بين ضجيج مولدات الكهرباء أو الظلام الدامس كانت الشموع هي مصباح الإنارة الوحيد لمعظم سكان العاصمة والمدن الأخرى لمواجهة ظلام الخبطات الحديدية والتفجيرات التي طالت محطات وأبراج الكهرباء. لم تكتمل سعادة المواطنين بإعادة تشغيل خطوط نقل الطاقة الكهربائية وإصلاح الدمار الذي خلفته أيادي العبث في كل عملية دمار إلا وكانت تلك العصابات تترصد للبدء بتنفيذ مخطط تخريبي جديد بما يعني ان عملية التخريب قد أصبحت بمثابة جرعة معاناة أسبوعية إذا لم تكن يومية يتجرع مرارتها الأبرياء ويتلذذ بعفنها بعض ساسة التسلط والتجهيل، وبين هذا وذاك فإن انعدام الإنسانية بشكل عام لدى مجموعة طائشة وليس قبيلة أو محافظة هو السبب الرئيسي في ما نلمسه اليوم من تدمير ممنهج للمصالح والخدمات العامة. ما يثير الاستغراب والاستياء معا هو أن المبررات التي تخرج إلى العلن عقب تلك العمليات مطالب حقوقية ومطالب بمشاريع وخدمات، فهل من المعقول أن يتم بناء منشآت وخدمات جديدة في الوقت الذي لم تسلم الخدمات والمنشآت السابقة من الدمار والقذائف ومنها أبراج ومحطات الكهرباء؟ وإذا كانت الدولة تصرف حاليا مليارات لإصلاح الخراب في مشروعين هما الكهرباء والنفط فكم ستنفق على إصلاح المشاريع السابقة واللاحقة التي يطالبون بها في حال أنشئت وأصبحت هدفا للتخريب؟ ربما أن موازنة البلد لن تكفي ولذلك لا يجوز معالجة الأخطاء بالأخطاء وممارسة الإفساد في الأرض بمبررات غير منطقية. إذا كان إيمان المخربين بعدالة قضيتهم الحقوقية هو من أوصلهم إلى هذا الحد لانتزاع الحقوق المزعومة فمن حق الشعب أن يطالب الدولة ويلزمها بإنصافه من أولئك المفسدين الذين ارتكبوا جرائم جماعية بحقه ومحاكمتهم كونهم ينهبون حقوق الشعب من خلال استنزاف الخدمات الحيوية التي من المفترض أن ينعم بها بدلا من معاقبته بقطعها والمتاجرة بها، وأعتقد إن إرادة أبناء الشعب وإيمانهم بعدالة ومشروعية مطالبهم بتوفير الخدمات ومحاكمة المخربين أقوى من إرادة عصابات الشر. أكثر من خمسة اعتداءات استهدفت خطوط نقل الطاقة من مأرب إلى صنعاء خلال الأسبوع الماضي حولت حياة الملايين من المواطنين إلى جحيم، فالمرضى في المستشفيات تضاعفت معاناتهم كون مأساة انقطاع مثل هذه الخدمة لا تتوقف عند الخسائر المادية وتوقف الأجهزة الطبية عن تقديم الخدمة بل يصل الأمر أحيانا إلى تقريب أجل المرضى خاصة في المحافظات الساحلية. ولأن مثل هذه الأعمال التخريبية تستهدف جميع شرائح المجتمع دون استثناء، وتمس الحياة اليومية للمواطن بشكل مباشر، فإن شريحة الطلاب في مقدمة المتضررين. كيف لا والاختبارات على الأبواب، ومثلهم أصحاب المحلات التجارية والأعمال الحرفية الذين يشتكون من تعرضهم لخسائر مادية وتوقف شبه تام لحركة العمل أثناء الانطفاءات. ولم تتوقف الأعمال التخريبية للمصالح العامة عند استهداف الكهرباء بل امتدت إلى تفجير أنابيب النفط وقطع الطرقات وخطف الأجانب وغيرها من الأعمال التي تتنافي مع عادات وتقاليد مجتمعنا ومع قيم ديننا الإسلامي الحنيف. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الخسائر المادية التي تكبدتها مؤسسة الكهرباء خلال الفترة من يناير 2010 إلى مارس 2013 نتيجة 244 اعتداء بلغت 39 مليار و369 مليون و635 ألف ريال، فيما بلغت الخسائر جراء الأعمال التخريبية التي تتعرض لها أنابيب النفط والغاز من حقول مأرب وشبوة نحو 500 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 بما يعادل أكثر من مائة مليار ريال. وبناء على تلك الإحصائيات فإن تزايد عمليات التخريب ستعمل على تحويل النفط والكهرباء من مصادر إيرادية إلى مصادر استنزاف للمال العام في عمليات إصلاح شبكات الكهرباء وأنابيب النفط على مدار العام بدلا من استثمار تلك المليارات في إقامة مشاريع خدمية وتنموية جديدة. ولذلك يجب على الجميع استشعار المسئولية تجاه الوطن والحفاظ على مقدراته ومكتسباته وأمنه واستقراره وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية الضيقة من أجل الوصول بالبلد إلى بر الأمان.