الماضي هو حلم بلا زمن.. إذا كان مملوءاً بالشروخ والجروح.. يكفي إنه هيمن على حياتنا وذاكرتنا وآمالنا فترة من الزمن.. فأساء إلى هويتنا، ورسم على جباهنا العبوس والقبح وشهوات الانتقام.. هذا الجسد اليماني الذي ظل ينزف طيلة عقود خلت.. هو الآن بحاجة إلى تضميده وترميمه بنية صادقة، وقلب عامر بالحب والوفاء والولاء الوطني الصادق. فالأوضاع الراهنة لم تعد تحتمل المعالجات الآنية.. أو المسكنات الموضعية.. وإنما تحتاج إلى المزيد من الحزم والجدية والصرامة.. كلنا متفقون على أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو المخرج الوحيد والآمن لأزمات اليمن.. لأن الذين أساءوا لليمن أرضاً وإنساناً ووحدةً وانتماءً هم قلة قليلة من الفاسدين والمتنفذين والمتمصلحين أياً كانوا في المحافظات الشمالية أو الجنوبية.. مازالت المكايدات السياسية، والمناكفات الحزبية.. والمشاحنات المذهبية طاغية على المصلحة الوطنية.. هناك قصور - للأسف الشديد- في فهم الديمقراطية الحقيقية والعمل الدستوري القانوني.. لذلك تكون المصالح الآنية أحياناً هي صاحبة المفتاح السحري لتوظيف كل المناشط السياسية والحزبية لهذه المصالح الذاتية.. ولاتوظف من اجل مصلحة الوطن العليا.. علينا أن نعي حقيقةً أن الثورة الشبابية قد تأخرت أهدافها كثيراً مما أوصل الوطن إلى نفق مظلم.. وهناك مظالم جمة.. وحقوق مدنية ومطالب شعبية تلاشت في خطاب ثقافة السياسيين المتنفذين وكوكبة الإعلاميين التابعين لهم.. وهم من رقيق باعة الكلام، والمصالح الآنية، والولاءات الضيقة.. وهم الراقصون على دقات وإيقاعات طبولهم.. إن الذين يسيئون للديمقراطية عن طريق رفع الشعارات المذهبية أو الشطرية.. أو عبر خطاباتهم التي تحمل الكثير من مفردات ومصطلحات قاموس الثقافة الظلامية أو الشمولية أو الأسلاموية المتطرفة.. فالحجة عليهم وليس على الديمقراطية أو مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. كونهم يمارسون أعمالاً غير أخلاقية.. ولا تمت للوطنية بصلة.. الوطن اليوم يمر بجملة من المخاضات والتحديات المتشابكة والمعقدة على كافة المستويات سواءً القضية الجنوبية التي تمثل الأهم الأكبر في خارطة الحوار الوطني أو ما يريده حوثيو صعدة من تحقيق فك الارتباط، والحصول على الفيدرالية المؤدلجة بالفلسفة المذهبية الحوثية.. هناك أيادٍ خارجية تعمل في الخفاء لتمزيق اليمن، وتقسيمه على شكل أقاليم وسلطنات ومشيخات وفق رؤى فلسفية مذهبية فكرية تابعة لدولة خارجية ما.. تعمل تلك القوى الإقليمية بشكل حثيث من اجل تمزيق وتفكيك البلاد عبر فصيل الحراك الجنوبي المسلح، وفصيل الحوثة كأدوات ضاغطة وفاعلة في المشهد السياسي اليمني.. فالذين يطالبون بالفيدرالية عليهم أن يفهموا جيداً أن اللامركزية هي الطريقة الأمثل لتحسين الديمقراطية لأنها الأقرب في التواصل بين المواطنين ومعالجة قضاياهم ومشكلاتهم أياً كانت.. وليس الفيدرالية المتمذهبة بفكر معين على نمط: «إياك اعني واسمعي يا جارة».. لذا لابد من تأمين الحقوق والحريات، وإرجاع كافة المظالم إلى أصحابها الحقيقيين بعيداً عن التمذهب أو التقوقع الإيديولوجي الذي يسيء كثيراً إلى الديمقراطية ويُفرغ محتواها ومضمونها من القيم السامية النبيلة. علينا أن نتذكر جيداً أن مشوار الديمقراطية شاق وطويل.. وأن بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة لن يكون برفع الشعارات الفضفاضة، ولا بالخطب العصماء.. ولا بالمشاحنات الكيدية بين الفرقاء أو الشركاء.. بل بتوحيد الرؤى الوطنية، وإقامة العدل، وتحقيق المساواة والمواطنة المتساوية بين أبناء الوطن الواحد.. فالزمن يمر مرّ السحاب.. فعلينا انتهاز الفرصة السانحة قبل فوات الأوان.. فسويعات الحوار الحضاري الجميل فرصة ذهبية لن تعوّض.. فبدلاً من ضياعها في القيل والقال.. والهرج والمرج.. والهرف والخرف.. أن نجعلها وسيلة حضارية فريدة ونادرة لتحقيق بناء اليمن الجديد.. من اجل الزمن الحضاري الجديد.. والإنسان الحضاري الجديد فكراً وثقافةً ومعرفةً وعلماً.. حتى يصدق علينا القول المأثور: «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية». رابط المقال على الفيس بوك