تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    الحوثيون يرتمون في محرقة طور الباحة ويخسرون رهانهم الميداني    إجازة الصيف كابوس لأطفال عتمة: الحوثيون يُحوّلون مراكز الدورات الصيفية إلى معسكرات تجنيد    عيدروس الزبيدي يصدر قرارا عسكريا جديدا    في اليوم 215 لحرب الإبادة على غزة.. 34844 شهيدا و 78404 جريحا .. ومشاهد تدمي القلب من رفح    من فيتنام إلى غزة... حرب النخبة وغضب الطلبة    "لا مستقبل للتعليم تحت سيطرة الحوثيين": استقالة أكاديميين من جامعة الضالع تُنذر بموت الحلم.    خوسيلو يقلب الطاولة على ميونيخ ويقود الريال للقاء دورتموند    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    العرادة يعرب عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية بوقف الحرب الظالمة على غزة    سقوط نجم الجريمة في قبضة العدالة بمحافظة تعز!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    قناتي العربية والحدث تعلق أعمالها في مأرب بعد تهديد رئيس إصلاح مأرب بقتل مراسلها    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    أحذروهم في عدن!.. المعركة الخطيرة يقودها أيتام عفاش وطلائع الإخوان    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    الاشتراكي اليمني يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين ويدعو لإجراء تحقيق شفاف مميز    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    عصابة معين لجان قهر الموظفين    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد الوثيقة الفكرية والثقافية.. هكذا هو اقتراب (القاسم والهادي) من الأسلوب القرآني!! (الحلقة الخامسة)
نشر في الأهالي نت يوم 24 - 05 - 2012

«الوثيقة الفكرية والثقافية» التي أراد لها الحوثيون، ومن يقول بقولهم، أن تختصر رؤيتهم وعقيدتهم صِيغَت بأسلوبٍ فيه من السذاجة بقدر ما ينطوي عليه من التهويل. واعتماد التهويل في الخطاب يؤتي ثمرته في السذج من دون ريب؛ فلكأن الذين صاغوا الوثيقة لا يتعدون بها مخاطبة نوعية من الناس يتلقون بالقبول كل ما يُملى عليهم دونما استفسار أو مناقشة، ولهذا جاء التهويل ب (أهل البيت) وأنهم «ورثة كتاب الله وحججه في أرضه..» إدراكاً من واضعي «الوثيقة» بأن محدودي النظر والتفكير لا يملكون إلا أن يكون ردهم: سمعاً وطاعةً ل (أهل البيت) الذين قالت «الوثيقة» إن الله أمر بطاعتهم.
بعد ما أورَدَته الوثيقة «في مسائل أصول الدين» و«تَعَلُم دين الله وتعليمه» قالت: «إن الجميع متفقون على منهج أهل البيت عليهم السلام في أصولهم وعقائدهم التي مضى عليها الأئمة الهداة من فجر الإسلام إلى زمننا هذا متقدموهم ومتأخروهم وإن كنا نرجح أسلوب المتقدمين مثل الهادي والقاسم لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية».. تتحدث الوثيقة إذاً – من حيث لا يريد أصحابها - عن أكثر من منهج يندرج تحت عنوان (أهل البيت)؛ وإن حاولوا التمويه باستخدام مفردة «أسلوب».. غير أن الأهم من هذا هو ترجيحهم أسلوب الإمامين الهادي يحيى بن الحسين وجده القاسم الرسي. أما الأكثر أهمية فهو ما أوردوه من تعليل لترجيحهم أسلوب الهادي والقاسم.
إن ترجيح ما قالوا عنه «أسلوب» الهادي والقاسم لهو في حد ذاته اختزال للمذهب الزيدي، على مستوى التأصيل والتقعيد، في هذين الإمامين. أما إذا أضفنا تعليلهم لذلك الترجيح بقولهم: «لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» فإنه يدل – بمفهوم المخالفة - على أن أصحاب الوثيقة يرون أن أساليب أئمة الزيدية، غير الهادي والقاسم، بعيدة عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية. والذهاب إلى أن غير الهادي والقاسم بعيدون في أساليبهم عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية يستلزم الذهاب إلى نفي ليس الأسلوب مجرداً، وإنما كل ما يكسبه صاحب الأسلوب به، والمعنى بالتالي أن أصحاب الوثيقة يذهبون إلى أن غير الهادي والقاسم بعيدون في المجمل عن الأسلوب القرآني والفطرة الربانية.
«القاسمية» أو «الهادوية» أولى
وطالما وللإمامين القاسم الرسي وحفيده الهادي هذه المنزلة التي جعلت واضعي «الوثيقة الفكرية والثقافية» يخص�'ونهما وحدهما – من بين أئمة الزيدية - بالقرب من «الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» فإن الرجوع إلى بعض ما ورد عن القاسم والهادي على كثير من الأهمية في نقد «الوثيقة» والوقوف على كيف أنها تُنَاقِض نفسها بنفسها، وأن صياغتها من الضعف – في ضوء ما تنطوي عليه من الثغرات – كما لو أنها من صنع هواة وليس محترفين.
