مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النخبة القاتلة
نشر في الأهالي نت يوم 22 - 01 - 2013

مع إعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م وصفها محللون غربيون بأنها مولود من سلالة عملاقة، وجاء باحثون إلى البلد وذهبوا بعد مكوثهم لسنتين إلى أن اليمن تمتلك عناصر قوة هائلة تمكنها أن تكون أقوى قوة اقتصادية في المنطقة. وقبل ذلك وبعده فإن القرآن الكريم في عرضه لسيرة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ قد أثبت أن هذه البلاد تمتلك عناصر قوة عظمى تقارن بملك سليمان، إذ أن سليمان عليه السلام قد ذكر في معرض حديثه عن ملكه كما يقول الله تعالى عنه "يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء" وجاء الهدهد من سبأ تقول عن ملكة سبأ كما يقول الله تعالى عنه "إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم".
في الإتيان "من كل شيء" دلالة على القوة الاقتصادية ومستوى الرخاء والرفاهية. وأما قومها: الناس، السكان، الشعب، فقد قالوا كما يقول الله تعالى عنهم "نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" وذلك للدلالة على امتلاك القوة العسكرية. والواقع أن تصنيف الدول اليوم ووصف دولة ما بأنها قوية يتم إذا توفرت لها القوتان الاقتصادية والعسكرية، ومن الواضح أن القوة الاقتصادية موجودة في الأرض والقوة العسكرية في البشر.
ومن قبل كان قوم عاد الذين يقول الله عنهم "إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد"، "أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة".
إن وصف محللين غربيين للجمهورية اليمنية بأنها مولود من سلالة عملاقة لم يأت من فراغ بل قراءة عميقة للتاريخ وللحاضر. إن السلالة العملاقة امتلكت عناصر قوتها الطبيعية والبشرية التي كانت مع التجزئة والتشطير ضائعة. وللتذكير تمتلك الجمهورية اليمنية موقعا فريدا استراتيجيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، على البحر العربي والمحيط الهندي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، أهم الممرات المائية العالمية، وميناء عدن الذي لا مثيل له من الناحية الطبيعية "خلجان وعمق" وموقع على مفترق طرق التجارة الدولية، ويجعله من أنفس مناطق التجارة الحرة، وامتداد بحري، وثروة بحرية هائلة فضلا عن نفط وغاز لم يستثمر بعد، إضافة إلى تنوع في المناخ، يجعلها منتجة لمعظم الحبوب والثمار، بمعنى آخر الجمهورية اليمنية "اليمن الموحدة" تمتلك عناصر القوة الطبيعية وعناصر الندرة "موارد الطاقة"، إنها غنية بعناصر قلما تتوفر لبلد.
إن الجمهورية اليمنية إذاً كانت بحاجة إلى نظام رشيد يقدرها، ويعمل على رعايتها حتى يشب المولود ويستفيد من سلالته العملاقة ليصير عملاقا، لكن الذين قاموا بعملية دمج الجمهوريتين السابقتين قد أفصحوا عن مستوى قدراتهم وعقولهم وطبيعة تفكيرهم، لقد أحاطوا المولود بالأمراض والأزمات وتبين كم هم صغار وفاسدون على المستوى العقلي، لقد عملوا بكل الوسائل على تحويل الوحدة من حالة الإمكانية قبل 22 مايو ليجعلوها تصير في خانة الاستحالة في حالة تفككك الدولة اليمنية.
نخبة قاتلة
من سوء حظ اليمن واليمنيين أن يتم توحيد البلد على يد اثنين مخبولين، لقد عمل علي صالح على هدم وصناعة الألغام حتى قال هو إن اليمن قنبلة موقوتة، فهل يوجد رئيس لبلد يقول للشعب إن البلاد قنبلة موقوتة، وهل يوجد أحد غيره مسئول مسئولية مباشرة عن جعلها كذلك!؟ إنها خيانة عظمى بل فوق العظمى، خيانة لا توصف. نعم إن سلوكه بعد 94م كان سلوكا انفصاليا عمليا على الأرض وإجبار وبعث للمشاعر الانفصالية، ومع ظهور الحوثيين دعاة الإمامة المتخلفة اكتملت الحلقة.
