بموازاة التهنئة السريعة الحارة التي أعلنها الرئيس السابق علي صالح وتأييده الكبير للانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، جاءت تهنئة الرئيس الانتقالي المشير عبدربه منصور هادي صادمة لغالبية الشعب اليمني وقوى الثورة وأطراف في العملية الانتقالية التي أوصلته إلى الكرسي كرئيس توافقي لإنفاذ وتنفيذ أهداف واستحقاقات المرحلة الانتقالية. لم تحظ تهنئة صالح وهو صاحب مصلحة في الثورات المضادة بأي اهتمام باعتبار أن موقفه لا يختلف عن ديكتاتوريات أطاحت بهم شعوبهم وأخرجتهم ثورات الربيع العربي من القصور الجمهورية بعد عقود من الاستحواذ عليها بالحديد والنار. بعث صالح تهنئة باسم "إخوانكم في المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي في الجمهورية اليمنية"، وهو الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس هادي ويشغل منصب النائب الأول لرئيس المؤتمر والأمين العام للحزب.. وامتدح الجيش المصري واعتبر أن ما حدث يلبي تطلعات الشعب وإنقاذ للبلاد من "دوامة الصراع" وكال التهم على نظام مرسي. مواقف متناقضة بعد فوزه في رئاسيات يونيو 2012 تلقى الرئيس مرسي برقية تهنئة من الرئيس هادي، أشاد فيها بنزاهة الانتخابات المصرية. وقال هادي في رسالته: وإننا لنشعر بالارتياح الشديد والسعادة لما اتسمت به هذه الانتخابات من نزاهة ما يؤكد على أن مصر قد ولجت عهدا جديدا يتسم بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان". وأضاف: "ولا يساورني أدنى شك في أنكم أهل لحمل الأمانة والاطلاع بهذه المسئولية والانتقال بمصر الشقيق إلى مرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار". وفي تهنئته لعدلي منصور التي حملت اسمه "ونيابة عن شعب اليمن وحكومته"، قال الرئيس هادي إن ما حدث "استجابة للمطالب الشعبية وتحقيقا لأهداف ثورة 30 يونيو"، واعتبرت أن تكليف وزير الدفاع لرئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور "الثقة التي منحكم إياها الشعب المصري والقوى الوطنية في مصر الكنانة". شرعنة الانقلابات العسكرية رسالة هادي تحدثت عن المرحلة "الدقيقة والحساسة" تمر بها مصر، وأعرب فيها عن ثقته في قيادة عدلي البلاد "إلى شاطئ الأمان، على أسس ديمقراطية لتحقيق مصلحة الوطن وتعزيز الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار، وبما يؤدي إلى تعزيز دور مصر القومي والحضاري المعهود في العالمين العربي والاسلامي". حديث هادي عن الدور القومي والحضاري لجمهورية مصر توافق مع رسالة صالح التي تحدثت هي الأخرى عن استعادة مصر "موقعها القيادي المعبر عن هموم كل العرب". رسالة هادي لم تختلف ألوانها كثيرا عن رسالة صالح، كما لو أن رسالتيهما خرجت من ذات المطبخ، ربما أن وزير الخارجية عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي والمقرب من صالح أبو بكر القربي لعب دوراً جوهرياً في ذلك!. في معظم خطاباته يتحدث الرئيس هادي عن الديمقراطية التي أوصلته إلى الحكم والإجماع الشعبي الفريد الذي ترجمته صناديق الاقتراع، ويؤكد في غير مرة مضيه بسفينة الوطن نحو تحقيق إرادة الشعب والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة تفرضها المرحلة الانتقالية المحددة بعامين.. لكن تهنئته بما حملته من مضامين دقيقة ورسائل مريبة اعتبرت اعترافا بشرعية الانقلابات العسكرية وتأييدا لها. تجاهل قوى الثورة مقابل توافق موقف الرئيس التوافقي مع موقف حزبه المؤتمر، تناقض موقف هادي مع مواقف قوى الثورة وشبابها وموقف أحزاب في اللقاء المشترك -طرف أساسي في عملية التسوية- التي أعلنت رفضها القطعي للانقلابات العسكرية وتدخلات الجيش في الشئون السياسية. حزب التجمع اليمني للاصلاح اعتبر إجراءات الجيش المصري "انقلابا على إرادة