يقول الإمام القاسم الرسي: «إن سأل سائل فقال ما مذهبك؟ فقل: أنا قاسمي المذهب في القول بالتوحيد والعدل، ونفي الجور والتشبيه عن الله، ورأي السيف في القريب والبعيد إذا عاند بعد الإنذار والبيان. فاطمي المقال [في] موالاة العترة والقول بإمامة سبطي الأئمة سيدي شباب أهل الجنة، وفي إثبات الدعوة وإيجاب البيعة لمن قام بالحق من ولديهما عليهما السلام، إذا كان عالما بالحق عاملا بأحكامه، داعيا إلى سبيل ربه، ناصرا لأهله. وعلوي السيرة في موالاة الأولياء ومنابذة الأعداء، والصبر على البلوى، والغمض على القذى، مع شهر السيف على من ينكث البيعة، ويحرف عن الدين، ويخرج عن إمام المسلمين. فهذا مذهبي وديني، فمن أبى أنكر، ومن أحب أقر، فأنا لا أبالي بإنكار منكر و[لا] أباهي بإقرار مقر، لأني أرى الحق لا يستوحش من الوحدة، ولا يبالي عمن أعرض وتولى».(1)
يلفت النظر في هذا الاقتباس الطويل عن الإمام القاسم الرسي أنه أوردَ (في معرض الإجابة على سؤال ما مذهبك؟) تسمياتٍ ثلاث ليس بينها «زيدي». والتسميات الثلاث بالترتيب كما وردت عنده هي «قاسمي» نسبة إلى اسمه، و«فاطمي» نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء "رض"، و«علوي» نسبة إلى الإمام علي بن أبي طالب "رض". فالإمام القاسم إذ ينسب مذهبه إلى اسمه، أو بتعبير آخر: إذ يطلق اسمه على مذهب يرى أنه مؤسسه، ليؤكد أنه ليس امتداداً لما يُسمى بالمذهب «الزيدي»، وأن التسمية ب «الزيدي» كمذهب لا تعني له شيئاً حتى يتوقف عندها وينسب نفسه إليها، كما فعل مع «الفاطمي» و«العلوي». أو في أحسن الأحوال أن التسمية ب «قاسمي» المذهب أظهَر وأو�'ثَق من التسمية ب «زيدي»، والواضح أن إماماً يختار بنفسه اسماً لمذهبه، فلا يتردد عن إطلاق اسمه عليه، يريد للتسمية أن تسري على من يقلدونه، فيصبح مذهبهم «قاسمياً» كما مذهبه.
ومن هنا فإن أصحاب «الوثيقة» – لاسيما مع حصرهما الأسلوب القريب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية في أسلوب القاسم والهادي – أولى بالاقتصار في الانتساب كمذهب إلى القاسم أو الهادي، ولن يكونوا مبتدعين فقد سَن�'ها الإمام القاسم نفسه، فكيف لا يكون واضعو «الوثيقة» أولى بالانتساب إليه، أو إلى حفيده، وقد اختصوا أسلوبهما بمقام من القرآن الكريم والفطرة الربانية لم ينله في «الوثيقة» الإمام زيد بن علي نفسه؟!
لي عنق النصوص
يستدعي قول أصحاب الوثيقة إنهم يُرَجِحون أسلوب الإمامين القاسم الرسي وحفيده الهادي، لقربه من النص القرآني والفطرة الربانية، مناقشة صحة ما عللوا به ترجيحَهم، وكيف هي تجليات هذا القرب من الأسلوب القرآني الذي يتحدثون عنه؟
لقد لاحظ الدكتور علي محمد زيد «أن الهادي حين يستشهد بآيات القرآن الكريم لإثبات نظريته السياسية [في مسائل الإمامة] يفرض على الآيات تفسيرات قسرية بحيث يفصلها عن السياق الذي وردت فيه، وعن أسباب النزول، ويؤولها بطريقة منافية للعقل، أي أنه يناقض منهجه العقلي الذي اتبعه مع المجبرة والمرجئة وغيرهما "...."، وأبرز دليل على ذلك تفسيره للآية القائلة: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}(2) بقوله إن ورثة الكتاب هم محمد وعلي والحسن والحسين، ومن أولدوه من الأخيار».(3)
وزيادة في التدليل على كيف أن الإمام الهادي يعتسف آيات القرآن الكريم - ويُحَمِلها تفسيرات قسرية لتصب في تأييد مذهبه – سنقتبس فقرات من «كتاب القياس» كرَسها لتأكيد أن (أهل البيت) هم أصل الدين والعلم والتشريع والحكم، وأنهم الوسيلة بين الله وخلقه!!