إن مشروع الحوثيين لا يتحقق إلا بالتجزئة، والتجزئة هدف رئيس لإيران والسعودية معا.
نشأ حراك مطالبه حقوقية فأبى علي صالح إلا على جعله سياسيا، ثم بشعارات ومطالب انفصالية، قيل له في عام 2005 إن اليمن قفزت إلى الهاوية لكنها لم تصطدم بالأرض لعله يتداركها ويعمل على إعادتها إلى بر الأمان، لكنه زاد من قوة دفعها نحو الهاوية.
وجاءت ثورة 2011 وكان الأمل فيها أن يستعيد البلد من الهاوية، أو توفر لها هبوطا آمنا على أرض ممهدة ومستوية والحيلولة دون الارتطام بالصخور، والتمزق أشلاء، لكنها لم تستطع.
تصاعد مخيف
في الأسبوع الماضي تصاعدت وتيرة الدعوات الانفصالية بشكل غير مسبوق، ولئن كان متوقعا من الانفصاليين في الحراك فإن ما لم يكن متوقعا أن يكون من قبل الرئيس وبعض الوزراء.
لقد اندلعت الثورة اليمنية 2011 من صنعاء إلى المكلا لتكون الثورة الواحدة للشعب الواحد، وإسقاط نظام فاسد، ومشروعه لتوريث اليمن تركة لشخص يتقاسمها ورثته، فالأرض إقطاعيات والشعب عبيد وجواري، وفي أحسن الأحوال خدم، إنها ثورة لإعادة الاعتبار لليمن أرضا وشعبا، ومن ثم حكومة، غير أنه وفي انتقال السلطة وإن لم يكن كاملا ومجيء رئيس جديد هو النائب السابق، وحكومة جديدة، لوحظ المزيد من توفير الفرص لدعاة الانفصال من الحوثيين والحراك، ولم يكن اللافت هو استغلال القوى المعادية للجمهورية اليمنية محلية وإقليمية للحالة الراهنة بل كان الأكثر لفتا للأنظار هو الرئيس ووزارة الدفاع ووزير الاتصالات.
1- الرئيس
ما نشرته صحيفة الأهالي من تعيين القيادات العسكرية وحيث تقتصر على محافظة أو منطقة والصلة بالرئيس، وهنا وقفات:
- الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية ومن واجباته الأولى المحافظة على وحدة الدولة وسلامتها.
- القوات المسلحة مؤسسة سيادية، وليست منشآت محلية، وذلك يتطلب في هذه المرحلة على الأقل تعيين قيادات جنوبية في المناطق الشمالية، والعكس، فذلك أدعى للاطمئنان على مستقبل الدولة اليمنية، إن تعيين قيادات عسكرية جنوبية في المناطق الجنوبية يوحي بأن خيار العودة إلى التشطير واحد من خيارات الرئيس.
- إن الأصل أن يتم التعاون مع الحكومة وأحزاب المشترك في عمليات التعيين ليس لإضفاء طابع حزبي سياسي عليها، وإنما لمراعاة أبعاد تتصل بالمعايير المهنية والوظيفية المفترض أن يتم التعيين بموجبها وحيث لا يعين شخص لانتمائه المناطقي.
- إن الرئيس يتفرد بالقرار على المستويات العسكرية والأمنية والمؤسسات الاقتصادية والمالية، وذلك يوحي بأنه يؤسس لنظام خاص لا يختلف عن نظام صالح مع خيار الذهاب نحو التشطير.
من بين الأخبار المنشورة أن الرئيس اتصل بعلي سالم وقال له أنا رئيس اليمن الموحد لكنني لن أقف عائقا أمام تطلعات الجنوب، وذلك إن تأكد هو خطأ استراتيجي بل خطيئة، إن واجبه يحتم عليه من موقعه أن مهمته هي المحافظة على وحدة الدولة اليمنية التي هو رئيسها حتى وإن كان ذلك يخالف قناعاته، إن رئيس الجمهورية في أي دولة هو المسئول الأول عن حمايتها.
- الردود والتعقيبات على مقالات وصحف تحمل طابع التحريض وتوحي بأن الانتقادات توجه للرئيس لأنه من جنوب البلاد.