الشعب المصري ونسفا للعملية الديمقراطية باعتبارها المكسب الأول لثورة 25 يناير التي قدم من أجلها شعب مصر وشبابها مئات الشهداء في سبيل إنهاء حكم العسكر وإقامة دولة مدنية كان أول ثمارها انتخاب الرئيس مرسي كأول رئيس مدني منتخب لمصر في العصر الحديث وهي الانتخابات التي أجمع على نزاهتها المصريون ومعهم العالم أجمع" –وفقا لبيان أصدره الحزب. وأكد حزب الإصلاح رفضه "عسكرة الدولة" وعزل رئيس شرعي منتخب بإرادة أغلبية الشعب، محذرا من تبعات ما يحدث. شباب الثورة أعلنوا رفضهم لما فعله الرئيس هادي وما جاء في مضمون تهنئته لعدلي، واستقبلت الصفحة الرسمية للرئيس هادي على موقع الفيس بوك أكثر من (1.000) تعليق معظمها رافضة وبعضها سخرية لاذعة وحوت عبارات حادة وأكدت في مجملها أن ذلك ليس بموقف الشعب وإنما موقف الرئيس بشخصه. وناقض موقف الرئيس هادي مواقف دول الربيع العربي، وقد أعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، رفضه الانقلاب العسكري في مصر، وقال إن تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي وفي سير المؤسسات المدنية "أمر مرفوض دوليا وفي شرعة الاتحاد الإفريقي"، وهو الموقف ذاته الذي أعلنته الدولة التونسية، وهي أول الدول التي شهدت الربيع العربي. استعطاف السعودية أبعاد تهنئة هادي تعدت في جزء منها حدود البلاد وخصوصا إلى دول الجوار وإلى السعودية تحديداً التي كانت أول المباركين للانقلاب على الرئيس المصري المنتخب ومعها دولة الإمارات. وبعد ساعات من إعلان وزير الدفاع المصري الفريق السيسي الانقلاب على مرسي تلقى عدلي رسالة برقية تهنئة من الملك السعودي "بتولي قيادة مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها"، وقال فيها إن ما حدث أخرج "مصر في هذه المرحلة من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته". حسابات تهنئة هادي جاءت قريبة من الموقف الخليجي والسعودية تحديداً وهي المتبنية والداعمة للمبادرة الخليجية التي أفضت لتنصيب هادي رئيسا توافقياً، خصوصا في ظل فتور في علاقات هادي بالمملكة التي جمدت مد يد العون له ورفد العجز في الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي دفع هادي للجوء إلى قطر. ومقابل حديث مراقبين عن ضغوط سعودية على الرئيس هادي لتأييد الانقلاب العسكري تحدث آخرون عن مجاراة هادي للموقف السعودي "طمعا في الدعم السعودي والأميركي، باعتبار أن السعودية هي المسؤولة عن الملف اليمني أمام الولاياتالمتحدة التي تدعم انقلاب مصر وإن لم تعلن ذلك" –وفقا لما قال لباحث والأكاديمي سعيد عبد المؤمن للجزيرة نت. عبدالمؤمن أضاف أنه "لم يكن أمام الرئيس هادي أن يخرج بموقف قد يغضب حلفاءه في السعودية وأميركا"، وأن موقفه قد يكون مبررا لإسقاطه وحكومته كما تخطط لذلك بعض القوى المؤيدة للنظام السابق والمخلوع صالح، حد قوله. ورأى عبد المؤمن أن "التدخل الإقليمي والأجنبي في قضايا اليمن هو المشكلة الكبرى، كما أن هادي لم يحترم شعبه الثائر الذي كانت ثورته ضد نظام صالح سببا في وجوده في سدة الحكم اليوم". وتوقع أن "الثورة على هادي قادمة، وستكون حركة شعبية ثورية جديدة لتصحيح مسار الثورة اليمنية والمجيء برئيس يحترم إرادة الشعب اليمني". تهنئة بشار الأسد ليست هي المرة الأولى التي يقف فيها هادي في الخط المعاكس للشعب، فقد سبق وبعث الرئيس هادي (17 ابريل 2012) تهنئة إلى بشار الأسد بمناسبة احتفالات عيد الجلاء، وهي التهنئة التي أوقعت هادي في حرج أمام الشعب الذي استنكر الأمر لتضطر وكالة الأنباء الرسمية سبأ يومها لحذف الخبر. وفي وقت قطعت دول مجلس التعاون الخليجي علاقاتها مع نظام بشار الأسد وأعلنت اعترافها بالمجلس الوطني السوري، لا تزال الحكومة اليمنية تعترف وتتعامل مع الأسد حتى اليوم.