21 سبتمبر .. إرادة شعب    21 سبتمبر.. كرامة وطن    جدد موقف اليمن الثابت لنصرة فلسطين .. قائد الثورة: مسارنا الثوري مستمر في مواجهة الأعداء    الرئيس الزُبيدي يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة    تجارب سيادية لا تُنسى: ثروة الجنوب السمكية    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    في مهرجان شبابي كشفي شهدته العاصمة صنعاء احتفاءٍ بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر..    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    نجم باريس سان جيرمان عثمان ديمبيلي يفوز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2025    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    رئيس مجلس القيادة يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    الدكتور ياسر الحوري- أمين سر المجلس السياسي الأعلى ل" 26 سبتمبر ":خلقت ثورة ال21 من سبتمبر وعياً وقوة لدى الشعب اليمني    الرئيس الزُبيدي يهنئ القيادة السعودية باليوم الوطني ال95    ثورة ال 21 من سبتمبر .. تحول مفصلي في واقع القطاع الزراعي    لمن لايعرف بأن الإنتقالي الجنوبي هو الرقم الصعب    ريال مدريد لن يرسل وفدا إلى حفل الكرة الذهبية    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    حزب الإصلاح يحمي قتلة "إفتهان المشهري" في تعز    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    عبد الملك في رحاب الملك    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آل البيت» في التراث السني.. حوار هادئ مع الشيخ الزنداني (1)
نشر في الأهالي نت يوم 03 - 10 - 2013

أثارت كلمة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، رئيس هيئة علماء اليمن في "المؤتمر اليمني لنصرة الإسلام والحفاظ على اليمن" الذي انعقد بصنعاء بتاريخ 26 سبتمبر 2013م، الذي صادف احتفال اليمنيين بالذكرى ال51 لثورة ال26 من سبتمبر 1962، جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والسياسية ومواقع التواصل الاجتماعي وكانت معظم إن لم يكن جميع ردود الأفعال غاضبة ومحتجة ومنتقدة، خصوصا حول ما أثاره في حديثه عن قضية صعدة، التي حاول أن يتحدث عن أسبابها ومعالجاتها فأثار قضايا مثيرة للجدل مثل حديثه عن مظلومية آل البيت في اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر، ووجوب محبة آل البيت لقرابتهم من رسول الله، ثم إعطاءهم خمس "الخمس" من ثروات البلد (النفط، والغاز، والمعادن)، ومن الطبيعي أن تثار القضية على هذا النحو لأسباب عدة أبرزها:
1- مكانة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، كداعية إسلامي ورجل جماهيري مؤثر في الأوساط الاجتماعية منذ عقود من الزمن.
2- إن حديث الزنداني حول شريحة مجتمعية باسم آل البيت وحديثه عن الظلم الذي تعرضوا له بعد الثورة أثار شجونا ونكأ جراحا حول هذه المظالم المزعومة التي يتم الحديث عنها في ذكرى سبتمبر وما إذا كانت الثورة نفسها ظلم كما يراها الحوثيون وغيرهم من أنصار الإمامة البائدة.
3- إن حديث الزنداني حول مظلومية آل البيت بعد الثورة قد جاء في سياق حديثه عن مشكلة صعدة التي لازال عشرات الآلاف من أبناء صعدة -من غير آل البيت- مشردين ونازحين من قبل من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم الزنداني "آل البيت " المظلومين!
4- إن الشيخ الزنداني كان قد وعد اليمنيين قبل أشهر بحل جذري وناجع لمشكلة الفقر في المجتمع اليمني، وإذا بملامح هذا الحل تصيبهم بالدهشة والإحباط، إذ أن حل هذه المشكلة التاريخية تتطلب أمرين: الأول إيجاد الثروة، والثاني العدالة في توزيعها، وملامح حل الزنداني لا يقدم حلا لخلق الثروة ولا حتى حلا يحقق عدالة توزيعها، بل على العكس فحديثه عن "الخمس" وخمس "الخمس" لقبيلة معينة يعد خلقا لمشكلة جديدة أشد وأخطر من المشكلة التي يسعى لحلها.