وزارة الدفاع
إن تعليق وزارة الدفاع على تقرير مراسل القدس العربي كان تعبيرا عن انفصال وزارة الدفاع، وأنها قد ابتعدت مسافة عن الجمهورية اليمنية التي من المفترض أنها جزء من حكومتها.
ردها مليء بالسباب والشتائم وذلك يعني أن ما نشر كان صحيحا لم تستطع الوزارة نفيه وإنما اللجوء إلى الشتائم، وهو دليل قاطع على انعدام الحجة.
وصف الرد –حرب 94 مشئومة، وكأننا قد انتقلنا إلى دولة أخرى إذا كانت حرب 94 مشئومة فليس من حق جهة رسمية وصفها بذلك في حين من حق أي أحد أن يصفها بذلك.
الحديث عن الرئيس والدفاع باعتبارهم طرفا والإيحاء بأن الانتقادات لأنهم من الجنوب وذلك في الواقع فعل معاد للجمهورية اليمنية التي وزارة الدفاع جزء من حكومتها.
وزير الاتصالات
ويخرج وزير الاتصالات في حكومة الجمهورية اليمنية ليقول إن الانفصال قادم شئنا أم أبينا. إن مثل هذا التصريح لا ينبغي أن يصدر عن وزير، فالتعبير عن القناعات يجب أن يراعي الصفة الرسمية، إن الوزير هنا يعبر عن أمية سياسية، أو أنه جزء من القوى الساعية لتقويض الجمهورية اليمنية.
الحشود
الحشود في عدن على الرغم من رفعها شعارات التصالح والتسامح وهي شعارات نبيلة وإيجابية لا ريب، إلا أن الحشود قد أعطت دلالات على تحول واسع، وأن قوى خارجية تعمل على تفكيك الجمهورية اليمنية، صحيح أن الحشود من مناطق مختلفة لكنها غير مسبوقة.
قناعات
وصول القناعة بالانفصال إلى كثير من الشباب الذين لم يكونوا مقتنعين، وذلك ما لوحظ في صفحات التواصل الاجتماعي.
القوى الفاعلة في تمزيق البلد
1- دعاة الانفصال في الحراك الجنوبي
وشعاراتهم ولافتتاتهم ومطالبهم معلنة وواضحة، يعدون الجمهورية اليمنية احتلالا ويعملون على ما يصفونه بتحرير الجنوب، البعض يصفه بالجنوب العربي وهي تسمية بريطانية هدفت إلى إلغاء الصفة اليمنية مع أنها منطقة تظل جنوب اليمن.
3- الحوثيون
إن الحوثيين لا يمكن أن يسيطروا على السلطة في الجمهورية اليمنية ومنطلقاتهم طائفية مذهبية ضيقة، فهم يعتمدون على اتباع الطائفة وهم أقلية في اليمن الواحد، ولذلك فإنهم متفقين مع الانفصاليين ضمنيا، وتحول إلى تنسيق، إنهم يأملون بإعادة نظامهم الإمامي إلى الشمال أو على الأقل شمال الشمال.
3- أسرة صالح
لقد أوجد نظام صالح الأرضية الملائمة لنشوء الحوثيين والحراك الانفصالي وكان ذلك من ضرورات مشروعه لتوريث السلطة وإقامة ملك ومجد شخصي زائف، وبعد قيام الثورة 2011 فإنه كالحوثيين يرى أن بإمكانه استعادة السلطة في الشمال فإن لم يستعدها فإن تمزق الجمهورية اليمنية هدفا في حد ذاته، لذلك دعت صحيفة اليمن اليوم بقلم رحمة حجيرة لقيام حلف ثلاثي بين المؤتمر بزعامة صالح والحوثيين والحراك الجنوبي.
إن الرموز العاملة على التجزئة من صالح والحوثي والبيض والعطاس، كلها كانت من أهم أسباب الكوارث في اليمن، وتعميق التخلف.
القوى الخارجية
إن إيران والسعودية من العاملين على التجزئة في اليمن، مشروع إيران شامل لليمن، وتتطلع إلى قيام أربع دويلات، صعدة وتعز وعدن وحضرموت، للسيطرة على الممرات المائية، السعودية تتطلع للوصول إلى البحر العربي عبر حضرموت فضلا عن اعتقاد سعودي بأن وحدة الدولة اليمنية واحتمال نهوضها، وتحولها إلى قوة يشكل مصدرا للخطر على الأسرة وملكها.
