أحيى أبناء المحافظات الجنوبية أمس الأول الذكرى السابعة لما بات يعرف بذكرى «التصالح والتسامح» التي احتضنتها هذا العام ساحة العروض بمديرية خور مكسر مدينة عدن إحياء، وهي المناسبة التي اعتاد الحراك الجنوبي على إقامتها للعام السابع على التوالي لمحاولة تجاوز مخلفات المجزرة الدموية التي شهدتها عدن في 13 يناير 1986م بين رفقاء الحكم آنذاك وأدت إلى مقتل وإصابة وتشريد الآلاف. وشارك في الاحتفائية الآلاف الذين توافدوا من عدد من المحافظات بينهم شخصيات حزبية وقيادات اجتماعية رافعين أعلام "الجنوب" الذي امتلأ بها المكان كما حضرت صور بعض القيادات ولافتات التصالح والتسامح الداعية لوحدة الجنوبيين. وتزعم التحضير للفعالية التيار المحسوب على علي سالم البيض، ورغم ذلك إلا أن القيادي في الحراك حسن باعوم حضر الفعالية وسط ترحيب من المحتشدين. وتصاعدت الخلافات بين البيض وباعوم خلال الفترة القليلة الماضية لتصل ذروتها بتنظيم الأخير مؤتمرا جنوبيا في مدينة عدن في أكتوبر الماضي وسط رفض متصلب من البيض. واستحوذ تيار البيض على منصة المهرجان بساحة العروض الأمر الذي أتاح لهم التحكم بمجريات الاحتفالية وما يطرح فيها. وأثناء وصول حسن باعوم إلى ساحة العروض استقبله أنصار البيض رافعين صور البيض ومرددين شعارات: "علي سالم سير نحن بعدك بالمسير"، فيما تجاهلت قناة "عدن لايف" تصويره أثناء صعوده المنصة قبل أن تقوم بقطع البث المباشر وانتقلت إلى أستوديو القناة. ودفعت مساعي المصالحة بكثير من القوى والتكتلات الجنوبية للمشاركة في الفعالية التي جذبت عددا كبيرا من المؤيدين من بينهم قيادات بارزة في المؤتمر الشعبي العام والمجالس الأهلية ولم تعلن أية قوى مقاطعتها أو رفضها للفعالية. ويؤمل مراقبون في هذه الفعالية أن تحدث نوعا من التقارب بين مكونات الحراك الذي تعصف به تصدعات وخلافات عميقة يترجمها الشقاق القائم بين القيادات المختلفة. الفعالية التي وصفت بالأنجح والأكثر حضورا مرت دون حدوث أية مواجهات مع قوات الأمن التي تلقت توجيهات صارمة مسبقة بتأمين الفعالية. وتزامنت الفعالية مع الجهود المحلية والدولية المكثفة للدفع بقوى الحراك نحو المشاركة في الحوار الوطني وإحداث اصطفاف سياسي وشعبي نحو الانخراط للبحث عن حلول للمشاكل عن طريق الحوار. وتسابقت رموز المعارضة في الخارج على فرض حضورها في المناسبة لإعادة التموضع واستعراض قوتها الجماهيرية، تجلى ذلك من خلال الصور واللافتات التي حضرت في ساحة العروض وفي بعض الشوارع. وسجلت الفعالية لعلي سالم البيض خطابا مختلفا وصف بالعقلاني والهادئ على غير عادته. لقد ظهر البيض عبر "قناة عدن لايف" التي يمتلكها وهو يخاطب القيادات في العاصمة صنعاء بقوله: «على إخواننا في صنعاء أن يتفهموننا» وهي اللغة التي لم تعرف عنه من قبل حيث تعود على وصف النظام ب"الاستعماري والمحتل". وقال البيض: "أتمنى أن تكون هناك مراجعة لقضية الجنوب والبحث عن مبادرة لحلها على أساس الحل السلمي والاعتراف بالهوية والأرض واستحقاق الشعب". حيدر أبو بكر العطاس رئيس أول حكومة عقب الوحدة هو الآخر سجل حضورا معتبرا أن ذكرى التصالح باتت محطة تاريخية "أعادت الاعتبار للجنوب أرضاً وإنسانا والأساس الذي يعزز وحدة أبناء الجنوب وشراكتهم في صنع حاضرهم