البلاد بين مطرقة رئيس فقد الكنترول على كل ما حوله من جيش وأمن وأجهزة أمنية أخرى وأحزاب وجماعات. وسنديان أحزاب وجماعات لا تولي مصلحة الوطن العليا والمواطن أي اعتبار، ولا تقيم وزنا إلا لمصالحها ومنافعها الحزبية الضيقة، حتى وإن تعارضت تلك المصالح مع مصلحة الوطن العليا. فكل طرف يرى أحقيته في كل شيء ومن غير المستساغ لديه التنازل عن ذرة واحدة من تلك الاستحقاقات، لأنها من وجهة نظر كل طرف فرض عين واجبة التنفيذ وما عدا ذلك ففرض كفاية. ومن هذا المنطلق نجد كل طرف يشد ويجذب من جهته حتى تمزقت بينهم شعرة معاوية. ونتيجة لعدم النضج والوعي السياسي لم نصل بعد لممارسة سياسية تكون فيها مصلحة الوطن العليا والمواطن أولا، ويكون النقد فيها لغرض التقويم وليس لغرض هدم مؤسسات الدولة والاستحواذ عليها والانفراد بالقرار وبالثروة واقصاء الآخر. فالمرحلة الراهنة تتطلب لم الشمل وتوجيه كل الجهود في اتجاه المصلحة العليا بعيدا عن الولاءات والمصالح الحزبية الضيقة. فمصلحة الوطن تخدم مصلحة الحزب والعكس غير صحيح. فالأولى تخدم الثانية والثانية قد تهدم الأولى. فالعمل السياسي الحديث يتطلب ممارسته تحت عباءة الدولة وليس خارجها. والأحزاب ما هي إلا أوعية تذوب فيها كل الولاءات الحزبية والمذهبية والدينية والايدلوجية أمام الولاء للوطن والأمة وذلك تحقيقا لمصالح المجتمع الكبير (الشعب) التي تتقدم على مصلحة المجتمع الصغير (الحزب) وليس العكس، فالولاء الوطني اجباري أما الولاء الحزبي فهو اختياري. لأن الأنانية والطموحات الحزبية غير المنضبطة قد تقود صاحبها إلى محاولة فرض هيمنته على الاخرين بالقوة وبالسلاح بدلا من صناديق الانتخابات التي ترفع فيها شعارات مصلحة الوطن قبل كل شيء. والأدهى من ذلك والأمر حين تكون تلك الأحزاب عميقة التأدلج، دينيا أو مذهبيا أو طائفيا قبليا، فهذه الحالة لا ترى تلك الأحزاب والجماعات مصلحة الوطن إلا جزءا من مصلحتها الحزبية المؤدلجة تحت أي مسمى من المسميات انفة الذكر. ومن هنا يبدأ الارتباك وتبدأ الفوضى والقلاقل والدكتاتورية والتضييق على الحريات والحقوق، وهذا ما نخشى الوصول إليه إن استمرت أطراف اللعبة السياسية في الشد والجذب لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصلحة الوطن والمواطن العليا.