5- إن الشيخ الزنداني قد تحدث عن وجوب محبة آل البيت وإعطاءهم الخمس صبيحة يوم السادس والعشرين من سبتمبر، الذكرى الواحدة والخمسين للثورة اليمنية المباركة، التي كان من أهدافها "إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات" وكان من رواد هذه الثورة وقادتها العظام أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري، الذي تشرف الأستاذ عبدالمجيد الزنداني، بالتتلمذ عليه ومرافقته في نضاله الفكري والسياسي حتى قضى شهيدا صبيحة 1 ابريل 1965م والزنداني إلى جواره، وأملنا بالشيخ أن يواصل مشوار أستاذه، ولا نعتقد أن حديثه عن سلالة معينة ووجوب حبها وتمييزها المادي "الخمس" ينسجم مع الأفكار التي ناضل من أجلها الزبيري وعبر عنها شعرا ونثرا ولعل الشيخ سمع من الزبيري ذات يوم ما نقرأه بإعجاب نحن اليوم:
ليس في الدين أن نكون بلا رأي... ولا عزة ولا حرية
طبع الله في جوانحنا البأس... وسوى لنا الأنوف الحمية
وجرى روح الله عبر خلايانا... مزيجا بروحنا الوطنية
نحن شعب من النبي مبادينا.. ومن حمير دمانا الزكية
ملء أعراقنا إباء مجد... وطموح إلى العلى وحمية
أرضنا تلعن الطغاة الأولى.. سادوا علينا بالفرقة المذهبية
أرضنا حميرية العرق، ليست أرض زيدية أو شافعية
وبنو هاشم عروق كريمات... لنا من جذورنا اليعربية
إنهم إخوة لنا غير أسياد... علينا في عنصر أو مزية
أرضنا أرضهم تقاسمنا نحن... وإياهم العلى بالسوية
والمزايا في الشعب للبعض دون... البعض سم الأخوة القومية
وعدو الجميع من يحكم الشعب... باسم القداسة العائلية
برئت منه هاشم واقشعرت... في خلاياه النطفة العربية
نحن أدنى لله من كل جبار... وأولى بالشرعة النبوية
لقد قال الزبيري رائعته تلك كما يعلم الشيخ الزنداني قبل قيام الثورة المباركة، أي قبل 52 عاما والإمامة العنصرية لا زالت جاثمة بفكرها وسلطتها على الشعب، فهل يعقل اليوم وبعد ثورات الربيع العربي ومنها ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن، أن يطل علينا تلميذ الزبيري ورفيق دربه ونضاله، ليحدثنا عن الظلم الذي تعرض له الهاشميون بعد ثورة سبتمبر، ليس هذا فحسب وإنما يطلب منا أن نتخلى عن مبادئ المساواة التي نادى بها أستاذه فنخرج خمس الخمس من ثروات اليمن لبني هاشم آل البيت كما سماهم، وفي عصر أصبحت المساواة فيه من المسلمات الإنسانية التي تتمسك بها كل الأمم والشعوب إلا من لا تزال تحيا خارج العصر والحضارة.
لقد أعجبتني فقرة في رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما نشرتها خدمة "نيويورك تايمز" لا بأس من أن أنقلها بالنص، قال بوتين: "إن علاقة العمل والعلاقة الشخصية مع الرئيس أوباما تتسم بثقة متنامية، وأنا أقدر ذلك، ولقد درست بعناية خطابه إلى الأمة يوم الثلاثاء، لكني أود أن أختلف مع القضية التي طرحها بشأن الاستثنائية الأمريكية، عندما قال إن سياسة الولايات المتحدة هي "ما يجعل أمريكا مختلفة. وهذا ما يجعلنا استثناء". إنه لمن الخطير للغاية تشجيع الناس على رؤية أنفسهم استثنائيين، مهما كانت الدوافع. هناك دول غنية ودول فقيرة وهناك دول كبيرة ودول صغيرة وبعضها يسعى للديمقراطية وبعضها حقق الديمقراطية، وهناك اختلافات بالتأكيد هنا وهناك، ولكن يبقى شيء واحد مهم، هو أننا حين نتوجه بالدعاء إلى الله ليباركنا، فإن علينا أن لا ننسى أنه خلقنا جميعا متساوين".