اللقاء المشترك
إن اللقاء المشترك الذي كان معولا عليه المحافظة على وحدة الدولة اليمنية وسلامتها، قد أصابته عوامل التعرية وأطبقت عليه عوائد التخلف، فالإصلاح يبدو في حالة ذهول، والاشتراكي يوشك أن يجرفه التيار، والناصريون لا يعرف موقفهم، أما الشعبية والحق فإنهما جزء من مشروع التحالف الحوثي الصالحي.
فريضة شرعية
قد يستنكف البعض ويجد في نفسه غضاضة من مناقشة الحالة من الجهة الشرعية، وقد يكون ذلك هروبا من قوة المحجة وصرامتها، وسلامة منطقها، لكننا نخاطب أولئك الذين يجعلون للإسلام اعتبارا، ويرجعون إليه على اعتبار أنه يتصل بالعاقبة والمصير.
لقد حدث في العهد النبوي أن جماعة من الأنصار الأوس والخزرج كانوا جالسين فلم يطق رجال من اليهود رؤيتهم هكذا فأقبلوا عليهم يذكرونهم بحروبهم في الجاهلية فنشب بينهم الخلاف، وتواعدوا على القتال فأنزل الله تعالى على رسوله آيات بينات من سورة آل عمران "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين" وجاء فيها قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" ويستفاد من تلك الآيات:
1- إن التفرق إنما يقع طاعة للعدو، والتفرق أقرب إلى الكفر.
2- إن الله تعالى أمر بالتقوى والموت على الإسلام "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" وجاء بعدها "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، لقد أمر بالاعتصام أي الوحدة، ونهى عن التفرق، فجمع بين الوجوب والحظر، وأشارت الآية التي قبلها إلى أن من يدعو للفرقة أو يمارسها فإن موته على الإسلام مشكوك فيه.
وقد جاءت آيات تشير إلى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وتتصل بالوحدة والفرقة.
3- وفي سورة الأنفال يقول ربنا "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وفيها إشارة إلى أن القوة والنصر حليف المتحدين، وأن الضعف والهزيمة والتبعية قرين المتفرقين.
إن الأصل أن المسلمين أمة واحدة ملة واحدة أمرها واحد لكن إذا فرقوا دينهم وكانوا شيعا فإنهم يقطعون أمرهم بينهم زبرا قطعا صغيرة فإنهم سيعاقبون حتما.
تلك لمحات.. إذا كانت الأمة لا يمكنها أن تمتلك عناصر القوة ما لم تكن موحدة وأمرها واحد فإن ذلك أوجب على البلد الواحد/ القطر الواحد.
ضرورة بشرية
يوجد ألف سبب وسبب يدعو للمحافظة على وحدة الدولة اليمنية وسلامتها، ولا يوجد سبب ولا مبرر واحد لتفكيكها، وإحياء التشطير والتجزئة.
الإكراه
يقولون إنه لا إكراه في الدين، أفيكون الإكراه على الوحدة. إنهم لا يدركون أن الإكراه الواجب الوحيد ليس مشروعا فحسب بل واجب هو للدولة في المحافظة على وحدة وسلامة أراضيها وجزرها ومياهها الإقليمية، ولا توجد دولة في العالم إلا وهي قائمة على القوة في المحافظة على أراضيها، من تحولها إلى كيانات دويلات. وإلا لما كانت هناك دولة، إن الولايات المتحدة خاضت حروبا للمحافظة على الاتحاد، ولدى الحكومة الاتحادية استعداد ليس لقمع أي حركة انفصالية، بل لسحق أي حركة انفصالية ولم تسمح المملكة المتحدة بانفصال إيرلندا الشمالية على الرغم من أنها مقتطعة من إيرلندا.
فلا حجة للذين يقولون إنه لا إكراه في الوحدة، بل إكراه، والدولة من صفاتها أنها تحتكر الإكراه.
