مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد الوثيقة الفكرية والثقافية.. هكذا هو اقتراب (القاسم والهادي) من الأسلوب القرآني!! (الحلقة الخامسة)
نشر في الأهالي نت يوم 24 - 05 - 2012

«الوثيقة الفكرية والثقافية» التي أراد لها الحوثيون، ومن يقول بقولهم، أن تختصر رؤيتهم وعقيدتهم صِيغَت بأسلوبٍ فيه من السذاجة بقدر ما ينطوي عليه من التهويل. واعتماد التهويل في الخطاب يؤتي ثمرته في السذج من دون ريب؛ فلكأن الذين صاغوا الوثيقة لا يتعدون بها مخاطبة نوعية من الناس يتلقون بالقبول كل ما يُملى عليهم دونما استفسار أو مناقشة، ولهذا جاء التهويل ب (أهل البيت) وأنهم «ورثة كتاب الله وحججه في أرضه..» إدراكاً من واضعي «الوثيقة» بأن محدودي النظر والتفكير لا يملكون إلا أن يكون ردهم: سمعاً وطاعةً ل (أهل البيت) الذين قالت «الوثيقة» إن الله أمر بطاعتهم.
بعد ما أورَدَته الوثيقة «في مسائل أصول الدين» و«تَعَلُم دين الله وتعليمه» قالت: «إن الجميع متفقون على منهج أهل البيت عليهم السلام في أصولهم وعقائدهم التي مضى عليها الأئمة الهداة من فجر الإسلام إلى زمننا هذا متقدموهم ومتأخروهم وإن كنا نرجح أسلوب المتقدمين مثل الهادي والقاسم لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية».. تتحدث الوثيقة إذاً – من حيث لا يريد أصحابها - عن أكثر من منهج يندرج تحت عنوان (أهل البيت)؛ وإن حاولوا التمويه باستخدام مفردة «أسلوب».. غير أن الأهم من هذا هو ترجيحهم أسلوب الإمامين الهادي يحيى بن الحسين وجده القاسم الرسي. أما الأكثر أهمية فهو ما أوردوه من تعليل لترجيحهم أسلوب الهادي والقاسم.
إن ترجيح ما قالوا عنه «أسلوب» الهادي والقاسم لهو في حد ذاته اختزال للمذهب الزيدي، على مستوى التأصيل والتقعيد، في هذين الإمامين. أما إذا أضفنا تعليلهم لذلك الترجيح بقولهم: «لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» فإنه يدل – بمفهوم المخالفة - على أن أصحاب الوثيقة يرون أن أساليب أئمة الزيدية، غير الهادي والقاسم، بعيدة عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية. والذهاب إلى أن غير الهادي والقاسم بعيدون في أساليبهم عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية يستلزم الذهاب إلى نفي ليس الأسلوب مجرداً، وإنما كل ما يكسبه صاحب الأسلوب به، والمعنى بالتالي أن أصحاب الوثيقة يذهبون إلى أن غير الهادي والقاسم بعيدون في المجمل عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية.
«القاسمية» أو «الهادوية» أولى
وطالما وللإمامين القاسم الرسي وحفيده الهادي هذه المنزلة التي جعلت واضعي «الوثيقة الفكرية والثقافية» يخص�'ونهما وحدهما – من بين أئمة الزيدية - بالقرب من «الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» فإن الرجوع إلى بعض ما ورد عن القاسم والهادي على كثير من الأهمية في نقد «الوثيقة» والوقوف على كيف أنها تُنَاقِض نفسها بنفسها، وأن صياغتها من الضعف – في ضوء ما تنطوي عليه من الثغرات – كما لو أنها من صنع هواة وليس محترفين.
