{وأذّن في الناس بالحج} (الحج:27) آيةٌ كريمةٌ تشير الى النداء النبوي العظيم الذي نادى به خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام داعياً الناس للقدوم الى أشرف البقاع وأطهرها، فكانت منه الدعوة وكانت من المؤمنين الاجابة. والواقع يشهد بأن ركاب الراحلين الى مكّة لم تتوقّف كلّ هذه السنين قاصدةً البيت الحرام لأداء الطاعة والقُربى، أما الحج: فأيّامه معدودة، وأشهره معلومة، وأما العمرة: ففي عموم الأيّام والليالي. والعمرة في رمضان لها من المزيّة والفضل ما ليس لغيرها، فقد ثبت من حديث أبي معقل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان، تعدل حجة) رواه أحمد وابن ماجه، والمعنى كما ذكر العلماء: أنها تقوم مقامها في الثواب لا أنها تعدلها في كل شيء، فانه لو كان عليه حجةً فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة. والمضاعفة الحاصلة للأجر سببها كما يقول الامام ابن الجوزي: «ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت»، ولذلك كان للعمرة في رمضان ثوابٌ مضاعف كما لغيرها من الحسنات. وللحديث السابق روايةٌ أخرى أكثر تفصيلاً، وتعطينا بعداً آخر من فضائل العمرة الرمضانيّة وتعلّقها بشقائق الرّجال، لنستمع الى ابن عباس رضي الله عنهما، يخبرنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: (ما منعك أن تحجين معنا؟) قالت: كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه، -زوجها وابنها-، وترك ناضحاً ننضح عليه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (فاذا كان رمضان اعتمري فيه، فان عمرةً في رمضان حجة) رواه البخاري، و(الناضح) هو البعير الذي يُستقى عليه، وهنا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد المرأة التي فاتها الحج الى القيام بعمرةٍ في رمضان، كي تتحصّل على أجرٍ يُضاهي أجر تلك الحجّة التي فاتتها، ولا عجب في ذلك، فالشهر شهر الخير، وأيّامه أيّام بركة، وفضل الله لا يُحَدّ، واحسانه لا يُعدّ. واذا كان الرّجال يطرقون أبواباً للأجر لا يمكن للنساء أن ينشدوها كباب الجهاد، فقد جعل الله لهنّ جهاداً لا قتال فيه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ فقال لها: (نعم، عليهنّ جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة) رواه أحمد وابن ماجه. ولا شكّ أن الأحاديث التي تبيّن فضائل العمرة على وجه العموم تدلّ كذلك على فضلها في رمضان وتشملها، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة الى العمرة كفارةٌ لما بينهما) رواه البخاري ومسلم، فقد بيَّن الحديث فضيلة العمرة وما تُحْدِثُه من تكفيرٍ للخطايا والذنوب الواقعة بين العمرتين. وصحّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة) رواه الترمذي، والمقصود أنها دلالةٌ على فضيلة المداومة والاستمراريّة في أداء مناسك الحج والعمرة وكونهما سببا شرعيا في زوال الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب، ناهيك عن قيامهما بمحو الذنوب كما تزيل النار خبث المعادن. نقلا عن صحيفة الرأي.