مخاطر وانعكاسات
إن الذين يعملون على وأد الجمهورية اليمنية وتقطيع أوصالها لا يفكرون تفكيرا منطقيا، ولا ينظرون للمستقبل، ويتطلعون من دوافع شخصية آنية، إنهم لا يدركون أنهم يعملون على وأد كائن حي –صحيح أنه مصاب بأمراض- لكنه قابل للتعافي منها، إنهم يعملون على وأد كائن حي ظلما وعدوانا، ولا ينظرون إلى التاريخ ولا الواقع، ولا المستقبل، ويتحكمون في مصير الأجيال القادمة، وذلك ناتج عن ضيق أفق وسطحية بل أمية قاتلة.
إن حقائق التاريخ أثبتت استحالة تمتع اليمن بالاستقرار في حالة التجزئة وتعدد الدويلات، وإنها تبقى في حالة حروب مستمرة، وذلك ليس مخالفا للسنن وطبائع الأشياء وقوانينها، التي تقول إن تعدد الدول يعني تعدد مصالح وصراع إرادات ولا يجتمع سيفان في غمد، ولا يمكن لجسد واحد أن يكون له رأسين، ومن ثم فوجود كيانين أو أكثر في منطقة صغيرة –نسبيا- اسمها اليمن، يعني الصراع والتآمر وتصدير الإخلال بالأمن وعدم الاستقرار، واعتبار كل منهما الآخر هو العدو.
2- إن اليمن تتمتع بعناصر قوة على قدر كبير في التنوع ولا يكون عناصر القوة مكتملة إلا بوحدتها. والتجزئة والتشطير، تشتيت لعناصر القوة، ومن ثم ضعف الكيانات.
3- إن الزعم بأن قيام كيان في الجنوب سيكون متمتعا بالرخاء، لأنه قليل السكان واسع المساحة هو قول مخالف لعلم الاجتماع الذي وصل بعد دراسات متراكمة إلى اعتبار العنصر البشري أهم عناصر القوة، بمعنى آخر الدولة التي سكانها 30 مليون مثلا فيها فرص لتشكيل قوة عسكرية هائلة، وفرص لظهور علماء وعباقرة وصناع التقدم والنهوض، في حين دولة سكانها 3 ملايين تكون بحاجة إلى استيراد عمالة، وتصبح مشكلة كما هو الحال في الخليج المرشحة لأن تكون سنغافورة، أي انفصالهم وتغلب الجاليات عليهم، وما يستفيد بلد من جاليات أجنبية لها مخاطر سياسية واجتماعية وسكانية.
4- إن التشطير والتجزئة لا يسمح كما أسلفنا بالاستقرار لأي جزء، ومن ثم فإن الأحلام بالطمأنينة والاستقرار والرخاء إنما هي أوهام.
مستقبل مظلم
إن العودة إلى التشطير سيحول اليمن إلى طوفان، إن المحافظات الجنوبية لن تعود كيانا واحدا وإذا عادت كيانا واحدا فلن يستمر، وذلك لأسباب أهمها:
وجود صراع محموم بين ثلاث مناطق أبين وشبوة من جهة ولحج والضالع من جهة أخرى إضافة إلى حضرموت والابتعاد عن الطرفين السابقين، فالعودة إلى التشطير إنما هو إحياء للأحقاد والضغائن التي تلت أحداث يناير 1986م، وما كانت تلك الأحداث إلا تعبير عن عمق التناقض التي عجزت إيديولوجية الحزب الاشتراكي الأممية عن التغلب عليها، ومن ثم فإن المتوقع هو حدوث صراع وحروب وثورات على مستوى الشطر الواحد، والوقوع في متاهات ودورات في الحروب لا تنتهي، خاصة أنه لم يحدث تغيير حقيقي على مستوى الفكر والسلوك، أي لو افترضنا أن عبدربه منصور هادي سيكون رئيسا لكيان الجنوب فإنه سيأتي من تيار الزمرة إنه في صف المنهزمين في 13 يناير وأنه من أبين وهو منطلق في هذا المنطلق فتكون النتائج بالضرورة صراع مرير وإقصاء وظلم ولا يسمح بقيام دولة مقنعة.
إن الشمال سيكون مسرحا لحروب واسعة بين الحوثيين والرافضين لمشروعهم الطائفي وربما يتمزق إلى كيانات فضلا عن تكتلات قتالية ومناطقية، ومن ثم لن يكون هناك استقرار، وستعمل الكيانات في الشمال والجنوب معا على إشعال الحرائق كل عند الآخر.
