عندما وصل ابنه للسلطة، و 'الآن كل شيء تغير، فصورة بشار تمزقت، ومتأكدون اننا في نقطة معينة سنطيح بالنظام'. مظهر خادع ويشير حديث عدنان ان مظهر الحياة الاعتيادية في العاصمة خادع ويخفي تحته خوفا وغضبا، على خلاف جبهات المواجهة مع النظام في حمص وحماة ودير الزور ودرعا التي تواجه القمع اليومي. وتظل العاصمة مهمة للنظام لانها ان سقطت سقط حسب معارض بارز قال ان 'النظام لن يسمح بساحة تحرير هنا لان سقوط دمشق يعني النهاية'. ولا يعني هدوء دمشق انها بعيدة عن التظاهرات فالتنسيقيات تقوم بتنظيم تظاهرات ليلية في نواحي العاصمة خاصة يوم الجمعة، وحتى في المركز حيث تظهر تجمعات لدقائق قبل ان يحضر الامن والشبيحة. ويشير ان المراقبة الامنية الشديدة جعلت من المتظاهرين يبحثون عن وسائل ابداعية، من مثل اخفاء مكبرات الصوت في ساحات عامة حيث كانت تنطلق منها اغنية 'ارحل ارحل يا بشار' التي غناها ابراهيم قاشوش الذي ذبح من حنجرته. ويقول مواطن في دمشق ان الناس عندما سمعوا الاغنية خافوا اولا ثم تقبلوها بارتياح في المرة. وعلى الرغم من نجاح التكتيك الا ان فيه مخاطرة فقد ادار احد السائقين مسجل سيارته على اغنية قاشوش، ليكتشف ان الراكب معه هو رجل مخابرات. ويقول ناشط اخر في مجال حقوق الانسان ان ما يفعله مواطنون في دمشق فيه مخاطرة لكنها لا تقارن مع ما يحدث في ادلب وحماة حيث يتعلق الامر هناك 'بحياة او موت'. وعلى الرغم من ذلك فان مواطنين في العاصمة يشعرون بالنشوة بما يقوموا بعمله وان جدار الخوف قد انهار. عاصمة محصنة كل الترقب في سورية بقرب نهاية النظام لا يعني انها ستكون نهاية سعيدة خاصة ان الاسد في خطابه الاسبوع الماضي هدد بسحق 'الارهابيين'. فدمشق تحاصرها الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الاسد ماهر، ووضعت امام البنايات الحكومية السواتر الاسمنتية لحمايتها، فيما تم اغلاق الشوارع المؤدية للقصر الرئاسي ووزارة الدفاع، ويقف امام مركز المخابرات في كفر سوسة حرس يحملون الرشاشات وعلى اهبة الاستعداد. وينقل تعليقات بعض المواطنين على الهجوم الانتحاري الذي استهدف المركز بداية الشهر الحالي حيث قالوا ان العملية ما هي الا 'مسرحية ' نظمها النظام. ولديهم نفس الموقف من مقتل الصحافي الفرنسي الاسبوع الماضي في حمص، حيث يروى ان النظام قادر على فعل اي شيء، ولا احد يصدق ما يقوله. معسكر الموالاة على الرغم من شكوك المعارضة فمؤيدو النظام يرون الامور بمنظار اخر وهو ان سورية تتعرض لمؤامرة اسرائيلية امريكية عربية تقودها قطر، ومن يقوم بالترويج لهذه النظرية التآمرية هي القناة المؤيدة للنظام 'الدنيا'، ويؤمن معسكر الاسد بالشائعات حيث ينقل عن سائق تاكسي علوي قوله ان 'امير قطر يهودي بل اسوأ من اليهود'، واكد السائق عدم وجود تظاهرات. ويشير التقرير ان مؤيدي النظام ممن يتحدثون للاعلام الدولي من مثل بثينة شعبان وجهاد مقدسي، مدير دائرة الاعلام في وزارة الخارجية يدعون للحوار ويحذر مقدسي من ان الاطاحة بنظام الاسد سيفتح باب المشاكل 'صندوق باندورا'. وبالنسبة لاجهزة الامن فان السلفيين الجهاديين الذين ساعدتهم سابقا في دخول العراق، هم من يقفون وراء القتل والتشويه للجثث. وفي المقابل تحمل المعارضة النظام المسؤولية، ويرى رجل اعمال له صلات قوية مع النظام ان 'اجهزة الامن لا ترى حلا الا بمواصلة القتل والانتظار حتى يتغير موقف الغرب'. كما يتهم معسكر الموالاة المعارضة بالسذاجة وانها تنسى قدرة الامن على سحق الانتفاضة كما فعلت في حماة في عام 1982. البعد الطائفي ويشير الكاتب الى البعد الطائفي، وشبحه الذي بدأ يطل برأسه، حيث يقول ان امرأة علوية كانت في زيارة لصديقة سنية في منطقة قريبة من الجامع الاموي قالت انها تخشى من اخذ سيارة تاكسي يقودها سني خشية خطفها. وهناك مخاوف في داخل الطائفة العلوية حيث طالبت مجموعة