(فر، تسلل، خرج) لم نستطع أن نطلق أي لفظ محدد يمكن أن يلخص الطريقة التي خرج بها الرئيس هادي من منزله بصنعاء متوجها إلى مدينة عدن في صبيحة ال21 من فبراير الماضي، أي قبل 18 يوما، وقتما ما وصلت فيه الأوضاع السياسية إلى انسداد تام لم تكن فيه سوى جماعة الحوثي تسرح وتمرح وتضغط على كل القوى لتمرير أهدافها. فتح الرئيس هادي بهروبه نوافذ كثيرة لتبديد الظلام الذي وضعته جماعة الحوثي على المشهد، واستطاع بخروجه أن يحول الحوثيين إلى مصابين بالعمى، مما شكل لديهم حالة استياء بفراره دون علمهم وسحر أعين حراستهم المشددة التي فرضتها عليه من ناحية وتهديدهم له بملاحقته إلى عدن واجتياحها، بحسب القيادي في الجماعة حمزة الحوثي. يوم السبت 21 فبراير الماضي، وصل الرئيس هادي إلى قصر المعاشيق بمدينة عدن، مكشرا نشيطا ليصدر البيان الأول له عشية وصوله، معتبرا كل التعيينات والخطوات والقرارات بعد تاريخ 21سبتمبر "باطلة ولا شرعية لها". ومطالبا المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات لحماية العملية السياسية في اليمن ونقل الحوار بين المكونات السياسية إلى مدينة أخرى غير صنعاء وهو ما لاقى رفض المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثي. في اليوم التالي لوصوله، الأحد 22 فبراير، ظهر هادي على غير عادته في ذلك الشهر اليتيم، ظهر يمارس عمله كرئيس بشكل طبيعي، فتارة يصدر البيانات المؤكدة على شرعيته والرافضة ل"انقلاب" الحوثي، وتارة أخرى يعقد اللقاءات مع محافظين جنوبيين وشماليين، وأخرى يستقبل فيها أحزاباً سياسية، وضيوفاً من الخارج، وصولاً إلى مخاطبته البرلمان بسحب استقالته. ضعف الثقة في هادي يتابع المواطن تحركات وتصريحات ولقاءات ومواقف هادي بحذر شديد، وباتت ثقة المواطن بهادي مهزوزة. لقد أضاع الرجل كل الدعم من أول يوم له منذ 2012م ويُخشى أن يُضيع فرصا أخرى. يقول المحلل السياسي، رشاد الشرعبي، إن شرعية الرئيس هادي تحظى بتأييد شعبي ودعم اقليمي ودولي. مضيفا أن هادي إلى الآن يبدو أنه لا يستغل تلك الشرعية بقرارات حاسمة وتحركات ملموسة وخطوات عملية منذ غادر صنعاء التي كانت تلك الشرعية معتقلة معه في منزله لشهر كامل. مضيفا في تصريح ل"الأهالي" إن الشعب ينتظر خطابا شفافا من الرئيس هادي يتوجه به إلى اليمنيين يكاشفهم بالوضع وما حصل وما يحصل، خاصة في ظل "كثافة الكذب والتدليس من قبل ثلاثة أطراف تتمثل بالرئيس السابق وجماعة الحوثي ومبعوث الأممالمتحدة". يرى الشرعبي أن أنشطة هادي منذ وصوله عدن اقتصرت على اللقاءات "وقرار يتيم حتى الآن.. حتى الإعلام الرسمي اكتفى الرئيس بإعادة بث قناة عدن المختطفة لدى الحوثيين بصنعاء على تردد آخر ولم يتخذ أي خطوات لاستعادة بقية القنوات والوكالة الرسمية وكان ولا يزال بإمكانه القيام بذلك". مشيرا أن الشعب الذي ينظر اليوم إلى الرئيس هادي كشرعية تحررت من أسر جماعة الحوثي في صنعاء والتي كانت الجماعة تريد اكتسابها