يقول الإمام القاسم الرسي: «إن سأل سائل فقال ما مذهبك؟ فقل: أنا قاسمي المذهب في القول بالتوحيد والعدل، ونفي الجور والتشبيه عن الله، ورأي السيف في القريب والبعيد إذا عاند بعد الإنذار والبيان. فاطمي المقال [في] موالاة العترة والقول بإمامة سبطي الأئمة سيدي شباب أهل الجنة، وفي إثبات الدعوة وإيجاب البيعة لمن قام بالحق من ولديهما عليهما السلام، إذا كان عالما بالحق عاملا بأحكامه، داعيا إلى سبيل ربه، ناصرا لأهله. وعلوي السيرة في موالاة الأولياء ومنابذة الأعداء، والصبر على البلوى، والغمض على القذى، مع شهر السيف على من ينكث البيعة، ويحرف عن الدين، ويخرج عن إمام المسلمين. فهذا مذهبي وديني، فمن أبى أنكر، ومن أحب أقر، فأنا لا أبالي بإنكار منكر و[لا] أباهي بإقرار مقر، لأني أرى الحق لا يستوحش من الوحدة، ولا يبالي عمن أعرض وتولى».(1)
يلفت النظر في هذا الاقتباس الطويل عن الإمام القاسم الرسي أنه أوردَ (في معرض الإجابة على سؤال ما مذهبك؟) تسمياتٍ ثلاث ليس بينها «زيدي». والتسميات الثلاث بالترتيب كما وردت عنده هي «قاسمي» نسبة إلى اسمه، و«فاطمي» نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء "رض"، و«علوي» نسبة إلى الإمام علي بن أبي طالب "رض". فالإمام القاسم إذ ينسب مذهبه إلى اسمه، أو بتعبير آخر: إذ يطلق اسمه على مذهب يرى أنه مؤسسه، ليؤكد أنه ليس امتداداً لما يُسمى بالمذهب «الزيدي»، وأن التسمية ب «الزيدي» كمذهب لا تعني له شيئاً حتى يتوقف عندها وينسب نفسه إليها، كما فعل مع «الفاطمي» و«العلوي». أو في أحسن الأحوال أن التسمية ب «قاسمي» المذهب أظهَر وأو�'ثَق من التسمية ب «زيدي»، والواضح أن إماماً يختار بنفسه اسماً لمذهبه، فلا يتردد عن إطلاق اسمه عليه، يريد للتسمية أن تسري على من يقلدونه، فيصبح مذهبهم «قاسمياً» كما مذهبه.
ومن هنا فإن أصحاب «الوثيقة» – لاسيما مع حصرهما الأسلوب القريب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية في أسلوب القاسم والهادي – أولى بالاقتصار في الانتساب كمذهب إلى القاسم أو الهادي، ولن يكونوا مبتدعين فقد سَن�'ها الإمام القاسم نفسه، فكيف لا يكون واضعو «الوثيقة» أولى بالانتساب إليه، أو إلى حفيده، وقد اختصوا أسلوبهما بمقام من القرآن الكريم والفطرة الربانية لم ينله في «الوثيقة» الإمام زيد بن علي نفسه؟!
لي عنق النصوص
يستدعي قول أصحاب الوثيقة إنهم يُرَجِحون أسلوب الإمامين القاسم الرسي وحفيده الهادي، لقربه من النص القرآني والفطرة الربانية، مناقشة صحة ما عللوا به ترجيحَهم، وكيف هي تجليات هذا القرب من الأسلوب القرآني الذي يتحدثون عنه؟
لقد لاحظ الدكتور علي محمد زيد «أن الهادي حين يستشهد بآيات القرآن الكريم لإثبات نظريته السياسية [في مسائل الإمامة] يفرض على الآيات تفسيرات قسرية بحيث يفصلها عن السياق الذي وردت فيه، وعن أسباب النزول، ويؤولها بطريقة منافية للعقل، أي أنه يناقض منهجه العقلي الذي اتبعه مع المجبرة والمرجئة وغيرهما "...."، وأبرز دليل على ذلك تفسيره للآية القائلة: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}(2) بقوله إن ورثة الكتاب هم محمد وعلي والحسن والحسين، ومن أولدوه من الأخيار».(3)
وزيادة في التدليل على كيف أن الإمام الهادي يعتسف آيات القرآن الكريم - ويُحَمِلها تفسيرات قسرية لتصب في تأييد مذهبه – سنقتبس فقرات من «كتاب القياس» كرَسها لتأكيد أن (أهل البيت) هم أصل الدين والعلم والتشريع والحكم، وأنهم الوسيلة بين الله وخلقه!!
