أقبل العيد كواحة تفيض عبقا وعطرا، أو كغيث يسيل سلسبيلا ورواء، أو كواحة في وسط الصحراء، أو كسحابة تسكب ماءها في أرض قاحلة جدباء، فاستحال قحلها خصبا، وهجيرها ظلالا وجدبها ورافة وأزهارا. فلنسعد بالعيد، ومن يستطيع أن يسلب منا فرحة العيد أو السعد به، أو يحول بينا وبين بشرى المحسنين (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)؟ إنها البشرى التي تنعش الروح وتسعدها، وتحلق بها عاليا.. عاليا إلى منزلة لا تسمو إليها غير الروح التي حلقت وارتفعت بالتكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. قد يسعد المرء بريش من ثياب جديدة يرتديها ولكنه أكثر سعدا ونعيما بلباس التقوى.. (ولباس التقوى ذلك خير). إنها التقوى مطية الروح التي تحلق بها عاليا في السماء ولا تهيم فيها تيها وضياعا، بل تعود إلى الأرض عملا صالحا، وحركة بناءة، وفعلا ناهضا (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). فلنسعد بالعيد تسبيحا وتهليلا وتكبيرا.. ولنسعد بالعيد صلة وتواصلا وحبا.. ولنسعد بالعيد تقاربا وتسامحا ومودة.. ولنسعد بالعيد أنسا في بيوتنا، وحنانا مع بناتنا وأبنائنا، وحبا مع أمهاتنا وآبائنا، وصلة مع أهلنا وجيراننا، وصفاء مع مجتمعنا وشعبنا.. فلنسعد بالعيد فرحة تشمل الجميع.. وإنما تتعاظم الفرحة ويزداد السرور حين يكون عاما وبرا مشاعا.. والعيد فرحة المجموع لا الفرد، ومن يريد ان يفرح وحيدا أو يسعد منفردا فلن يحظى بغير الكآبة، ولن يجد سوى الضنك. (واذكروا نعمة الله عليكم) وقارنوا بين عيد الأضحى في العام الماضي وعيد الأضحى هذا العام.. تذكروا المتاريس التي وضعت في وجه العيد، وما تمترس وراءها من آليات للمخلوع وكانت تستهدف فرحتنا وأفراحنا. تذكروا دخان البارود الذي أراد المخلوع أن يهزم به ربيعنا، الربيع اليمني. من لا يتذكر في تعز –على سبيل المثال– عشية عيد الأضحى في العام الماضي والأنباء ترد أن أحد أدوات المخلوع من القادة العسكريين يجهز آليات الحرب والقتل والدمار ليجتاح المدينة من جهتها الغربية حيث كان يعمل على خنقها من تلك الجهة. لا شك أن الجميع يتذكر كيف تموضعت دباباتهم ومدرعاتهم على مداخل المدينة في الحصب؟ وكيف تمركزوا على التباب والتلال وجبل جرة فيما كانت أداة أخرى للمخلوع تمارس هوايتها في القصف والقتل من الجهة الشرقية للمدينة الحالمة.. ولم تكن تلك الأداة غير (قائد آخر من الجهة المقابلة)، فهل استطاع المخلوع وأدواته في ذلك العيد أن يسلبوا فرحتنا بالعيد؟ كلا، لقد ازدحمت ساحة الحرية في صلاة العيد بحشود المصلين الذين تعالت أصواتهم بالتكبير فكانت أقوى وأثبت من هدير مدافعهم.. وسعدنا يومها بالعيد لأنه جاء متوجا بانتصار إرادة الشعب الذي خرج إلى الساحات في عموم الجمهورية فرحا مسرورا يكبر الله تكبيرا ويردد: لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الطغيان وحده.. ستنتصر بإذن الله إرادة الشعب، وسينهزم الطغيان، وستنهزم كل المشاريع الجهوية والسلالية، وسيعلو التهليل والتكبير لبناء اليمن الجديد.