لازالت فصول ملاحقة وابتزاز المرضى من قطاع غزة على معابر الاحتلال مستمرة، وقد زادت في الأسابيع القليلة الماضية على 12 حالة اعتقال يمضي أصحابها فترة اعتقال دون ذنب لهم أو تهمة محددة. المعتقلون هم من مرافقي المرضى أو المرضى أنفسهم المحتاجون للعلاج أو إجراء عمليات جراحة عاجلة في مستشفيات الضفة المحتلة أو داخل الكيان الصهيوني، يتعرضون في المعبر للابتزاز والمساومة من قبل رجال المخابرات الصهيونية.
وتخفق المخابرات غالبا في لعبة الابتزاز مع أهالي غزة التي شهدت في السنوات الثلاث الماضية حملات متلاحقة لمكافحة التخابر أضعفت معلومات الاحتلال ووجوده في الشارع بعد أن أصبح المجتمع أكثر وعيا تجاه القضية.
ورغم أنَّ القصص تتباين في حوادث الاعتقال، إلا أن خطورتها تتنوع ما بين محاولة التأثير على المستهدف بالإسقاط إضافة إلى التسبب له في مشاكل صحية بعد تأخير حصوله على العلاج أو إجراء عملية جراحية.
وقال ضابط فلسطيني يعمل في مكتب الارتباط رفض كشف اسمه إن الشهور الثلاثة الماضية سجلت اعتقال أكثر من 12 حالة بذات الطريقة.
معبر "بيت حانون" منذ 23 يوما يمضى المعتقل يوسف أبو الجديان (27 عاما) أيامه في سجن المجدل جنوبفلسطينالمحتلة بعد أن تحولت رحلة العلاج إلى الداخل المحتل لإجراء عملية في عينيه إلى قضية اعتقال لا سبب لها.
ويعاني أبو الجديان من مشكلة صعبة في عينيه أدت لفقدانه الرؤية بشكل كامل، وقد خاض مرحلة علاج طويلة في غزة ومصر وعدة مستشفيات حتى وصل لمرحلة زراعة قرنية في أحد مستشفيات الضفة المحتلة ما اضطره لسلوك "معبر إبريز" مع والدته لكن الاحتلال اعتقله على الحاجز.
وبعد رفض الاحتلال منح شقيق يوسف تصريحاً لمرافقته اضطرت أمه للسفر معه إلى مستشفى "سيرجي كير" برام الله بعد شهر من انتظار وصول القرنية، فأعدا الحقائب وانطلقا يوم الاثنين متوجهين لمعبر "إيريز".
وتضيف الأم: "بقينا في الانتظار فترة طويلة لدى جنود الاحتلال ثم جاء اثنان من المخابرات وطلبا يوسف وسحبوا منا الهواتف الجوالة ثم أعادوا تفتيش الحقائب وأخذوا يوسف لحجرة مجاورة".
بعد ساعات من الانتظار أخبر مكتب الارتباط المشترك في المعبر أن يوسف معتقل للتحقيق وأنها يجب أن تعود إلى غزة وحدها، وعندما عادت وجدت الخبر قد سبقها حيث كان ضابط المخابرات قد اتصل على هاتف المنزل مؤكدا أن يوسف في سجن "المجدل".
ويؤكد حاتم أبو الجديان شقيق يوسف أن أكثر من 3 أسابيع مرت على الحادثة التي تدخل فيها محامي مركز حقوقي والصليب الأحمر دون الالتفات لمعاناة يوسف الحرجة لأنه لا يستطيع إمضاء أموره الشخصية لعجزه عن الرؤية.
الاعتقال والموت وقبل أسبوع، اعتقل الاحتلال الشاب محمود سالم محمد أبو شماس (34 عاما) من مدينة دير البلح وهو في طريقه لمرافقة والده المريض بالقلب في أحد المستشفيات الصهيونية في الأراضي المحتلة عام 48.
ويقول سامي أبو شماس شقيق المعتقل إن شقيقه كان في الطريق للتوقيع على إجراءات ومستندات لعملية "قلب مفتوح" لوالده المسن في المستشفى الصهيوني، لكن طريقه لم يكتمل، حيث اعتقل الاحتلال محمود على حاجز "بيت حانون" الذي يسميه الاحتلال "إيريز".