منه بطريقة أو بأخرى تعتبر الفرصة الأخيرة بالنسبة للرئيس هادي التي يمنحها له الشعب لتحقيق أدنى الطموحات والتطلعات للحفاظ على ما تبقى من دولة. حد قوله. رئيس الضرورة لا الرئيس المطلوب المحلل السياسي ياسين التميمي، قال إن انتقال الرئيس هادي إلى مدينة عدن أحدث تحولاً مهماً في مسار الأحداث والأزمة التي تعصف بالبلاد، مضيفا أنه رغم أنه لم يحدث تطورا في أداء الرئيس إلا أن تحرره من الإقامة الجبرية "صرف الأنظار عن الجماعة الحوثية المتمردة بعدما أعلنت إنهاء النظام الانتقالي وأرادت تأسيس نظام تهيمن عليه ويقوم على مزاعم الشرعية الثورية". يضيف التميمي في حديث ل"الأهالي" أنه لم يعد الحديث الآن عن ترتيبات مع بعد الانقلاب، بل عن الترتيبات التي تطوي صفحة الانقلاب وتعيد البلاد إلى خط التسوية السياسية. مشيرا: "من الواضح أن الرئيس هادي قد تنبه إلى مخطط الحلف الانقلابي الذي يريد أن يمرره من خلال جمال بنعمر ويتضمن تشكيل مجلس رئاسي برئاسة الرئيس هادي، فقد رفض هذا المقترح". ويعتقد التميمي أن رفض هادي لهذا المقترح يعبر عن تحول حقيقي في موقفه تجاه الحوثيين، إذ لم يعد الآن غطاء يمررون من خلاله مشروعهم للسيطرة على الدولة، بل أصبح عقبة كأداء أمام هذا المخطط. مضيفا: "بالتأكيد المجتمع الدولي يقدم دعمه الكامل للرئيس هادي، لكن هذا المجتمع يتحمل جزءاً مهما من مسئولية تمكين الحوثيين، وتسهيل مهمة دخولهم صنعاء حتى وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه". ويرى التميمي أن أمام الرئيس هادي خيارات كثيرة حالياً في ظل بقاء جزء كبير من القوات المسلحة تحت سيطرة الإنقلابيين، فضلاً عن حاجته إلى الدعم الإقليمي والدولي ستجعله يرتهن إلى الإملاءات الخارجية والتي تنظر إلى اليمن على أنه مجموعة من التعقيدات التي يتعين التعامل معها بحذر. حد قوله. ويعتبر التميمي أن "الضمور الإعلامي" هو من وراء الرئيس هادي الذي لا يريد أن يجازف على ما يبدو في استعراضات إعلامية قد تربك المشهد وتحفز خصومه على ارتكاب الحماقات. مضيفا: في تصوري أن الرئيس هادي هو الرئيس الضرورة، لكنه ليس الرئيس الذي كانت تحتاجه اليمن في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخها". العالم أقل دعما يقول الكاتب والمحلل السياسي نبيل الصوفي، إن هادي هو الرئيس الوحيد في العالم كله الذي يعتبر من أول يوم وصل الرئاسة والعالم والداخل وكل فرقاء الصراع تدعمه. معتبرا أن من أضاع كل ذلك الدعم من أول يوم، لن يفعل شيئا على الإطلاق. يضيف الصوفي في تصريح ل"الأهالي" أن العالم حاليا أقل دعما للرئيس هادي بكثير مما كان عليه في 2012، وهو يثبت كل يوم للعالم أن معهم حق في حذرهم منه. معتبرا أن هادي سيبقى في مكانه ويترك للجان شعبية جنوبية تسيطر هنا أو هناك، ليصبح الجنوب مربع النفوذ الذي في الشمال للجان الحوثي ليس كخطة، ولكن الصراعات تتحرك وكل الأطراف أيضا إلا هادي. حد قوله. *عن أسبوعية الأهالي