يقول الإمام الهادي: «إنه ليس أحدٌ من المخلوقين أولى بفهم أحكام رب العالمين ممن اختاره الله واصطفاه، وانتجبه وارتضاه، فجعله مؤدياً لدينه، قائماً بحكمه، داعياً لبريته، حايطاً لخليقته، منفذاً لإرادته، داعياً إلى حجته، مبيناً لشريعته، آمراً بأمره، ناهياً عن نهيه، مقدماً لطاعته، راضياً لرضاه، ساخطاً لسخطه، إماماً لخليقته، هادياً لها إلى سبيله، داعيا لها إلى نجاتها، مُخرِجاً لها من عمايتها، مثبتاً لها على رشدها، مقيماً لها على جواد سبلها، ناصحاً لله فيها، قائماً بحقه سبحانه عليها. وذلك وأولئك فَهُم صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته، وخلفاؤه في أرضه، الأئمة الهادون، والقادة المرشدون، من أهل بيت محمد المصطفى، وعترة المرتضى، ونخبة العلي الأعلى، المجاهدون للظالمين، والمنابذون للفاسقين، والمقربون للمؤمنين، والمباعدون للعاصين، ثِمَالُ كل ثمال، وتمام كل حال، الوسيلة إلى الجنان، والسبب إلى الرضى من الله والرضوان..»..(4)
ثم بعد أن يصل إلى أن الذين وصفهم ب «صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته» قد نالوا بعطاء الله ما لم ينل غيرهم، يقول الإمام الهادي عنهم: «فكان عِلمُهُم – لما ذكرنا (والكلام له) من اختيار الله لهم، واصطفائه إياهم، ورضاه باستخلافهم في أرضه، واسترعائه لما استرعاهم من بريته – عِلماً جليلا، وكان قياسهم قياساً ثابتاً أصيلا، إذ هم وأبوهم صلوات الله عليهم أصل كل دين، وعماد كل يقين، ومنه صلوات الله عليه وآله تفرعت العلوم المعلومة، وبلغت الأصول الفاضلة، فمن علمهم صلوات الله عليهم تفرعت الأحكام، ومن بحر فهمهم استقى جميع الأنام، فَهُم أصل الدين، وشرائع الحق المستبين، فكُلُ علم نِيلَ أو كُسِب؛ فمن فضل علمهم اكتُسب، وكل حكم حقٍ�' به حُكِم؛ فمن حكم حقهم عُلم، فهم أمناء الله على حقه، والوسيلة بينه وبين خلقه، المبلغون للرسالات، الآتون من الله سبحانه بالدلالات، المثبتون على الأمة حججه البالغة، المسبغون بذلك على الأمة النعم السابغة، لا يجهل فضلهم إلا جهول معاند، ولا ينكر حقهم إلا معطل جاحد، ولا ينازعهم معرفة ما به أَتَوا عن الله إلا ظلوم، ولا يكابرهم فيما أدوه إلى الأمة عن الله إلا غشوم، لأنهم أهل الرسالة المبلغة، والآتون من الله بالحجة البالغة، الذين افترض الله على الأمة تصديقهم، وأُمِروا باتباعهم ونُهُوا عن مخالفتهم، وحُضُوا على الاقتباس من علمهم، ألا تسمع كيف يقول الرحمن، فيما نزل من النور والبرهان، حين يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(5)؟ فأُمِرَت الأمةُ بسؤالهم عند جهلها، والاقتباس منهم لمفروض علمها. ثم قال الله سبحانه: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى ألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}(6)، فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا ما يجهلون علمه، ولا ينالون فهمه إلى الله؛ بالتسليم له في حكمه، وإلى الرسول في معلوم علمه، والى الأئمة من عترته فيما التبس من ملتبسه، واشتبه على الأمة من متشابهه؛ لوجدوه عند الله في كتابه مُثبتاً، وفي سنة رسوله التي جاء بها عن الله مبيناً، وعند الأئمة من عترته صلى الله عليه نيراً بيناً. ثم أخبر سبحانه أنَه لولا فضل الله على الخلق بإظهار من أظهر لهم من خيرته، وتولية من ولَى عليهم من صفوته، إذن لاتبعوا الشيطان في إغوائه، ولشاركوه في غيه وظلاله، فامتن عليهم سبحانه بأئمة هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، صفوة الله من العالمين، وخيرته من المخلوقين، نور الأمة، وسراج الظلم المدلهمة، ورعاء البرية، وضياء الحكمة، ومعدن العصمة، وموضع الحكمة، وثبات الحجة، ومختلف الملائكة، اختارهم الله على علمه، وقدمهم على جميع خلقه..». (7)
صحيح أن هذا الاقتباس من الإمام الهادي أطول مما ينبغي، لاسيما في تناولة صحفية؛ بيد أن حِرص أصحاب «الوثيقة الفكرية والثقافية» على تعليل ترجيحهم لأسلوب الهادي والقاسم ب «قربه – كما قالوا – من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية» وراء الإسراف في الاقتباس السابق، الذي يكشف جانباً مما زعم أصحاب الوثيقة أنه اقتراب لدى الإمام الهادي من الأسلوب القرآني. فواضح جداً مدى الاعتساف في تفسير الهادي لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وقوله سبحانه: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى ألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}. فهل هذا هو الاقتراب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية الذي عناه أصحاب «الوثيقة»؟