يقول الإمام الهادي: «إنه ليس أحدٌ من المخلوقين أولى بفهم أحكام رب العالمين ممن اختاره الله واصطفاه، وانتجبه وارتضاه، فجعله مؤدياً لدينه، قائماً بحكمه، داعياً لبريته، حايطاً لخليقته، منفذاً لإرادته، داعياً إلى حجته، مبيناً لشريعته، آمراً بأمره، ناهياً عن نهيه، مقدماً لطاعته، راضياً لرضاه، ساخطاً لسخطه، إماماً لخليقته، هادياً لها إلى سبيله، داعيا لها إلى نجاتها، مُخرِجاً لها من عمايتها، مثبتاً لها على رشدها، مقيماً لها على جواد سبلها، ناصحاً لله فيها، قائماً بحقه سبحانه عليها. وذلك وأولئك فَهُم صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته، وخلفاؤه في أرضه، الأئمة الهادون، والقادة المرشدون، من أهل بيت محمد المصطفى، وعترة المرتضى، ونخبة العلي الأعلى، المجاهدون للظالمين، والمنابذون للفاسقين، والمقربون للمؤمنين، والمباعدون للعاصين، ثِمَالُ كل ثمال، وتمام كل حال، الوسيلة إلى الجنان، والسبب إلى الرضى من الله والرضوان..»..(4)
ثم بعد أن يصل إلى أن الذين وصفهم ب «صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته» قد نالوا بعطاء الله ما لم ينل غيرهم، يقول الإمام الهادي عنهم: «فكان عِلمُهُم – لما ذكرنا (والكلام له) من اختيار الله لهم، واصطفائه إياهم، ورضاه باستخلافهم في أرضه، واسترعائه لما استرعاهم من بريته – عِلماً جليلا، وكان قياسهم قياساً ثابتاً أصيلا، إذ هم وأبوهم صلوات الله عليهم أصل كل دين، وعماد كل يقين، ومنه صلوات الله عليه وآله تفرعت العلوم المعلومة، وبلغت الأصول الفاضلة، فمن علمهم صلوات الله عليهم تفرعت الأحكام، ومن بحر فهمهم استقى جميع الأنام، فَهُم أصل الدين، وشرائع الحق المستبين، فكُلُ علم نِيلَ أو كُسِب؛ فمن فضل علمهم اكتُسب، وكل حكم حقٍ�' به حُكِم؛ فمن حكم حقهم عُلم، فهم أمناء الله على حقه، والوسيلة بينه وبين خلقه، المبلغون للرسالات، الآتون من الله سبحانه بالدلالات، المثبتون على الأمة حججه البالغة، المسبغون بذلك على الأمة النعم السابغة، لا يجهل فضلهم إلا جهول معاند، ولا ينكر حقهم إلا معطل جاحد، ولا ينازعهم معرفة ما به أَتَوا عن الله إلا ظلوم، ولا يكابرهم فيما أدوه إلى الأمة عن الله إلا غشوم، لأنهم أهل الرسالة المبلغة، والآتون من الله بالحجة البالغة، الذين افترض الله على الأمة تصديقهم، وأُمِروا باتباعهم ونُهُوا عن مخالفتهم، وحُضُوا على الاقتباس من علمهم، ألا تسمع كيف يقول الرحمن، فيما نزل من النور والبرهان، حين يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(5)؟ فأُمِرَت الأمةُ بسؤالهم عند جهلها، والاقتباس منهم لمفروض علمها. ثم قال الله سبحانه: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى ألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}(6)، فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا ما يجهلون علمه، ولا ينالون فهمه إلى الله؛ بالتسليم له في حكمه، وإلى الرسول في معلوم علمه، والى الأئمة من عترته فيما التبس من ملتبسه، واشتبه على الأمة من متشابهه؛ لوجدوه عند الله في كتابه مُثبتاً، وفي سنة رسوله التي جاء بها عن الله مبيناً، وعند الأئمة من عترته صلى الله عليه نيراً بيناً. ثم أخبر سبحانه أنَه لولا فضل الله على الخلق بإظهار من أظهر لهم من خيرته، وتولية من ولَى عليهم من صفوته، إذن لاتبعوا الشيطان في إغوائه، ولشاركوه في غيه وظلاله، فامتن عليهم سبحانه بأئمة هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، صفوة الله من العالمين، وخيرته من المخلوقين، نور الأمة، وسراج الظلم المدلهمة، ورعاء البرية، وضياء الحكمة، ومعدن العصمة، وموضع الحكمة، وثبات الحجة، ومختلف الملائكة، اختارهم الله على علمه، وقدمهم على جميع خلقه..». (7)
صحيح أن هذا الاقتباس من الإمام الهادي أطول مما ينبغي، لاسيما في تناولة صحفية؛ بيد أن حِرص أصحاب «الوثيقة الفكرية والثقافية» على تعليل ترجيحهم لأسلوب الهادي والقاسم ب «قربه – كما قالوا – من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» وراء الإسراف في الاقتباس السابق، الذي يكشف جانباً مما زعم أصحاب الوثيقة أنه اقتراب لدى الإمام الهادي من الأسلوب القرآني. فواضح جداً مدى الاعتساف في تفسير الهادي لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وقوله سبحانه: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى ألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}. فهل هذا هو الاقتراب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية الذي عناه أصحاب «الوثيقة»؟