حلول
لا تزال هناك فرص متاحة للمحافظة على وحدة الدولة اليمنية، والحيلولة دون السقوط.
صحيح أن كل يوم يمر تضيق الفرص وتزداد المخاطر، لكن الفرص بحاجة إلى الاستفادة منها وتوظيفها إلى أقصى حد.
إن الفرصة الأخيرة تتمثل في مواقف دولية معلنة على الأقل مع وحدة الدولة اليمنية، وهي تخشى من فوضى ستؤدي بالضرورة إلى الإخلال بالأمن والسلم الدوليين بالنظر إلى موقع الجمهورية اليمنية.
الحديث عن زيارة لرئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي للجمهورية اليمنية هو تعبير عن التضامن مع واحد من أعضاء الأمم المتحدة وذلك يتطلب من اللقاء المشترك الإعداد الجيد لمخاطبة رئيس وأعضاء مجلس الأمن.
عقد مؤتمرات عامة وانتخاب قيادات جديدة
إن أحزاب اللقاء المشترك مطالبة بالإعداد لعقد مؤتمرات عامة، لفرز قيادات جديدة.
إن القيادات الحالية أشبه بمواقع لم يتم تحديثها ومن ثم فإن أداءها وتفكيرها وخياراتها قديمة.
إن بروز قيادات جديدة ستكون غير مقيدة بإرث وتركة النظام السابق، ثم إنها ستكون أكثر ديناميكية في التعامل مع الرئيس والمؤتمر الشعبي والقوى الخارجية، وبجملة واحدة ما لم يحدث تغيير على مستوى قيادات الإصلاح والاشتراكي والناصريين، فإن فرص بقاء الجمهورية اليمنية أقل إن لم تكن منعدمة.
حلول وسط
إنه وبديلا عن الحالة الراهنة الدولة البسيطة والموحدة وبدلا عما يسعى إليه خصوم الجمهورية اليمنية من تمزيق إلى كيانات، فإن الحل هو التحول إلى الدولة المركبة الدولة الاتحادية المعروف بالفيدرالية، وبدلا في أربعة أو خمسة كيانات ممزقة يمكن تقسيم البلد إلى خمس ولايات وخمس حكومات محلية، وحكومة اتحادية، وقيام أربع أو خمس ولايات هو الحل الوحيد الذي يلبي تطلعات الشعب، ويحافظ على كيان الدولة اليمنية، ويستفيد من الاتحاد وكونه من أهم عناصر القوة، ونستفيد من التنوع الذي هو أيضا عنصر قوة، ووقوع تنافس إيجابي مشروع، أما ما يطرح من اتحاد ثنائي فإنه انفصال بالضرورة ولن يكون مفيدا بأي حال.
إن الحكومة المحلية توجد فيها كل الوزارات باستثناء الخارجية والدفاع، ومن ثم فإن بإمكانها توظيف الثروة، وسيكون عليها دفع ضرائب للحكومة الاتحادية، وفي الوقت نفسه تعمل الحكومة الاتحادية على جبر النقص لدى حكومة محلية ما.
إن المطلوب من رئيس الجمهورية أن يستشعر المسئولية من موقعه، وأن مسئوليته المحافظة على وحدة الدولة اليمنية، وليس تلبية التطلعات الانفصالية، وأن من مسئوليته تنبيه الوزراء سواء كانوا محسوبين عليه أم لا، بأنهم لا يحق لهم أبدا الحديث عن الانفصال والتجزئة أو الترويج لها، وإنهم حكومة الجمهورية اليمنية، وليس من المعقول أن يتحدثوا ضدها فذلك خروج سافر على الدستور والنظام والقانون.
وأن يعملوا اعتبارا لليمين الدستورية، وليستفيدوا من نظرائهم في الدول الأخرى.
وختاما..
لا تئدوا الجمهورية اليمنية، فإنكم ستسألون غدا بين يدي الله تعالى، فضلا عن أن الشعب وأجياله القادمة سيلعنكم إن تئدوا كائنا حيا بهذا الحجم.
يقول الله تعالى "وإذا المؤودة سئلت* بأي ذنب قتلت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.