أثار اللقاء الذي جمع علي ناصر محمد بعلي سالم البيض في مكتب الأخير ببيروت جدلا واسعا، وتفرقت التفسيرات للقاء وما وراءه، وما إذا كان هذا اللقاء خطوة من علي سالم باتجاه علي ناصر والعودة إلى مربع الحوار، أم خطوة من علي ناصر باتجاه علي سالم ومطلب الانفصال. ولا يزال الغموض يلف الحدث وخلفياته وأهدافه، الأمر الذي أتاح لأكثر من طرف تسويق اللقاء وتوجيهه إعلاميا في الوجهة التي تخدمه. وفي هذا السياق قال رئيس تحرير صحيفة "اليمن اليوم" في مقال له على الصفحة الأولى من عدد الأربعاء الفائت: "وعلى هذا الأساس يمكن توقع ما لم يكن في الحسبان، وهو أن ينشأ تحالف بين تيار الزعيم الجنوبي علي سالم البيض، وبين المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأن تنضم إلى هذا المركز زعامات وتيارات وحركات سياسية أخرى، وعلى رأسها الزعيم الجنوبي الرئيس السابق علي ناصر محمد". وأشار المقال إلى الاتصال الذي أجراه صالح الاثنين الماضي بعلي ناصر محمد لتعزيته بوفاة شقيقه، معتبرا أنه أحد أدلة التقارب. وقال إن الاثنين "تواعدا على أن يلتقيا قريبا". ويبدو الأمر كما لو أنه محاولة من صالح لاستثمار الحدث إعلاميا لتصوير نفسه قطبا جاذبا للتحالفات، على حساب الأطراف الأخرى. ومستفيدا من الحدث لتحويله إلى أداة ومناسبة مغازلة لعلي ناصر ومن معه من أنصاره من القيادات الجنوبية والقواعد في الداخل والخارج. ويحسب ناصر على تيار الرئيس هادي، أو هو رئيس هذا التيار، إلا أن هناك من يشير إلى خوف الرئيس هادي من عودة ناصر الذي قد لا يكون رديفا له بقدر ما سيكون مصدر قلق بالنسبة له، وأن الرئيس هادي يخشى أن تكون عودة علي ناصر سببا في إعادته -عمليا- إلى موقع نائب الرئيس الذي تقوقع فيه على امتداد قرابة عشرين سنة. ويؤكد ذلك برفض الرئيس هادي إسناد مهمة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني إلى علي ناصر. وأدرك صالح مخاوف هادي من عودة علي ناصر وأن يتاح له دور سياسي، وأن هادي يرفض أن تسند إليه مهمة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني، ولهذا طلب أن يترأس هو مؤتمر الحوار في حال لم يترأسه ناصر، وكأنه يقول إنه لن يتنازل عن رئاسة مؤتمر الحوار إلا لعلي ناصر. وإدراك صالح لمخاوف هادي من عودة ناصر، أمر يجعله يبحث عن فرصة للتحالف معه، إلا أن ناصر ليس أقل دهاء، ويدرك مخاطر هذا التحالف ولو في مجرد صفحات الجرائد، نظرا لما لذلك من تبعات ستعود عليه سلبا. ونفى علي سالم اللقاء الذي قالت صحيفة "اليمن اليوم" إنه جمعه مع يحيى محمد عبدالله صالح، مبطنا نفي اللقاء بيحيى نفيا آخر لأي لقاء تحالفي يجمعه بصالح. وإذا كان علي سالم البيض يعتبر أن حديث صالح عن تحالفه معه يسيء إليه ويشوه صورته لدى أنصاره في الجنوب رغم أنه حليفه، سواء كان حليفه بالاتفاق أو بتقاطع المصالح، فكيف بعلي ناصر الذي لا مصلحة له ظاهرة في التحالف مع صالح، ولا تقاطع بينهما في المصالح؟ كما إن الاستدلال باتصال صالح لتقديم العزاء لعلي ناصر الذي استند إليه إعلام صالح، لا يرقى لأن يبنى عليه قول بوجود شيء من التقارب فضلا عن التحالف. ويبدو أن صالح شعر بحاجة علي ناصر لممارسة شكل من الضغط على عبدربه، فأراد أن يمنحه وسيلة التعبير عن هذه الحاجة، ورغم حاجة ناصر إلى ذلك إلا أنه اتجه للقاء مع علي سالم وليس مع علي صالح، وأرسل ناصر رسالته إلى هادي من خلال صورة تذكارية تجمعه بعلي سالم، فيما أرسل إلى صالح رسالة مختلفة تتضمن بيتا من شعر الأعشى يقول: "عُلّقتُها عَرَضاً وعلقت رجلا غيري وعلق غيرها ذلك الرجلُ". ولم يلبث ناصر أن قال عبر مصدر مقرب منه لعدد الأحد من "أخبار اليوم" أن اللقاء كان بترتيب مع الرئيس هادي، في محاولة لنفي الإيحاء الذي أراد صالح أن يوصله للرأي العام وللرئيس هادي. ومنذ تولي الرئيس هادي مقاليد الرئاسة اتجهت الأنظار صوب الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وكان البعض يتوقع عودته إلى أرض الوطن، باعتباره محسوبا على تيار الرئيس هادي، بل هو رئيس هذا التيار، وأن عودته إلى الوطن ستكون عاملا مساعدا لتثبيت دعائم الرئيس خلال الفترة الانتقالية، وستساعد -على وجه التحديد- في حلحلة القضية الجنوبية إلا أن هذا الأمر لم يحدث، ورجع بدلا عنه محمد علي أحمد وآخرون يؤدون ذات المهمة المفترضة. وتلا ذلك أن تحدثت التقارير الصحفية عن حوارات مع الرئيس علي ناصر محمد من أجل العودة إلى اليمن، وتوقع صالح أن يكون علي ناصر رديفا لهادي يزيد الطين بلة بالنسبة له، الأمر الذي أثار حفيظته وتياره، وشنت صحف عائلة صالح هجوما عليه، ووصل الأمر إلى درجة طالبه فيها صالح بمناظرة تلفزيونية. وفي اتجاه آخر ذهبت بعض التحليلات للقول بأن لقاء ناصر والبيض الاسبوع الماضي جاء بناء على ضغط من إحدى دول الخليج على الرئيس ناصر لإقناع علي سالم بالمشاركة في الحوار الوطني. إلا أن المعروف أن علي ناصر ليس محسوبا على الدولة المشار إليها (المملكة العربية السعودية)، فضلا عن أن ضغطها عليه في حال كان بينه وبينها علاقة ليس له معنى إذا لم يكن البيض موافقا على اللقاء. وما يمكن اعتباره صحيحا من بين سلسلة من التحليلات هو -فقط- أن الرئيس ناصر يدشن مرحلة جديدة من دوره السياسي الحالي والمستقبلي. ويتحدث قيادي جنوبي عن جملة ساقها أحد المنجمين قبل 13 يناير 86 تقول: "علي، وعلي، وعلي مالوش"، أي أن هناك عليين اثنين ستؤول الأمور إليهما في اليمن فيما العلي الثالث سيخرج من اللعبة. ويقول: بالفعل، وقعت أحداث يناير، واستقرت أوضاع اليمن بيد علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح. وفيما عاد أقطاب اللعبة القدامى إلى المشهد مجددا، فإن ذلك المنجم قد مات.