رغم أن التوقيت التركي تغيّر بتأخره ساعة عن التوقيت السائد والمتقلب جغرافيا في تركيا، الا أن المزاج السياسي لحزب العدالة الحاكم أصرّ على المضي بالتوقيت القديم، مجمدا توقيت تركيا المناخي، الذي توقف إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، التي تجري اليوم الأحد؛ بتوقيت العدالة الانتخابي. كأن حزب العدالة أراد من تثبيت توقيته السياسي إبراز ثقته بنتائج الانتخابات التي بحسب استطلاعات الرأي التركي، ستعطيه نسبة الحصول على الأغلبية البرلمانية مما تمكنه من ادارة الحكومة بمفرده، النسبة التي فشل بالحصول عليها في انتخابات 7 يونيو الماضية، مما أدخل البلد في أزمة سياسية حادة بسبب رفض المعارضة الدخول في توافق سياسي يفضي لحكومة ائتلافية. لقد شهدت تركيا ما بعد انتخابات يونيو الماضي حالة قلق عصيبة، وعاش الشعب التركي حالة انزعاج من الغموض الذي لف السياسة والاقتصاد التركيين، نتيجة فشل حزبي العدالة والشعب الجمهوري الوصول الى اتفاق حول برنامج سياسي لادارة البلاد، وهو فشل يعيد للذاكرة حقبة التسعينات من القرن الماضي التي تؤكد صعوبة الحصول على استقرار تركي في ظل حكومات ائتلافية من أحزاب غير متجانسة، حيث لم تشهد تركيا حالات الاستقرار إلا في ظل حكومات الحزب الواحد. ولذا يخوض حزب العدالة الحاكم انتخابات الإعادة هذا اليوم، بثقة شبه مطلقة، بأن الشعب التركي سيتوجه للتصويت لصالح الاستقرار السياسي والاقتصادي، والذي أضحى مرهون بفوز العدالة بأغلببة برلمانية، ولذا (ربما) تتوجة نسبة مهمة من المصوتين الاتراك؛ بشكل اضطراري، للتصويت للعدالة ليس حبا فيه ولكن رغبة باستقرار تركيا، التي لم تعد تحتمل إعادة جولة ثالثة من الانتخابات، في حال أتت نتائج الفرز، بنسخة مكررة من حزب حاكم لا يستطيع الحكم منفردا و أحزاب معارضة هشة، تجيد الحقد أكثر من البناء. لقد كثّف حزب العدالة خلال الفترة الماضية، كل جهوده لاقناع الشعب التركي بأهمية الذهاب لانتخاب الاستقرار؛ الذى أصبح مرتبطا به، وبمرونة تتسم بالدهاء، عمل على تعديل كل أخطائه السياسية التي جعلته يخسر سياسيا في انتخابات يونيو، حيث ألغى - أو لنقل أجل - الحديث عن النظام الرئاسي، وبدأ في حلّ مشاكله الداخلية كحزب والتي أدت لاستقالة أهم شخصيات العدالة من قمة القيادة فيه، وهو ما بدا واضحا من اعادتها للساحة الانتخابية كمثل: مهندس الاقتصاد التركي علي باباجان، كما قام العدالة بتعديل خطابه للشارع؛ التركي بالحديث عن ما سوف يفعله لمستقبل تركيا، بدل الانشغال بالحديث عما فعله لها. لم يكتفي اردوغان رئيس تركيا وداؤود أوغلو رئيس الوزراء، بتغيير خطاب الحزب؛ بهدف طمأنة الداخل التركي، بل قاما باستثمار حركة اللاجئين والتدخل الروسي بسوريا، لصالح اقناع الناخب التركي بأن تركيا الجديدة، ستكون أفضل مع استمرار العدالة كحزب حاكم متفرد بالسلطة، حيث أثارت سياسة الحكومة التركية بجعل تركيا بلد عبور للاجئيين باتجاه اوربا قلق المانيا، مما جعل ميركل تعقد لقاءا عاجلا مع اردوغان لوقف مدّ الهجرة نحو اوربا، واستثمرت حكومة اغولو هذا الطلب بفروض شروطها، منها فتح مفاوضات عضوية الاتحاد الاوربي، وتحرير نظام التأشيرات بين تركيا ومنطقة الشنجن، وهذا من شأنه تسهيل حركة المواطنين الأتراك في بلدان أوروبا. يدرك المواطن التركي جيدا أن تركيا قبل مجيئ حزب العدالة للسلطة، كانت تعيش مأزق هوية وعجزا اقتصاديا، ولقد استطاع العدالة خلال فترات حكمه، أن يعيد التوازن لهوية الدولة من خلال سد الفجوات بين العلمانية والهوية الاسلامية، واطفاء جذوة الصراع بين الهويات الفرعية من خلال الاعتراف بالهوية الكردية، كما استطاع أن يحل مشكلة العجز الاقتصادي لتركيا ويطور من نموها التنموي. لكن المواطن التركي يدرك أيضا أن استمرار هذا الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي؛ بالاضافة الى تحقيق الحلم التركي بالانضمام الى اوربا، لن يتحقق الا عبر حزب العدالة. الأهم هنا في مسألة الانتخابات التركية التي تجري اليوم، هو كونها لم تعد شأنا يخص الناخب التركي؛ أي لم تعد شأنا تركيا خالصا، بل أضحت تهم المواطن العربي، وشأنا اقليميا ودوليا، فتأثيراتها سلبا وايجابيا، لن تقتصر على تركيا وحدها، بل على الوطن العربي خصوصا والمجمتع الدولي عموما. فالعالم كله يترقب نتائج انتخابات اليوم بحذر بالغ، ففوز العدالة بأغلبية برلمانية تؤهلة للحكم المنفرد، أمر يفرح أغلب مواطني الدول العربية وخصوصا التي قامت بها الثورات العربية، ومنها: اليمنوسوريا ومصر، كما يقوي من جبهة التحالف العربي بقيادة السعودية التي تخوض حربا مفتوحة في اليمن ضد المشروع الايراني. ولقد بدا واضحا من خطابات كل من الرئيس التركي والأمير القطري، أن دول (السعودية وقطر وتركيا) تتجه لتشكيل تحالف موحد، ضد المشروع الايراني في اليمن والروسي في سوريا؛ ولو استدعي الامر تدخل عسكري بسوريا، وهذا التحالف مرهون سريان مفعوله بنتائج انتخابات اليوم، التي جرت بتوقيت زمني موحد لانقرة والدوحة والرياض؛ وهي عواصم تشكل التحالف المناهض للمشروع السوري الايراني في منطقة الشرق نقلا من صفحته بالفيسبوك