مناقشة الجذور الفكرية في أفكار الشيخ الزنداني
إن ما طرحه الشيخ ليس جديدا ولا مبتدعا فهي أفكار في بطون التراث الإسلامي، ولو أن غير الشيخ الزنداني قالها لما أثارت اهتمام أحد لكن أن تأتي من الزنداني فقد رأيت ضرورة مناقشة القضايا الثلاث التي أثارها الشيخ الزنداني في حديثه وهي:
1- آل البيت ومظلوميتهم في اليمن.
2- وجوب محبتهم لقرابتهم من الرسول.
3- إعطاءهم خمس "الخمس" من الثروات.. مذكرين في البدء بالملاحظات التالية:
- إن الحوار سيكون مع الأفكار التي أثارها الزنداني وليس مع شخصه، ومثلما فعلنا مع الوثيقة الفكرية للحوثيين التي حاكمنا من خلالها الجذور الفكرية في التراث الهادوي سنفعل الأمر ذاته مع الأفكار التي طرحها الزنداني، والمستقاة من كتب التراث السني التي لا يزال الآلاف من علماء أهل السنة -والزنداني واحد منهم- يؤمنون بها، فانتقادنا لما نراه عنصرية في التراث الشيعي والسكوت فضلا عن محاولات التبرير لهذه الأفكار أو حتى بعضها لمجرد أنها صدرت ممن يوافقنا في المذهب أو الجماعة أو الحزب يعد عصبية مذهبية وحزبية نربأ بأنفسنا عنها.
3- إن انتقادنا للشيخ الزنداني لا يعني الإساءة إليه أو نسف مكانته وجهوده العظيمة في الدعوة والحركة الإسلامية، فنحن طلابه وتتلمذنا على كتبه ومن منا لم ينهل من كتاب التوحيد في مراحل التعليم المختلفة الذي يعد أحد مآثر الشيخ حيث قدم للأجيال اليمنية مفهوم العقيدة بأسلوب ومضمون عصري عزز ثقتهم بالإيمان بالله وكتابه، بدلا عن جفاف وعقم كتب العقائد التقليدية التي عقدت العقيدة بدلا من تيسيرها للناس، وكانت سببا في انقسامات المسلمين وصراعاتهم حتى اليوم بدلا من أن تكون عامل توحيد للأمة، ولكن بالمقابل أود أن أذكر محبي الشيخ ومريديه -وهم كثر- أن الشيخ غير معصوم وأنه قد يخطئ ومن حقنا بل من واجبنا أن ننتقده بما نراه الأصوب والأصلح.
- إذا كان الزنداني يعزز مواقفه بالاستناد إلى علماء وفقهاء كبار قديما وحديثا فسنفعل الأمر ذاته، ومثلما لا ندعي أن ما نقوله ومن استندنا إليهم هو مراد الله وشرعه بالضرورة وإنما نقول هذا فهمنا لمراد الله وشرعه، ونرجو أن ننال به الأجرين، نأمل أن يفعل الزنداني ومن معه الأمر ذاته وأن لا يطرحوا أفهامهم على أنها الشريعة ومن اعترض عليها فقد اعترض على الشريعة!