مؤثرة من العلويين الرئيس الاسد الاعتذار عن القمع وتقديم اصلاحات حقيقية وليست تجميلية. ويتعرض اي علوي ينتقد النظام الى النبذ كما فعل اخوة الممثلة فدوى سليمان التي خرجت ودعمت الانتفاضة. فيما تعيش اقليات اخرى خوفا اخر، فالمسيحيون المؤيدون للنظام بشكل تقليدي يخشون من العناصر السلفية في الانتفاضة. وبعيدا عن هذه المخاوف فان ما يعمق الازمة السورية ان مؤسسات الدولة لم تعد قادرة على ممارسة مهامها 'وتنهار ببطء' حسب خبير، وما يقلق بال مسؤولي المخابرات هي الرشاوى التي تدفع لاطلاق سراح المعتقلين، والمال الذي يدفع لشراء السلاح وتزويده للمقاتلين، فيما يغض مسؤولو الجمارك عن شحنات الاسلحة القادمة من لبنان للمقاومة. ومن مظاهر الازمة غياب الخدمات الرئيسية وانقطاع الكهرباء وارتفاع الاسعار مما يعني ان العقوبات الدولية على سورية جعلت من مناورة النظام محدودة، واثر الازمة الاقتصادية على حياة السكان الصحية، حيث يقول الاطباء ان هناك ارتفاعا في امراض القلب وضغط الدم والكآبة. طهران عام 2009 ويقول الكاتب ان دمشق تبدو مثل طهران عام 2009 بعد الانتخابات المزورة ذلك ان الكل يعرف ان الخبراء الامنيين الايرانيين يساعدون السوريين على قمع الانتفاضة. وفي ظل هذه الاوضاع فان احدا لا يعرف متى تنتهي الانتفاضة، فعلى الرغم من تفاؤل المعارضة الا ان لؤي حسين يقول ان الانتفاضة وصلت نهاية مغلقة وكل الاشارات تقترح ان البلاد تسير نحو حرب اهلية مفتوحة. مع المقاتلين في عين البيضا في تقرير انتوني لويد 'التايمز' من عين البيضا التقى عددا من مقاتلي جيش سورية الحر الذين يتمركزون قرب هذه البلدة الحدودية مع تركيا، ونقل عن معاناتهم وتعرضهم الدائم لرصاص القناصة. وتنبع اهمية البلدة انها بوابة الخروج من والى تركيا، حيث تصل منها المواد الغذائية والتعزيزات ويرسل عبرها الجرحى، ونقل عن ياسين قائد المجموعة التي لا تزيد عن المئة حديثه عن تأخر التعزيزات اللوجيستية والمناوشات اليومية. وقال عملية الهروب من الجيش السوري النظامي بطيئة فاخر مجموعة وصلت الى المنطقة كانت تتكون من عقيد وسبعة جنود وصلوا قبل اربعة ايام. وتحدث ياسين عن صعوبة الحركة داخل سورية خاصة بهذا العدد القليل من المقاتلين، واضاف ان الرحلة التي كانت تستغرق ساعات اصبحت الان تستغرق كل الليل، ومن يصل اليهم من الجرحى هم ممن اصيبوا باصابات طفيفة ومن يصاب بحروح بخطيرة يموت قبل ان يصل الى المعسكر. ومثل كل مقاتلي جيش سورية الحر يرى ان اقامة منطقة عازلة يعمل منها الجيش ستعجل في نهاية النظام، و في الوقت الحالي لا توجد لدى المجتمع الدولي شهية للاستجابة لهذا الطلب. ومع ان جيش سورية الحر يقول ان لديه ما بين 15 20 الف مقاتل الا ان ياسين يرى ان العناصر ليست مشكلة ولكن في كيفية تسليحهم. وينفي ياسين اي دعم من تركيا التي تدعم المعارضة بشكل ضيق وتقيد حركتهم، مما يضطرهم للبحث عن طرق جانبية لتجنب حرس الحدود الاتراك، ويقول ياسين ان الاسلحة التي بحوزتهم اما غنموها من الجيش السوري او اشتروها من المهربين. واضاف ان ما لديهم من اسلحة اشتروه من اموال جمعها اللاجئون في تركيا وانهم لا يملكون الا اربي جي واحد، وتحدث عن اسعار الاسلحة الباهظة التي يتجاوز بعضها خمسة الاف دولار. وتظل المساعدات المالية التي يتلقاها جيش سورية الحر قليلة،حيث نقل عن مصدر في انطاكية قوله ان ما تلقاه اللاجئون وجيش سورية الحر من المهاجرين السوريين في الخارج لا يتعدى 150 الف دولار وهو مبلغ لا يكفي الا لتوفير الاحتياجات الاساسية وشراء اجهزة اتصال وكمبيوترات للجيش. ونقل عن ياسين قوله ان مقاتلا ليبيا زار معسكره قبل شهرين، واعتقد ياسين انه سينضم اليهم لكنه رحل بعد نصف يوم وقال له ان الثورة السورية ستحتاج الى خمسة اعوام لتصل ما وصلته الليبية. طبعا لم يقل المقاتل ان الناتو كان وراء هذه الثورة.