ومستقبلهم وأساس انتصاراتهم". وأضاف أن «تكريس مفهوم التصالح والتسامح هو واجب ديني وأخلاقي وسلوك إنساني وحضاري راقٍ». ودعا العطاس قادة الجنوب إلى الاعتراف بالمسئولية في أحداث الماضي في إشارة واضحة إلى أحداث 13 يناير. الرئيس السابق علي ناصر محمد وسالم صالح محمد وأحمد مساعد حسين قالوا في بيان مشترك إن «المسؤولية الأخلاقية تقتضي اليوم المساهمة والمشاركة في تصحيح الأخطاء». وأضافوا: "المسؤولية تقتضي الأخذ بعين الاعتبار ما يعتمل على الصعيد الإقليمي والدولي والنظر بمسؤولية عاليه لما يجري ولما يمثله الجنوب على الصعيد الجغرافي الإقليمي والعالمي وما تعنيه الثروات النفطية والمعدنية التي تخزنها أرض الجنوب". من جهته قال رئيس مكتب حزب التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة حضرموت محسن باصرة إن الجنوب بحاجة ماسة إلى تطبيق مبدأ التصالح والتسامح، معلناً تأييده لهذا المبدأ. وأضاف في تصريح ل«عدن اون لاين» نحن ندعم التصالح وهو من صميم ديننا وسلوكنا ومنهجنا السياسي ونحن في الجنوب بحاجة ماسة إلى تطبيق هذه القيم لتكون سمة وأخلاق تترجم في سلوكنا ولن يكون ذلك إلا بميثاق شرف نخطه جميعا بمختلف مكوناتنا السياسية واتجاهاتنا الفكرية ونتعاهد عليه ونعمل جميعا لتطبيقه من خلال الاتفاق على الكثير مما يجمعنا والقواسم المشتركة التي بيننا وكذا تجريم التخوين والصراعات والتحريض على الآخر والاعتداء على المخالف بالرأي وأن نتقبل الاختلاف والتنوع –حد قوله. وكان لافتا حضور القيادي السابق في تنظيم القاعدة وفي الحراك الجنوبي طارق الفضلي إلى ساحة العروض مرتديا سروال جينز وتي شيرت مطبوع عليه صورة الثائر العالمي "تشي جيفارا". ويعد هذا هو الظهور الأول للفضلي وهو أحد أبرز رجالات الرئيس السابق علي عبدالله صالح في محافظة أبين منذ تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بمدينة عدن التي نقل إليها في العاشر من نوفمبر المنصرم بعد طرده من منزله في مدينة زنجبار محافظة أبين بحماية من قوات الجيش وإنقاذه من الحصار الذي فرضته اللجان الشعبية على منزله لخمسة أيام رفضا لبقائه في المدينة. ورغم ما شهدته الفعالية من حضور من أطراف مختلفة إلا أن الخلافات عادت مجددا حول البيان الختامي للمهرجان.. حيث أصدرت مكونات الحراك المختلفة بيانين ختاميين ترجما المعوقات الصلبة التي تقف في طريق التوافق بين مكونات الحراك. وقد صدر البيان الأول عن المجلس الوطني الأعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب فيما صدر البيان الآخر عن قوى الثورة الجنوبية التحررية. ولوحظ غياب القيادي في الحراك الجنوبي رئيس ما يسمى ب"مؤتمر شعب الجنوب" محمد علي أحمد والفصيل المحسوب عليه عن الفعالية. ومقابل نجاح تياري البيض وباعوم في التوافق على توحيد المهرجان بساحة العروض بعدن تجلت الخلافات بين التيارين في محافظة حضرموت التي تعد معقلا لتيار باعوم، إذ فشل التيارين في توحيد المهرجان وانفراد كل فصيل بتنظيم فعاليات منفردة. وأقام فصيل البيض مهرجانا في مدينة المكلا حضرت فيه أعلام دول مجلس التعاون الخليجي بجوار مطالبة تلك الدول ب"موقفاً إيجابياً منكم تجاه قضية وطننا المحتل». فيما نظم أنصار باعوم مسيرات حضرت فيها أعلام الجنوب بقوة.