من بين ركام الملل الملقى في دروب حياتنا وتفاصيل لحظاتنا التي نعيشها عبرت وأنا أحمل بداخلي مزاج هذا الوطن الحزين، كانت السيارة تمر من بين الزحام وقلبي يركض للخلف الساعة تشير للعاشرة صباحا وأنا في شارع الستين مخترقا نفق جولة عصر لحضور أخر أيام مهرجان صيف صنعاء السياحي لم أكن متفاعلا كثيرا مع الفكرة ليقيني دائما أن هذا الوطن لا يقدم ذاته وجماله للآخر كما يجب. هاأنذا أصل بوابة حديقة السبعين الجنوبية حيث يقام المهرجان برفقة أخي عبدالله وصديقى الأنقى عبدالمؤمن جبران دلفنا بوابة الحديقة عابرين نحو المخيمات التي تحتضن بداخلها أيقونات وطن بعناوين تراثية قادمة من أعماق التاريخ شكلتها أنامل يمنيين عشقوا هذا الوطن وصنعوا أمجاده بالحب والإبداع والطين والخيط والصورة والألوان والفضة والعقيق والصوت والرقص، لم نتوقف عند أي مخيم لأن هدفنا كان جناح محافظة حجة كان في إنتظارنا فراشتان إحداهن تنتمي لحجة إنها بشرى الغيلى بنت المحابشة التي كانت صاحبة الفكرة بشرى تلك الحالمة بوطن من ضوء يضيء عتمة حياتنا هذه الفتاة التي تحمل بداخلها إنتماء أسطوري لبلدها ومحافظتها،والأخرى كانت صديقتها القادمة من أرض الكنانة وأم الدنيا. الأخت ولاء الخطيب تلك التي تحمل بقلبها مصر واليمن والعاشقة حد الجنون لحضرموت التي عاشت فيها 18عاما كانت كافية لتجعلها حضرمية عاشقة للدان وأنغام أبو بكر سالم والحناء الحضرمي ونقشاته والشاهي الحضرمي الذي أصرت إلا أن تطعمنا شيئا منه،كانت تتعامل معنا كحضرمية تفوح مشاعرها برائحة المكلا والشحر وشبام، حضرمية تقدس حضرموت وتشعرك بولاءها لهذه المدينة. لم يعد هدفنا الاول جناح حجة لأننا كنا حينها في حضرة حضرموت ببخورها وحناءها وخور مكلاها وتريمها وأزياءها الشعبية الجميلة ورملها الذي يشكل منه أحد شبابها ملامح الزائرين للجناح مقدما حالة إبداعية منقطعة النظير. كان جناح حجة وجهتنا الثانية حجة هذه المدينة التي أنجبت بشرى لكنها لم تنجب مسؤولين يحملون مشاعرها تجاه محافظتها وحبها وإخلاصها وإهتمامها لهذه المحافظة التي ربما لا تعرف هذه الفتاة كما تعرفها صنعاء وبيت الثقافة وصحيفة الجمهورية وتعز ومؤسسة السعيد وجارتها لطيفة. هوذا جناح حجة وأول ما طالعناه كان نموذج مصغر لألية مدرعة (دبابة) حتى في التراث تحضر حجة بالعنف ورموزة، فقط كانت قلعة القاهرة وحصن مبين والمحابشة وكهوف قارة وشلالات شرس وطريق العبيسة عاهم وحمام عين الخرشة الحارة ببكيل المير وحصن كحلان عفار والشرفين والشغادرة وحصن الشاورية بمبين وجامع الإمام المهدي بالظفير نماذج لمشاهد ساحرة من حجة، حضرت بقية المحافظات بزخم تراثي يستحق التقدير. حضرت تعز وإب بأزياء شعبية مدهشة وكانت هناك قاهرة تعز وجبل حبشي وحصن حب وجبل ربي وجمال إب بفستانها الأخضر. وجاءت صنعاء بصوت حسين محب والبرع الهمداني والمطري ودار الحجر، وكانت عدن تفوح ببخور الشيخ عثمان وتتدفق بأمواج ساحلها الذهبي و تتزين بجمال خور مكسر وإبداع صهاريجها التاريخية. لم يغب الموال المأربي والبرعة المأربية وملامح البداوة الأصيلة عن المهرجان أيضا. وعاى قول الصديقة بشرى فقد حضرت الحديدة بشوتر وزنبقة كما جاءت صعدة بالسيف والأغلال! كان يوما رائعا بحق ممزوجا بالبخور الحضرمي ومشاقر حجة ببلقيس اليمن وكليوباترا مصر بالبن اليمني ونخيل مصر ببدوية مأرب وشعبية الصعيد بالسعادة والفرح والبهجة بالبساطة والتلقائية والنقاء، بعد إنتهاء هذا اليوم لم يعد قلبي يركض للخلف كان يحلق بعيدا بعيدا بعد أن تخلص من ملل صنعاء واحزانها وظلامها وحواجز شوراعها ولوحات أعمال الحفر وشعارات السياسة وعبث السياسيين والمظاهرات وأصوات الرصاص، لم يعد قلبي يحدثني سوى بأيام قادمة تشبه يوم30/8/2014