أمي الحبيبة اقتربت الاختبارات وبدأت حالة الطوارئ..لازلت اتذكر بنود دستورك حول العلم والاجتهاد.. كنا نسميها اسطوانة مشروخة لكثرة ترديدك لها لكنها ظلت داخلنا تؤكد نفسها بالحقائق في حياتنا.. أتذكر كم كنت أحب مادة الفيزياء في الصف الثاني الثانوي لكني كالمعتاد لا أذاكر أولا بأول.. أستاذ المادة كان نابغة وفقه الله بس اختباراته كانت تحدي حقيقي.. نفس ما شرحه لنا بس بطريقة يفهمها فقط الذي يفهم.. وطبعا نحن ما تعلمنا نفهم ونبدع لذا كان الرسوب كل شهر نصيب الجميع.. الجميع بلا استثناء في 6 شعب وكل شعبة ما لا يقل عن 40 طالبة.. شهر بعد شهر (رسوب×رسوب) وفي أحد الشهور حصلت على أعلى درجة.. روحت البيت أمشي الخيلاء،.. لم أصبر حتى نتغدى دخلت للمطبخ وأمي تخبز وأخبرتها بكل فخر ففرحت ودعت لي ثم فاجأتني أنها تريد رؤية الورقة، تظاهرت بالثقة وأنا أخبرها أنني الأولى على الجميع وهذا المهم.. فلماذا الورقة!! فهمت أمي الأمر وتركتني أتناول غدائي وأرتاح ثم كررت طلبها للورقة فاضطررت أن أعطيها وأنا أسرد لها كم كان الاختبار صعب ومش مباشر و... و.. نظرت أمي لورقتي بتركيز، كانت الدرجة 25 من 50.. أتذكر أن نظراتها كانت دافئة وهي تسألني: هل هذا المستوى يرضيني!؟ - أنا الأفضل والكل رسوب. - لا يهم وضعك بالنسبة للآخرين فأنتِ تتعلمي لتتعلمي مش لتهزمي أحد. - أعرف لكن.... - هل هذا مستواك الحقيقي؟ -لا.. أنا أحب المادة ومستواي أفضل من هذا. - هل هذا أقصى جهد تستطيعينه؟ - لا.. أستطيع المزيد لكني لم أهتم. - بنيتي تذكري أن كل مسألة تعجزي عن إجابتها هي في الحقيقة مشكلة قد تواجهك في الحياة العملية والمهنية.. مشكلة قد تحدد وضعك في المجتمع كشخص ماهر وكفؤ.. في الحياة لا يهم ما أنتِ في سباق الأوائل، بل ما تنجزي فعلا. أمي التي لم تتجاوز سادس محو أمية علمتني أن أكون صادقة وأمينة لحياتي مش لقطعة ورق تسمى شهادة.. أرجو أني ما زلت على وعدي لها يومها.