مع بداية كل عام تكثر الكتابات المتعلقة بأمنيات الناس في عامهم الجديد، على شكل مقالات أو استطلاعات أو مقابلات. وعندما حاولت أن أكتب في هذا السياق رأيت أني لن أخرج عما أكتبه دائماً، لأن قضيتنا الأساسية والرئيسية تتركز في البحث عن دولة مدنية تعطي الناس حقوقهم المشروعة، وتفتح آفاقاً جديدة أمام كل المواطنين لكي يعيشوا حياة حرة كريمة خالية من مآسي الماضي ومساوئه. ولذلك قلت في نفسي دعني أغير هذا الأسلوب، فطلبت من أبنائي أن يقولوا هم ماذا يريدون وما هي أمنياتهم في هذا العام الجديد؟ وما الذي يتطلعون إليه بعد مضي سنتين كاملتين منذ قيام ثورتهم المباركة. وبالطبع بعد أن استمعت إلى أمنياتهم حاولت أن أعمل لها قراءة فوجدتها تعكس حالة من الهموم المتداخلة على المستوى الوطني والأسري والشخصي، وهي في مجملها تعطي جانباً كبيراً من صورة المشهد اليمني بواقعيته المؤلمة، وسأنقلها هنا كما هي دون حذف أو إضافة وبلا إعادة صياغة، وذلك في إطار مجموعات كلية على النحو التالي: أولاً: مجموعة الأماني الوطنية، وهذه المجموعة تشير بجلاء إلى عمق الاختلالات المتعلقة بوظائف الدولة، وكيف أصبحت هذه الاختلالات تشكل عامل ضغط نفسي على أفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم العمرية: - أن يعم الأمن والأمان بلادنا اليمن والبلدان العربية والإسلامية. - تحقيق العدل والمساواة بين الناس وإرجاع الحقوق إلى أصحابها ومعاقبة كل من له يد في معاناة الناس. - وضع سياسة تكافؤ الفرص. - زيادة عدد المدارس الحكومية في الجمهورية اليمنية بحيث تستوعب الزيادة في أعداد الطلاب. - أن يتم إيصال الماء والكهرباء والغاز إلى المنازل مجاناً. - أن تتطور شبكة الانترنت وتعم جميع أنحاء اليمن. - أحلم بيمن بلا قات. - تسهيل المعاملات في جميع المجالات. - أريد أن تكون شوارع صنعاء وبقية المدن اليمنية نظيفة دائماً. ثانياً: مجموعة الأماني الأسرية والشخصية، وهذه بقدر ما تجعل الأب في موقف حرج حيث تحولت تلبية الاحتياجات الأساسية إلى أمنيات، فإنها تعتبر محاكمة لوضع الدولة اليمنية وسياساتها الخاطئة التي أوصلت أحوال البلاد إلى مستوى لم يستطع معها المواطن بعد ربع قرن في الوظيفة العامة أن يقوم بتوفير أبسط متطلبات الحياة لنفسه ولأولاده: - أن يحصل أبي على حقه الوظيفي بعد هذا العمر. - أتمنى زيادة الدخل وانخفاض الأسعار. - أتمنى شراء بيت وسيارة. - أن نتمكن من أداء فريضة الحج في رحلة جماعية أسرية. - الحصول على وظيفة. - دراسة اللغة الإنجليزية والحصول على التوفل. وفي الحقيقة أن ما دفعني إلى نشر هذه الأمنيات كما هي، كونها تعبر عن تفكير ومعاناة شريحة واسعة من مكونات المجتمع اليمني. وخطورة هذه الأمنيات تتمثل بانعدام الفواصل بين هموم الكبار والصغار، الأمر الذي يعني أن جيل المستقبل أصبح يفقد جزءا كبيراً من طاقته الذهنية والنفسية في لحظات الإعداد والتهيئة حيث وجد هذا الجيل نفسه في مقتبل عمره مجرداً من أدوات الانطلاق الحقيقية، فتتحول جهوده كلها إلى معركة صراع من أجل البقاء، وهو ما يجعل حركة تقدم المجتمع حركة قاصرة بل ومتعثرة منذ البداية.