شراكة الجد والحفيد
على أن هذا الأسلوب في اعتساف تأويل الآيات وفَرض تفسيرات قسرية عليها ليس قليلاً نادراً لدى الإمام الهادي، لاسيما حين يتعلق الأمر بمسائل الإمامة وحصرها في ذرية الحسن والحسين، ففي دعوة وجهها إلى شخص اسمه أحمد بن يحيى بن زيد يقول الهادي بعد أن يَذكُر (آل محمد) وأن الله استنقذ بهم الأمة من شقاء الحفرة: «قد اختار الله لهم منهم أئمة هادين، وجعلهم من ولد نبيه خاتم النبيين. وفي ذلك ما يقول: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة}(8) من أهل النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن الحكمة، وبيت النجاة والعصمة، الذين أمر الخلق باتباعهم، والكينونة معهم دون غيرهم، وذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(9) وفيهم وفي آبائهم ما يقول سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(10) فجعل الولاية لهم خاصة، وثبَت الإمامة فيهم، وأنزل الوحي عليهم بذلك».(11)
والأمر ذاته يمكن أن نلمسه بوضوح لدى الإمام القاسم الرسي، ومن ذلك قوله: «..فأهل بيته المصطفون الطاهرون العلماء هم الذين أوجب الله سبحانه أن يُسألوا، وأن يكونوا متبوعين غير تابعين، لأن الله يقول في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}(12)، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}(13)، وقال تبارك وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون}(14)، وقال: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}(15)، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}(16)».(17)
هذا هو الذي قَصَدَه أصحاب «الوثيقة الفكرية والثقافية» بِقُرب أسلوب الإمامين القاسم (الجد) والهادي (الحفيد) من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية!! لأنه – ببساطة – أسلوب يلبِي اليوم رغبة هؤلاء في تطويع نصوص القرآن الكريم لتصب في صالحهم، والقول باصطفائهم وتفضيلهم على الخلق، وأنهم ظل الله في أرضه، والوسيلة بينه وبين عباده.. أما أن هذا الأسلوب في الاستدلال بالقرآن الكريم والاستشهاد بآياته أسلوبٌ يلوي عنق النصوص ويُورِدها غير مواردها؛ فليس أدلَ على ذلك من أنه ليس للقاسم والهادي، من قرائن السياق أو أسباب النزول، ما يسعفهما فيما ذهبا إليه من الاستشهاد بتلك الآيات. فكيف إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ما يُجَادِل الهادي والقاسم بغرض إثباته – من اصطفاءِ الله لسلالة واختصاصِها بِفَهم دينه والقيام بأمره.. – أمرٌ يجافي منطق العقل ومبدأ العدل.. أهكذا يكون الاقتراب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية؟!
يتبع في العدد القادم..
الهوامش والمراجع
(1) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، تحقيق: عبدالكريم أحمد جدبان، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط1، 2001، الجزء الأول، ص 652.
(2) سورة فاطر، الآية 32.
(3) د. علي محمد زيد، معتزلة اليمن (دولة الهادي وفكره)، مركز التراث والبحوث اليمني - صنعاء، دار العودة – بيروت، ط 1، 1981، ص 185.
(4) مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي يحيى بن الحسين (المجموعة الفاخرة)، تحقيق: علي أحمد الرازحي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط 1، 2000، ص 580 – 581.
(5) سورة الأنبياء، الآية 83.
(6) سورة النساء، الآية 83.
(7) المجموعة الفاخرة، مرجع سابق، ص 582 – 583.
(8) سورة القصص، الآية 68.
(9) سورة التوبة، الآية 119.
(10) سورة المائدة، الآية 55.
(11) المجموعة الفاخرة، مرجع سابق، ص 525.
(12) سورة الحجرات، الآية 1.
(13) سورة الحجرات، الآية 2.
(14) سورة النساء، الآية 95.
(15) سورة الأعراف، الآية 3.
(16) سورة الحشر، الآية 7.
(17) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 185.
* نقلا عن صحيفة الناس الأسبوعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.