صنعاء التي رأيتها بالأمس ليست تلك التي أعرفها حتى في ذروة الثورة وصبيحة انشقاق الجيش الموالي لها بعد مجزرة الكرامة. صنعاء التي رأيتها ليست منقسمة فحسب، بل منتكسة مكسورة، وكل ما يحدث فيها شيء فوضوي للغاية. الانفلات الأمني، حركة المرور، تكدس القمامة يشعرك للوهلة الأولى بالصدمة وأنت ابن البلد ونكدها أمر مألوف بالنسبة لك. لا أدري كيف سيكون شعور أي زائر أجنبي لصنعاء من أول هذا المشهد؟ وواضح أن هناك من يدفع للترحم على النباش الأول»!! عشرات المسلحين الذي تقابلهم يستقلون سيارات جيب ومكشوفة ويتسكعون في الشوارع راجلين، مناظر تبعث على القرف وتؤكد بأن هناك مليشيات جاهزة في صنعاء منتظرين القارح للفيد ويبدو أن منسوبي الأمن قرروا أن يتفرجوا على صنعاء (مكايدة بالتوافق ونعم الأخلاق). الجيش في صنعاء لا زال منقسم على نفسه ومحاولات الرئيس هادي واللجنة العسكرية تصطدم بغول التشبث في الحرس العائلي وثقة زائدة بدأت تتغول في أوساط جيش ومناصري الثورة مش وقتها. يستطيع الرئيس هادي أن يهيكل الجيش ويفرض هيبة الدولة والانضباط العسكري لو قفز إلى عدن واستقر فيها ثلاثة أشهر خلالها يطلق قراراته من هناك تباعا أو بالقطارة، المهم أن يتعاطى مع التغيير في جو ومحيط صحي والذي مش عاجبه يعلن التمرد والشرعية الداخلية والدولية كفيلة بإعادته إلى بيت الطاعة أو إخراجه مطرودا إلى أقرب نقطة حدود يلجأ إليها» جربوا وعلى مسؤليتي تخرج البلاد إلى طريق». الانفلات والشحن الإعلامي الطائفي الفئوي المناطقي يقود الرأي العام إلى الفوضى وفي صنعاء الآن كتائب من «الكتاب الجدد» استباحوا بعض الصحف والمواقع الالكترونية ويشتغلون بوتيرة عالية لنشر الكراهية بين شرائح المجتمع ويؤصلون ثقافة التحقير والتخوين وعبثا يحاولون جر البعض لمربع العنف. أين هؤلاء الثوار الجدد من رسالة وأخلاق الصحافة ورصانة هشام باشراحيل وعلي الجرادي وسامي غالب ومجموعة الناشرين والكتاب الذين التزموا شرف المهنة فاستحقوا احترام الناس؟ من أين هبط على صنعاء هؤلاء الذين يدعون المدنية والديمقراطية وهم يمارسون مهنة الإعلام بعقلية العسكر الصغار ونرجسية الجنرالات الكبار إنهم يذكروننا بأيام العقيد ومن أنتم «رحم الله امرئ عرف قدر نفسه». حالة الانسجام الرائعة التي رأيناها جميعا في ساحة التغيير طوال عام من الاحتجاج الراقي انتكست.. في صنعاء شباب يغادرون دون أن يهيئوا أرضية مقنعة لهكذا قرار وشباب يهاجمون فريق العودة بطريقة عدوانية أقرب إلى التشفي «هذه ليست أخلاق ساحة التغيير التي عرفناها هذه انتكاسة خطيرة لا تعني فشل الثورة ولكن بداية تحريك للثورة المضادة». شيبة صنعاء الذي يقود حكومة التوافق ويجهش بالبكاء حين يتحدث عن معاناة بلده نعرفه جيدا هو ليس ضعيفا فقد رفض كل نصائحنا له في القاهرة بعدم العودة مخافة عليه وعاد متحديا قبل ظهور الربيع العربي ليدشن الهبة الشعبية. الآن عرفت لماذا تبك أيها الصديق الطيب الذي لم اتصل به متعمدا منذ أصبح رئيس حكومة حتى الآن وإن بي رغبة للبكاء لما رأيت في هذه المدينة المكسورة مع أن البكاء عند القبائل أمر مكروه كراهة نخيط». أحلامي في صنعاء كانت متواضعة في نوفمبر2007م كتبت ل»صنعاء مدينة بدون مشائخ.. وبدون الفندم أيضا، ولا تزال أحلامي متواضعة جدا نحلم أن نرى أهل صنعاء ينامون في بيوتهم ويتحركون في شوارعهم دون الشعور بالخوف على سياراتهم من عصابات السرق وأطفالهم من مواكب الزناطين وأراضيهم من بشمرقة الأراضي وكرامتهم من إهانات العسكر وجامعي الضرائب نريد أن يشعر المواطن أنه قوي بجنسيته ودولته فحسب لا يحتاج أن يلجأ إلى شيخ ولا يستقوي بنافذ.. «أثق بأن صنعاء ستخرج قريبا ماردا أقوى من أن يكسر ومدينة صامدة أعتى من كل العواصف وإن غدا لناظره قريب».