ويضيف سامي: "كان في مرافقة أبي أحد أقاربنا، لكن الموافقة على إجراء العملية الخطرة استدعت توقيع قريب من الدرجة الأولى، فتوجه سامي، لكن الاحتلال اعتقله ونقله لمركز المجدل، ولما علم أبي بالأمر تدهورت صحته وتأخر إجراء العملية لعدم اكتمال الإجراءات فتوفي ونقلناه لغزة جثة هامدة".
ولعل من أشهر قصص المرضى الذين استشهدوا إثر جرائم الاحتلال بمنعهم من تلقي العلاج هي قصة الشاب فادي القطشان (27 عاما) الذي رفض الاستجابة لضابط المخابرات، فمنعه من استكمال العلاج في مرحلته الأخيرة فتوفي.
رفض فادي مقابلة ضابط المخابرات، فأصر الأخير على رفض منحه تصريح الدخول بعد إجراء عمليتين مهمتين له في القلب، فلفظ أنفاسه بين أهله في غزة معلنا لهم ما وقع معه, حيث كان يخشى أن تمس سمعته أو سمعة أسرته بكلمة سيئة مفضلاً الموت على الخضوع.
الابتزاز ويستنكر رامي شقورة المحامي في وحدة المساعدات القانونية بمركز الميزان لحقوق الإنسان تواصل سياسة ابتزاز المرضى على معابر الاحتلال خاصة معبر "بيت حانون"، حين يعتقل الاحتلال المرضى وذويهم ويحاول مساومتهم وابتزازهم.
ويضيف "يضطر مرضى غزة نظرا لقلة الإمكانات أن يسافروا للضفة أو "إسرائيل" مستخدمين معبر بيت حانون، فهو الطريق الوحيد وهناك يحاول الاحتلال ابتزازهم والمساومة على حياتهم فيخيرهم بين التخابر معه والموافقة على تصريح العلاج ويطلب معلومات عن رجال المقاومة".
ويستهدف الاحتلال على معبر "بيت حانون" بعض نشطاء المقاومة أو من يشك بمشاركتهم في أعمال وطنية، فيمنحهم تصريح دخول وعندما يصلوه يحاول ابتزازهم بعد اتهامهم بالمشاركة في أعمال مقاومة.
وحول حالة المعتقل أبو شماس، يقول المحامي شقورة إن نجله كان في طريقه للتوقيع على ورقة مخاطرة بإجراء عملية قلب مفتوح لوالده لكن اعتقاله أخر إجراءات العملية وتسبب بضرر نفسي لوالده المريض فتوفي عقب ذلك متأثرا بما حدث مع ابنه.
ويتواصل مركز الميزان لحقوق الإنسان مع مؤسسات إنسانية داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 48، لتسهيل مرور المرضى وذويهم للداخل المحتل ومحاولة إنقاذ المعتقلين من الاحتلال، حيث تعتبر هذه الاعتقالات مخالفة لقانون واتفاقية جنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللذين يمنحان الشخص الحق في العلاج.
دوائر المستهدف ويعلّق كمال تربان عميد أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية بغزة بأن ظاهرة اعتقال وابتزاز المرضى على المعابر الصهيونية آخذة في الزيادة في الأسابيع القليلة الماضية، يستغل فيها الاحتلال حاجة المريض لاجتياز المعبر فيساومه ويبتزه.
ويضيف "ما يقع مع المرضى يأتي في جو يكون فيه كل أهل المريض يعيشون حالة ضغط نفسي, وهنا تبدأ مخابرات الاحتلال في تحديد وحصر كل الدوائر المتضررة ويمارسون ضغطا على أحد الأهداف من أقارب الدرجة الأولى أو المريض نفسه".
ويشير إلى أن "الاحتلال يساوم المريض على الارتباط، وإذا رفض يحوله للتحقيق ويلفق له تهمة ويحاكمه وأحيانا إذا قبل المريض يحوله لمحكمة ويدخله السجن ليخفي القضية ويبدأ بالعمل معه فيسقط ضحية". الفجرالجديد- غزة- محمد جسار