(140) يوما قضاها شخص سويسري وآخر فنلندي وزوجته في معتقل الخاطفين باليمن، ومن المفارقات أن هذه الفترة شهدت وساطات وحوارات مكثفة بين الخاطفين من جهة، وبين السلطات اليمنية والفنلندية والنمساوية من جهة أخرى، ومن المفارقات أن الخاطفين -بحسب تصريحات هذه الأطراف الرسمية- ظلوا مجهولين طيلة تلك الفترة رغم كل تلك الحوارات والوساطات، وآخر الغرائب التي تكشفت عنها القصة التراجيدية أن هؤلاء الخاطفين لا يزالون مجهولي الهوية وغير معروفين للرأي العام رغم الإفراج عن المخطوفين الأربعاء الماضي عبر وساطة قادتها سلطنة عمان. عقب الإفراج عن الثلاثة المختطفين (النمساوي دومنيك نيو باور، والفنلنديين: آتي كليفا، وزوجته ليلى كليفا) خرج وزير الخارجية الفنلندي بتصريح لوكالة رويترز بدا فيه غريبا وهو يؤكد أن حكومة بلاده لم تدفع أي مبلغ مالي من أجل إطلاق سراح المخطوفين، وهي العبارة التي بدت مقحمة على القضية برمتها. وجاءت تصريحات الوزير الفنلندي (إيريكي نوميجا) تؤكد بشكل صريح خفايا الصراع الذي دار على مستوى هذه الحكومات التي انضمت إليها إدارة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو الصراع الذي أطال أمد معاناة المخطوفين. وكانت الأهالي قد تطرقت قبل ثلاثة أسابيع إلى خفايا هذا الصراع، مستندة في حديثها عن هذا الصراع الرفيع والخفي إلى جملة معطيات أثبتت كذب التصريحات الصادرة عن المسؤولين في حكومات هذه الدول التي لم تتورع طوال هذه المدة عن تضليل الرأي العام في اليمن والرأي العام الأوروبي بترديدها عبارات متطابقة تؤكد عدم وجود معلومات كافية عن مكان المخطوفين. وتمثلت المعطيات التي استندت إليها الأهالي -أولا- في ظهور المختطف النمساوي عبر مقطع فيديو نشر على الانترنت قبل نحو ثلاثة أشهر، وكان يطالب بدفع الفدية التي قال إن الخاطفين طلبوها، وأفاد -حينها- أن الخاطفين حددوا مهلة أسبوع فقط لدفع الفدية، وأنهم سيقتلونه في حال انقضت المهلة دون وصول الفدية. ومطلبه الواضح يؤكد أن الحكومات المعنية الثلاث كانت على علم بمكانه وبخاطفيه الذين كان يفترض منها أن تدفع لهم الفدية. ويتبلور الدليل الثاني في زيارة وزير الخارجية الفنلندي إلى اليمن ولقائه ومباحثاته بهذا الخصوص (31 مارس) مع الرئيس هادي ومحافظ صنعاء، إذ أن إجراءه تلك المباحثات مع محافظ صنعاء دون غيره يؤكد ما كان من توفر المعلومات التي تفيد بأن المكان الذي يحتجز فيه الثلاثة المختطفون يقع في المنطقة الجغرافية التي تتبع إداريا محافظ صنعاء، ولهذا اقتصرت مباحثات الوزير عليه ولم يتجاوزه إلى غيره من المحافظين. أما الدليل الثالث فهو تكرار تهديد السلطات اليمنية باستخدام الحل العسكري لتحريرهم، وهو ما يعني -قطعا- معرفتهم بمكان المخطوفين، إذ لا يعقل أن تهدد سلطة باستخدام الحل العسكري لتحرير مخطوفين فيما هي لا تعرف في أي غرفة يقبعون. والواضح أن الخاطفين لم ينفذوا تهديداتهم بقتل النمساوي بعد أن انقضت المهلة دون وصول الفدية إليهم، ما يعني أن مباحثات جرت عقب ظهور ذلك التسجيل تمكنت من تغيير تفاصيل السيناريو الذي كان النمساوي المختطف قد تحدث عنه في مقطع الفيديو. وأوردت الصحيفة في تقريرها تهديد الرئيس عبدربه منصور هادي -بحسب وكالة الأنباء اليمنية سبأ في (31 مارس)- باستخدام القوة والحل العسكري لتحرير الخاطفين. وقول محافظ صنعاء -بحسب ذات المصدر وفي ذات التاريخ إنه "لا تتوفر معلومات كافية عن مكان المختطف النمساوي". مشيرة إلى ما يتبطنه هذا التعبير من التواء يتضمن حصانة من اتهامهم مستقبلا بالكذب والقول بعدم معرفتهم بمكان المختطفين، إذ يمكن المحافظ التملص من هذه التهمة حينها والقول بأنه لم ينكر معرفة مكان المخطوفين وإنه إنما أشار -فقط- إلى عدم توفر معلومات "كافية" ولم ينكر الأمر بجملته. وأضافت إلى ذلك ما ورد على لسان وزير الخارجية الفنلندي الذي خاض تلك المباحثات إذ قال "إن هناك معلومات بوجود المختطف (النمساوي) لدى القاعدة وأنه لا يوجد تواصل مع أي منهم وما زال المكان مجهولا". واختتمت الصحيفة تقريرها التحليلي بقولها إن تحرير المختطفين هو المصلحة المشتركة بين هذه الأطراف الحكومية (الحكومة اليمنية، النمساوية، الفنلندية)، لكن عدم تحركهم لتحقيق هذه الخطوة التي ستحقق لهم هدفا مشتركا جاء ليؤكد أن هناك طرفا رابعا أقوى منهم الثلاثة مجتمعين يمارس عليهم الضغوطات ويفرض عليهم رغبته والوسيلة التي يحددها. وأشارت الصحيفة بالقول:"يبدو هذا الطرف الرابع هو الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجاء دخولها تبعا لعلاقة القضية بالإرهاب وتنظيم القاعدة. ولا تحبذ الولاياتالمتحدة دفع الفدية المالية للقاعدة، لاعتقادها -ربما- أن هذا سيكون بمثابة دعم للقاعدة، وهو الإجراء الذي تنطبق عليه قوانينها التي صاغتها في هذا الشأن. وإلى ذلك، لا تبالي الإدارة الأمريكية باستمرار معاناة هؤلاء المخطوفين طالما أنهم ليسوا أمريكيين ولا يسبب لها استمرار اختطافهم حرجا أمام الرأي العام الأمريكي أو الرأي العام الدولي. وتستثمر القضية في دعم حشدها لتأييد الأوربيين لمشاركتها في حربها على الإرهاب". وهو ذات المعنى الذي حملته التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفنلندي الذي افتتحت به هذه الأسطر.