شراكة الجد والحفيد
على أن هذا الأسلوب في اعتساف تأويل الآيات وفَرض تفسيرات قسرية عليها ليس قليلاً نادراً لدى الإمام الهادي، لاسيما حين يتعلق الأمر بمسائل الإمامة وحصرها في ذرية الحسن والحسين، ففي دعوة وجهها إلى شخص اسمه أحمد بن يحيى بن زيد يقول الهادي بعد أن يَذكُر (آل محمد) وأن الله استنقذ بهم الأمة من شقاء الحفرة: «قد اختار الله لهم منهم أئمة هادين، وجعلهم من ولد نبيه خاتم النبيين. وفي ذلك ما يقول: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة}(8) من أهل النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن الحكمة، وبيت النجاة والعصمة، الذين أمر الخلق باتباعهم، والكينونة معهم دون غيرهم، وذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(9) وفيهم وفي آبائهم ما يقول سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(10) فجعل الولاية لهم خاصة، وثبَت الإمامة فيهم، وأنزل الوحي عليهم بذلك».(11)
والأمر ذاته يمكن أن نلمسه بوضوح لدى الإمام القاسم الرسي، ومن ذلك قوله: «..فأهل بيته المصطفون الطاهرون العلماء هم الذين أوجب الله سبحانه أن يُسألوا، وأن يكونوا متبوعين غير تابعين، لأن الله يقول في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}(12)، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}(13)، وقال تبارك وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون}(14)، وقال: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}(15)، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}(16)».(17)
هذا هو الذي قَصَدَه أصحاب «الوثيقة الفكرية والثقافية» بِقُرب أسلوب الإمامين القاسم (الجد) والهادي (الحفيد) من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية!! لأنه – ببساطة – أسلوب يلبِي اليوم رغبة هؤلاء في تطويع نصوص القرآن الكريم لتصب في صالحهم، والقول باصطفائهم وتفضيلهم على الخلق، وأنهم ظل الله في أرضه، والوسيلة بينه وبين عباده.. أما أن هذا الأسلوب في الاستدلال بالقرآن الكريم والاستشهاد بآياته أسلوبٌ يلوي عنق النصوص ويُورِدها غير مواردها؛ فليس أدلَ على ذلك من أنه ليس للقاسم والهادي، من قرائن السياق أو أسباب النزول، ما يسعفهما فيما ذهبا إليه من الاستشهاد بتلك الآيات. فكيف إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ما يُجَادِل الهادي والقاسم بغرض إثباته – من اصطفاءِ الله لسلالة واختصاصِها بِفَهم دينه والقيام بأمره.. – أمرٌ يجافي منطق العقل ومبدأ العدل.. أهكذا يكون الاقتراب من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية؟!
يتبع في العدد القادم..
الهوامش والمراجع
(1) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، تحقيق: عبدالكريم أحمد جدبان، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط1، 2001، الجزء الأول، ص 652.
(2) سورة فاطر، الآية 32.
(3) د. علي محمد زيد، معتزلة اليمن (دولة الهادي وفكره)، مركز التراث والبحوث اليمني - صنعاء، دار العودة – بيروت، ط 1، 1981، ص 185.
(4) مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي يحيى بن الحسين (المجموعة الفاخرة)، تحقيق: علي أحمد الرازحي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط 1، 2000، ص 580 – 581.
(5) سورة الأنبياء، الآية 83.
(6) سورة النساء، الآية 83.
(7) المجموعة الفاخرة، مرجع سابق، ص 582 – 583.
(8) سورة القصص، الآية 68.
(9) سورة التوبة، الآية 119.
(10) سورة المائدة، الآية 55.
(11) المجموعة الفاخرة، مرجع سابق، ص 525.
(12) سورة الحجرات، الآية 1.
(13) سورة الحجرات، الآية 2.
(14) سورة النساء، الآية 95.
(15) سورة الأعراف، الآية 3.
(16) سورة الحشر، الآية 7.
(17) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 185.
* نقلا عن صحيفة الناس الأسبوعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.