الدكتور محمد عبدالملك المتوكل كان الأسبوع الماضي في مقدمة طابور الذين ذهبوا لتهنئة صالح بقدوم شهر رمضان، شهر التوبة من الثورة «الفاشلة»، شهر البر والصدقة و»يا قاضي الدين يا ديان»!! وهذا -رغم كل ما نعرف- أمر عجيب، خاصة وأن قناة «اليمن اليوم» بثت صورة الرجلين وهما يتعانقان، وقيام هذا القناة التابعة لصالح وأولاده بنشر الخبر والصورة يعني أنهم نقضوا أساسيات الشراكة والتحالف بينهم وبينه، وجرعوه من ذات الكأس التي لا يزال يسقيها -منذ سنين- لمختلف شركائه وما أكثرهم: في حزب اتحاد القوى الشعبية، في المشترك، في مجلس التضامن، في تكتل الدولة المدنية الحديثة.. وإلى آخر هذه التكتلات التي يعمل معها المتوكل وهو -في الحقيقة- لا يعمل مع أي منها. نشرت القناة الصور، والقُبلة التي طبعها صالح على خده «الشريف» أثناء استقباله، مسحها بصفعة أثناء نشرة الأخبار. والمهم أن القناة لم تدع له -هذه المرة- مجالا ليخرج وينفي لقاءه بعلي صالح كما فعل قبل شهرين.. وأنا شخصيا سمرت تلك الليلة على ألحان عبدالوهاب: لا تكذبي إني رأيتكما معا ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبة فأنكر وادعى إني رأيتكما.. إني سمعتكما عيناك في عينيه، في شفتيه، في كفيه، في قدميه ويداك ضارعتان ترتعشان من لهف عليه تتحديان الشوق بالقبلات تلذعني بسوط من لهيبِ بالهمس، بالهمس، بالآهات، بالنظرات، باللفتات، بالصمت الرهيبِ ويشب في قلبي حريق ويضيع من قدمي الطريق وتطل من رأسي الظنون تلوشني وتشد أذني فلطالما باركت كذبك كله ولعنت ظني ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفا عليك؟ ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقي إليك؟ أأقول هانت..؟ أأقول خانت..؟ أأقولها..؟ لو قلتها أشفي غليلي.. يا ويلتي.. لا، لن أقول أنا، فقولي لا تخجلي، لا تفزعي مني فلست بثائرِ أنقذتني من زيف أحلامي وغدر مشاعري ورأيت أنك كنت لي قيدا حرصت العمر أن لا أكسره.. فكسرته ورأيت أنك كنت لي ذنبا سألت الله أن لا يغفره.. فغفرته كوني كما تبغين، لكن لن تكوني فأنا صنعتك من هواي ومن جنوني ولقد برأت من الهوى ومن الجنونِ لا، لا، لا.. لا تكذبي إني رأيتكما معا وأيش رأيكم أنه لو كان علي صالح عاده رئيس الجمهورية وقام الدكتور المتوكل ودعس الثورة وراح يقف في طابور مهنئيه لاحتملت له العذر وإن على مبدئه هو، أو -بتعبير أصح- لوجدت له مبررا سياسيا، وسأقول -حينها- إن الرجل مشى مع الثورة لما تكسرين ركبه وقدم قافلة من الشهداء، ثم بدا له أن مصلحته ومصلحة الدولة المدنية والديمقراطية مع علي صالح، فقلب الدقة. ولقلت إن هذا الأمر معتاد وفق مبدأ بعض الساسة الذي لخصه علي صالح ذات يوم بقوله لأحد أصحابه: «كما السياسة هي لعص أحذي».. يقصد: لا تتشدد في أي موقف، ودائما شوف «خراجك»، ومتى اقتضت المصلحة منك تغيير موقفك وكلامك إلى النقيض فلا تتردد..!! نعم، كنت سأعذره وسأبرر له هذا الفعل سياسيا لو كان صالح ما يزال رئيسا للجمهورية، أما اليوم فالأمر مختلف جدا.. ولست معنيا الآن بالحديث باسم الثورة وشبابها، ولا باسم أي من تلك الأطراف المتحالفة مع الدكتور المتوكل، بل سأضع نفسي في صفه وأطرح نفسي مكانه وأتساءل: لماذا يذهب المتوكل لتهنئة صالح وليس العكس!؟ يا دكتور: إذا كان علي صالح رئيس حزب فأنت رئيس حزب مثله، أو يمكن نسيت -هذه الأيام- أن معك حزب!؟ وإذا كان صالح حكم ثلاثين سنة وتعتقد أن هذه نقطة أفضلية اجتماعية وسياسية يتفوق بها عليك، فأنت حكمت قبله ألف سنة!! كم هو هذا الشيء غريب ويحير الحليم اللي ما عندوش فكرة عن المبدأ السياسي لعلي صالح وأصحابه!! تناقضات عجيبة. وكم هي الأسئلة كثيرة ومتزاحمة مثل أحذيةٍ بباب الجامع الكبير يوم الجمعة، وجميعها بلا إجابة إلا إجابة واحدة تتردد عند كل سؤال وبتعبير المتوكل نفسه: أكيد «عندهم شيء يشتي يبرموه»!