لست مع نظرية المؤامرة ولا مع تحميل العدو الخارجي – دائما – مسؤولية ما يجري في بلادنا العربية من ترد للأوضاع، وما يميز ثورات الربيع العربي أن�' التأثير الشعبي الداخلي كان هو الفيصل في في إرغام الأنظمة المستبدة على الرحيل. فحين بدأت ثورات الربيع العربي تجتاح الجمهوريات الدكتاتورية العربية التي حكمها العسكر بالحديد والنار فتحول�'ت مواردها إلى حماية تلك العصابات الحاكمة التي نطلق عليها مجازا الأنظمة رغم مابينها وبين هنا المصطلح من بون شاسع . لم يكن أمام تلك العصابات الحاكمة إلا أن تتوارى بطرق مختلفة عن سدة الحكم أمام المد الشعبي الجارف الذي لا يقبل إلا بإسقاط رؤوس الأفاعي في الجمهوريات الدكتاتورية التي حكمها العسكر. توارت رؤوس تلك العصابات الحاكمة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وبقيت أجهزة الدولة ومفاصلها في منأى عن التغيير بنسب متفاوتة من دولة إلى أخرى. لقد عاشت تلك الأجهزة ممثلة في القيادات العسكرية ورؤساء الصحف الحكومية وبعض الشخصيات الكبيرة في الجهاز القضائي .والشخصيات الرأسمالية والدبلوماسية والمحافظين وغيرهم من أصحاب الثروة والنفوذ الذين أغدقت عليهم العصابات الحاكمة بالثروات والمناصب فأرضتهم وأضاعت البلاد والعباد مقابل كسب ولائهم والتغاضي عن تسلط وفساد عصابات الحكم في الجمهوريات العربية الدكتاتورية. وخوفا من سنة التغيير والتي طالت رأس الحكم لجأت تلك الشخصيات المتنفذة في المؤسسات العسكرية والقضائية والإعلامية والمالية إلى محاولة وأد الثورات العربية والقيام بمؤامرات مضادة. ولا يصح أن نطلق عليها ثورات مضادة لأنها ليست ذات بعد شعبي مطلبي كما هو حال الثورات وإنما شخصيات تخشى ضياع السلطة والثروة من بين أيديها وتستخدم فئة من ضعاف النفوس وعوام الناس الذين يستقطبونهم بالمال تارة وتارة أخرى بإثارة الشبهات والتخويف مما هو قادم. وسأوجز – في مقالات قادمة - ما تتعرض له بلدان ثورات الربيع العربي من مؤامرات مضادة تستهدف وأد الثورات العربية وكبح جماح التغيير وإفشال مشروع النهوض بتلك البلدان التي عانت عقوداً من فساد الحكم وسوء الإدارة مما نتج عنه انتشار الفقر والظلم وتكميم الأفواه وتحويل تلك الجمهوريات العربية إلى حكم عصابات عائلية مستبدة بلباس جمهوري ديمقراطي تستأثر فيه بالسلطة والثروة لعقود من الزمن. *كاتب بحريني