مظلومية آل البيت في اليمن بعد الثورة
وهذه قضية مركبة من قضايا فرعية يمكن التعبير عنها بعدة تساؤلات: من هم آل البيت الذين تحدث عنهم الزنداني؟ ولماذا يطلق عليهم هذا المسمى؟ وما هي مظالمهم بعد الثورة؟ ولماذا لم يتحدث الشيخ عن هذه المظالم إلا اليوم؟ وما خطورة الحديث عن هذه المظالم اليوم؟... الخ
مصطلح آل البيت
مصطلح "آل البيت" هو مصطلح سياسي بامتياز وقد ثار ولا يزال حوله خلاف طويل عريض، في البدء هناك مسمى "أهل البيت" وهم لغة ساكنوه وفي القرآن أطلق على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجة النبي إبراهيم عليه السلام، وهناك مصطلح "آل محمد"، ولا يزال مثار خلاف أيضا فهناك من يرى أن آل النبي هم أتباعه وهناك من قال أقاربه، ثم اختلف أصحاب الرأي الثاني فقالوا في البدء قريش كلها أقاربه، فأبى بنو عبد مناف وقالوا نحن فقط آله ثم تنازع بني عبد مناف وانقسموا إلى أمويين وهاشميين، ثم تنازع الهاشميون على مسمى آل البيت وانقسموا إلى عباسيين وطالبيين، حكم العباسيون فتنازع الطالبيون بين علويين وغير علويين، ثم تنازع العلويون وانقسموا إلى فاطميين (أولاد علي من فاطمة) وغير فاطميين، ثم تنازع الفاطميون وانقسموا إلى حسنيين وحسينيين، ثم انقسم الحسينيون إلى إسماعيليين وموسويين، وانقسم أصحاب البطنين مذاهب وطرائق قددا.
معنى "الآل" في القرآن الكريم
لقد وجد الهوى والمذهب أولا ثم ذهب كل فريق يبحث له عن مستند شرعي فتم استخدام النصوص الشرعية والمصطلحات اللغوية، والحق أن من يعود إلى اللغة فسيجد أن كلمة "آل" ليست مطابقة لكلمة "أهل"، إذ أن كلمة الآل كما يقول الراغب في "المفردات" يستعمل في من يختص اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة، أي أن لكلمة "الآل" في لغة العرب معنيان: الأول بمعنى القرابة، والثاني بمعنى الاتباع وفي النصوص الشرعية نجد المعنيين معا، حيث وردت كلمة "آل" في القرآن 23 مرة، 13 مرة ملحقة بكلمة فرعون كهذه الآيات: "وإذ أنجيناكم من آل فرعون، وأغرقنا آل فرعون، كدأب آل فرعون، ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين" وكلها بمعنى الأتباع لأن فرعون لم يكن له ذرية، ووردت 10 مرات ملحقة بأسماء عدد من الأنبياء ليس فيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مثل هذه الآيات "فقد ءاتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما" (النساء:54). "ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب". "وبقية مما ترك آل موسى وهارون". "إلا آل لوط فإنا لمنجوهم أجمعين". "اعملوا آل داود شكرا". وكلمة آل هنا قد تعني الذرية من الأنبياء من بني إسرائيل (وليس كل الذرية) وقد تشمل الأتباع من المؤمنين أيضا كما في آل موسى الذي لم يكن له ذرية، ومن يتأمل في السياق الذي وردت فيه كلمة الآل في القرآن، سيجد أن "الآل" بالمعنى الأول "القرابة" إنما يأتي للتعريف فقط، ولا يترتب عليه أي مدح أو ذم أو عقاب أو مثوبة لأنه أمر غير كسبي، على عكس الآل بمعنى الأتباع، فهو ما رتب عليه القرآن الذم أو المدح، لأنه من كسب الفرد وبإرادته فعندما نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى (وأغرقنا آل فرعون) (البقرة: 50) نفهم يقينا أن المقصود بآل فرعون هم أتباعه على دينه، حيث "لم يذكر أهل السيرة إنه كان لفرعون ابن ولا بنت ولا أب ولا ابن عم ولا جد، فعلم بذلك أنه أراد أهل دينه"، وآل فرعون بهذا المعنى -أي أتباعه على دينه- هم من عناهم الله بقوله تعالى (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) (المؤمنين: 46)، ولا تعني الآل هنا الأهل أو القرابة النسبية لأن من أهله زوجته التي قال الله فيها (ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)، ومن قرابته ذلك الرجل المؤمن الذي قال الله عنه (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) فهذا مؤمن من أسرة فرعون "أي من آله بمعنى قرابته" وقد ورد ذكر الآل هنا لمجرد التعريف بشخصية الرجل فقط.
