«القانون لا يحمي المغفلين»، هذا ما أفاده قانون الحصانة التي منحت لصالح، لكن «قانون العدالة الانتقالية» يتيح فرصة للمغفلين للاستئناف. ومن مجانبة الصواب في اللحظة الراهنة التحدث حول مشروعية «الحصانة» بحكم أنها المرتكز الأساس الذي لولاه لما وقع صالح على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأن المبادرة قد دخلت إلى حيز التنفيذ رسمياً في الواحد والعشرين من فبراير الماضي بانتخابات الرئاسة وتشكيل حكومة الوفاق. بيد أن العدالة الانتقالية تُوقع جميع المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في القفص حتى من شملتهم الحصانة، ولذا كان من الطبيعي أن يعارض وزراء في حكومة الوفاق مناقشة مشروع العدالة الانتقالية. وبحسب المصادر التي تحدثت ل «الأهالي» في وقت سابق فإن وزراء المؤتمر امتنعوا عن نقاش لجنة التحقيق في «أحداث 2011» يوم الثلاثاء المنصرم. وتعد لجنة التحقيق إحدى النقاط المتفرعة من مشروع العدالة الانتقالية أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. ووردت فقرة في قرار مجلس الأمن 2051 الخاص بشأن اليمن أكد على وجوب محاسبة جميع المسؤولين عن أعمال انتهاك وامتهان حقوق الإنسان، ويشدد على ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد ومستوف للمعايير الدولية بخصوص ما زعم وقوعه من أعمال انتهاك وامتهان لحقوق الإنسان، وذلك لمنع الإفلات من العقاب وضمان الخضوع للمساءلة على نحو تام. وقال المصدر ل «الأهالي» إن إرجاء مناقشة موضوع لجنة التحقيق جاء بعد امتناع بعض الوزراء المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي الخوض في النقاش حتى إشعار آخر. وكان فريق من الأممالمتحدة قد زار اليمن للاطلاع على الإجراءات التي اتخذت لإنشاء لجنة التحقيق، ولفتت إلى أن مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة في جنيف أصدر توصيات بشأن اليمن، من أهمها إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات. وينص «مشروع قانون العدالة الانتقالية» على أن الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككل، فمن واجب الدول أن تضمن -بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات- عدم تكرار تلك الانتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسسات التي إما كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها. عناصر العدالة الانتقالية وفقاً لما حدده المركز الدولي للعدالة الانتقالية فإن العدالة تستند على أربع مكونات أساسية إذا مضت في طريقها فإن مسؤولين يمنيين سيقعون في قبضة العدالة، لاسيما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحم�'ل المسؤولية حسب الركن الأول الذي حدده المركز الدولي الملاحقات القضائية. والعنصر الآخر «جبر الضرر» الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَدة وتتخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحية على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى) ذلك إذا كان الضرر قابل للعلاج. وهناك بند ثالث تحت تسمية «إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك -بالوسائل المناسبة- آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب». إضافة إلى ما ذكر آنفاً لجان الحقيقة أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. ومع أن تدابير العدالة الانتقالية ترتكز على موجبات قانونية وأخلاقية متينة، إلا أن هامش الاستيفاء بهذه الموجبات كبير، وبذلك ما من معادلة تناسب السياقات كافة (المركز الدولي للعدالة الانتقالية). في الطريق إلى مجلس النواب في 19 عشر من يناير المنصرم أقر مجلس النواب المادة (3) على حكومة الوفاق الوطني تقديم مشروع بقانون أو مشاريع بقوانين إلى البرلمان حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وفقاً لما ورد في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في فقرتها (ح) من البند (21) بما يرمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. وضم مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية القانون رقم (1) لسنة 2012 الذي يمنح الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس السابق علي صالح ومعاونيه مما يبعد هؤلاء عن المحاسبة الجنائية علة انتهاكهم للقانون الدولي. وفي يونيو حض�' مجلس الأمن الحكومة اليمنية على «سرعة إصدار التشريع الخاص بالعدالة الانتقالية دعماً لتحقيق المصالحة»، وقد أدت بعض المشاورات العامة إلى تعديل مشروع القانون بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية غير أن الحكومة فشلت في الوصول إلى التوافق وإقراره. ومن المقرر أن يصدر الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي قراراً بإحالة المشروع إلى مجلس النواب، فبحسب تصريحات صحفية أدلى بها وزير الشؤون القانونية الدكتور محمد المخلافي أكد «أنه لم يعد باستطاعة أي طرف من الأطراف الموقعة على وثيقة المبادرة الخليجية إعاقة صدور قانون العدالة الانتقالية بعد أن تم استكمال إعداده وإحالته إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة». مؤكداً إن الحكومة اليمنية ستحيل مشروع قانون العدالة الانتقالية إلى البرلمان قبيل منتصف الشهر الجاري. وأشار إلى أن التشريع المثير للجدل أحيل من قبل وزارته إلى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بعد استكمال إنجازه، وأنهما طبقاً للصلاحيات الممنوحة لهما بموجب المبادرة الخليجية سيبادران بإحالته إلى مجلس النواب للمصادقة عليها في يوليو الجاري.