"القانون كنسيج العنكبوت: يمسك بالذباب الصغير ويمزقه الذباب الكبير".. بيكون تتحول الدولة إلى غابة عندما تتخلى عن القانون. يمكننا من الآن وصاعدا أن نطلق اسماً أكثر تعبيراً عن جمهوريتنا القديمة الجديدة "الغابة اليمنية". أما لماذا؟ فلأننا البلد الوحيد الذي لا يكترث بالقانون، ولا يدرك أهميته. ليس هذا وحسب، بل إننا لا نألو جهداً في نشويه سمعة القانون، ذات يوم صرخ علي عبدالله صالح في وجه معارضيه: "أنا القانون"، فما كان من معارضيه بعد أن خرجوا من قصره المشيد إلا أن صرخوا: "نحن القانون"، وكلاهما لا علاقة له بالقانون لا من قريب ولا من بعيد، فالقانون سلطة يخضع لها الجميع، وليس ملكية خاصة. مشكلتنا الأساسية أننا قبلنا بفكرة تغييب القانون من حياتنا، وبدلاً من أن نشعر بفداحة هذا الخيار على حياتنا، قمنا بإيجاد بدائل غير ملائمة، مثل القول أننا سنأخذ حقوقنا يوم القيامة وأننا في انتظار المهدي المنتظر الذي سيعاقب أمراء الحرب والفيد ونهب الأراضي والرتب العسكرية والمناصب العليا في الدولة/الغابة. لقد خلقت هذه المقولات مجتمعاً ضعيفاً لا يطالب بحقوقه، وكرست في وجدانه أنه لا سبيل لمقاومة طغيان السلطة إلا من خلال الملائكة، وهذا ما جعل الظلم يتفشى، إذ تعامل المتنفذون على اختلاف مستوياتهم واختصاصاتهم مع مثل تلك الأفكار والمقولات بقدر هائل من الاستخفاف. في الوقت الراهن يصعب على اليمن/ الغابة، إيجاد حلول لمشكلاتها في غيبة القانون والعدل، إذ لا يجب الدخول في ماراثون الصفقات وشراء الولاءات مهما كان حجم وأنواع الضغوطات. ولنتذكر أن علي عبدالله صالح ليس شخصاً مهووساً بالسلطة وحسب، وإنما تجربة حكم مريرة أهدرت القانون على نحو يثير الاشمئزاز. لقد خضعت اليمن لطريقة متعسفة في الحكم، كان المخلوع رئيس كل شيء، حتى اللصوص كانوا يرون فيه قائداً لا يجب إغضابه. تناسلت المظالم كما لا يتناسل شيء في هذا البلد، لكن الزعيم كما يحب أن يطلق عليه أنصاره كان يكتفي بخطابات تليفزيونية لشتم معارضيه، في وسط هذه الشتائم كان يدعو للحوار والتسامح، كان يرى أن هذا هو الصواب ويعبر عن الوطنية التي احتكرها لنفسه. اليوم وبعد أن سقط المخلوع بدرجة ما، نتساءل بكل صدق لماذا لا يعود القانون المخفي قسرياً منذ عقود طويلة؟ هل لا توجد إرادة سياسية؟ هل ثمة صعوبات كبيرة تقف حجر عثرة أمام عودة القانون؟ هل لأن الدولة أصابها الوهن وباتت تلعب دور المتفرج على الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنوها من مقاولي الموت المحليين والدوليين؟ ربما كل ذلك صحيح، لكن الأكثر صحة هو أن يبدأ الشعب نضاله لاستعادة القانون وتطبيقه على الجميع ولو كلف ذلك الدخول في حرب أهلية، لا مجال للمساومة، إما الرفض وإما القبول باستمرار تجزئة القانون وتعليبه وهو خيار يقودنا للعيش تحت رحمة من لا يرحم، وهذا الجحيم بعينه. حسناً لنفسح المجال للتفاؤل، فأخر الأخبار تشير إلى وصول طقم أمني لمنطقة الدخال بني عامر عزلة الجعاشن للبحث عن الذين قاموا برمي الطفل نادر خالد قاسم يحي من سطح منزل حينما امتنع عمه من سداد إتاوات للشيخ محمد أحمد منصور. هذا الخبر على بساطته على قدر كبير من الأهمية كون هذا الطقم هو الأول الذي يصل المنطقة منذ ثورة سبتمبر حسب الأهالي. تأسيساً على هذا الخبر، قد يكون من المهم أن نسأل، هل يتمدد القانون إلى جميع أنحاء البلاد أم يتوقف عند أقدام الشيخ الذي غالى في الاستكبار؟! عن صحيفة الناس