وإذا كان آل فرعون الذين أغرقهم الله وتوعدهم بأشد العذاب في الآخرة، هم أتباعه على دينه، وليس آله بمعنى قرابته لأن من هؤلاء القرابة مؤمنين أنجاهم الله من الغرق ووعدهم بالنعيم المقيم في الجنة، فإن آل إبراهيم وآل محمد الذين يصلي عليهم المسلم ويطلب لهم الرحمة "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" هم أتباعه على دينه، وليسوا آله بمعنى قرابته، لأن من هؤلاء القرابة من كانوا أعداء لإبراهيم ولمحمد -صلى الله عليه وسلم- وتوعدهم الله بالنار، فآل إبراهيم الذين أخبر الله تعالى بأنه اصطفاهم، هم أتباعه على دينه سواء من قرابته وذريته أو من غيرهم، وليس الاصطفاء للقرابة لأن آزر والد إبراهيم كان كافرا عدوا لله لم يصطفه الله إلا لدخول النار وقد حسم إبراهيم هذه المسألة فقال -كما جاء في القرآن الكريم- (فمن تبعني فإنه مني) (إبراهيم: 36).
آل محمد، في عصر التنزيل وعصر التأويل
ما ينطبق على آل إبراهيم ينطبق على آل محمد، فقد أمرنا الله بالصلاة على النبي في سورة الأحزاب في الآية 56 فقال: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" ولم يذكر القرآن آل محمد، لكن في بعض الأحاديث والتفاسير أن الصحابة سألوا الرسول عندما نزلت هذه الآية: "يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك، قال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" البخاري وابن كثير في تفسيره، فآل محمد هنا المقصود بهم أتباعه على دينه.
جاء في "كليات" أبي البقاء "آل النبي من جهة الدين، كل مؤمن تقي، كذا أجاب رسول الله حين سئل عن الآل"، ولهذا كان سلمان الفارسي "منا آل البيت" بنص الحديث النبوي، لأنه مؤمن تقي ومن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- من جهة الدين، أما أبو لهب الهاشمي القرشي -عم النبي- فهو وإن كان من آله قرابةً إلا أنه ليس من آله أتباعا، ولهذا فإنه بنص القرآن (سيصلى نارا ذات لهب) وفي أول معركة بين الإسلام والكفر -معركة بدر الكبرى- كان على رأس الخارجين مع جيش المشركين لاستئصال الإسلام عقيل ابن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، والعباس بن عبدالمطلب، أقرباء النبي نسبا، فخذلوا وأسروا وأنزل الله فيهم (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم). وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم (ألا أن آل أبي فلان -يعني آل أبي طالب- ليسوا لي بأولياء، إنما ولييّ الله وصالح المؤمنين).
وقد فهم الصحابة هذه المعايير الجديدة التي جاء بها الإسلام التي تجعل العلاقة بالنبي علاقة العقيدة والدين، وليس النسب والطين، ولم يفهم أحد منهم أن للقرابة فضلا أو ميزة بذاتها، أو أن آل محمد محصورين على قرابته، فهاهو الإمام علي بن أبي طالب الذي جمع شيعته أقواله في كتاب نهج البلاغة وذكروا فيه تفسيره لقوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) (آل عمران: 68) بقوله "إن أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاءوا به، إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
تأمل ما نقلوه عن الإمام علي، ثم انظر إلى ما سطروه في كتبهم ومؤلفاتهم، وكيف أخرجوا نساء النبي من أهل البيت وأدخلوا علي وفاطمة وابنيهما وذريتهما أيضا، ولم يكتفوا بذلك وإنما أخرجوا الصحابة والأمة المسلمة كلها من آل محمد، ليحصروا الآل بهؤلاء الأربعة فقط، ثم أضاف بعضهم: ومن تناسل من صلبهم إلى يوم القيامة!! لقد شاع هذا التأويل وتقبله كثير من المسلمين حتى من غير الشيعة، في القرون المتأخرة، مما جعل بعض أهل السنة يشعر بالحرج وهم يصلون على آل محمد بمعنى قرابته وذريته فقط، ويغفلون كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار -دعك من ذريتهم- لهذا أضافوا من عند أنفسهم "اللهم صل على محمد وآله وصحبه" وبعضهم يضيف: "وأزواجه والتابعين وتابعيهم وعنا معهم وفيهم.. الخ"، وهذا لا معنى له لأن كلمة الآل تشملهم جميعا، وقد وردت بهذه الصيغة لهذا السبب.
