الفراغ ليس خواءً فقط, بل قد ينتج قوةً هائلة كما يقول الفيزيائيون, وهي قوة تنشأ نتيجة للحيز, الذي وجد شيءٌ ما نفسه محشواً فيه, وهذا ما تحس به الجماهير اليوم, التي وجدت نفسها في أمر لا يحسد عليه.. حالة من الاختناق السياسي, والشد الجاذب بقوة لأفعال قد لا تخدم الوطن وقضاياه المرحلة من عقود.. فحالة الفراغ التي أصابت الجميع بالذهول, إضافة إلى الألم والمعاناة من واقع أصبح ضبابياً وغير قابل للتأويل, أو التصديق أو الفهم, فهي حالة أو مرحلة تحتاج لقوة هائلة من الغضب الثوري, الغضب المنظم بالطبع, تظهر فيه قوة المدنية والسلمية, والفعل المبدع والخلاق, التي تجعل من الابتكار لطرق جديدة للثورة لم يعهدها الظالمون أو المغتصبون والانقلابيون, طريقاً لتغيير الأوضاع والمضي بها نحو استعادة الدولة وهيبة مؤسساتها العسكرية والدستورية والمدنية, والتفكير في كيفية إيجاد سبل جامعة لهذا الوطن الذي أصبح مقسماً قبل التقسيم ومشتتاً دون مواطن شتات.. فهو الفراغ إذن ما أنتجه الافتراس الممنهج لجماعة الحوثي وحلفاؤها, في الداخل والخارج, الفراغ الذي لن يزيحه إلا مدٌّ من الثورية الجديدة, بأدوات جديدة, متخففاً من كل معوقات الماضي, مستلهماً الدرس, مما حصل أتون الثورة الأم, ثورة الحادي عشر من فبراير.. فتكون ثورة جديدة كاسحة لكل ما يقف أمامها, دون خوف أو وجل.. جامعة اليمنيين أجمع دون استثناء أو إقصاء, إلا من أراد لنفسه ذلك وارتضى أن يكون بعيداً عن طموحات وآمال فبراير ومحاولة استعادتها واستجلابها والسعي في تحقيقها بكل قوة.. فتكون ثورة جامعة للمشروع الوطني الذي قتل أو أريد له الانحراف إلى وجهات أخرى, فيها من الفوضى والاستلابية المرضية التي تكرس الاستبداد والكهنوتية, بعد أن بدأت تجد لها حاضناً إيديولوجياً وسياسياً للأسف الشديد.. إذن هو المدُّ الذي نراه زاحفاً اليوم في عاصمة الثورة والنضال تعز, وشارعها جمال, الذي بدا باذخاً بالأحلام والثورية, كما هو الأمر في إب وعدن والعاصمة صنعاء, ومحاولة الشباب نفخ الروح من جديد في ساحتهم التي قتلها الحوثيون منذ زمن, حين ربضوا عليها وعلى حلمٍ ولد يوماً هناك.. هو حلم كان جامعاً لليمنيين وحاملاً لأفكار من قبيل, كيف يمكن أن يكون المستقبل بعيداً عن الارتهان للخارج وللمشاريع الفردية والتمزيقية.. مشروعاً يمنياً خالصاً, لا تقليد فيه ولا استنساخ أو تشويه.