"في الثورة، كما في الروايات، الجزء الأكثر صعوبة هو ابتكار نهاية لها".. ألكسيس دي توكفيل تواجه الثورات العربية مخاطر جمة، وهناك من بدأ يسأل هل فشلت هذه الثورات في إحداث التغيير المأمول؟ الجواب على هذا السؤال ليس من المهام السهلة، ليس لأنه قد يجلب سخط أو رضا البعض ولكن لأنه من النوع الذي لا يمكن أن يكون حاسماً وواضحاً. في مصر مثلاً، ثمة من يتحدث عن فشل الثورة ويدعم رأيه هذا بمجموعة من الإشارات أبرزها أن العسكر ما يزالون يتحكمون بمقاليد الأمور برغم انتخاب رئيس مدني، والمتتبع للطريقة التي يتعاطى بها الإعلام وخصوصاً المملوك للدولة مع الأحداث السياسية يدرك هذه الحقيقة، فكل ما يقوم به العسكر يحقق المصلحة الوطنية، وكل ما يفعله الرئيس المنتخب يتعارض مع هذه المصلحة. أما في تونس، فعلى الرغم من تصدر القوى الثورية للمشهد السياسي إلا أن المخاوف من عودة النظام السابق تظل قائمة، خصوصاً في ظل استمرار سيطرته على المال ووسائل الإعلام. في اليمن، لا يبدو أن شيئاً قد تغير، ما يزال علي عبدالله صالح يمسك ليس بنصف الحكومة، ولكن بما يمثل 90% من السلطة، فالمحافظون وكبار المسؤولين السياسيين والأمنيين وجزء كبير من الجيش تحت سيطرته، وربما هذا ما دعاه أن يبعث برسالة تهنئة لنجله الأكبر بمناسبة بلوغه الاربعين من عمره، كأنه يقول: لقد أصبح ابني مستوفياً لشرط أساسي من شروط الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، مراهناً على ما لديه من قوة لتحقيق هذا الهدف الذي جاءت الثورة لتسقطه. والمتأمل لتحركات الرئيس المخلوع ومؤيديه يدرك حجم الخطر الذي يتهدد الثورة اليمنية وأهدافها، ومما لاشك فيه أن تخبط المشترك وتفتت قوى الثورة الشبابية قد ساهما في تقدم الثورة المضادة التي تحاول إعادة عقارب الساعة للوراء، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار شامل، إذ لا أحد بإمكانه تحمل ثلاثين سنة أخرى من الهمينة غير العاقلة على مقدرات البلاد وثرواتها. ومع أن ما سبق يؤكد أن الثورات العربية قد أخفقت في عدم قدرتها على التعامل مع الأنظمة السابقة، والمنظومة السياسية والاقتصادية والاخلاقية التابعة لها، إلا أن ذلك لا يكفي للحكم عليها بالفشل. فالثورات عبارة عن موجات متتالية، وفي هذا السياق نتذكر أن الثورة الفرنسية لم تتمكن من إقامة حياة ديمقراطية حقيقية إلا بعد سبعين عاما. ليس علينا أن ننتظر هذا الوقت لنحقق أهداف ثورتنا، فالزمن غير الزمن، لكن من المهم أن ندرك أن مسيرة التغيير تبدأ بالتخلص من حالة الانقسام والازدواجية اللتان تسيطران على مؤسسات الدولة، وخصوصاً المؤسسة العسكرية. وفي ما يتعلق بالقوى الثورية وخصوصاً شباب الثورة قد يكون من الضروري تقييم تجربة الثورة وليست مشكلة في أن يصل البعض إلى مرحلة يكفر بها، لكن من المهم أن نعي ما هي الثورة؟ الثورة عملية مستمرة لتحقيق تغيير جذري في السلطة القائمة، ما حدث في دول الربيع العربي حتى هذه اللحظة هو تغيير شكلي، وهذا الأمر لا يجب أن يحبطنا، لأن مسيرة التحرر الإنساني لا تقف عند العقبات التي تعترضها. نعم ما حدث تغيير شكلي لكنه مهم، على الأقل تم ضرب صورة الزعيم الضرورة الذي يمسك أطراف الوطن ويمنعه من السقوط في حفرة سحيقة. ومن دون أن يبدو الأمر وكأنه جزء من حملة اعلانية لمواساة الثوار، يقول لنا التاريخ والتجارب التي مرت بها البشرية إن الثورات تنتصر في النهاية. صحيح أن تكلفة الانتصار غالباً ما تكون باهظة، لكنه يحدث وهذا هو المهم. انظروا إلى سوريا: بدأت الثورة سلمية تضج بأغاني وأناشيد وألحان مليئة بالحيوية لكن عنت النظام حو�'لها إلى ثورة مسلحة. هذا ما أريد قوله لمؤيدي الأنظمة: اسمحوا بالتغيير، لأن فشل التغيير السلمي سيؤدي إلى جعل الثورة أكثر عنفاً، ولن تكونوا بمنأى عن هذا العنف الذي لن يستثني أحداً، وكم كان محقاً الرئيس الأمريكي جون كينيدي عندما قال:"إن الذين منعوا الثورة السلمية، هم من أجبروها لتصبح ثورة عنيفة". أخيراً، في خضم هذه اللحظات الصعبة يجب أن لا نتخلى عن ايماننا بالمستقبل، لأنه لنا. وقد يكون من المناسب أن أختم بما قاله الأمير طلال بن عبدالعزيز قبل يومين من "أن المستقبل ينتظر الدول التي نجحت فيها الثورات العربية بعد مرور أكثر من عام على تغيير أنظمة الحكم فيها"، مضيفاً "أن الدول الديكتاتورية لن يكون لها مكان في المستقبل". - الناس