آل محمد في كتب التراث الإسلامي
ساد المعنى العنصري لآل محمد في البلدان التي انتشر فيها التشيع، ومن ذلك اليمن، وقد حاول العلامة نشوان الحميري تصحيح هذا الفهم الخاطئ الذي حاول الأئمة الهادويون ترسيخه في وعي الناس، فذكّرهم بأن:
آل النبي هم أتباع ملته
من الأعاجم والسودان والعرب
وإن حصر الآل بالقرابة أو النسب خطأ فاحش لأنه:
لو لم يكن آله إلا قرابته
صلى المصلي على الطاغي أبا لهب!!
اتهم نشوان ومن اقتنع برأيه بالنصب وقلل خصومه من منطقية وحجية طرحه، باعتباره مجرد "قول شاعر" دفعته خصوماته ومعاركه السياسية مع الأئمة ليقول ما قال! وبالتالي فلا يصح الالتفات لقوله المخالف لإجماع علماء الأمة -حسب زعمهم- والحقيقة أن نشوان الحميري لم يكن مجرد شاعر بل كان فقيها وأصوليا كبيراً، وليس أول من قال بهذا التفسير، وإنما سبقه وتبعه آخرون ليسوا شعراء ولا علاقة لهم بالصراع السياسي مع الأئمة، وللتذكير فقط -وعلى سبيل المثال لا الحصر- يمكن أن نشير فيما يلي إلى أقوال بعض الأئمة في تحديد من هم آل محمد:
1- في (المجموع) شرح (المهذب): "إن الآل كل المسلمين، التابعين له -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة، حكاة القاضي أبو الطيب في تعليقه عن بعض أصحابنا، واختاره الأزهري وآخرون، وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين، رواه البيهقي عن جابر بن عبدالله الصحابي وسفيان الثوري وغيرهما، واحتج القائلون بهذا بقوله تعالى (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)، والمراد جميع أتباعه.
2- وقال السفاريني في لوائح الأنوار البهية لشرح الدرر المضيئة "آل النبي أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبدالبر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روي عنه هذا القول، جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ذكره البيهقي واختاره بعض الشافعية، قلت: وكثير من علمائنا في مقام الدعاء خاصة، وقيل: هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعته".
3- قال النووي في "شرح صحيح مسلم": "واختلف العلماء في آل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أقوال أظهرها -وهو اختيار الزهري وغيره من المحققين- أنهم جميع الأمة".
4- وقال ابن تيمية في "منهاج السنة": "ذهبت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة محمد، وقالت طائفة من الصوفية إنهم الأولياء من أمته، وهم المؤمنون المتقون".
5- وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية لابن تيمية وفي قوله "صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم" فبعد أن فسر معنى الصلاة على النبي أضاف: "وكذلك قوله وعلى: آله" وآله هنا بمعنى أتباعه إذا ذكرت الآل وحدها أو مع الصحب، فإنها تكون بمعنى أتباعه على دينه منذ بعث إلى يوم القيامة ويدل على أن الآل بمعنى الاتباع على الدين قوله تعالى في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) (غافر:46) أي: أتباعه على دينه، وعطف الصحب هنا على الآل من باب عطف الخاص على العام، لأن الصحبة أخص من مطلق الأتباع"..
*المادة خاصة بموقع الأهالي نت وصحيفة الأهالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.